53 – المسيح الذي هو كلمة الله والذي كان عند الله، كان مزمعاً أن يتجسد، ويصير إنساناً ويخضع لظروف الولادة البشرية، وأن يُولد من عذراء وأن يحيا وسط الناس(27)، وقد دبّر أبو الكل تجسده. إذ تنبأ إشعياء قائلاً: ” ويعطيكم السيد نفسه آية. ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل، زبداً وعسلاً يأكل متى عرف أن يرفض الشر ويختار الخير”(28). وهو يؤكد أنه سيُولد من عذراء، لأن قوله “يأكل” يشير إلى أنه سوف يكون إنساناً حقيقياً، وأيضاً بأنه سوف يأتي طفلاً(29) ويُعطى له اسم لأن هذه هي العادة بالنسبة للأطفال. وسيحمل اسماً مزدوجاً، “فالمسيا” في اللغة العبرية معناها المسيح، أما “يسوع” فمعناها المخلّص، والاثنان يُستخدمان في التعبير عن الأعمال التي سوف يتممها. لقد دُعي مسيحاً؛ لأن الآب مسح (قدَّس) به الكل ولأنه في تأنسه قد مَسحه روح الله أبيه، كما يقول هو نفسه في موضع آخر على فم إشعياء ” روح الرب عليَّ لأنه مَسحني لأبشر المساكين”(30). وقد دُعي مخلّص لأنه سبب خلاص لأولئك الذين حرَّرهم هو نفسه في تلك الأزمنة من كل أنواع الأمراض ومن الموت، كما أنه هو مُعطِى الخيرات العتيدة والخلاص الأبدي لأولئك الذين آمنوا به بعد ذلك.
54 – إذن فلأجل هذا دُعي مخلّص. أما بالنسبة لكلمة عمانوئيل فهي تعني: الله معنا، وإذا قيلت من النبي فهي تأتي في صيغة التمني أي: فليكن الله معنا! وفي هذه الحالة تكون شرحاً وإعلاناً للوعد الإلهي ” ها العذراء تحبل وتلد ابناً”، ولأنه هو الله فسيكون الله معنا. وأمام هذا الحدث يتنبأ النبي بدهشة كاملة، بأن الله سيكون معنا. ويشير النبي نفسه في مكان آخر إلى الميلاد بقوله: ” قبل أن يأخذها الطلق ولدت، قبل أن يأتي عليها المخاض ولدت ذكراً”(31). وبهذه الطريقة، فهو يشير إلى الولادة العجيبة الفائقة الوصف من العذراء.
” يُولد لنا ولد”:
نفس النبي يقول أيضاً: ” لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابناً ويُدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً”(32).
55 – فهو يدعوه ” عجيباً مشيراً” للآب، لأنه بمشورته وبه خلق الآب كل شيء، كما هو مكتوب في سفر موسى الذي يُدعى التكوين: ” نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا”(33). هنا يبدو أن الآب يتحدث مع الابن الذي هو ” المشير العجيب” للآب(34). لكن في نفس الوقت هو مشيرنا الخاص لأنه يظل معنا، ينصحنا بدون أن يجبرنا(35) بسلطانه (كإله)، بالرغم من أنه “إله قدير”. فهو ينصحنا بأن نتخلى عن ظلام الجهل ونقبل نور المعرفة، وأن نبتعد عن الضلال ونأتي إلى الحق، وأن نطرح الفساد ونكتسب عدم الفساد(36).
