Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
Email
☦︎
☦︎

من خلال ما قرأناه سابقاً، نلاحظ كيف أنهم يعتبرون الإنسان بناءً على ظرفٍ معًّين أو بناءً على حثٍّ معين كما فعل الواعظ، يصبح لديه شيء داخلي يجعله يشعر أنه قد تجدد، أو عندما يقف الواعظ أو القسيس ويطلب من يسوع أن يغفر له ويجدد حياته، حينها يحصل على التجديد والتبرير والخلاص، برأيهم هذه هي الولادة الجديدة. لا أبالغ بهذا القول، أن كل الفئات من المتجددين تجمع على هذه الفكرة.

من أمثلتهم على ذلك، بولس الرسول حين رأى النور على طريق دمشق. أوغسطين المغبوط الذي كان يحيى حياة غير مُنضبِطة وبعدها سمع صوتاً في حديقة حين كان يقرأ الكتاب المقدس وهو في ألمٍ، حينها عَزَمَ على تجديد حياته. ويسلي الميتودي الذي ذكرناه سابقاً … الخ. بالإجمال يعتقدون أنه في وقت مُعّين يتمّ التجديد للإنسان، لدرجة أن المتِجدّد عادةً يقول أنه حَصَلَ على التجدد والولادة الجديدة في اليوم المعين في الساعة المعينة، أي أنه يحدد الوقت الذي خَلُصَ فيه، لأن هذا الخلاص تم فقط بالإيمان بيسوع المسيح وهذا وحده كافٍ. فالمسيح كما يقولون، دفع عنّا بالصليب ثمن خطايانا بدمه، لذا نحن لسنا محتاجين بعد ذلك لا للأعمال الصالحة ولا للأسرار ولا للكنيسة ولا لأي شي آخر، فقط أنت بالإيمان تَخلُص، مستندين بصورة خاصة على آية بولس الرسول : “بالنعمة أنتم مخلصون” (أفسس 2 : 8) أو “وذلك بالإيمان ليس منكم” بدون أن يقرأوا تكملتها.

هناك أمثلة كثيرة من الكتاب المقدس عن أهمية الإيمان بيسوع المسيح بالذات، لأنه المدخل الوحيد للخلاص الفعلي لكن إن كان الإيمان هو المدخل للخلاص، أي إذا آمنا بيسوع المسيح، حينها تبدأ مسيرة خلاصنا، فهذا لا يعني أبداً أننا لسنا بحاجة من جهتنا أن نثبت في المسيح ونجاهد في كنيسته وأن نتقوى وننمو بالأسرار التي من خلالها تُعطى النعم الإلهية المقدسة والمؤلهة. لأن التجديد والخلاص والتغيير بالحياة والتبرير والتقديس لا يمكن أن تصير دفعة واحدة ولمجرد شعور حصل لمرة واحدة وبمعزل عن كنيسة المسيح التي أسسها هو نفسه وعن الأسرار التي أعطاها بدمه الكريم.

وبكل تأكيد فليس هذه القضية فقط ضلالهم الوحيد، بل هناك ضلالات كثيرة أخرى، لكننا سوف نكتفي في هذا الكتيب بمناقشة فهم هذه الجماعة لموضوع التجدد، لندرك كم هو مغلوط و خَطِرٌ على حياتنا المسيحية وعلى خلاصنا.

1. ضرورة المعمودية للولادة الجديدة والخلاص:

إنهم يعتمدون، في موضوع الولادة الجديدة، على كلمة للرب يسوع من خلال حديثه مع نيقوديموس: “أجاب يسوع وقال له الحق الحق أقول لك إن كان احد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله” (يوحنا 3: 3). إذاً هناك ولادة من فوق، ويتساءلون كيف تتم هذه الولادة الجديدة؟ والجواب عندهم هو حين يكتشف الإنسان في لحظة معينة يسوع المسيح ويعرفه ويؤمن به.

