” هذا وإنكم عارفون الوقت أنها الآن ساعة لنستيقظ من النوم ” (رو11:13).
1 بعدما أوصى بكل ما ينبغي فعله، يحثهم مرة أخرى أن يتمموا الأمور الصالحة على وجه السرعة. لأن وقت الدينونة هو قريب جداً، تماماً كما كتب إلى أهل كورنثوس، قائلاً: ” الوقت منذ الآن مُقصر “ [1]. وأيضاً كتب إلى العبرانيين ” لأنه بعد قليل جداً سيأتي الآتي ولا يُبطئ “ [2]. لكنه في هاتين الرسالتين قال هذا لكي يُشدد الذين تعبوا، ولكي يُعزيهم لأجل المتاعب، والتجارب المتوالية، بينما هنا (أي في رومية)، قال هذا لكي يوقظ أولئك الذين ناموا (أي المتغافلين). كذلك فإن هذا الكلام نافع للاثنين أيضاً. لكن ما معنى قوله: ” أنها الآن ساعة لنستيقظ من النوم “؟ يعني أن القيامة قريبة، أن الدينونة الرهيبة قريبة، أن اليوم الذي يحرق مثل كمين النار هو قريب، ويجب بالأكثر أن نتخلص من اللامبالاة. لأن ” خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنا “.
أرأيت كيف أنه يقدم الآن موضوع القيامة لهؤلاء؟ لأنه بينما يمر الزمن، يُنفق وقت الحياة الحاضرة، ويأتي زمن الحياة الأبدية قريب جداً. إذاً لو أنك مستعد وتتمم كل ما أوصى به، يصير اليوم يوم خلاص، لك، أما إذا حدث العكس، فإن اليوم لن يكون بعد يوم خلاص.
لكنه لم يعظ في البداية عن الأمور المحزنة، بل عن النافعة، لكي يُخلّصهم بذلك من شهوة الأشياء الحاضرة. لكنه تحدث عن ما هو محزن بعد ذلك، لأنه كان من الطبيعي أن يُظهروا استعداد أكثر في البداية، طالما كانت رغبتهم شديدة. إلاّ أن الرغبة تتلاشي تماماً مع مرور الزمن، وهنا يبدأ يوصيهم بأنهم لا يجب أن يفعلوا العكس، فلا يتراخوا كلما عبر الزمن، بل بالأكثر يكثفوا من محاولاتهم. لأنه كلما أقترب موعد الملك، كلما زاد الاستعداد وكلما أقترب موعد المكافئة، بقدر ما ينبغي بالأكثر أن نُزيد استعدادنا للجهاد. لأن هذا ما يفعله العدائون، حين يصلون بالقرب من نهاية الطريق واستلام الجائزة، فهم يشددون بالأكثر من بذل جهد قوي ولهذا قال ” خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنا “.
2 ” قد تناهى الليل وتقارب النهار ” (رو12:13).
إذاً إن كان الليل ينتهي، فالنهار يقترب. فلنصنع بالأولى تلك الأعمال (أي أعمال النور)، وليست هذه الأعمال (أي أعمال الظلمة). خاصةً وأن هذا هو ما يحدث في الأمور الحياتية. حين نرى أن الليل يركض نحو السحر، ونسمع شدو العصفور، فإن كل واحد يوقظ قريبه، وإن كان بالطبع مازال ليل. ونظراً لأن الليل يرحل بالفعل فنحن نتصرف في عجالة ونتمم كل شيء تلو الأخر فالنهار قد طلع عندئذٍ ونصنع كل ما يليق بالنهار، أي نرتدي ملابسنا، نفيق من الأحلام، ونودع النوم، لكي يجدنا اليوم مستعدين، حتى لا نبدأ وقت أن نستيقظ مباشرة بل ونشدد أنفسنا حين تشرق الشمس. إذاً ما نصنعه في حياتنا اليومية، فلنصنعه هنا أيضاً. فلنتجاوز الخيال، ولنتخلص من أحلام الحياة الحاضرة، ولنترك النوم العميق، ولنلبس الفضيلة بدلاً من الملابس. لكي يعلن عن كل هذا، قال ” فلنخلع أعمال الظلمة. ولنلبس أسلحة النور “. خاصةً وأن يومنا يدعو للإصطفاف والمعركة.
