Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
Email
☦︎
☦︎

كان إنسانٌ اسمُه دكياسيسكن جبلاً من أعمالِ أورشليمَ، هذا لم يصلِّ مع أحدٍ جملةً، وبغتةً تجاسر على أن يخدمَ القداس وهو علماني.

وآخر سكن طور سيناء، وكان يظن أنه يسلك سلوكاً حسناً، هذا عجرفته الشياطين في المنامات، وتخيل أنه قَبِل شرطونية الأسقفية، فجلس وأخذ يعمل عملَ الأساقفةِ.

من رسالةٍللقديس سمعان: جميعُ المناظرِ التي يمكن للناس إبانتها في الأجسامِ، إنما هي من تخايل أفكارِ النفسِ وليست من أفعال النعمةِ، لأن من شأنِ هذا الأمرِ أن يتبعَ الرهبانَ الشديدي البحث والفرنسة، محبي العجرفة، الجانحين إلى الكبرياء والأبهة، المتمسكين بالرفيعات، المرائين.

قال شيخٌ: «من شأنِ شيطانِ السبح الباطل أن يعارض الرهبان بعجرفتين: إحداهما يُقال لها عجرفةٌ علمانيةٌ، لأنها ليست من مناكب السيرة، وليس إحكامُها عائداً إلى نَصَبِ الإنسانِ وتعبه، مثال ذلك: التيه بجاهِ الرئاسةِ، التباهي بشرفِ الجنسِ، الاغتباط بكثرةِ الغنى، بتزين اللباس، بقوةِ الجسم، بفصاحةِ المنطق، وكل ما شاكل هذه. أما الأخرى فيقال لها عجرفةٌ رهبانية، مثال ذلك: شدة الصوم والنسك ومداومة السهر، ملازمة الصلاة، البعد عن الناس، التجرد من المقتنيات ومن كلِّ شيء، وما شابه ذلك، وهذه الفضائل وإن كانت مرتفعةً في ذاتِها، إلا أن النيَّةَ السقيمةَ تحطُّ من شرفِها، والنتيجةُ المتولدةُ من ذلك: إضاعةُ الأجرِ، لأنه مكتوبٌ: لقد أخذوا أجرَهم».

وأيضاً إنسانٌاسمُه ماليطون كان يرى آراءً غريبةً، ويتجاسر على العظائمِ، هذا تنسك محتملاً الأتعاب والمعاطب الكثيرة، متشبثاً بإمساك الهوى لأبعدِ غايةٍ، وعلى ما قيل إنه تتلمذ لأوليانوس الطوباوي مدةً من الزمانِ، وصَحِبَه إلى طور سيناء، وإلى بلد القبطِ، وشاهد أنطونيوس الكبير وصَحِبَه، وصاحَبَ غيرَه من القديسين الكبار، وسمع منهم أقوالاً كثيرةً تتعلق بالطهارةِ وخلاصِ النفوسِ، وأشياءً كثيرةً من التذكاراتِ التي تهوِّن من احتمال المصاعب، وما يتعلق بمناظرِ الروح، وسمع أيضاً أنه يمكن للنفسِ إذا ما نُظِّفتْ كما يجب وبلغت إلى عدمِ الانفعال، أي أنها إذا ألقت عنها – بحفظ الوصايا – لِباس الآلام العتيق، وثبتت ثباتاً قوياً بالله على صحتِها الطبيعية التي كانت لها أولاً، فإنها حينئذ تبلغ إلى المناظرِ الإلهية، فهذه الأمور وما شاكلها لمَّا سمعها ماليطون، التهب بالعجرفةِ كالملتهبِ بالنارِ، ثم أنه انفرد في موضعٍ وانفصل من الاجتماعِ بالباقين، وعكف على نَصَبٍ وتعبٍ طويل، وتبتَّل للصلواتِ الكثيرةِ والطلباتِ ليحظى فقط بما كان يأمل فيه من المناظر الرفيعة التي سمع بها، وكان شغوفاً بنوالِها، مع أنه لم يكن قد احترف صناعتها، أي تواضع اللبِّ وتمسكن القلبِ، وجعل اعتمادَه على مواصلة الأتعابِ والتوفر على الأصوامِ دون أن يذلِّلَ ذاتَه أو يُخضع عقلَه جملةً، ودون أن يفهم حيلَ وكمائنَ إبليسِ المحارب، ولم يُصغِ إلى القول القائل: «إذا أكملتم كلَّ شيءٍ فقولوا إننا عبيدٌ بطالون». بل تعجرف عقلُه بالكبرياءِ والأبهةِ، فلما نظر الشيطانُ أنه لا همَّ له إلا في عدمِ تمسكن العقلِ، ولا غرضَ له سوى تأميلِ نوالِ المناظر العالية، فأظهر له ذاتَه محاطاً بمجدٍ عظيمٍ ونورٍ كثير، وقال له: «أنا هو الباراقليط، أُرسلتُ الآن من الآبِ إليك لأهبَكَ شيئاً من المناظرِ الرفيعة جزاءً لأتعابك الكثيرة هذه المدة الطويلة، لأنك أكملتَ زمانَ العملِ، وقد حان أوان الراحةِ». وطلب منه السجود له، ففرح جداً بما سمع ولم يشعر بالعطبِ، وللوقت خرَّ ساجداً له، فلما نال العدوُ السجودَ الذي أراده، استولى عليه بالكليةِ، وأعطاه تخيلات شيطانية عوض المناظر الإلهية، التي كان يشتاق لرؤياها، وفرغ من الأتعابِ والأعراقِ كأنه قد بلغ إلى عدمِ الانفعال، وقال له: «إن كنتَ أنت قد بلغتَ إلى هذا الحدِّ من عدم الآلام، فليست هناك حاجةٌ بعد إلى تعبٍ وعرقٍ جسدي». ومن ههنا جعله إبليس مقدماً وإماماً لمقالة (أي بدعة) الساجدين المصلين، فلما انكشف أمرُه للأسقف، أبعده ورذله ونفاه بعيداً.