في الإصحاح نفسه من إنجيل يوحنا يُكمل الرب يسوع حديثه عن الولادة الجديدة فيقول: “أجاب يسوع الحق الحق أقول لك إن كان احد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله” (يوحنا 3: 5). يتجنب المتجددون عادةً قراءة هذه العبارة، وإذا ذكَّرهم بها أحد فإنهم يغيرون معناها الواضح فيقولون أن الولادة التي تحدث لا علاقة لها بالمعمودية. وإذا تمت المعمودية لاحقاً فما هي إلا مجرد رمز وفريضة يقوم بها الإنسان ليس أكثر، كتعبير عن طاعته للرب يسوع الذي أوصى به، وكإعلان عن تجدُّده. فإذا سألهم سائل لماذا لا تقرأون عبارة “من لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت السماوات” كما هي؟ يأتون بآية من مكان آخر بأننا “مولودون بالكلمة الإلهية” ليضعوا مكان الماء والروح الكلمة الإلهية. هكذا يجتزئون الآيات من هن وهناك ليحوروا المعنى بحسب ما يناسبهم، وليس بحسب إعلان الرب الواضح والجازم. غريب أمر هؤلاء الناس الذين يدعون أنهم إنجيليون ومتجددون، وهم يريدون أن يجددوا الناس بحسب أفكارهم وتخيلاتهم وليس بحسب الإنجيل.

فلنسمع المزيد من كلامات الإنجيل عن المعمودية بالماء والروح وعن ضرورتها التي لا غنى عنها للتجديد والخلاص:

  • يقول بولس الرسول في ( أفسس 5 : 25 – 27) “كما أحب المسيح أيضا الكنيسة و أسلم نفسه لأجلها. لكي يقدسها مطهراً إياها بغسل الماء بالكلمة… ” هنا عبارتا “بغسل الماء بالكلمة” متجاورتان فلا نستطيع الاستغناء عن أي منهما لأن كلتيهما ضروريتان للخلاص كما نرى بوضوح في ( 1 كورنثوس 6: 11 ) “لكن اغتسلتم بل تقدستم بل تبررتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا
  • أيضا في (غلاطية 3 : 26) “لأنكم جميعاً أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع. لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح
  • كذلك في (تيطس 3: 5 – 7 ) “بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس. الذي أفاضه علينا بكثرة بيسوع المسيح مخلصنا. لكي نبرر بنعمته فنصير ورثة على رجاء الحياة الأبدية

ولنسأل كيف قدس المسيح كنيسته وطهّرها؟ أليس بغسل الماء بالكلمة، أي بكليهما معاً؟ وكيف تقدس وتبَرّرَ أهل كورنثوس أليس لأنهم اغتسلوا باسم الرب يسوع وبروح إلهنا؟ وكيف لبسوا المسيح أليس لأنهم قد اعتمدوا؟ وكيف خلصنا الله برحمته، لكي نُبَرَّر بنعمته فنصير ورثة على رجاء الحياة الأبدية أليس بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس؟

أما بخصوص زمان الولادة الجديدة، فيمكن القول أن هناك ظرفاً معيناً في زمن معين يمكن أن يحصل لبعض الأشخاص يدفعهم باتجاه الولادة الجديدة، ولكن الولادة الروحية ذاتها لا يمكن أن تحدث إلا بالماء والروح أي المعمودية، تماماً كما حصل لبولس الذي بعد أن رأى نور الرب على طريق دمشق وسمع كلامه آمن واعتمد على يد حنانيا (أعمال 9 : 18). وكذلك في أعمال الرسل بالنسبة للجموع الذين نُخِسُت قلوبهم بعد سماعهم لأول مرة عظة بطرس الرسول عن صلب المسيح وقيامته وبأنه هو المُخلِّص فقالوا: “ماذا نصنع أيها الرجال الأخوة؟  فقال لهم بطرس توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس” (أعمال 2: 37 – 38 ).

إذاً هناك أولاً توبة، فمعمودية أي الولادة الجديدة، وبعدها ينالون عطية الروح القدس. وهذا طبيعي جداً وواضح من معنى كلمة الولادة ذاته، فالإنسان يولد ويتبع ولادته نُموٌّ، والنمو يتبعه رجولة وكمال. بينما يفترض المتجددون أن الولادة التي تحصل في زمن معين تحوي في ذاتها كل شيء.