56 – ويقول إشعياء أيضاً: ” لأن كل سلاح المُتسلح في الوغى وكل رداء مُدحرج في الدماء يكون للحريق مأكلاً للنار. لأنه يولد لنا ولد ونُعطى ابناً وتكون الرياسة على كتفه ويُدعى اسماً عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام. لنمو رئاسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن إلى الأبد”(37). من هذه الأقوال يتضح أن ابن الله سوف يُولد (كإنسان) وسوف يُدعى ملكاً أبدياً. أما تعبير “يكون للحريق مأكلاً للنار” فيشير إلى أولئك الذين لم يؤمنوا به وفعلوا ضده ما فعلوه. هؤلاء سوف يصرخون في يوم الدينونة: ” كان الأفضل لنا أن نكون مأكلاً للنار قبل ميلاد ابن الله، عن أن نكون غير مؤمنين به”، لأنه يوجد رجاء للذين ماتوا قبل مجيء المسيح أن ينالوا الخلاص وذلك بعد قيامتهم أي في الدينونة. وينطبق ذلك على الذين كانوا يخافون الله وقد ماتوا في البر وكان عندهم روح الله في داخلهم مثل البطاركة والأنبياء والأبرار. أما أولئك الذين لم يؤمنوا بالمسيح بعد مجيئه فإن عقابهم في يوم الدينونة سيكون بلا رحمة.
أن تعبير ” وتكون الرياسة على كتفه” يشير رمزياً إلى الصليب الذي سُمِرت عليه يداه. فالصليب الذي كان له عاراً وبسببه كان عاراً لنا أيضاً، هذا الصليب نفسه يشهد لرياسته، وهو راية مملكته. وأنه كان بالنسبة للآب هو: ” ملاك المشورة العظمى”، كما يقول النبي، وهو الذي أعلن لنا الآب.
57 – أما كون ابن الله سوف يُولد والطريقة التي بها سوف يُولد وعن ظهوره كمسيح، فهذا ما تحدث عنه الأنبياء الذين تنبأوا عنه، فأخبروا عن ولادته، وعن العائلة التي سيولد منها.
رئيس من يهوذا:
فموسى يتحدّث في سفر التكوين قائلاً: ” لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب. رابطاً بالكرمة جحشه وبالجفنة ابن أتانه غسل بالخمر لباسه وبدم العنب ثوبه”(38). يهوذا جد اليهود كان ابن ليعقوب، ومنه أخذ اليهود التسمية(39). ولم يحدث في أية فترة أنهم كانوا بدون رئيس أو قائد حتى مجيء المسيح(40). لكن بعد مجيء المسيح فإن رجال حرب مقتدرون احتلوا بلادهم بالسلاح، وخضعت أرض اليهود للرومان، ولم يعد لديهم كأمة رئيس ولا ملك. لأنه أتى ذاك الذي له الملكوت في السموات، ذاك الذي غسل ” في الخمر لباسه وبدم العنب ثوبه”. اللباس والثوب هما هؤلاء الذين آمنوا به والذين غسلهم، عندما خلّصنا بدمه. الذي هو “دم عنب”(41) لأنه، كما أن دم العنب لا يصير بواسطة إنسان، لكن من الله الذي صنعه وهو يُفرِّح مَنْ يشربه، بنفس الطريقة فإن جسد المسيح ودمه ليسا من صنع إنسان، بل من الله.الرب نفسه أعطى نبوة عن ميلاده العذري (نبوة إشعياء 11:7-14)، أي أن هذا هو الذي وُلد من العذراء، عمانوئيل الذي أبهج هؤلاء الذين يشربون منه، أي يأخذون روحه، وبذلك ينالون الفرح الأبدي. لذلك فهو يُمثل مشتهى الأمم، للذين يأملون فيه وينتظروا تأسيس ملكوته.
كوكب من يعقوب:
58 – ويقول موسى أيضاً: ” يبرز كوكب من يعقوب ويقوم قضيب من إسرائيل”(42). هذا يعلن بوضوح أن تدبير ميلاده بحسب الجسد سيكون بين اليهود، وأن ذاك الذي سوف يولد من بيت يعقوب ويهوذا، سوف ينزل من السماء، هو الذي سيُتمم هذا التدبير. فقد ظهر “نجم” في السماء. و”قضيب” تعني “ملك”(43) إذ هو ملك جميع المخلَّصين. وعند ميلاده ظهر النجم للمجوس الذين جاءوا من المشرق. وبظهور النجم عرفوا أن المسيح قد وُلِد، فأتوا إلى اليهودية منقادين بواسطة هذا النجم، إلى أن وصل إلى بيت لحم، حيث وُلِد المسيح. وعندما أتوا إلى البيت حيث كان الطفل مُقمطاً، توقف النجم فوق رأسه لكي يعلن للمجوس أن هذا الطفل المولود هو المسيح ابن الله(44).
