الأيقونة التي أمامنا تقدّم لنا الحدث الإنجيلي بوضوح وبساطة بالعين. تنقل الحدث بالاشكال والالوان المتناسقة كما نظم القديس رومانوس المرنم ترتيلة العيد، فأتت ملخَّصا بليغا للحدث شعراً وموسيقى: “اليوم البتول تأتي الى المغارة لتلد الفائق الجوهر…”.
تجمع الأيقونة أحداثا مختلفة: ولادة يسوع، بشارة الرعاة، زيارة المجوس، غسل الطفل وغيرها، ولا يقل عدد الأشخاص فيها عن 15. مع ذلك تصل الى الكمال من حيث تناسق الألوان والأشكال وتَتابُع المشاهد وارتباط بعضها ببعض. تتميّز الأيقونة بالحركة، كل الأشخاص يتحرّكون، يعملون شيئا، يقولون شيئا، يوسف على اليسار الذي يبدو ساكنا تتحرك في داخله افكار مضطربة. الهدوء في وسط الأيقونة: يسوع في المذود وامه ساكنان لأن به أتى السلام الحقيقي الى العالم.
في أعلى الأيقونة ينزل النور المثلث الأشعة من دائرة (او مثلث) الألوهة ويشكل النجم الذي يشير الى الطفل المولود. الميلاد عيد النور، المسيح شمس العدل. نجد الشعاع نفسه على أيقونة الظهور الإلهي ولا عجب في ذلك. فالعيدان عيد واحد، عيد ظهور النورِ المسيحِ إلهنا. كان اشعياء النبي يشتهي حضور الرب الينا لما قال “ليتك تشقّ السموات وتنزل” (64: 1). استجاب الله دعاءه بولادة المسيح من العذراء مريم بالروح القدس. قال القديس غريغوريوس اللأهوتي ان الميلاد عيد الخلق الجديد (إعادة الخلق) فكيف لا تبتهج الخليقة كلها بفرح كما نرتل “افرحي ايتها المسكونة اذا سمعتِ ومجِّدي مع الملائكة والرعاة الذي سيظهر بمشيئته طفلا جديدا وهو الهنا قبل الدهور”.
نرى الطفل ملفوفا بالأقمطة موضوعا في المذود. وقد قصد الرسامون ان تشبه الأقمطةُ الأكفانَ في أيقونة القبر الفارغ التي تدل على قيامة المسيح. حدث التجسد هو حدث الخلاص الذي تم على الصليب. لا تذكر الأناجيل المغارة، التقليد وضع الميلاد في المغارة في وسط ظلام الخطيئةِ والموتِ تعبيرا عن انتصار المسيح على الموت. هو الذي أحنى السموات فصارت البتول عرشا، ونحن الخطأة قد صولحنا بواسطتها مع الله كما نرتل في سحرية العيد: “لقد افتقدَنا مخلصُنا من العلى، من مشرق المشارق، فنحن الذين في الظلمة والظلال قد وجدنا الحق لأن الرب قد وُلد من البتول”. التركيز في الإنجيل والطقوس والاىقونة على خلاص البشر بمجيء المسيح، ولا تتوقف الكنيسة عند ظهوره وجوده طفلا، فنحن نرتل مبشرين بالخبر العظيم: “قد وُلد لنا طفل جديد، الاله الذي قبل الدهور”.