قال الأب أوغريس: «لا تصوِّر بعقلِك اللاهوتيةَ أشكالاً وأنت تصلي، ولا تسمح لعقلِك بالجملةِ أن يتصوَّر الإله بشكلٍ ما، لكن تعالى إلى غير الهيولي، بغير (تصوُّر) هيولي، فإنك تجد فهماً يليق بغير الهيولي أعني الإله. احفظ ذاتَك من مصايد المحاربين لأنهم إذا رأوْك تصلي بنقاوةٍ يجعلون أشكالاً غريبةً تظهر قدامك بغتةً ليجذبوك إلى كبرياءِ القلبِ، وذلك بأن يصوِّروا لك اللاهوتية، ويجعلونك تظن في نفسِك أن الذي ظهر لك هو الإله، والله ليس له شبه ولا قياس ولا صفة».

من قولِ مار إسحق: «كلُّ الذين يزعمون أن المسيحَ بعد ارتفاعهِ إلى السماءِ يظهر خارج الإنسانِ بشبهٍ تراه عينُ الجسدِ، هم رفاق أولئك القائلين: إنَّ نِعَمَ الملكوتِ أكلٌ وشربٌ».

قال شيخٌ روحاني: «في أي وقتٍ تبصر فيه الثاؤريا شبهَ نارٍ مُرَكَّبة، فاعلم أن هذا هو فخُ الدَّغَل (أي الفساد) الذي يريد أن يصطادك به للهلاك. وإن كان بشبه قرصٍ يُرى قدامك، أو شبه كوكبٍ أو قوسِ قُزَح الذي يُرى بالسحابِ، أو شبه كراسي أو مركبةٍ أو خيلِ نارٍ، فهذه كلها من طغيان الشياطين، وباختصارٍ أقول: إنَّ كلَّ شيءٍ تراه خارج منك بهذه الأشباه، فهو من طغيان الشياطين، إنَّ منظرَ الثاؤريا بسيطٌ وليس بشيءٍ مركَّب».

كان إنسانٌمن بلد الرها اسمه أسبيانوس، هذا وضع فصولاً ولحسنها تُقرأ إلى الآن، وقد حدث أن استولت عليه الكبرياءُ فأسلَمَ ذاتَه، فعرَّضها لأتعابٍ كثيرةٍ وأعراقٍ جزيلةٍ وصعوباتٍ شديدةٍ بلا إفرازٍ ولا تمييز، ليحظى بالمديح من الناسِ، فخدعه إبليسُ وأخرجه من قلايته، وأوقفه على الجبلِ المسمى ابسوتريون، وأركبه مركبةً وأراه خيلاً غيرها ومركباتٍ أخرى، وقال له: «إن الله يستدعيك على الصفةِ التي استدعى بها إيليا»، فلما صدَّق قولَه، ارتفعت به المركبةُ، وللوقت تلاشت الخيالات، وسقط هو على الأرضِ من علوٍ شاهقٍ فتحطَّم وحظي بميتةٍ يُبكى منها، بدلاً من الرفعةِ الرفيعةِ التي أمَّلها. فشرحُنا هذا ليس جزافاً، كي لا تخفى عليك عراقيل الخبيث العطشان إلى هلاك الناس، فاحذر أن تشتاق أيها السامع إلى تلك الأمور التي تعلو قدرتك، قبل أن تحظى بذلك من النعمةِ، ولا تطلب الصعودَ في سُلَّمِ المناظرِ المنصوبةِ للسقوطِ والقيام، لئلا تطلبها قبل الأوان، فتُحسب مع الساقطين، وتُصبح أضحوكةً للشياطين.

