الجوهر والطبيعة كلاهما بكاملهما في الأقانيم: إن المشترك والشامل يعمّم الجزئيات الخاضعة له. ومن ثم فإن الجوهر شيء مشترك لكونه نوعاً، أما الأقنوم فهو جزئي. وهو جزئي لا لأنه جزء من الطبيعة، بل لأنه جزء بالعدّ وهو فرد فيقال إن الأقانيم متباينة بعددها لا بطبيعتها. ويشتمل الجوهر على الأقنوم لأم الجوهر كامل في كلّ من الأقانيم المتساويين في النوع. لذلك فالأشخاص لا يتباين بعضهم عن بعض في جوهرهم، بل في أعراضهم التي هي ميزاتهم الشخصية، ميزات الشخص لا الطبيعة. وتحديد الشخص جوهر مع أعراضه. حتى أنّ للشخص ما هو عام مع ما يخصصه وأنه يوجد في ذاته. أما الجوهر فهو لا يقوم بذاته بل يشاهد في الأشخاص. إذاً إذا تألم أحد الأشخاص يكون الجوهر كلّه متألماً. وإن ذاك الذي يكون متألماً في أحد أشخاصه. ولكن ليس ضرورياً من ثمّ أن يتألم أيضاً جميع الأشخاص المساوين في النوعية للشخص المتألم.
في المسيح يتّحد اللاهوت كله في الناسوت كله. والطبيعة البشرية المتخذة هي على مثال تلك المجبولة أولاً: وعليه نعترف بأنّ طبيعة اللاهوت موجودة كلّها بأكملها في كلّ من أقانيمه، كلّها في الآب وكلّها في الابن وكلّها في الروح القدس. لذلك فإن الآب إله كامل والابن إله كامل والروح القدس إله كامل. وهكذا نقول أيضاً إن في تأنس أحد الثالوث الأقدس كلمة الله، تتحد طل طبيعة اللاهوت الكاملة في أحد أقانيمها بكل الطبيعة البشرية. وليس جزء بجزء. ويقول الرسول الإلهي: “فيه يحلُّ كل ملءِ اللاهوت جسدياً” (كولوسي2: 9) أي في جسده. ويقول ديونيسيوس تلميذه اللابس الله والجزيل المعرفة بالإلهيات: “لقد شاركنا مشاركة كلّية في أحد أقانيمه”. وليس من ضرورة إلى القول بأن جميع الأقانيم -أي الثلاثة- قد اتحدوا بجميع أشخاص البشرية بحسب الأقنوم، أما الآب والروح القدس فلم يشتركا بأي معنى كان في تجسّد كلمة الله سوى بمسرّتهما ورضاهما.
ونقول إنّ جوهر اللاهوت كلَّه قد اتحد بطبيعة الناسوت كلّها، ولم يستثنِ الله الكلمة شيئاً ممّا غرسه في طبيعتنا لمّا جبلنا في البدء، بل اتخذ الكلّ: جسداً ونفساً عاقلةً وناطقةً وكل ميزاتهما. فإن في انتقاص أحدهما حصولاً على حيوان لا إنسان. فإن كلّه قد اتخذني كلّي، وكلّه قد اتحد بي كلّي، كي يُنعِم بالخلاص على الكلّ، لأن لا شفاء لما لم يُتَّخذ.
للعقل الرئاسة في الإنسان: إذاً لقد اتّحد كلمة الله بجسد، بواسطة العقل الذي هو وسط بين صفاء الله وكثافة الجسد، لأن للعقل قيادة النفس والجسد. وصفوة النفس العقل وصفوة العقل الله. وعندما يخضع عقل المسيح للأفضل يُعلن بذلك عن رئاسته الخاصة فينغلب للأفضل ويتبعه ويعمل بما تريد المشيئة الإلهية.
وقد صار عقله في أقنومه، محلَّ اتحاد لاهوته به. ومن الواضح أنّ جسده أيضاً كذلك. ولم تصر مساكنة، كما يضلّ تفكير الهراطقة الخبيث بقولهم: إنّ المُدَّ لا يتَّسع لمدّين، معبِّرين بذلك تعبيراً جسدياً عما هو منزَّه عن المادة. ومن ثم كيف يُقال بأن المسح إله كامل وإنسان كامل، وإنه مساوٍ للآب ولنا في الجوهر، إذا اتّحد فيه جزءٌ من طبيعته الإلهية بجزء من طبيعته البشرية؟
الطبيعة البشرية في المسيح خاصة، لا عامة: ونقول إن طبيعتنا قد أُقيمت من بين الأموات وأُصعدت وجلست عن ميامن الآب، لا من حيث إنَّ جميع البشر قد جلسوا عن ميامن الآب، بل من حيث إنّ كل طبيعتنا قد جلست في أقنوم المسيح. ويقول الرسول الإلهي: “وأقامنا معه وأجلسنا معه في المسيح” (أفسس2: 6).
كيف لم تتألم طبيعة كلمة الله الواحدة المتجسد: ونقول هذا: إنّ الإتحاد قد صار من جوهرين عامّين. فإن كل جوهر يكون عامّاً للأشخاص الذين يشملهم. ولا يمكن إيجاد طبيعة أو جوهر جزئي وخاص، لئلا نضطر إلى القول بأنّ الأشخاص أنفسهم متساوون وغير متساوين معاً في الجوهر، وإلى القول أيضاً بأنّ الثالوث الأقدس -بالنسبة إلى لاهوته- متساوٍ وغير متساوٍ في الجوهر. لذلك نشاهد الطبيعة نفسها في كل أشخاصها. وعندما نقول مع أثناسيوس وكيرلس المغبوطَين إن طبيعة الكلمة تجسّدت، نعني أن اللاهوت يتحد بجسد. لذلك لا نستطيع القول بأن طبيعة الكلمة تألمت. فإن اللاهوت فيه لا يتألم. ولكن نقول بأن المسيح قد تألم في الطبيعة البشرية، حتى عندما نلفظ طبيعة الكلمة نعني الكلمة نفسه. والكلمة حاصل على ما هو عام في الجوهر وعلى ما هو خاص في الأقنوم.