تحية الفصح

تحية الفصح (“المسيح قام”) هي السلام يبادر المؤمن به أخاه المؤمن في كل مرة يلتقيان، وذلك مدة أربعين يوما، أي منذ يوم الفصح وإلى وداعه.

والواقع أن هذه التحية – وجوابها (“حقا قام”) – ليست، في جوهرها، بديلا من التحية (صباح الخير، مساء الخير…) التي يتبادلها الناس في الأيام العادية، والتي تقول بها الشعوب كافة وتفترضها آداب المجتمعات، وإنما هي وصية المسيح الحيّ الذي طلب من الكنيسة أن تشهد لغلبته على الموت عدو الإنسان الوحيد (يروى عن القديس سيرافيم ساروفسكي إنه كان يحيي المؤمنين بعبارة: “المسيح قام، يا فرحي”، كل أيام السنة). هي إذا بشارة. وما أحلاها تحية تعبّر عن الفرح الذي غيّر مجرى التاريخ، الفرح الذي يُكشف للعلن ولا “يُسكَت عنه” (أعمال الرسل 4: 20).

يتوافق الإنجيليون الأربعة على أن المسيح الناهض من الموت بمجد عظيم دعا تلاميذه إلى نقل هذا الخبر السارّ (قيامته) إلى العالم أجمع. يقول متى إن ملاك الرب طلب إلى “مريم المجدلية ومريم الأخرى” اللتين جاءتا “تنظران القبر” أن تسرعا في الذهاب إلى التلاميذ لتقولا لهم: “إنه (يسوع) قد قام من بين الأموات” (28: 1 – 8؛ قارن مع مرقس 16: 1 – 8؛ لوقا 24: 1 – 10 ويوحنا 20: 1 18)، ثم بين (متى) أن يسوع ظهر لتلاميذه في الجليل، وأوصاهم قائلا: “اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم…” (16 – 20). وهذا عينه يقول به الإنجيليون الآخرون، إذ نقرأ في مرقس أن يسوع قال لتلاميذه: “اذهبوا في العالم كله وأعلنوا البشارة إلى الخَلْق أجمعين…” (16: 15 – 18). ويورد لوقا أن الرب اجتمع إلى تلاميذه بعد قيامته وذكّرهم بكل ما قال لهم وهو معهم (“إنه يجب أن يتم كل ما كُتب في شأني….”)، وفتح “أذهانهم ليفهموا الكتب”، وهو “أن المسيح يتألم ويقوم من بين الأموات في اليوم الثالث…”، ويختم الخبر بتكليف يسوع تلاميذه بالشهادة لقيامته (24: 44 – 48). ويتوج الإنجيلي الرابع (يوحنا) خبر ظهور الرب القائم للتلاميذ بالتكليف عينه الذي أورده الإنجيليون الذين سبقوه (20: 21).

ونرى أن هذا التكليف قام به التلاميذ خير قيام، فالقيامة التي تفترض الشهادة كانت هي موضوع الشهادة. تملأ صفحات كتاب أعمال الرسل (ورسائل العهد الجديد) أخبار الكنيسة الناشئة التي اصطادت العالم بخبر القيامة، ويبدو للقارئ بعمق أن القيامة وما تفترضه من توبة وتجدد هي وحدها البشارة (اقرأ: أعمال 1: 22، 2: 22 – 32، 3: 13 – 15، 4: 1 – 2 و8 – 10، 5: 29 – 32، 10: 24 – 43، 13: 26 – 31، 17: 1 – 3 و31 26: 22 و 23….).

إن قيامة الرب من بين الأموات هي موضوع إيمان الكنيسة الأساس وسرّ حياتها اليومية. ولذلك كان واجبها – ويبقى – أن تشهد، في وقت مقبول وغير مقبول، بأن قد تمّت الكتب في مجيء المسيح الذي كمّل تدبير أبيه بموته وقيامته. وهذا الأمر يخص كل إنسان مات، في معموديته، مع المسيح وقام معه. إذ لا يمكن أن يكون المسيحي الحق حياديا أمام هذا الحدث الحاسم، فالقيامة التي تطلب انخراطا واعيا في جماعة الله في التاريخ هي تاليا تفترض أن يشهد المؤمنون لهذه الغلبة بالقول والحياة.

تحية الفصح تأتي من هذا الوعي، مَن يقول لآخر بأن “المسيح قام”، هو، بالحقيقة، يدرج ذاته في صف الرسل والكنيسة الشاهدة. ذلك أن القيامة ليست عيدا نتلقاه في روزنامة أو نتمّه في يوم محدد، إنها “عيد الأعياد وموسم المواسم”، بمعنى أنها الحدث الذي فرض ذاته في طقوس موزعة في كل أحد وموسم ليذوق عمقها المؤمنون ويتمرسوا بها على الشهادة والحب والإخلاص لمن “أخذ أسقامنا” ومات عنا. المسيحية ديانة الحب الشاهد أو ليس من مسيحية. يقول بولس إلى مؤمني كورنثوس:”إن كان المسيح لم يَقُمْ فتبشيرنا باطل وإيمانكم أيضا باطل” (1 كورنثوس15: 14). والكنيسة، بهذا المعنى، “رسولية” –وهذه إحدى صفاتها الأربع في دستور الإيمان: كنيسة واحدة، جامعة، مقدسة ورسولية – وهذا معناه بآن أنها تأتي من إيمان الذين سبقوها وأنها صاحبة رسالة في العالم (وهي مكلفة بأن تحمل، في كل زمان ومكان، خبر قيامة المسيح الحي إلى الناس جميعا).

والشهادة، في عمقها ومداها، لا تقتصر على الكلام وحسب، وذلك أنها تظهر وتقوم في حياة المؤمنين والتزامهم. من يأتي إلى الكنيسة يوم العيد ويغيب عنها كل السنة يتوهم أنه فهم سر المسيح الحي أو أنه عيَّد للفصح، ومن يخاف من الموت لا يؤمن بالقيامة، ومن يرتاح إلى خطاياه ولا يحس بآلامها لا يمكنه أن يرى المسيح القائم أو “يسجد للرب القدوس يسوع البريء من الخطأ وحده…” ،وذلك إن لم يغيِّر موقفه المميت ويصالح الكنيسة، ويبطل المكسور فيه ويطلب من الله، بدموع حارة، أن يشفيه من كل تغرُّب وخيانة.

إن قلنا “المسيح قام”، أو أجبنا”حقا قام”، فلنذكر دائما أن عمق هذه التحية يفترض انغراساً في الكنيسة الشاهدة وحبا للمسيح الذي نَقَلَنا بقيامته” من الموت إلى الحياة ومن الأرض إلى السماء”، حبا هو، بحقيقته، نبع للفرح الذي لا ينقطع.

عن نشرة رعيتي
الأحد 9 أيار 1999

arArabic
انتقل إلى أعلى