من سيرة القديس إبيفانيوس: ظَهَرَ في أيامِ إبيفانيوس بقبرص شابٌ دُعي الفيلسوف، فجادله علماءٌ كثيرون، فكان يُفحمهم مقنعاً إياهم بأقوالهِ، وكان يأتيه كهنةٌ كثيرون وأساقفةٌ فيقنعهم بإقناعاتٍ، فتكاسل الأكثرون عن مجادلتهِ، وتراجعوا عن مفاوضتهِ، وذاع صيتُه حتى وصل خبرُه إلى بافوس، حيث تحدثوا بحكمتِه وقوة منطقِه ومقدرتهِ على الجدال حتى ضلَّ بسببهِ الكثيرون. فلما رأي إبيفانيوس ذلك حزن متفكراً في نفسِه ثم قال: «ومن يكون هذا الشاب المفتخر بعلومٍ كاذبةٍ أمام إيمان السيد المسيح»، وإنه تسلَّح بالإيمان، وأمر بأن يحضروه إليه، فمضوا وقالوا له: «الأسقف إبيفانيوس يستدعيك». فقام وجاء إليه، فلما حضر عنده لم يتكلم معه، بل انتصب للصلاةِ أولاً، فلما بدأ الأسقف بصلاتِهِ أخذت الشابُ رعدةٌ، وصرَّ بأسنانهِ، فتعجب الكلُّ لذلك كثيراً، فلما شعر الأب بقوةِ الصلاةِ، بدأ يطلب إلى الله قائلاً: «يا ربُّ، اشفِ هذا الشقي العليل من هذا المرض، حِلّ أَسرَه وأظهر الشيطانَ المستتر فيه، واعتق جُبلتَك منه». عند ذلك صرَّ بأسنانِهِ وأزبد، واحمرت عيناه وصرخ بصوتٍ عظيمٍ قائلاً: «أأنت يا إبيفانيوس تخرجني من مسكني»؟ فقال له: «الربُّ يسوعُ المسيح يخرجك من جبلتهِ». قال له الشيطان: «إنك لم تعرفني من أنا». فقال له الأسقف: «ومن أنت»؟ قال: «أنا هو الذي تكلمتُ في ذاك المدعو أوريجانوس». قال له الأسقف: «إن كنتَ أنت الذي تتكلم، فقل لنا بَدءَ الكتابِ الذي صنَّفه ذلك الشقي». فبدأ إبليس يشرح بَدءَ المصحفِ، فقال له القديس: «بالحقِ أنت هو المصنِّف لهذه الشرور العظيمة». ولم يحتمل الأب أن يسمعَ أكثرَ، فقال له: «اصمت يا ابن جهنم، أنا آمرك باسم الربِّ يسوعَ المسيحِ أن تخرجَ منه ولا تؤذِهِ». فصرعه على الأرضِ وخرج منه، فلما أفاق ورجع إلى نفسِه، سألوه: «من أين كانت لك القدرةُ على ذلك المنطق العظيم والنحو والفلسفةِ»؟ فقال: «لستُ أعلمُ ما تقولونه، ولا كيف كنتُ أتكلم، ولا كيف أتيتُ إلى هنا». فعجب الحاضرون وخافوا من ضرباتِ العدو.

في أيام باسيليوس الملك، ظهر من بلدة مقودنية راهبٌ مُضل في شكل إنسانٍ وديعٍ، مجترح آياتٍ، عالم بالغيبِ، هذا توسط له البطريرك فوتيوس مع الملك وجمع بينهم، فمال الملكُ إليه وأكرمه كرامةً زائدةً، وكان للملك ولدٌ اسمه قسطنطين توفي، فلما رأي الراهب إفراط الملك في الحزنِ على فقدِ ولدهِ، وعده بأنه سوف يريه إياه حياً، وفعل ذلك بالخديعةِ إذ بينما كان الملكُ عابراً ببعضِ المواضع، فرأى شيخاً راكباً على فرسٍ لابساً حلةً منسوجة بالذهبِ في صورةِ ابنه، فعانقه ظاناً أنه ابنه حقيقةً، ثم غاب عنه، وعمَّر في ذلك الموضعِ ديراً على اسم القديس قسطنطين ابن الملك.

قال الشيخ أوغريس: «لا تشتَق أن تنظرَ ملائكةً أو قواتٍ، أو المسيحَ حسياً، لئلا يضيع عقلُك بالكليةِ، وتقبل ذئباً بدلاً من خروفٍ، وتسجد لأعدائك الشياطين، لأن بدء ضلالةِ العقلِ التيهُ والكبرياءُ، إذا ما بدأ العقلُ يتحرك في العجرفةِ، فإنه يروم أن يُحضرَ الإلهَ في صوَّرٍ وأشكالٍ، لذلك يجب ألا تجهل هذا الغشَ، وهو أنه في وقتٍ ما، يقسِّم الشياطين ذواتَهم، فبعضٌ منهم يبدءون بمحاربتك، ويحققون عندك أنهم شياطين، فإذا طلبتَ المعونةَ، تجد البقيةَ يدخلون إليك في شكلِ ملائكةٍ قديسين – وهم شياطين – ويطردون أولئك الأولين ليخدعوكَ، فتظن أنهم ملائكةٌ قديسون، وهم شياطين، كذلك تُوَسوِسُ لك الشياطينُ في وقتٍ ما بأفكارٍ، ثم يحركونك للصلاةِ عليهم ومقاومتهم، فينصرفون باختيارهم، كي ما إذا انخدعتَ ظننتَ بنفسِك شيئاً، فتتكبر كأنك قد بدأتَ أن تقهرَ أفكارَك وتُفزِع الشياطين».