لكن لا نخاف حين نسمع إصطفاف ومعركة. لأن التسلح بالأسلحة المادية، يُعتبر أمراً ثقيلاً وغير مرغوب فيه، بينما هنا هو أمر مرغوب فيه ويستحق أن نطلبه، لأن الأسلحة هي أسلحة النور. ولهذا فإنها تظهر لك أكثر بهاءً من أشعة الشمس، لأنها تشع نوراً كثيراً، وتؤمّنك، وتجعلك تشرق بشكل فائق، لأنها أسلحة النور. ماذا إذاً؟ هل هناك حاجة لنحارب؟ نعم بالطبع لا ولكن لنجهد أنفسنا، وأن نتعب، لأن هذه ليست حرب حرباً، بل فرحاً واحتفالاً. هذه هي طبيعة هذه الأسلحة (أسلحة النور)، وهذه هي قوة القائد. وتماماً مثل العريس الذي يتزين ويخرج من غرفة العرس، هكذا أيضاً ذاك الذي هو مُدَعَم بهذه الأسلحة (أسلحة النور). خاصةً وأن كل من الجندي والعريس، يتزين بها في مسيرته. لكن فبعدما قال إن النهار اقترب، لم يتركه يقترب، بل يقدمه على الفور، لأنه يقول:
” لنسلك بلياقة كما في النهار ” (رو13:13).
إذاً الآن بلغ النهار. عن وأخذ يجذب هؤلاء طريق الأمور التي يُنصح بها الكثيرين، يجذب هؤلاء، أي اللياقة. لأن الكثيرين تحدثوا مع هؤلاء كثيراً عن المجد. ولم يقل “أن نسلك”، بل قال “لنسلك”، لكي يجعل النصح بلا ضجر، ولتخفف من التوبيخ.
” لا بالبطر والسكر”، لا أن يمنع المرء عن أن يشرب، بل يوصيه بألا يشرب بشكل مبالغ فيه، ولا يمنعه من أن يستمتع بالخمر، بل يمنعه أن يستمتع بفجور، تماماً مثل الكلام اللاحق أيضاً، إذ يُشير إليه بنفس المعيار قائلاً: ” لا بالمضاجع والعهر “. وبالطبع هو هنا لا يبطل الإتحاد الجسدي بالنساء، لكنه يرفض الزنا. ” لا بالخصام والحسد”. أي يحرم الأشياء القاتلة من الأهواء، والشهوة والغضب. ولهذا تحديداً لا يبطل هذه الأمور فقط، بل ويُبطل مصادرها أيضاً. لأنه لا يوجد شيء يُشعل الشهوة بهذا القدر الكبير، ويجعل الغضب أمراً لا مفر منه، سوى السكر والفجور. ولذلك بعدما قال أولاً “لا بالبطر والسكر”، أضاف لا بالمضاجع والعهر. لا بالخصام والحسد”. ولم يتوقف عن هذا الحد، بل بعدما نزع عنا الملابس المدنسة، اسمع كيف يزيّننا فيما بعد قائلاً: ” بل البسوا الرب يسوع المسيح “. لم يشر بعد إلى الأعمال، بل حثهم (عليها) إلى أقصى درجة. لأنه حين كلمهم عن الشر، أشار للأعمال، بينما حين تكلم عن الفضيلة، لم يشر بعد للأعمال بل للأسلحة، مظهراً أن الفضيلة تقود من يقتنيها إلى الأمان وإلى كل بهاء. ولا هنا أيضاً توقف، بل استمر بالحديث إلى ما هو أعظم، والذي هو أمر مُرعب جداً، يُقدم لنا الرب نفسه كملبس، الملك ذاته يقدمه كملبس. لأن ذاك الذي هو لابس الرب، يملك كل الفضيلة.
