حجّاي هو واحد من نبيين – تبعه زكريا – كان لهما الدور الأبرز في حضّ العائدين من المنفى على الرجوع الى الله وتذكّر نعمه… ودفعهم تاليا الى استكمال بناء هيكل اورشليم “الذي كان ساقطا قديما”. غير ان هذا لا يمنع القول إن أهمية حجاي (وَعَظَ ما بين شهري آب وكانون الأول من العام 520 ق.م.)، في التاريخ المقدَّس، تفوق هذا الدور، إذ إنه أنبأ أيضاً بمجيء المسيح الذي هو “الفداء الخلاصي لكل البشر”، كما تقول خدمة عيده في 16 كانون الاول.
لا بدّ أن نذكر بدءًا أنه في العام 538 ق.م. قاد زرُبابل، حفيد الملك يهوياكين، أول دفعة من اليهود المنفيّين الراجعين الى ارض الآباء. فشرع هؤلاء، بحماس كبير، ببناء هيكل اورشليم الذي دمَره البابليون في العام 587 ق.م. ليكون صالحا لممارسة أعمال العبادة (عزرا 3: 7-12).
غير ان معارضة الحُكام وتهديداتهم ومؤامرات بعض المُغرضين أَوهنت عزيمة الشعب ودفعتهم الى التوقّف عن العمل (عزرا 4: 4و5)، فانتفض حجاي، في السنة الثانية لمُلك داريوس (1: 1و15)، على هذا الواقع، وبفضل نشاطه النبوي (ومساعي زكريا النبي، راجع: عزرا 5 :1و 2) عاد الشعب الى العمل من جديد (تمّ بناء الهيكل في السنة 516 ق.م. وتدشينه في العام 515).
لم يكن حجاي، على العموم، نبيا كاتبا، وذلك أن هذا التقرير الذي هو عبارة عن أربع خطب صغيرة نقلها النبي عن لسان الله الى شعب متقاعس عادم الحجة (1: 2-15، 2: 1-9، 2 :10-19، 2: 20-23)، قد دوّنه، كما يُرجَّح، شاهد عيان (لعلّه كان احد تلاميذ النبي، او واحداً من خدام الهيكل الذي كان حجاي قريبا منهم).
يفتتح حجاي مؤلفه بعنوان طويل (1: 1)، يُدخِلنا بعده توا في قلب رسالته، فهو مرسَل من الله ليقلب أفكار الذين أعادوا – بعد عودتهم من المنفى – بناء بيوتهم، واما بيت الرب فتركوه مدمّرًا (1: 2-4). ثم يحاول أن يردّ الشعب الى تذكّر الله ونِعَمِه، فيدعوهم، في ما يفسِّر لهم علامات الزمن، الى أن يتأملوا في مصيرهم: يزرعون كثيرا والغلال قليلة، يأكلون ولا يشبعون، يشربون ولا يرتوون… والذي منهم “يأخذ أجرةً يأخذها في صُرّة مثقوبة” (5و6). ويبين لهم أن كل هذه الويلات (الفقر، الجوع وندرة الغلال…) التي يعانون منها هي عقاب على جفافهم الروحي، إذ إنهم نسوا اللهَ الذي بيده خيرات هذا العالم ومشيئتَهَ، وغَرقوا في اهتماماتهم الذاتية (1 :7-11). أتت كلمة الرب ثمرها فأَنهضت ضمير الأمّة، ولم تكد تَمضي ثلاثة اسابيع حتى “اتوا وباشروا العمل في بيت رب القوات إلههم” (1: 12-15).
في بدء الإصحاح الثاني يطلب الله من حجاي أن يكلم “زرُبابل بن شألتيئيل، حاكم يهوذا (ظنَّه اليهود المسيح الآتي فخاب أملهم)، ويشوع بن يوصاداق، الكاهن العظيم، وبقية الشعب”، ويوجّه قلوبهم نحو هيكل جديد اكثر مجدا من الهيكل الاول يستقطب اسرائيل من جديد ويُشكّل محور حياته.
غير أن رسالة النبي سترفع أنظار المؤمنين، وآمالهم الى زمن النهاية، وذلك أن ما سوف يُبنى ليس إلا صورة رمزية لهيكل الله الحقيقي الذي هو المسيح الآتي ليعطي العالم “السلام” والازدهار (2-9)، ويدشّن في الارض ملكوت ابيه. ثم يتابع حجاي أقواله فإن ما يطلبه الله لا يتوافق ونجاسةَ الشعب (10-14؛ سيتابع زكريا، بتركيز اكبر، حث الشعب على النقاوة)، فيذكّرهم بما هم عليه، ليتعلّموا من سوء حالهم فلا يعودوا الى خطاياهم الآنفة، “ويتوبوا” الى الرب الذي سيباركهم اذا رجعوا اليه بكل قلوبهم قبل أن يضعوا “حجراً على حجر” في هيكله (15-19).
ينتهي السفر بوعدٍ الى زرُبابل باعتباره وارثا لعرش داود: “آخذك… وأجعلك كخاتم فإني قد اخترتك” (20-23)، وذلك لا لأية صفة شخصية فيه، وإنما لانه حلقة من سلسلة النَسَب الممتدة من داود الى المسيح (متى 1: 12) مختار الله الآب “وخاتمه المُساوي لله في الرسم”، كما تقول ليتورجيا القديس باسيليوس الكبير.
هذه النهاية المشرقة، التي يقدّمها لنا سفر النبي حجاي، تبقى، على الرغم من تحقّق مضمونها، دعوة لنا اليوم في ما نتهيّأ لعيد ميلاد الرب، الى أن ننتظر أزمنة الخلاص الجديدة بشوق وفهم، وذلك أن الله آتٍ ليضرب خيمته بيننا (يوحنا 1: 14) في ابنه يسوع الهيكل الحي والحقيقي (يوحنا 2: 19-21)، ويبنينا نحن “بيتا روحيا كهنوتا مقدّسا لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح” (1 بطرس 2: 5).
طروبارية باللحن الثاني
إننا معيدون لتذكار نبييك حجي، وبه نبتهل إليك يارب، فخلص نفوسنا.