قضيب من جذع يسى:
59 – يعبّر إشعياء عن هذا قائلاً: ” ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من أصوله. ويحل عليه روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب. ولذته تكون في مخافة الرب فلا يقضى بحسب نظر عينيه ولا يحكم بحسب سمع اذنيه. بل يقضى بالعدل للمساكين ويحكم بالإنصاف لبائس الأرض ويضرب الأرض بقضيب فمه ويُميت المنافق بنفخة شفتيه. ويكون البر منطقة متنيه والأمانة منطقة حقويه. فيسكن الذئب مع الخروف. ويربض النمر مع الجدي، والعجل والشبل والمسمّن معاً ويلعب الرضيع على سرب الصل، ويمد الفطيم يده على جحر الأفعوان فلا يؤذيه… ويكون في ذلك اليوم أن أصل يسى القائم ليسود على الأمم، وعليه يكون رجاء الأمم، ويكون قيامه مجداً”(45). يتنبأ إشعياء بواسطة هذه الأقوال، إن المسيح سوف يُولد من العذراء التي هي من بيت داود وإبراهيم. لأن يسى كان من نسل إبراهيم وهو أبو داود. والعذراء التي حملت بالمسيح أتت من نفس العائلة. إذن هو المُشار إليه بـ”القضيب”. لذلك يستخدم موسى “العصا أو القضيب” لكي يصنع المعجزات أمام فرعون. والعصا في الشعوب الأخرى هي علامة السيادة. أما كونها قد أنبتت كقول إشعياء فهذا يشير إلى جسد المسيح الذي “نبت” بواسطة فعل الروح القدس كما قُلنا سابقاً.
60 – الكلمات ” فلا يقضى بحسب نظر عينيه ولا يحكم بحسب سمع أذنيه. بل يقضى بالعدل للمساكين ويحكم بالإنصاف لبائس الأرض” تُظهر بالأكثر ألوهيته. لأن برّ الله وحده هو الذي يحكم بالعدل، بدون تمييز للأشخاص وبدون محاباة للأشراف (العظماء)، ويعطى العدل للفقراء بالتساوي وبالحق وفق أوامر العلي وعدله الإلهي. لأن الله لا يخضع لأي تأثير ولا يعمل سوى عدل وحق. والرحمة هي أيضاً تليق بالله نفسه الذي في صلاحه يريد أن يقدِّم الخلاص. وتعبير ” بل يقضى بالعدل للمساكين… ويُميت المنافق بنفخة شفتيه”(46). يشير أيضاً إلى الله الذي خلق الكل بكلمة. ويقول: “ويكون البر منطقة متنيه والأمانة منطقة حقويه” فهو يشير إلى الشكل البشري للمسيح، وإلى بره الحقيقي والفائق.
