إن صلاح االله لا يعبر عنه ومحبته للجنس البشري لا تقاس. إنها تفوق كل تعبيـر ومثـال “كـلام االله الذي يفوق كل إدراك” (فيلبي 4: 7). إن هذا ينطبق تماماً على الوحدة بالمسيح التي تـسود وتـسيطر على كل وحدة أخرى. ولا يمكن لأي مثل من أمثلة الوحدة البشرية أن يوضح ويعبر التعبير الحقيقـي عن سمو الوحدة بالمسيح. لذلك يكثر الكتاب المقدس من الأمثلة لتقريب هـذا إلـى مـدراك البـشر ولإيضاح طبيعة هذه الوحدة المستيكية (السرية). فمثال واحد لا يكفي لإيضاح هذا الربـاط الروحـي لذلك يتكلم الكتاب المقدس عن علاقة البيت بساكنيه وعن الرباط الوثيـق بـين الكرمـة والأغـصان ويعطي الزواج مثالاً، ويبرز الرباط العضوي بين الرأس وأعضاء الجسد. وبـالرغم مـن كـل هـذا فالأمثلة مجتمعة ومنفردة لا يمكنها أن تعطينا صورة واضحة عن كمال وتمام هذه الوحدة السرية بـين المؤمن والمسيح.
نتكلم غالباً عن المحبة التي تربط بين صديقين ولكن أين هو وجه المقارنة بين محبة الصديق بعمقهـا وصدقها وبين محبة المسيح؟! الزواج يفرض مسبقاً رباطاً روحياً، وحـدة عظمـى. الـرأس يـرتبط ويتعامل في تناسق مع أعضاء الجسد. لكن الصورتين تساعدان قليلاً جداً علـى إدراك وحـدتنا مـع المسيح لأن الزواج لا يربط الشخصين إلى حد يجعل الواحد أن يكون في الآخر الشيء الذي يحـصل بين المؤمن والمسيح كأعضاء حية في كنيسته. لهذا السبب بالذات يريد الرسول بولس، عندما يكتـب عن الزواج قائلاً: “إن هذا السر لعظيم” ويضيف حالاً “وأعني به سر المسيح والكنيـسة” (أفـسس 5: 32)، يريد أن يبين أن المقصود بالزواج هو زواج المسيح الروحي، الوحدة مـع المـؤمنين. وفيمـا يتعلق بالأعضاء، لا شك أنها مرتبطة بالرأس وهذه الوحدة هي من المتطلبات اللازمة للحياة. أتنفـصم هذه الوحدة؟ إن الأعضاء تموت. وهنا العجب: إن أعضاء المسيح أكثر التصاقاً بالمسيح منها بـالرأس والبرهان الشهداء الأبرار الذين كانوا يقبلون أن يضحوا أنفسهم مبتهجين. كانوا يضحون بالرأس مـن أجل المسيح، من أجل الوحدة معه، وكانوا يقبلون بتوتر الأعضاء والجلد والموت من أجل هذه الغاية. فختم هؤلاء أفواههم بقداسة الوحدة ومن أجلها فماتوا لا يتكلمون ولا ينطقون حتى بكلمة يـشتم منهـا رائحة التذمر وإن سطحياً.
سأقول شيئاً آخر عجباً واستغراباً. أيوجد ما هو أعظم من الوحدة التي يشعر بها الإنسان في أعماقـه؟ هذه الوحدة هي في المرتبة الدنيا إذا قيست بالوحدة السرية القائمة بين المسيح والروح. لأن المـسيحي المؤمن يرتبط ويلتصق بالمسيح ارتباطاً أوثق مما بكيانه الذاتي. إنه يضع محبة المسيح فـوق محبتـه الخاصة والرسول بولس شاهد على ذلك: “لقد وددت لو كنت أنا نفسي ملعوناً ومنفصلاً عـن المـسيح في سبيل إخوتي بني قومي من النسب” (رومية :9 3) لكي يخلص اليهود فيتمجد اسم الـرب أكثـر. كانت روحه تشتاق أن تهلك من أجل المسيح. فإذا كانت محبة الإنسان للمسيح إلى هذا الحد عظيمـة أفمن الممكن أن يدرك المرء علو محبة المسيح للإنسان وعمقها؟ من نفوس الخطأة التـائبين ينـسكب العرفان بالجميل الله ومثال بولس دليل على ذلك. ماذا يقول المرء عن غنى الصلاح الإلهـي؟ عجيبـة إذاً وفائقة الطبيعة المحبة التي توحد الإنسان باالله وطبيعي أن تكون الوحدة التي هي ثمرة هذه المحبـة قوية وعظيمة فلا يستطيع العقل البشري أن يدركها.