من كلام أنسطاسيوس السينائي: ليس كلُّ من يعملُ آياتٍ فهو قديسٌ، بل نجد كثيرين يعملون آياتٍ وتتلاعب بهم الشياطين، لأننا قد فهمنا من حالِ أسقفٍ هيراطيقي اسمه مقدونيوس، محارب الروح القدس، أنه قد نقل شجرةَ زيتونٍ من موضعِها وغرسها في موضعٍ آخر بشكلِ الصلاةِ، وحدث كذلك أن كان رجلٌ ظالمٌ قد أزعج امرأةً أرملةً لأجلِ دَينٍ كان له على زوجهِا، وزاد قيمةَ الدينِ عن الحقيقةِ، ولم يكن الميت قد دُفن بعد، فما كان من ذلك الأسقف المذكور إلا أن جعل الميتَ يتكلم ويخبر بمقدارِ الدَينِ. كذلك لما مات ذلك الأسقف الهيراطيقي، ظهرت عند قبرهِ خيالاتٌ كثيرةٌ وعُملت آيات، من أجل ذلك لا يجب أن تقبلَ كلَّ من يصنع آياتٍ قائلاً إنه قديسٌ، بل يجب أن يُمتحنوا ويُختبروا على رأي القائل: «لا تصدقوا كلَّ روحٍ، بل جربوا إن كان ذلك الروحُ من الله، لأن أنبياءَ كثيرين كذابين قد خرجوا إلى العالمِ». والرسول يقول: إن هؤلاء رسلٌ كذابون وفعلةٌ غاشون، متشبهون برسلِ المسيح، وإن كان الشيطان يظهر بشكلِ ملاكِ النور، فلا عجب إن كان خدامُه يصنعون آياتٍ وأشفيةً جسديةً ليخدعوا من كان سهلَ الانقيادِ لخداعِهم، وقد يُظهرون أحياناً ميتاً قائماً بواسطةِ صلاةٍ بطالةٍ من إنسانٍ مضل، وذلك بأن يدخلَ إبليسُ في جسدِ الميتِ ويحركه ويخاطب الأحياءَ من وجهِ الميتِ، ويُجيب الإنسانَ المخدوعَ عما يسأله، ويخبر عن أشياءٍ خَفيّةٍ وعما عمله قومٌ سراً، حتى إذا وثقوا به أنه صادقٌ، سهل عليه إدخال الضلالةَ التي تخصه. كذلك يتجاسر الشياطين على أن يُحدِّثوا عن خصبِ الأرضِ وجدبها، واختلافات الأهوية وكثرة الأمطار وقلتها وما شاكل ذلك، كما يمكنهم فهم آراء الناسِ من إشارات وإمارات يرونها في الإنسانِ أو يتصيدون ذلك من وجوهٍ أخرى، وليس ذلك فقط، يل ويسبقون فينذرون بموتِ قومٍ من الناسِ، لأن العنايةَ الإلهيةَ قد وضعت علاماتٍ في جسمِ البشرِ كما يعرف ذلك أولئك الذين حذقوا صناعة الطب حذقاً بليغاً، إذ يستدلون على موتِ الناس من علاماتٍ تظهر فيهم من زيادة الكيموسات ونقصان الدم، وتغير المزاجات وغير ذلك، لا سيما أن الشياطين أرواحٌ لطيفةٌ، وأيضاً لطولِ زمانهِم وكثرةِ تجاربهم. فالنساء العرّافات والمنجمون يُحدِّثون بما يحكم به الشياطين، ليس عن سابقِ علمٍ، بل لزيادة التجربةِ. وليس ذلك مقبولاً، فقد عرفنا قوماً سحرةً مشعوذين، قد صنعوا آياتٍ متنوعةً من فعلِ الشياطين، مثل هاروت وماروت اللذين كانا على عهد موسى، فإنهما جعلا عصيهما حياتٍ، وقلبا المياهَ دماً، وأصعدا من المياهِ كثرةً من الضفادع. كذلك سيمون الساحر في عهد الرسل، فكم من الآياتِ الفنطسية (أي الخيالية) صنع، فلقد حرَّك أصناماً وجعلها تمشي، وطُرح في النار ولم يحترق، وطار في الهواءِ، وحوَّل حجارةً إلى خبزٍ، وصار حيةً، وتشكل بهيئةِ حيواناتٍ، وفتح أبواباً مرتجة، وفك قيوداً، وحل حديداً، وعلى الموائدِ أظهر أشكالاً، وجعل ظلاً يتقدمه زاعماً أنه من أرواح الذين ماتوا، وإذ رام كثيرون من السحرةِ أن يفضحوه، غيَّر شكلَه، ثم بحجةٍ ما، دعاهم إلى وليمةٍ حيث ذبح ثوراً وأطعمهم، فنزلت بهم أسقامٌ كثيرةٌ، وصرعتهم شياطين مَرَدةٌ، وأخيراً لما طلبه الملك، فزع منهم، وهرب وطرح شكلَه على غيرهِ.