لكن عندما يقول “البسوا” يأمر أن نلبسه من كل جانب، تماماً كما يقول في موضع آخر ” إن كان المسيح فيكم “ [3] ، وأيضاً ” ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم “ [4] . كذلك يريد أن نكون أنفسنا مسكناً للمسيح، ونلبسه كملبس، لكي يكون لنا كل شيء من الداخل ومن الخارج. لأنه هو كما لنا، إذ هو ” ملء الذي يملأ الكل في الكل “ [5] . وهو طريق، وزوج، وعريس، لأنه يقول ” خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح “ [6] ، وهو الأصل أو الجذر، والماء وطعام الحياة ” أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ “ [7] ، وهو رسول، ورئيس كهنة، ومعلّم، وأب، وأخ، ووارث، وشريك في قبرنا وصليبنا ” فدفنا معه .. للموت .. صرنا متحدين معه بشبه موته “ [8] ، متوسل ” نسعى كسفراء عن المسيح “ [9] ، وشفيع عنا أمام الآب ” بالحرى يشفع فينا “ [10] ، وهو المسكن والساكن ” يثبت فيّ وأنا فيه “ [11] ، وهو مُحب ” أنتم أحبائي “ [12] ، وهو الأساس وحجر الزاوية، ونحن أعضائه، ونحن الحقل، والبناء، والأغصان، ونحن عاملون معه.
ومن هو الذي لا يريد أن يصير منا، لكي يربط فيما بيننا ويوحدنا معاً بكل طريقة؟ الأمر الذي هو سمة ذاك الذي يُحب بشكل فائق. إذاً لتخضع، وبعدما تستيقظ من النوم، فلتلبس المسيح، وبعدما تلبسه، أن تهب جسدك له بالطاعة. لأن هذا هو ما أشار له قائلاً:
“ولا تصنعوا تدبيراً للجسد لأجل الشهوات” (رو14:13).
فكما أنه لم يمنع شرب الخمر، بل منع السكر، ولم يمنع الزواج، بل منع الفجور، هكذا لم يحرم الاعتناء بالجسد، بل أنه قد حزر من إشباع شهوات الجسد، أي الشعور بالاحتياج المبالغ فيه. فمن حيث أنه يأمر بالاهتمام بالجسد، اسمع ماذا يقول لتيموثاوس ” استعمل خمراً قليلاً من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة “ [13]. هكذا هنا أيضاً، فهو يوصي بالاهتمام بالجسد، ولكن من اجل سلامة الصحة، وليس من أجل الفجور. إن تتوفر الظروف التي تساعد على إشعال النار بشكل مخيف لا يمكن اعتباره رعاية أو اهتمام ولكي تعلموا جيداً، ماذا يعني، على أية حال، أن يعتني المرء بالجسد بالنسبة لإشباع شهواته، ولتدركوا كيف يمكن تجنب الأهتمام الخاطئ عليكم أن تتذكروا السكارى، والذين هم عبيد لبطونهم، والذين يفتخرون بملابسهم، والفاسقين، وأولئك الذين يحيون حياة اللذة، حياة مملوءة بالمتع، وستعرفوا معنى ما قيل.
لأن أولئك الذين يفعلون كل شيء، هم يفعلون ذلك، لا من أجل أن يصيروا أكثر صحة، بل لكي يشعروا بالمتعة، لكي يشعلوا الشهوة. لكن أنت يا من تلبس المسيح، عندما تنقض كل هذا، لتطلب شيئاً واحداً فقط، كيف يكون لك جسداً صحيحاً. وتعتني به إلى هذا الحد فقط، وليس أكثر من ذلك، بل أن تخصص كل رغبتك لاقتناء الصلاح الروحي أو الخيرات الروحية. إذاً هكذا سيمكنك أن تستيقظ من هذا النوم، دون أن تشعر بثقل من هذه الشهوات المتنوعة. كذلك فإن الحياة الحاضرة، هي نوم، وكل ما يحدث في هذه الحياة، لا يختلف أبداً عما يحدث في الأحلام. وتماماً مثل هؤلاء الذين ينامون، ويهذون، ومرات كثيرة لا يرون شيئاً صحيحاً، هكذا نحن أيضاً، وربما تكون أسوأ بكثير. من يرتكب أفعالاً فادحة أثناء الحلم فهو لا يُعاقب عليها عندما يسقط بل يتخلص منها. أما بالنسبة لما يحدث بالفعل فإن عقابه لا ينتهي وهكذا الخجل الذي يتبعه هذه الأفعال. أيضاً كل من صار غني في الحلم، عندما يشرق النهار، يُوبخون، لأنهم اغتنوا مصادفةً، بينما هنا قبل أن يطلع النهار، فإنهم يلقوا أكثر من التوبيخ، وقبل أن ننتقل إلى هناك، تكون هذه الأحلام قد تبددتْ.