عندما يملك على الجميع:
61 – كل ما يؤمن به الشيوخ (الحاملون التقليد الرسولي)(47) عن سيادة الوفاق والوحدة والسلام بين الحيوانات المعادية بعضها لبعض بحسب طبيعتها سيتحقق عند مجيء المسيح عندما يملك على الجميع. ويستخدم النبي صوراً رمزية لكي يُعلّم بأن جموع البشر من مختلف الأمم بالرغم من اختلاف عاداتهم سوف يعيشون في سلام ووفاق باسم المسيح. فقد شبّه الأبرار بالأبقار والحملان والجداء مع صغارها حيث لا أحد يؤذى الآخر، بينما الرجال والنساء في العصور السابقة قد تشبّهوا بالحيوانات المتوحشة بسبب شهواتهم، حتى أنهم مثل الذئاب والأسود يفتكون بالضعفاء ويجرّون ويشعلون بينهم معارك عنيفة. وهذا سوف يحدث بالنسبة للنساء اللاتي هن أخطر من الدروع والمركبات، إذ هنّ قادرات أن يسكبن سُماً مُميتاً على من يحبون ويميتونهم بسبب الغيرة. أما الناس المجتمعون في مكان واحد باسم الرب، سوف يكتسبون بواسطة نعمة الله سلوكاً مستقيماً وسيقتلعون من ذواتهم النزعات الوحشية الطبيعية. وهذا قد حدث بالفعل لأن كل الذين كانوا سابقاً أشراراً جداً، حتى أنهم كانوا يفعلون كل شر عندما تعلّموا عن المسيح آمنوا به تغيّروا، حتى أنهم يتممون كل بر. ما أعظم التغيير الذي يعمل في المؤمنين بواسطة الإيمان بيسوع المسيح ابن الله!. ويضيف النبي، أن المسيح عندما يقوم سوف يسود على الأمم، لذلك كان يجب أن يموت ويقوم لكي يعترف الجميع ويؤمنون بأنه هو ابن الله والملك. كذلك يقول النبي بعد ذلك: “ويكون قيامه كرامة”، أي المجد، لأنه عندما قام مُجد كإله.
خيمة داود:
62 – وأيضاً يقول نبي آخر: ” وفي ذلك اليوم أقيم خيمة داود الساقطة”(48)، أي جسد المسيح، المنحدر من داود، كما قلنا سابقاً، أن المسيح بعد موته سيقوم من الأموات، لأن الجسد يُدعى خيمة. كل شهادات الكتاب تتنبأ بأن المسيح الذي أتى من نسل داود بحسب الجسد، سيدعى ابن الله، وأنه بعد موته سوف يقوم، وأنه في الشكل سيكون إنساناً(49) ولكنه هو الله ذو القدرة، وأنه هو نفسه سوف يدين العالم كله، كما كان هو وحده صانع البر والخلاص.
بيت لحم اليهودية:
63 – وقد تنبأ النبي ميخا أن المسيح سيولد في بيت لحم اليهودية، قائلاً: ” وأنت يا بيت لحم، أرض يهوذا لست الصغرى بين رئاسات يهوذا، لأن منك يخرج مدبر يرعى شعبي إسرائيل”(50). ولأن بيت لحم هي مدينة داود، فهذا برهان على أن المسيح هو ابن داود، ليس فقط لأنه وُلد من العذراء لكن لأنه وُلد في بيت لحم، مدينة داود.
ثمرة بطن ” داود ”:
64 – وداود تنبأ بأن المسيح سوف يُولد من نسله، هكذا: ” من أجل داود عبدك لا ترد وجه مسيحك. أقسم الرب لداود بالحق لا يرجع عنه. من ثمرة بطنك أجعل على كرسيك إن حفظ بنوك عهدي وشهاداتي التي أعلّمهم إياها فبنوهم إلى الأبد يجلسون على كرسيك”(51). لكن ولا واحد من أولاد داود مَلَك مُلكاً أبدياً، ولا كانت إلى الأبد مملكتهم لأنها قد تلاشت. ولكن المسيح وحده، المنحدر من نسل داود هو الملك الأبدي. كل هذه الشواهد تُظهر مراراً وبوضوح نسل ابن داود بحسب الجسد وتظهر المكان الذي سيُولد فيه. فلا ينبغي البحث عن مجيء ابن الله بين الأمم أو في أي مكان آخر، إلاّ في بيت لحم اليهودية، ومن نسل إبراهيم وداود.
65 – ويصف إشعياء دخوله إلى أورشليم، عاصمة اليهودية ومركز رؤسائها والتي يوجد فيها هيكل الله قائلاً: ” قولوا لابنة صهيون هوذا ملكك آتِ وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان”(52) فهو قد دخل إلى أورشليم راكباً على جحش ابن أتان وفرش له الجموع ثيابهم. وقد دعا النبي أورشليم “ابنة صهيون”.