ليس هذا فقط ولكن، كما قرأتُ في كتبهم، هم لا يقبلون أن هناك نعمة يمكن أن تحل على ماء المعمودية، النعمة بالنسبة لهم فقط تم عبر علاقة شخصية بين الإنسان والله أو الرب يسوع. نحن نسأل: الذي يقدر أن يعطي نعمة عبر العلاقة الشخصية مع الإنسان، ألا يستطيع أن يعطي نعمة عبر ماء المعمودية أو غيره؟… لماذا نُحِدُّ الله ونجعل عمله ضمن أُطر معينة؟

هل نحن أوجدنا المعمودية؟. أَم أن الرب يسوع نفسه قال: “اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الأب والابن والروح القدس” (متى 28: 19)، “من آمن واعتمد يخلص” (مرقس 16: 16).

كيف يمكننا أن ننكر أن هناك الإيمان والمعمودية معاً، وكلاهما ضروريان للخلاص والولادة الجديدة؟

2 ضرورة مسحة الروح القدس والمناولة للنمو والثبات في المسيح والاتحاد معه:

في عبارة الرسول بطرس المذكورة أعلاه (أعمال 2: 37-38)، يأتي قبول عطية الروح القدس مباشرةً بعد المعمودية، بمثابة الهدف من الإيمان والتوبة والمعمودية وغفران الخطايا. لكن هذه العطية أو الموهبة هي التي تساعد أيضاً في الثبات والنمو في المسيح بعد الولادة الجديدة، وهي بالذات الموهبة التي أخذها الرسل في العنصرة، وصارت تعطى للمؤمنين بعد المعمودية مباشرةً. مثلاً فيليبس أحد الشمامسة السبعة، عندما ذهب إلى السامرة وعمد أهلها، حلَّ الروح القدس عليهم مباشرةً بعد وضع أيادي الرسولين الذين أرسلهما الرسل الذين في أورشليم (1). كورنيليوس قائد المئة وكثيرون كانوا عنده حلَّ عليهم الروح استثنائياً قبل المعمودية من أجل إزالة ريبة بطرس والذين معه من أهل الختان الذين لم يكونوا يتصورون أن وثنياً يمكن أن يحل الروح القدس عليه ويقبل المعمودية والخلاص. عدا ذلك ففي الإنجيل يحل الروح القدس بعد المعمودية. والغاية كما ذكرنا أعلاه من هذه الموهبة التي تسمى مسحة أو ميرون (2)، هي تنوير المؤمن المولود جديداً ومساعدته على الثبات والنمو في المسيح: “وأما أنتم فإن لكم مسحة من القدوس وتعلمون كل شيء” (يوحنا الأولى 2: 20 و27)، “والذي يثبتنا معكم في المسيح وقد مسحنا هو الله الذي ختمنا أيضاً وجعل عربون روحه في قلوبنا” (2كورنثوس1: 21)، “بعد أن آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس الذي هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى لمدح مجده” (افسس1: 13-14). إذاً هناك آيات عديدة تؤكد على موضوع المسحة التي تتم كما تتممها كنيستنا بناءً على تسليم الرسل، إذ لم يكن من الممكن أن يذهب الرسول أو الأسقف إلى كل معمد ليعطيه المسحة، لهذا أصبحت تتم عبر الميرون الذي يقيمه الأساقفة بصلوات معينة. نلاحظ أن هناك في الكنيسة ثلاث أسرار أو مواهب كانت ولا تزال تعطى للمُعمَّد: المعمودية والميرون والمناولة، تماماً كما كانت تصنع الكنيسة الأولى فيعطى عبرها من الله إمكانية الولادة والنمو والثبات في المسيح والاتحاد معه. فالمناولة هي التي تعطينا بالإضافة إلى الثبات في المسيح (3) والحياة الأبدية (4)، الوحدة الحقيقية فيما بين المؤمنين وبينهم وبين المسيح. فعبر المناولة خاصة تصبح الكنيسة كنيسة. يسأل الرسول بولس في (كورنثوس الأولى 10: 15 – 17) “كأس البركة التي نباركها أليست شركة دم المسيح. الخبز الذي نكسره أليس هو شركة جسد المسيح. فإننا نحن الكثيرين خبزٌ واحدٌ، جسدٌ واحدٌ، لأننا جميعا نشترك في الخبز الواحد“. ما يصنع الكنيسة إذن هو المعمودية والميرون والمناولة، والكنيسة كلها تنمو معاً باتجاه الحياة والكمال في المسيح والوحدة معه. لا ينمو أحد بمفرده، أي كل واحد بعلاقة شخصية منعزلة مع الرب، بل في الكنيسة نفسها ككل. أعطيكم مثلاً واحداً علماً أنه هناك الكثير من الأمثلة لتأكيد هذا الموضوع : “جسدٌ واحد وروحٌ واحد، كما دعيتم أيضاً في رجاء دعوتكم الواحد. ربٌ واحدٌ، إيمانٌ واحد،ٌ معموديةٌ واحدةٌ… ولكن لكل واحد منا أعطيت النعمة حسب قياس هبة المسيح… وهو أعطى البعض أن يكونوا رسلاً والبعض أنبياء والبعض مبشرين، والبعض رعاة ومعلمين، لأجل تكميل القديسين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله، إلى إنسان كامل إلى قامة ملء المسيح… بل صادقين في المحبة ننمو في كل شيء إلى ذاك الذي هو الرأس المسيح، الذي منه كل الجسد مركباً معاً ومقترناً بمؤازرة كل مفصل حسب عمل على قياس كل جزء يحصل نمو الجسد لبنيانه في المحبة” (أفسس 4: 4-16 ). لاحظوا أننا جميعنا ننمو معاً، في الكنيسة التي أسسها الرب يسوع كجسد واحد، بروح الله الموجود في الكنيسة بالمعمودية وأيضا بهذه الأسرار المكملة لها التي أعطانا إيّاها الرب يسوع والتي لا يمكن أن نخلص أو نثبت بدونها.