من كلام البابا أثناسيوس: سؤال: «كيف يصنع الهراطقةُ آياتٍ كثيرةً»؟ الجواب: «سبيلُنا ألا نستغرب ذلك، لأننا قد سمعنا الربَّ قائلاً: إنَّ كثيرين يقولون لي في ذلك اليوم يا ربُّ يا ربُّ، أليس باسمك تنبأنا، وأخرجنا شياطين، وصنعنا قواتٍ كثيرةً؟ فأقول لهم، إني لا أعرفكم قط، انصرفوا عن يا فاعلي الإثم. فعلى أكثرِ الحالاتِ يتسبب الشفاءُ بإيمان المتقدم وليس بسيرة المجترح، لأنه مكتوبٌ: إن إيمانَك خلَّصك. لأن ليس في الأرثوذكسية فقط اجتراح آياتٍ، بل وقومٌ أردياء الاعتقاد، مراراً كثيرةً تقشفوا وقدموا لله أتعاباً، فأخذوا أجرَهم في هذا العالمِ منحةً من الله، كشفاءِ الأمراض لكي ما يسمعوا ذلك في العالمِ العتيدِ: إنك قد استوفيتَ خيراتك في حياتِك».

من سيرة الأب باخوميوس: لما سمع بسيرة الأب باخوميوس قومٌ من رهبانٍ هراطقةٍ، أرسلوا إليه جماعةً لابسين شعراً وقالوا للإخوةِ: «إنَّ كبيرَنا مقدونيوس قد أرسلنا إلى أبيكم قائلاً: إن كنتَ رجلَ اللهِ حقاً وما سمعناه عنك صحيحاً، فتعالَ لنعبرَ أنا وأنت النهرَ ماشييْن بأرجلنا على سطحِ الماء، فيعرفَ كلُّ واحدٍ عملياً من منا له دالةٌ ووجاهةٌ عند الله». فعرَّف الإخوةُ الأب بذلك، فأنكر عليهم ذلك قائلاً: «لماذا أجزتم سماعَ هذا الكلامِ بالجملةِ؟ أما علمتم أن هذه المسائل بعيدةٌ عن الله، ولا تقبلها سيرتُنا؟ لأنه أيُّ ناموسٍ يأمر بهذا ويبعثنا على القيام به»؟ فقال الإخوةُ: «أيتجاسر هيراطيقي بعيدٌ عن الله أن يستدعيك لمثلِ هذا»؟ فأجابهم: «قد يمكن للهيراطيقي أن يعبرَ على ظهر النهرِ كعبورِه على أرضٍ يابسةٍ بمظافرة الشيطان إياه، وبسماحٍ من الله، حتى لا ينفك كفرُه. فامضوا وقولوا لهم: هكذا قال عبدُُُ الله باخوميوس: إن حرصي أنا، هو هذا: ليس لكي أعبرَ هذا النهرَ ماشياً، بل كيف أعبرُ دينونةَ اللهِ الرهيبةَ وأن أعبرَ كذلك ذلك النهرَ الناري الجاري قدام مجيء السيد المسيح، وأن أعبرَ أيضاً هذه الأعمال الشيطانية بقوةِ الربِ». ولما قال هذا الكلام أقنع الإخوةَ بأن لا يفتخروا بأعمالهِم، ولا يشتهوا اجتراح الآياتِ، ولا يجربوا الله البتة على رأي القائل: «لا تجرب الربَّ إلهَك».

للقديس مقاريوس الكبير: سؤال: «ماذا يعمل الإنسانُ المخدوع بأسبابٍ واجبةٍ وبإعلاناتٍ شيطانية تشبه الحقيقة»؟

الجواب: «يحتاج الإنسانُ لذلك الأمرِ إلى إفرازٍ كثيرٍ ليميزَ بين الخيرِ والشرِ، ولا يُسلِّم نفسَه بسرعةٍ، فإن أعمالَ النعمةِ ظاهرةٌ، التي وإن تشكَّلت بها الخطيةُ فلا تقدر على ذلك، لأن الشيطانَ يعرفُ كيف يتشكَّل بشكلِ ملاكِ نورٍ ليخدعَ، ولكن حتى ولو تشكَّل بأشكالٍ بهيةٍ، فإنه لا يمكنه أن يفعلَ أفعالاً جيدةً، ولا أن يأتي بعملٍ صالحٍ، اللهم إلا أن يسببَ بذلك الكبرياءَ، أما فعلُ النعمةِ فإنما هو فرحٌ وسلامٌ ووداعةٌ، وغرامٌ بالخيراتِ السمائية، ونياحٌ روحاني لوجهِ الله، وأما فعلُ المضادِ فبخلاف ذلك كلِّه، فهو لا يُسبب تذللاً ولا مسرةً ولا ثباتاً، ولا بغضاً للعالمِ، لا يُسكِّن الملاذ، ولا يهدئ الآلام، فإذن من الفعلِ تَعلَم النورَ اللامعَ في نفسِك، هل هو من اللهِ أو من الشيطانِ، والنفس بها إفرازٌ من إحساسِ العقلِ، به تعرف الفرقَ بين الصدقِ والكذب،كما يميز الحنكُ الخمرَ من الخلِ، وإن كانا متشابهيْن في اللونِ، كذلك النفسُ من الإحساسِ العقلي تميز المنحَ الروحانية من التخيلاتِ الشيطانية».