66 – إذن، فطريقة ولادة ابن الله، ومكان ولادته وأنه هو المسيح الملك الأبدي – كل هذا قد تنبأ عنه الأنبياء. كما قالوا أيضاً، إن ابن الله سوف يشفى المرضى وحقاً قد شفاهم، إنه سيكون مكروهاً ومهاناً وسيُعذب، وسيُصلب ويموت، وبالفعل صار مكروهاً ومُحتقراً وحُكِم عليه بالموت(53).
(27) انظر باروخ38:3.
(28) إش14:7-16.
(29) لقد صار المسيح طفلاً لكي يعيد للأطفال الشركة مع الله، كذلك صبياً وفتى وشاباً ورجلاً ليعيد ذلك أيضاً للصبيان والفتيان والشبان والبالغين، لذا يقول القديس إيريناوس: [ فإن المسيح كما قلنا قد وحَّدَ الإنسان مع الله… فقد كان لائقاً أن الوسيط بين الله والناس بحق قرابته الخاصة مع كل منهما، يعيد الألفة والتوافق بينهما ويقدم الإنسان إلى الله ويُظهر الله للإنسان… فإنه من أجل ذلك قد جاء مجتازاً في جميع الأعمار لكي يعيد للجميع الشركة مع الله] (AH7:18:3).
(30) إش1:61 . لو 18:4.
(31) إش7:66.
(32) إش6:9.
(33) تك26:1.
(34) صيغة الجمع في تك26:1 كحوار داخل الثالوث تشير إليها رسالة برنابا5:5، ورسالة ثيوفيلوس= =الأنطاكي إلى أوتوليكوس18:2. وكيرلس الأسكندري حوار حول الثالوث ج29:2: [ تعبيرا “لنعمل” وأيضاً “على صورتنا” يدلان على أن المتكلّم ليس شخصاً واحداً بل أكثر من واحد وأكثر من اثنين]، ويقول القديس كيرلس بوضوح في موضع آخر متسائلاً: [ فلو كان الله أقنوماً واحداً بلا تعدد وليس ثلاثة أقانيم فمَنْ الذي كان يتكلم مع مَنْ؟ ويقول له ” نخلق الإنسان على صورتنا”، ولو كان الله أقنوماً واحداً لقال: ” أخلق الإنسان على صورتى” لكن الكتاب لم يذكر ذلك، ولكن حيث إن صيغة الجمع استخدمت “صورتنا” فإنها تعلن بصوت قوى أن أقانيم الثالوث هي أكثر من واحد] شرح إنجيل يوحنا ج1، المرجع السابق، ص24.
(35) في تعليقه على قول المسيح لأورشليم: ” كم مرة أردت ان أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا” (مت17:23)، يحدثنا القديس إيرينيوس عن حرية الإنسان قائلاً: [أوضح الرب بقوله هذا الشريعة القديمة لحرية الإنسان، لأن الله منذ البدء خلق الإنسان حراً. فللإنسان سلطانه على قراره، كما أن له حياته الخاصة، حتى يتمم مقاصد الله بدون قسرٍ من الله لأن الله لا يستخدم القهر، بل هو في كل الأزمنة يريد ما هو لخير الإنسان، ولهذا فإن تدبيره صالح للكل. لقد زوّد الإنسان بسلطان الاختيار، مثلما زوّد الملائكة به، حتى أن كل من يطيع ينال الصلاح حقاً، الصلاح المُعطى من الله، والمنوط بالبشر الاحتفاظ به. فإن كان هناك حقاً (كما يدعى البعض) مَنْ هم بالطبيعة أشرار ومَنْ هم بالطبيعة أخيار، فلا يكون الأخيار جديرين بالمدح على فعلهم الصلاح، لأنه داخل تركيبهم الطبيعى، ولا الأشرار يكونون مسئولين عن شرهم لأنهم هكذا خُلقوا. ولكن الكل في الحقيقة لهم نفس الطبيعة، أي سلطان قبول الصلاح وتنفيذه أو الازدراء وعدم تنفيذه] (AH4:27:1).