3 إذاً فلنتخلص من هذا النوم الخبيث. لأنه إن كان يومنا قد كرّس للنوم، فسيتبعه موت أبدي. بل أننا قبل ذلك اليوم، سنكون ضعفاء أمام كل الأعداء، الذين يأتون من هنا (من النوم أو الكسل) وأمام الناس، وأمام الشياطين، وإن أرادوا أن يهلكونا، فلن يوجد يمنعهم من ذلك. لأنه إن كان الساهرون (أي اليقظون) هم كثيرين فإن الخطر لن يكون كبيراً بهذا القدر، لأن واحد، وربما اثنين، أشعل سراجاً وظل ساهراً، بينما ينام الآخرون، تماماً مثلما يحدث في منتصف الليل، ولذلك يُفرض علينا الكثير من اليقظة والكثير من الأمان، حتى لا نُصاب بشرور لا تُصحح. ألا يبدو لنا الآن كيف أن النهار مشرق؟ ألا نعتقد جميعنا، أننا استيقظنا وأننا هادؤن؟ لكننا جميعاً (ربما تسخرون من الكلام، لكنني سأقوله)، نشبه أولئك الذين يغطون في نوم عميق ويشخرون. وإن كانت هناك إمكانية أن نرى كائناً جوهراً غير جسداني، فيكون معنى ذلك أن الأكثرية تغط في نوم عميق، بينما الشيطان يثقب الأسوار ويفترس كل النائمين، وسلب كل ما يوجد في الداخل، صانعاً كل هذا بكل اطمئنان كمن يعمل في ظلام دامس. أو من الأفضل أن نقول، أن الشيطان يعرف أنه يستحيل على أحد أن يراه، إلا أننا نراه عن طريق الكلام الرديء ولنفكر في كم هم الذين يحاربون بالرغبات الشريرة، والذين سيطر عليهم المخدر المخيف الناتج عن الفجور، وكم عدد الذين يطفئون نور الروح تماماً. ولهذا إذاً يرون، أن الإنسان عندما يكون مستغرقاً في حلم يري ويسمع ولكن ليس بطريقة واقعية، ولذلك فهو لا يصغي إذا ما تكلم أحد مستيقظ.
لكن إن كنت أنا أكذب عندما أتحدث عن هذه الأمور، وإذ كنت أنت يقظاً، أخبرني، ماذا حدث اليوم هنا، إن لم قد حدث كما لو كان في حلم؟ وأنا أعرف بالطبع أن البعض سيقولوا لماذا لم أتحدث عن هذه الموضوعات في مواجهة الجميع. لكن أنت يا من أنت مُذنب فيما يختص بالأمور السالفة، والذي دخلت هنا بلا فائدة، تكلم، أي نبي، وأي رسول حدّثنا اليوم، وعن أي الأشياء تحدث. أنت لا تستطع أن تقول، لأنك تكلمت عن أمور كثيرة هنا، كما في حلم، دون أن تستمع للأمور الحقيقية. لكن لنتكلم عن هذه الأمور بالنسبة للنساء، خاصةً وأن النوم عندهن كثير، وليته وهو نوم لأن من ينام لا يتكلم بالشر، ولا بالصلاح، بينما اليقظ مثلكم يتكلم كثيراً عن شره، يعد الفوائد، ويحسب الأرباح ويعد لحسابات القروض يحمل في ذاكرته خمراً (سكراً) فاسداً، يزرع شوكاً كثيفاً في نفسه، لا يترك البذرة قليلاً حتى تثمر عليك أن تستيقظ تماماً، وانزع هذا الشوك من الجذور، وتحرر من السكر، لأن من هنا يأتي النوم. لكنني لا أقصد بالسكر، سكر الخمر فقط، بل الاهتمامات الحياتية أيضاً، ومع سكر هذه الاهتمامات، يأتي السكر من الخمر أيضاً.