قيل عن القديس بفنوتيوس: إنه حظي بمعرفة الكتبِ الإلهية حديثةً وعتيقةً، يتلوها جميعاً عن ظهرِ قلبٍ، رغم أنه لم يتخذ كتاباً، وكان وديعاً إلى أبعدِ غايةٍ، هذا مكث سبعين سنةً لم يملك فيها ثوبين. ولما وجدتُه أنا وأوغريس الطوباوي وألبيانوس طالبناه بمعرفةِ أسباب الإخوةِ الساقطين والمنحرفين عن السيرة اللائقة. واتفق في تلك الأيامِ أن توفي ساربمون الناسك وهو جالسٌ في مقبرةٍ ممسكاً بالضفيرةِ، كما اتفق لأخٍ آخر أن هوى عليه الجبُ بينما كان يحفرُه فَطَمَره، كذلك حدث لأخٍ آخر كان حاضراً من الإسقيط أن مات مخطوفاً فجأةً، وتجارب حال اسطفان وأفرونيوس الساقطين في زنىً قبيح، وإيرن الإسكندري وأولس الفلسطيني وفطمس الإسقيطي، وفحصنا الأسبابَ التي تؤدي بقومٍ ذوي فضيلةٍ ساكنين البرية، إلى أن تفسد عقولُ بعضِهم، وتستولي الحنجرةُ على آخرين، ويكابد الفسقَ آخرون، فأجاب: «السببُ في ذلك هو أن جميعَ ما يصير في الناسِ ينقسم إلى قسمين: قسمٌ بمشيئةِ الله وقسمٌ بسماحٍ منه، وبين المشيئة والسماح فرقٌ ليس بقليل، فكلُّ ما كان من الصلاحِ والخير فهو بمشيئة الله، وكلُّ ما كان من الأمور المهلكةِ فإنه يحدث بسماح منه، والسماح يقع من شرِّ المخدوعين، وعدم الشكر للمعطىَ على نعمتهِ، فلما يستولي على البعضِ الجهلُ والأبهةُ والعجرفةُ، فإنهم ينسبون صلاحَهم إلى أنفسِهم أي كأنهم بكثرةِ حرصِهم وتعبهم أحكموا ما أحكموه، فيترفعون على غيرِهم من إخوتهم الأصفياء، فيسمح الله الصالحُ بسقوطهم أي يعريهم من معونته فيحصلون في السقطةِ التي سبَّبها الشيطانُ لهم، وأيضاً يتفق لقومٍ يشتهون تحصيل المناظر والإعلانات بدون استحقاقهم ذلك من النعمةِ، فتحزنهم الشياطين بمناظر كاذبةٍ».

كان إنسانٌاسمُه اصطفان، سالكاً طريقَ النساكِ ساكني البريةِ، هذا أقام في مصارعةِ التقشف سنين عديدة، وكانت قلايته في منحدرِ الجبلِ الذي سكنه إيليا، وفي أواخر أيامهِ صعد إلى ذروةِ الجبلِ في مواضع حرجةٍ مغشوشةٍ ليس فيها عزاء، فأقام هناك مصلياً نادباً متجملاً بجميع الفضائلِ، فمرض مرضاً قضى فيه نحبه، وقبل موته بيومٍ واحدٍ، شَخَصَ بعقلِه وعيناه مفتوحتان والتفتَ يُمنى ويُسرى، وكأن محاسِباً يحاسبه والجماعةُ تسمع، فكان مرةً يقول: «نعم، هذا صحيح». ومرةً يقول: «لا، هذا كذب». ومرةً أخرى: «نعم، إلا أنني صُمتُ عوض هذا كذا وكذا وبكيتُ وتعبتُ». وفي أشياءٍ أخرى كان يقول: «نعم، وليس لي ما أقول في هذا، ولكن رحمةَ اللهِ كثيرةٌ». وفي أشياءٍ أخرى يقول: «لا، هذا كذب، لم أفعله». وكان المنظرُ مبهراً مفزعاً، وعلى هذه الصفةِ فارق الدنيا محاسَباً، وأما ما انتهى إليه أمرُه، ومصيرُ القضيةِ بالنسبةِ إليه فما أبانها.