(36) عند القديس إيريناوس نعمة عدم الفساد هي عطية الثالوث القدوس للمؤمن: [ الروح القدس يهيئ الإنسان لاقتبال ابن الله، والابن يأتي به إلى الآب، والآب ينعم عليه بعدم الفساد للحياة الأبدية] AH4:20:5.
(37) إش5:9-7.
(38) تك10:49-11
(39) راجع يوستينوس الدفاع الأول 32,3..
(40) نفس هذا المفهوم يؤكد عليه القديس كيرلس الأورشليمى حين علّق على هذه النبوة قائلاً: [بهذا أعطى علامة لمجيء المسيح هو انقطاع الحكم من اليهود. فلو لم يكونوا تحت حكم الرومان لما كان المسيح قد جاء بعد. لو كان لليهود ملك من يهوذا من نسل داود لما جاء المسيح بعد…] كيرلس الأورشليمى، المرجع السابق، المقالة الحادية عشر، ص235.
(41) غاية التجسد عند القديس إيرينيوس هي أن “يمتزج” الإنسان بالكلمة فيصير بذلك ابناً لله وهذا= =الاتحاد بين الله والإنسان يشبّهه بقبول مزيج الخمر السماوي، فالهراطقة يفحصون شخص المسيح في ذاته بمعزل عن عمله الخلاصي وبدون تفاعل داخلى مع هذا العمل الخلاصي: [ فباطل هو تعليم الإيبونيين الذين لا يقبلون في نفوسهم بالإيمان اتحاد الله بالبشرية… فإن هؤلاء الهراطقة يرفضون مزيج الخمر السمائى ويتمسكون فقط بالماء العالمى ولا يريدون أن يقبلوا الإله (الذي جاء) ليمتزج (ليتحد) بهم] (AH5:1:3).
(42) عد 17:24.
(43) انظر مت2:2.
(44) انظر مت 1:2-11.
(45) إش1:11-10 سبعينية.
(46) إش4:11.
(47) انظر فقرة 3.
(48) عا11:9 ، أع 16:15. عن الخيمة المقدسة التي أمر الله موسى أن يبنيها يؤكد غريغوريوس النيسى أنها تشير ايضاً إلى المسيح، ويتساءل قائلاً: [ ما هي إذن هذه الخيمة “غير المصنوعة بيد”، التي أُظهرت لموسى على الجبل والتي تسلّم رسمها وشاهد ترتيب مثالها الأصلي، حتى يمكن أن يجعل هذه الاية العجيبة التي لم تُصنع بيد بشر مرئية في هيئة خيمة مصنوعة بيد البشر؟.. فأي حقائق غير مرئية كانت هذه الأشياء (الموجودة في الخيمة) رمزاً ومثالاً لها؟!.. انطلاقاً من إشارة بولس الرسول الذي أزاح الستار جزئياً عن السر المكنون في هذه الأشياء التي بُلغ بها موسى بالرمز مسبقاً عن سر الخيمة التي تشمل الكل، التي هي المسيح، فإنه هو “قوة الله وحكمة الله”، الذي في طبيعته الذاتية ليس مصنوعاً بيدٍ بشرية، ولكنه لبس جسداً مخلوقاً لما صار ضرورياً أن ينصب خيمته بيننا] حياة موسى:2، 170و173.
(49) راجع في 7:2.
(50) ميخا1:5.
(51) مز 10:132-12.
(52) هذا النص من زكريا 9:9. راجع مت 5:21، إش11:62.
(53) هذه الفقرة (66) هي مُلخص لفقرات 53-65 وأيضاً تمهيداً للفقرات القادمة (67-88).