نرى مريم البتول مستلقية خارج المغارة ترتدي الارجوان الملوكي وهي، في اكثر الايقونات، لا تنظر الى ابنها الطفل المولود لكن نظرها غارق في تأمل انجيل الخلاص. هي التي كانت “تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها” (لوقا 2: 19). هي موجودة كوالدة الإله ولكنها موجودة بحد ذاتها لأنها بقبولها بشارة الملاك جعلت التجسد الإلهي ممكنا. هي حواء الجديدة، ام كل البشر، وهي تمثل الكنيسة في عديد من الأيقونات. بها وصل رجاء الشعب اليهودي الى ذروته فاختصرت الانتظار الطويل. بها تحققت النبوءات إذ وَلَدَتْ وبقيت بتولا لأنها “ولدت ابنا متجسدا بغير أب هو المولود من الآب قبل الدهور بغير ام”. ولدت بخلاف نظام الطبيعة اذ بقيت بتولا، تُرسم والدة الاله مع نجمة على رأسها ونجمة على كتفها الايمن والايسر للدلالة على انها بتول قبل الولادة واثناءها وبعدها. مريم تمثلنا اذ انها اعظم تقدمة قدَّمها الانسان الى الله كما نرتل مساء العيد: “ماذا نقدم لك ايها المسيح لأنك ظهرت على الأرض كإنسان لأجلنا؟ فكل فردٍ من المخلوقات التي ابتدعتها يقدم لك شكرا: فالملائكةُ التسبيحَ والسماواتُ الكوكبَ والمجوسُ الهدايا والرعاةُ التعجبَ والارضُ المغارةَ والقفرُ المذودَ واما نحن فأُماً بتولاً…”.
في اسفل الأيقونة نرى يوسف غارقاً في تأمل عميق. هو دائماً بعيد عن الطفل وامّه لأنه ليس والد الطفل. يندهش يوسف ويتحيّر امام هذه الولادة التي تفوق الطبيعة، والشيطان يوسوس له بالشك فيضطرب ويشك بمريم لكنه لما أيقن من ملاك الرب ان هذا عمل الروح القدس من اجل خلاص البشر آمن بيسوع واعتنى به (متى 1 :18-23).
وجود الحمار والثور على أيقونات الميلاد يعيدنا ايضا الى النبي اشعياء: “الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه. اما اسرائيل فلا يعرف. شعبي لا يفهم” (اشعياء 1: 3). هناك شروحات كثيرة تفسر الثور ذبيحة التقدمة والحمار الذي حمل الملك داخلا الى اورشليم كإشارات الى ان يسوع هو المسيح المُنتظَر. هو الذي قال عنه النبي اشعياء: “يأكل زبدا وعسلا. قبل ان يعرف الصبيّ الخيرَ او الشرَّ يرذل الشر ليختار الخير” (7: 15).
الرعاة يرعون الخراف وينظرون الى الملاك. هم الذين نقلوا البشارة. ولا بد ان يذكّرنا هذا بالمسيح الراعي، ويلقي ضوءا على كلام السيد الراعي الصالح الذي يعرف الخراف بأسمائها ويدعوها خارجا ويعطيها الحياة.
ايضا في أسفل الايقونة هناك المرأة التي تغسل يسوع للدلالة على حقيقة تجسد السيد، وذلك دحضا للهرطقات التي كانت تنفي تجسُّد المسيح. ايضا هناك الشجرة التي فيها غصن نضر خرج من جذعٍ يابس كما نرتل: “لقد خرج قضيبٌ من جذعِ يسى ومنه قد نبتَّ زهرةً” (إشعياء 11: 1-2).
نرى المجوس يمتطون خيولا تنبض حركاتها بالحياة والسرعة وتحمل “الساجدين للكواكب … المتقدمين اليك كباكورة الأمم”يحملون الهدايا وينظرون الى النجم الذي ظهر لهم في المشرق وقادهم الى بيت لحم. وهم الذين “تعلّموا من الكوكبِ السجودَ لك يا شمس العدل”.
نرى الملائكة في أعلى الأيقونة بملابس حمراء مذهبة تعكس مجد الألوهة، على اليسار أعينهم شاخصة الى فوق وأيديهم مرفوعة الى العلاء يقدمون لله التسبيح الذي لا يتوقف. اما الملاك الذي على اليمين فينحني نحو الراعي مبشرا. يظهر هنا دور الملائكة المزدوج: خدمة البشر، والتسبيح الذي لا ينقطع.
بعد هذا التأمل بالأيقونة في جو فرح العيد لنرتل مبشرين بالخلاص لكل الشعوب: “المسيح وُلِدَ فمجدوه، المسيح اتى من السموات فاستقبلوه، المسيح على الأرض فارتفعوا. رتلي للرب ايتها الأرض كلها، ويا شعوب سبحوه بابتهاج لأنه قد تمجّد”.
نقلاً عن نشرة رعيتي 1996