القديس أثناسيوس الرسولي: سؤال: «لماذا نرى قوماً من الصديقين ينازعون (عند الموتِ) أياماً ويُحاسبون، وقوماً خطاةً نراهم يقضون أجلَهم بسكونٍ وهدوء»؟

الجواب: «إن عرفنا جميعَ أحكامِ اللهِ فنحن إذن آلهةً، فجيدٌ هو لنا ألا نفتش تفتيشاً زائداً عن مثل هذه الأحكامِ لأنه يتفق أن رجالاً أبراراً يُعاقبون في وقتِ نزعهم الأخير، لنرى نحن ذلك ونفزع ونعف، كما أنه ربما كان لأولئك القديسين – بما أنهم بشرٌ – زلةٌ صغيرةٌ، فيُنظَفون بذلك العقابِ في وقتِ نزعهم تنظيفاً تاماً بليغاً، ويمضون بلا عيبٍ أنقياء».

قال القديس غريغوريوس: «إن هذا النزع يُنظِّف النفوسَ الخارجةَ من العالمِ من الخطايا الدَنيَّة الخفيفة، وذلك بحسب ما سمعتُه من رجلٍ قديسٍ، حكى لي عن قديسٍ آخر فقال: إنه لما حضرته الوفاةُ فزع فزعاً عظيماً، وبعد موتِه ظهر لتلاميذِه بحلةٍ بيضاء، دالاً بذلك على البهاءِ الذي حصل عليه».

قال القديس مكسيموس: «لا نحتمل الأفكارَ التي تُصَغِّر لنا الخطايا إذ أن الربَّ أمرنا أن نتحفظ منها قائلاً: تحفَّظوا من الأنبياءِ الكذبةِ الذين يأتونكم بثيابِ الخرافِ ومن داخلهم ذئابٌ خاطفةٌ. لأنه مادام فكرُنا منزعجاً من الخطيةِ، فلا نكون قد حظينا بالصفحِ عنها والغفران، لأننا ما عملنا أثمارَ التوبةِ، لأن ثمرَ التوبةِ هو عدمُ انفعالِ النفسِ وعدمُ انفعالِ النفسِ هو تمحيصُ الذنوبِ، فإذا كنا نوجد وقتاً ما قلقين من الآلام فلنتُب إذن توبةً نقيةً، كي ما إذا عُتقنا من الآلامِ نحظى بالصفحِ عن الذنوبِ».

سؤال: «كيف تتحقق النفسُ أن اللهَ قد سامحها من خطاياها»؟

الجواب: إذا ما نظرتْ ذاتَها في طبقةِ ذاك القائل: «لقد أبغضتُ الظلمَ ورذلتُه وناموسَك أحببتُه». والقائل أيضاً: «أنا أسبحك برحمةٍ وحكمٍ». فلنعمل عملَ التوبةِ، لنُظهرَ حكمَ اللهِ العادلِ، ويُتِمُ فينا رحمتَه إذ يغفر لنا خطايانا.

سأل أخٌ الأنبا مادانا: «قل لي كلمةً». فقال له الشيخ: «امضِ واسأل الله أن يهبَ لك في قلبك نوحاً واتضاعاً، واجعل بالَك من خطاياك كلَّ حينٍ، ولا تدن أحداً، بل اجعل نفسَك تحتَ كلِّ الناسِ، ولا تجعل لك مرافقةً مع صبي، ولا معرفةً بامرأةٍ، ولا صداقةً مع هيراطيقي، واقطع عنك الدالةَ، واحفظ لسانَك، وامسك بطنَك عن الخمرِ قليلاً، ولا تكن محباً للقنيةِ ولا تلاجج أحداً ولا تحارنه، وهذا هو الاتضاع».

قال أنبا يوسف: «أنا أعرفُ إنساناً له السيرة الجسدية، فكان يصوم إما يومين يومين، وإما أربعةً أربعة، واتفق مرةً وهو صائمٌ أربعة أيامٍ أن وقع في قلةِ القوةِ، فجاءه صوتٌ يقول له: لا تحتقر أحداً من الإخوةِ، ولا تدن أحداً من خليقةِ اللهِ، وما استطعتَ أن تعملَه اعمله، لكن ضع ذاتَك فقط، وتحفَّظ على قدرِ قوتِك وأنت تخلص». وأنبا يوسف هذا، هو الذي قاتله الشيطان بالزنى وهو صبي، فأرسله أبوه ليقيمَ أربعين يوماً، فأبصر الشيطانَ بشكلِ امرأةٍ سوداء.

قيل من أجل الأب اللينوس إنه كان مرةً يخدم والإخوةُ جالسين عنده يمدحونه، وهو لا يجيبهم البتة، فقال له إنسانٌ منهم: «لماذا لا تجيب الآباءَ وهم يسألونك»؟ فقال: «لو أجبتُهم لصرتُ مثلَ مَن يقبل المدحَ».

سأل أخٌ شيخاً قائلاً: «كيف نتعب نحن في النسكِ ولا ننال المواهب مثل الأولين»؟ قال له الشيخ: «كان في ذلك الزمانِ الحُبُّ الكثير حيث كان كلُّ واحدٍ يجرُّ رفيقَه إلى فوق، أما في هذا الزمانِ فقد قلَّ الحبُّ، وصار كلُّ واحدٍ يجرُّ رفيقَه إلى أسفل، ومن أجلِ ذلك لا ننال المواهبَ».