وأنا لا أنصح الأغنياء فقط بهذه الأمور، بل والفقراء أيضاً، وبخاصةً أولئك الذين يصنعون موائد الأغابي. لأن هذا لا يُمثل متعة، ولا تجلب راحة، بل جزاءاً وعقوبة. لأن المتعة ليست أن نتكلم كلاماً وقاحاً، بل أن نتكلم بوقار، أن نشبع، لا أن نتشاحن. أما إن اعتقدت أن في هذا لذة، فاظهر لي في المساء هذه اللذة. أنك لا تستطيع أن تظهرها. وأنا لم أتكلم بعد عن الأضرار التي تأتي من هنا (أي من السكر)، بل أكلمك أولاً عن اللذة التي تذبل على الفور. لأنه في لحظة واحدة تنفض المائدة ويختفي الفرح. لكن عندما أشير إلى القيء، وأوجاع الرأس، والأمراض التي لا تُعد، وأسر النفس، ماذا ستقول في كل هذه الأمور؟ فهل لأننا فقراء، يجب أن نسلك بلا وقار؟ أنني أتكلم عن هذه الأمور، لا لكي أمنعكم أن تعدوا موائد مشتركة، ولا لكي أمنعكم عن أن تقيموا طعام مشترك، بل لكي أمنعكم أن تسلكوا بلا وقار، ولأنني أريد للمتعة أن تكون متعة حقيقية، وألا تكون جزاء وعقاباً، وسكراً، وتسلية. ولعلم الأمم، أن المسيحيين يعرفوا على أية حال كيف يستمتعوا ويتمتعوا، وأن يتمتعوا بوقار. يقول المرنم “افرحوا في الرب بخوف” [14] . وكيف يكون ممكناً أن نفرح؟ نفرح ونحن نقول التسابيح، ونرفع الصلوات، ولتحل المزامير محل تلك الأناشيد السفيهة.
وهكذا فإن المسيح سيوجد بجوارنا على المائدة، وسيمتلئ بالبركة الطعام والشراب، عندما تصلي، وعندما ترنم روحياً، وعندما تدعو فقراء إلى الشركة في الطعام المقدم، وعندما تفرض طاعة كبيرة ووقاراً على المائدة. هكذا أيضاً ستصنع الكنيسة الطعام والشراب، ويسبح الجميع الرب، ويحل هذا التسبيح مكان الصياح والمديح غير اللائق. ولا تقل لي، إنه قد ساد ناموس آخر، بل عليك أن تصحح الأوضاع الشريرة التي تصاحب السلوكيات هكذا يقول: “فإذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئاً فافعلوا كل شيء لمجد الله” [15] . خاصةً وأن الرغبات الشريرة تتولد من هذه الموائد ومنها يأتي الفجور، ومن هنا (أي من هذه الموائد) تُحتقر نساءكم، بينما تُكرَّم العاهرات، من هنا يأتي انحلال أو تفكك العائلات، وتأتي شرور لا حصر لها، وتعم الفوضى كل شيء، وبعدما تركتم النبع النقي، ركضتم إلى مجرى الوحل. ومن حيث أن جسد الزانية هو وحل، فإنني لا أسأل أحداً في هذا الأمر، بل أسألك أنت يا من تتمرغ في الوحل، إن لم تخجل من نفسك، إن لم تتصور كيف أنك دنس بعد الخطية.