 3. ضرورة الأعمال والجهاد الروحي للحصول على الخلاص والحياة الأبدية:

يرفض المتجددون أيضاً الأعمال وأهميتها، إذ بنظرهم، طالما هناك إيمان فليس هناك حاجة بعد إلى أعمال لنيل الخلاص. ويتابعون بزعمهم أنه إذا قام الإنسان بأعمال (أي أعمال حسنة)، فهي تأتي بشكل تلقائي نتيجة للإيمان ولكن لا يد له في الموضوع. وكأن الله جعل الإنسان صفراً على اليسار وليس له أي دور في عملية خلاصه. فلنسأل الكتاب المقدس والذي هو مرجعهم الوحيد، هل صحيح أنه ممكن للإنسان أن يخلص ويحصل على الحياة الأبدية دون أن يقوم بالأعمال الصالحة؟ سوف أكتفي بأمثلة قليلة:

# عندما سأل الشاب الغني الرب يسوع : “ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟“، أجابه يسوع: “أنت تعرف الوصايا… فقال هذه حفظتها منذ حداثتي، ماذا يعوزني بعد؟“، قال له يسوع: “إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبِعْ كلّ ما لكَ وتعال اتبعني…” (متى 19 : 16 – 22). لم يذكر يسوع هنا الإيمان بل فقط حفظ الوصايا والجهاد من أجل الكمال. لماذا؟… لأن الإيمان بالمسيح متضمن بديهياً في حفظ وصاياه واتباعه، ولأنه يريد أن يشدد على دور الأعمال الحاسم في عملية الخلاص، لأن “ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات، بل الذي يعمل مشيئة أبي الذي في السماوات” (متى 7 : 21) وكذلك “أما الذي عمل وعلم فهذا يدعى عظيماً في ملكوت السماوات” (متى 5 : 19).