قال شيخٌ: «كما أننا نحمل معنا ظلَّنا أينما ذهبنا، كذلك يجب أن يكونَ البكاءُ معنا في كلِّ موضعٍ، كالقولِ: أعوِّم كلَّ ليلةٍ سريري وبدموعي أبلُّ فراشي».

سأل أخٌ شيخاً قائلاً: «كيف يأتي خوفُ اللهِ إلى النفسِ»؟ قال له الشيخ: «إذا وُجد في الإنسانِ الاتضاعُ والكفرُ بكلِّ الأشياءِ وبنفسهِ أيضاً، وكان لا يدين أحداً، فخوفُ اللهِ يأتيه».

قال شيخٌ: «ما تكرهه لنفسِك، لا تَقُلْهُ لآخر، فأنت تغضب على من ينمُّ عليك، فلا تنمَّ أنت على أحدٍ، أنت تبغض من يشتمك، فلا تشتم أنت أحداً، فمن له أذنان تحفظان هذه الأمور فإنها تكفيه».

وقال شيخٌ: «جيد هو أن يوجد اسمُك مكتوباً في بيوت المساكين والأرامل والضعفاءِ، ذلك أفضل من أن يوجد مكتوباً في بيوت باعة الخمر، وجيد هو أيضاً أن يوجد فمك منتناً من الصومِ، فذلك أفضل من أن يوجد فيه رائحة خمر».

قال شيخٌ: «إن أنبا كاما قال لي، إن كلَّ خطيةٍ نفعلها يغفرها لنا لله إذا دعوناه، فإذا تاب إليَّ أخي ولم أغفر له فلن يغفرَ لي الله البتة».

كما قال شيخٌ: إني سألت أنبا شيشاي: «هل الهروب نافعٌ للراهبِ»؟ فجعل إصبعَه على فمهِ وقال: «إن حفظتَ نفسَك من هذا يا ابني، فهذا هو الهروبُ».

قال شيخٌ: إن أنبا بفنوتيوس قال لي: «إن جميعَ آبائنا – الذين كانوا قبلَنا – حفظوا قلوبَهم، إذن فإن كان أحدٌ من جيلنا الآن يحفظُ لسانَه من النميمةِ وجسدَه من الزنى، ويديه من السرقةِ، وبطنَه من الشره، فهو طوباوي، لأن الشره هو الذي يولِّد الزنى والسرقةَ وأشياءَ أخرى كثيرةً جداً».

وهو قال: «إن أنت اتّبعتَ المسكنةَ والضيقةَ والإمساك فإنك تحيا».

قال أنبا أبرآم: «إذا أمسك الإنسانُ بالضيقةِ فهو ينمو وينظر جميعَ قواتِ اللهِ وجميعَ حسناتِه».

قال أنبا بلا: «إن حفظنا الإيمانَ الصحيحَ، وحفظنا الجسدَ من الزنى واللسانَ من النميمةِ، فنحن بنعمةِ اللهِ مُفلحون حسب هذا الزمان».

للقديس برصنوفيوس: سؤال: «من أين تعرض لنا حركةُ الجسدِ»؟ الجواب: «حركةُ الجسدِ تكون من التهاونِ، لأن التهاونَ يخطفك وأنت لا تدري، لأنك تدين أخاك وتحكم عليه، فمن ههنا تُسلَّم».

سؤال: «أخبرني يا أبي إن كان ينبغي أن نخبرَ المشايخَ بكلِّ الأفكارِ النابعةِ من القلبِ، وهل ينبغي للمصلي أن يعلنَ صوتَه أم يصلي بعقلهِ»؟

الجواب: لا ينبغي للإنسانِ أن يسألَ الآباءَ عن الأفكارِ التي تنبعُ من القلبِ، لأنها كثيرةٌ جداً، لأن الإنسانَ إذا سمع كثيرين يفترون عليه فإنه لا يعتني بافترائهم ولا يهتمُ به، فأما إن انتصب له واحدٌ فقط، وافترى عليه وقاتله، فحينئذ يجدُ السبيلَ كي يستعدَ له أمامَ السلطانِ، كذلك الحال في الأفكارِ. أما من جهةِ قراءةِ المزامير والصلاةِ، فلا يجبُ أن تُقال بالعقلِ فقط، بل بالشفتين أيضاً، لأن النبيَ هكذا قال: «يا ربُّ افتح شفتيَّ ليخبرَ فمي بتسبحتِك»، كما يقول الرسولُ أيضاً: «ثمرةُ شفاهِ شاكرةٌ لاسمِه». ولا يجب أن يكونَ في الصلاةِ شيءٌ من الأفكارِ الأرضيةِ، كما ينبغي أن تكونَ مقرونةً بالدموعِ والاتضاع، لأن الآباءَ لم يقوِّموا شيئاً إلا بالتعبِ والاتضاعِ.

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎

معلومات حول الصفحة

عناوين المقال

محتويات القسم

وسوم الصفحة

انتقل إلى أعلى