4 ولهذا أتوسل إليكم أن تتجنبوا الزنا، ومصدره الذي هو السكر. لماذا تغرس حيث لا يمكن أن تحصد، أو ربما حتى وإن حصدت بعد، فإن الثمر يحمل لك كثيراً من الخجل؟ لأنه، حتى وإن وُلد ولد من هذه العلاقة الآثمة، فإن هذا يخجلك، ويكون (الولد) قد ظُلم بسببك، طالما أنه يعتبر أبناً شرعي، ومن أصل سيء. حتى وإن كنت بعد تترك له أموالاً طائلة، فهو يصير محتقراً في البيت، ومحتقر في المدينة، ومحتقر في القضاء.
هذا هو المولود من زانية، هذا هو المولود من سفاح أو خداع، بل وأنت أيضاً تكون، مُحتقراً حين تعيش، وحين تموت. لأنه حتى وإن مت بعد، تظل ذكريات أعمالك المشينة باقية. لماذا إذًاً تُخجل كل شئ؟ لماذا تبذر، حيث تحاول الأرض أن تبيد الثمر؟ تبذر حيث الأجزاء المجدبة أو القاحلة كثيرة؟ حيث قبل الولادة يوجد قتل أو اغتيال؟ خاصةً وأن الزانية لا تتركها تبقى زانية فقط، بل تجعلها قاتلة أيضاً. أرأيت، كيف أن العهر يأتي من السكر، والزنا يأتي من العهر والقتل من الزنا؟ بل وربما شيء أسوأ من القتل، لأنني لا أستطيع أن أسمى هذا الأمر. لأنه لا يقتله بعدما يولد، بل ويمنعه أن يولد. إذاً لماذا تحتقر عطية الله، وتحارب نواميسه، وهذا الذي يُعد لعنة، تسعى أنت نحوه كبركة، ومستودع الولادة، تجعله مستودع قتل، والمرأة التي أُعطيت لك لولادة الأبناء، تعدها للقتل؟ كما أنك لا ترفض أن هذه المرأة مبهجة ومرغوباً فيها لدى العشاق، وتجمع أموال أكثر، فتجمع بسبب هذا ناراً حارقة فوق رأسك. لأنه على الرغم من أن الإباحية تُنسب لها، لكن السبب يرجع إليك.
من هنا تأتي عبادة الأوثان. لأن كثيرات، لكي يصرن جذابات يبتدعن تمتمات (صلوات)، وأحجبة، وطرقاً أو وسائل سحرية جنسية وأشياء أخرى لا تُعد. لكن بعد هذا القُبح الكبير وبعد حالات قتل كثيرة، وبعد عبادة أوثان، فقد بدى الأمر للكثيرين أنه لا يستحق الاهتمام، على الرغم من ان الكثيرين لديهم نساء. وهنا يظهر بالأكثر حجم الشرور لأنهم يلجأون إلى الشعوذة، ليس في بطن الزانية بل لدى المرأة المظلومة، وإلى آلاف المكائد، وستدعون الشياطين، ويتصلون بالموتى (عن طريق العرافة)، ويشنوا حروباً يومية، ومعارك وحشية، ونزاعات يومية. ولذلك فإن القديس بولس، بعدما قال ” لا بالمضاجع والعهر” أضاف ” لا بالخصام والحسد”، لأنه يعرف الحروب التي تأتي تنشب عن طريق هذه الأمور، وتفكك العائلات، والظلم الذي ينال من الأولاد المهذبين، والشرور التي لا حصر لها. ولكي نتجنب إذاً كل ذلك، فلنلبس المسيح، ولنكن دوماً معه. وألا نتركه أبداً، فإن معنى كلمة “لبس” هو أن يظهر المسيح من داخلنا من كل الجوانب من خلال قداستنا، من خلال صلاحنا. هكذا نقول لأصدقائنا أن فلاناً قد لبس فلاناً، قاصدين المحبة الكبيرة، والعشرة المستمرة. لأن من لبس، يبدو هو ذاك الذي لُبس.