# دينونتنا نحن بناءً على ماذا ستكون؟، لنسمع ما يقوله الرب يسوع: “تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم، لأني جعت فأطعمتموني. عطشت فسقيتموني. كنت غريباً فآويتموني…. الخ” (متى 25 : 34 – 36). وكذلك: “اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته، لأني جعت فلم تطعموني. عطشت فلم تسقوني. كنت غريباً فلم تأووني … الخ” (متى 25: 41- 42) هنا المسيح سيدين بحسب ماذا ؟… بحسب الإيمان أم بحسب الأعمال؟… الدينونة طبعاً بناءً على الأعمال (5). وبالتالي فلا خلاص دون أعمال.

# يعقوب الرسول في رسالته وخاصةً في الإصحاح الثاني يتكلم بتشديد على دور الأعمال وأهميتها ضرورتها للخلاص فيقول في (يعقوب 2 : 14) “ما المنفعة يا أخوتي إن قال أحد أن له إيمان ولكن ليس له أعمال. هل يقدر الإيمان أن يخلصه؟“، وفي النهاية يقول: “الإيمان بدون أعمال ميت” (يعقوب 2 : 20)

# إنجيل يوحنا مليء بالآيات التي تتحدث عن ضرورة حفظ الوصايا والثبات في يسوع وفي محبته: “إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي” (يوحنا 24، 23، 14: 21)، (يوحنا 15: 4-17)… الخ.

وبالإجمال ففي كل صفحة من الكتاب المقدس تحريض على عمل مشيئة الله ووصاياه وإتمام الفضائل، وعن ارتباط لا يتجزّأ للإيمان والأعمال والمحبة، وكما يعِّبر بولس الرسول: “الإيمان العامل بمحبة” (غلاطية 5: 6). أما عند المتجددين فخلاص الإنسان يتم بطريقة سطحية خفيفة، مجرد مشاعر وتخيلات لتجدد يظن أنه حصل في لحظات، ثم يستمر هكذا تلقائياً، إذ لا توجد بعد حاجة لأية أعمال أو أي دور للإنسان من أي نوعٍ كان. لا بل هم يرفضون علناً الجهاد الروحي تحت شعار أن الإنسان يخلص بالإيمان وحده فلماذا يحتاج بعدُ إلى شيء آخر؟!. وأكثر من ذلك هم يؤكدون بوصفهم متجددين أنهم يعرفون منذ الآن أنهم مخلصون ولا يمكن لأي وضع كان أن يؤثر على هذا الواقع.

ولكن السؤال المهم: هل يتفق كلام الكتاب المقدس مع هذا الادعاء؟. سوف أُعطي بعض الأمثلة لأؤكد أن الإنسان بحسب الإنجيل، مدعو قبل كل شيء إلى أن يجاهد جهاداً مُراً ليَخلُص. لنأخذ بعين الاعتبار أولاً كلمة المسيح المصلوب المحورية: “من أراد أن يتبعني فليحمل صليبه كل يوم ويتبعني، لأن من ينكر ذاته يخلصه ومن يهلك ذاته من أجلي يجدها” (متى16: 24-25). أليست هذه دعوة لجهاد شاقٍّ ضد الأنانية والخطيئة يطال كل الحياة؟ المعمودية ذاتها بوصفها بداية الحياة الجديدة أليست هي دعوة كذلك لصلب ودفن الإنسان العتيق لكي يُبطل جسم الخطيئة -بحسب بولس الرسول- لأنه “إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضاً بقيامته” (رومية6: 3-14). دعوة المسيح المحورية لحمل الصليب وراءه وإنكار الذات، يشدد عليها في كل الأناجيل (متى10: 38-39)، (مرقس8: 34-35)، (لوقا9: 23-24 و 14: 27)، (يوحنا12: 25-26)…، ولكن المتجددين لا يذكرونها قط في كتبهم أو أحاديثهم. لماذا؟ أليس لأنها تدحض جذرياً ادعاءاتهم؟… بولس نفسه كيف عاش؟، يقول في رسالته إلى أهل (غلاطية 2: 20): “مع المسيح صُلبت لكي أحيا، لا أن، بل المسيح يحيا فيّ“. لماذا لبولس الحياة في المسيح؟ ألأنه آمن فقط أم لأنه مع المسيح صُلب!؟، ويتابع في رسالته نفسها (5: 25): “ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات. إن كنا نعيش بالروح فلنسلك أيضاً بحسب الروح” وبماذا أوصى؟: “لَمْ تقاوموا بعد حتى الموت مجاهدين ضد الخطيئة” (عبرانيين12: 4)، “البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكائد إبليس” (أفسس6: 11)، “فاشترك أنت في احتمال المشقات كجندي صالح ليسوع المسيح… وأيضاً إن كان أحد يجاهد لا يكلل إن لم يجاهد قانونياً” (2تيموثاوس2: 5)…. الخ