إذاً ليظهر المسيح من داخلنا من كل جانب. وكيف سيظهر؟ إن فعلت ما يفعله. وماذا فعل هو؟ ” أما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه “ [16] . هذا ما يجب أن تتشبه به أنت أيضاً. كان يجب أن يحيا متمتعاً بالطعام، فأكل خبز الشعير. كان يحتاج للسفر فلم يجد خيولاً، ودواباً، فمشى مسافات طويلة جداً، حتى أنه تعب أيضاً. كان يحتاج أن ينام، لكنه تمدد (نام) وجعل من مقدمة السفينة وسادة لرأسه. احتاج أن يُجلسهم للطعام، وأمر أن يجلسوا فوق العشب. بل وملابسه أيضاً كانت زهيدة، وفي حالات عديدة بقى وحده، دون أن يُحضر أحد معه، وطالما أنك تعرف كل ما حدث في الصليب، والإهانات، وكل شيء بشكل عام، فلتفعل كل هذا، وتكون قد لبست المسيح، إن لم تهتم بإشباع شهوات الجسد. لأن هذا الأمر لا يحمل أي فرح. خاصةً وأن هذه الشهوات تلد أيضاً أشياء أخرى مؤلمة، ولن تشبع أبداً. إن الذي يعيش في الشهوات يعطش دائماً يشبه من يظل عطشاناً، وحتى وإذا وجدت بالقرب منه آبار مياه لا حصر لها، فإنه لن يربح شيئاً من ذلك، طالما أنه لا يستطيع أن يطفئ شهوته، هكذا ذاك الذي يعيش دوماً بالشهوات.
أما إذا تدرب الجسد على الحرمان، فلن يصاب مطلقاً بهذه الحمى (أي حمى الشهوات)، بل سيفارقك السكر، والعهر. إذ عليك أن تأكل بقدر ما توقف الجوع، وتلبس، بقدر ما تتغطى فقط، ويجب ألا تزين الجسد بالملابس لكي لا تهلكه. خاصةً وأنك بهذا تجعله أكثر ضعفاً، وتضر بالصحة، بعدما تضعفه بكثير من الحماقة. لكي يكون لك إذاً عربة حسنة للنفس، لكي يجلس القائد بأمان أمام عجلة القيادة، ولكي يستخدم الجندي الأسلحة بسهولة، فعليك ممارسة كل ذلك كما ينبغي. لأن ما يجعلنا لا نقبل الهزيمة، ليس هو أن نمتلك الكثير، بل هو أن نحتاج للقليل. لأن ذاك (أي الذي يمتلك الكثير)، حتى وإن لم يُظلم بعد، يخاف، بينما ذاك (الذي لا يحتاج إلاّ للقليل)، حتى وإن ظُلم بعد، سيكون في حالة أفضل من أولئك الذين لم يُظلموا بعد، ولهذا سيوجد في بهجة أكثر. إذاً يجب ألا نطلب هذا (أي الكثير)، أي يجب ألا يصيبنا أحد بالضرر، بل وحتى إذا كان يريد بعد أن يؤذينا، فإنه لن يستطع. وهذا لن يحدث بأي حال على الإطلاق، حين نحتمل الحرمان، ولا نشتهي المزيد. لأنه هكذا إنطلاقاً من هذا السلوك، سنستطيع أن نحيا حياة مملوءة بالمتعة، وسننال خيرات الدهر الآتي، بالنعمة ومحبة البشر اللواتي لربنا يسوع المسيح الذي يليق به مع الآب والروح القدس المجد إلى دهر الدهور آمين.
[1] 1كو29:7.
[2] عب37:10.
[3] رو10:8.
[4] أف17:3.
[5] أف23:1.
[6] 2كو2:11.
[7] غلا20:2.
[8] رو4:6ـ5.
[9] 2 Corinthians 5:20.
[10] رو34:8.
[11] يو56:6.
[12] يو14:15.
[13] 1تيمو23:5.
[14] مز11:2 (س).
[15] 1كو31:10.
[16] لو58:9.