أما بخصوص معرفة الإنسان أنه مخلص والتي يدعيها المتجددون فماذا يقول بولس الرسول بشأنها؟:

# “أيها الإخوة إن صدف إنسان فأُخذ في زلة ما فأصلحوا انتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة ناظراً إلى نفسك لئلا تجرب أنت أيضاً” (غلاطية6: 1) إذاً هناك خوف من أن يسقط المؤمن.

# “من يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط” (1كورنثوس 10: 12)

# من أجمل وأعظم الآيات في هذا الشأن ما يقوله القديس بولس:”ألستم تعلمون أن الذين يركضون في الميدان جميعهم يركضون ولكن واحد يأخذ الجعالة؟ هكذا اركضوا كي تنالوا، وكل من يجاهد يضبط نفسه في كل شيء أما أولئك فلكي يأخذوا إكليلاً يفنى وأما نحن فإكليلاً لا يفنى. إذاً أنا أركض هكذا كأنه ليس عن غير يقين، هكذا أضارب كأني لا أضرب الهواء  بل أقمع جسدي وأستعبده حتى بعدما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضاً” (1كورنثوس 9:24-27 ) (6). تصوروا أن القديس بولس نفسه رغم كل أيمانه وجهاده، كان دائماً في حالة ضبط وجهاد لدرجة أنه بعد أن كرز للآخرين كان يخاف أن يصير هو نفسه مرفوضاً. كيف يتفق هذا مع ادعاء المتجدد بأنه هو مخلص سلفاً؟، ولكن متى عرف بولس نفسه أنه مخلص أليس في آخر لحظة من حياته بعد أن أعلمه الرب بذلك وبعد أن أكمل السعي؟: “قد جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي، حفظت الإيمان، وأخيرا قد وضع لي إكليل البر الذي يهبه الله في ذلك اليوم” (2تيموثاوس4: 7-8). إذاً أُعطي إكليل البر لبولس بناءً على جهاده الحقيقي طوال عمره.

للأسف أعود وأقول أن كل هذا مرفوض من قبل هؤلاء المتجددين المتطفلين على حياة الخلاص الحقيقية، وكأن الطريق الصعبة التي أشار إليها المسيح حتى يشفي طبيعتنا ويجددنا حقاً ويعطينا نعمة الروح الحقيقية، يضعها المتجددون جانب ويتكلون على شعور نفسي يتحرك لديهم بطريقة ما وينتهي الموضوع عند هذا الحد. بينما الرب يسوع يقول بكل وضوح: “ادخلوا من الباب الضيق، لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي إلى الهلاك، و كثيرون هم الذين يدخلون منه. ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة وقليلون هم الذين يجدونه” (متى7: 13-14)

أما عن الغلبة النهائية فكيف يمكن أن تتحقق بدون صبر وثبات حتى المنتهى؟:

# “ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص” (متى24:13)

# “وهم غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتى الموت” (رؤية 12: 11)

# “تمسك بما عندك لئلا يأخذ احدٌ إكليلك” (رؤية 3: 11)

# من يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي كما غلبت أنا أيضاً وجلست مع أبي في عرشه” (رؤية 3: 21)

هنا لابد من أن أقول لكل المسيحيين أن فكرة الولادة الجديدة والتجدد والتبرير والتقديس هي واقع حقيقي في الكتاب المقدس، يمكن أن يحياه فعلاً أي مسيحي، إنما في كنيسة المسيح وبحسب وصايا الرب، وليس بحسب أوهام المتجددين. وقد عاشه القديسون ويعيشونه عيشاً حقيقياً، وحصلوا ويحصلون على ثمار الروح من خلال نعمة الله وإيمانهم وجهادهم. لكن عندما يأتينا أُناس مثل المتجددين ومن يحذي حذوهم، ويتجرؤون الدخول ويصطادون من أبنائنا تحت شعارات براقة، فهذا علامة بأنه، وإن يكن التعليم الحقيقي وطريق الحياة الحقيقية في تسليم كنيستنا وحياتها، إلا أنه، وللأسف، قسمٌ كبير منا لا يحيا إيمانه، أي أن البعض منا مسيحيون بالاسم بدون إيمان حقيقي وجهاد. لهذا ينطبق عليهم ما جاء في (رومية2: 24): “يُجدفون على اسم الله بسببكم“، أي بسببنا نحن المنتمين إلى الكنيسة الحقيقية، ولكننا لسنا أعضاء فعليين فيها، وليس لدينا ثمار. فلو كان عندنا ثمار الروح في حياتنا لما أقدم أُناس من مثل هذه الفئات التي ذكرناه والتي تستحق الشفقة، وتحتاج هي إلى التبشير، على تبشير خراف المسيح.

دعوة الله هي أولاً إلى أبناء الكنيسة الحقيقية بأن يتوبوا فعلاً ويحيوا إيمانهم ويحملوا صليبهم و يتبعوا المسيح. حينها “لا يمكن أن تخفى مدينة واقعة على جبل ولا أن يوضع سراج تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت” (متى5: 14).

الرب يسوع ينتظر منّا، نحن الأرثوذكسيين، ليس فقط أن ننجح بحماية أولادنا من الانحراف وراء البدع، بل أن نصبح جميعاً من المؤمنين المجاهدين الحاصلين على الحياة، فيضيء نورنا هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالنا الحسنة ويمجدوا أبانا الذي في السموات (7). وفي الواقع فالبشارة الأعظم ستحصل إذا كان إيماننا يُعرف من خلال أعمالنا ومحبتنا وتعاليمنا، وعندها لابد أن يسأل الآخرون عن سبب الحياة والرجاء اللذين عندنا.

أخيراً أختم بوصية الرسول بولس لنا جميعاً “أطلب إليكم أيها الأخوة أن تلاحظوا الذين يصنعون الشقاقات والعثرات خلافاً للتعليم الذي تعلمتموه وأعرضوا عنهم. لأن مثل هؤلاء لا يخدمون ربنا يسوع المسيح بل بطونهم. وبالكلام الطيب والأقوال الحسنة يخدعون قلوب السلماء…. نعمة ربنا يسوع المسيح مع جميعكم. أمين” (رومية 16: 17-24).


(1) أنظر (أعمال 14، 8: 12-17)

(2) سميت هذه الموهبة وهذا السر مسحة أو ميرون (طيب)، لأنه عندما ازداد عدد المؤمنين وأصبح متعذراً على الرسل وخلفائهم أن يطوفوا في كل مكان لكي يضعوا أيديهم على المتعمدين، رأى الرسل تحت إرشاد الروح القدس أن يستبدلوا وضع الأيدي بالمسيح بالميرون الذي تقدس بصلاتهم، كما كان يسمح الملوك والأنبياء في العهد القديم بمزيج من الطيوب وزيت الزيتون (خروج 30: 12- 33)

(3) “من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه” (يوحنا 5: 65)

(4) “من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير” (يوحنا 6: 54 و51، 53، 57، 58)

(5) للتأكد أنظر مثلاً (رومية 2 : 6) : “الذي سيجازي كل واحد حسب أعماله” . و(رؤيا 20: 12-13) : “ويدين الأموات… بحسب أعمالهم”. أو: (متى 16 : 27)، (كورنثوس الثانية 5 : 20).. الخ

(6) أنظر أيضاً (تيموثاوس الثانية 2 : 11-12) وغيرها كثير…

(7) أنظر (متى 5 : 16)

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
انتقل إلى أعلى