“من هو ضعيف في الإيمان فاقبلوه لا لمحاكمة الأفكار. واحد يؤمن أن بأكل كل شيء وأما الضعيف فيأكل بقولاً” رو1:14-2.
1-أعرف إن ما قيل هو أمر غير مفهوم لدى الكثيرين. ولهذا يجب أولاً أن أتكلم عن موضوع هذا الجزء في مجمله، وماذا يُريد أن يُصحح وهو يكتب عن هذه الأمور. إذاً ماذا يريد أن يصحح؟ هناك كثيرون من اليهود قد آتوا إلى الإيمان وهم لم يتحرروا بعد من الضمير الناموسي، هؤلاء حتى بعد الإيمان حفظوا مسألة التمييز بين الأطعمة، دون أن يتجرأوا بعد على الإبتعاد بشكل نهائي عن الناموس. ثم بعد ذلك وحتى لا يصيروا مفهومين، تجنبوا فقط أكل لحم الخنزير، ثم تجنبوا بعد ذلك كل اللحوم وأكلوا بقول فقط. حتى يبدوا أن ما يحدث، هو صوم، وليس حفظاً للناموس. البعض الآخر أيضاً كانوا أكثر كمالاً، دون أن يصنعوا تمييزاً مشابهاً، وقد صاروا سبب ضيق وحزن لأولئك الذين يحفظون هذه الأمور بتدقيق، مُبكتين، ومُدينين، ومُثيرين للضيق .
إذاً فخشية الرسول بولس، هي ربما وهم يريدون أن يصححوا شيءً بسيطاً، يحطمون كل شيء، وفي محاولتهم أن يقودوهم إلى عدم الإهتمام بالأطعمة، يجعلونهم يخسرون الإيمان أيضاً، مبادرين إلى تصحيح كل شيء قبل الوقت المناسب، فيثيروا الخسارة في الأوقات المناسبة، ويبلبلوا أفكار هؤلاء في إعترافهم بالمسيح، بأن يوبخونهم بإستمرار. فيبقوا هكذا بلا تصحيح أو إصلاح في الاثنين أي الحياة الجسدية والحياة الروحية، أنظر إلى رؤية ق. بولس وكيف إنه يعتني بالجانبين، بحكمته المعتادة. لأنه لا يريد أن يقول لأولئك الذين وُبخّوا، إنكم سلكتم بصورة سيئة، حتى لا يبدو إنه يدعم أولئك في حفظهم للناموس، ولا أيضاً يقول لهم إنكم صنعتم حسناً، حتى لا يجعل عمل المُدنيين أكثر قسوة، لكنة يؤنب بحكمة. ومن الواضح إنه يؤنب من هم أكثر قوة على المستوى الروحي، لكن مجمل حديثه كله موجه لأولئك (الذين يحفظون الناموس)، وبعد ذلك يحوّله تجاه هؤلاء (الذين يؤنبونهم) لأن هذا النصح هو على كل الأحوال يزعج بصورة أقل، وذلك حين يتحول المرء بحديثه لآخر، فيصيب شخصاً آخر. لكن ولا ذاك الذي يُوَبخ، يتركه لكي يصل لمرحلة الغضب، وفي نفس الوقت ودون أن يشعر به أحد، يقدم دواء التصحيح.
لاحظ إذاً كيف إنه يصنع هذا بتعقل وفي اللحظة المناسبة. لأنه بعدما قال: “ولا تصنعوا تدبيراً للجسد لأجل الشهوات”[1]، حينها حّول كلمته نحو هؤلاء، لكي لا يبدو إنه يتكلم مدافعاً عن أولئك الذين يوبخون، ويحرضون على أن يأكلوا جميع الأطعمة. خاصةً وأن العضو الضعيف، يحتاج دوماً لرعاية أكثر. ولهذا يتوجه مباشرة نحو العضو القوي قائلاً: “ومن هو ضعيف في الإيمان”. أرأيت أن أول ضربه أعطيت مباشرة لذاك (أي للقوي) ؟ لأنه يقول “من هو ضعيف”، لقد أظهر كيف أن ذاك هو مريض. ثم بعد ذلك أضاف ضربة ثانية، قائلاً: “فاقبلوه” إذاً فقد أظهر مرة أخرى كيف أن (الضعيف) يحتاج على رعاية كثيرة، الأمر الذي يعني إنه عيّنه لأسوء مرض. “لا لمحاكمة الأفكار”، وها هي الضربة الثالثة التي يضيفها. لأن من هنا يوضح أن هذه هي خطيئته، حتى أن أولئك الذين لا يفعلون نفس الخطية، يتميزون عنه، لكن من هم أصدقاء يقبلون علاجه. أرأيت كيف إنه يعطي الإحساس بإن كلامه موجه لهؤلاء (أي الضعفاء)، لكنه في الحقيقة يوبخ أولئك (الأقوياء)، دون أن يشعر به أحد، ودون أن يزعج أحد؟. بعد ذلك، بعدما ما أشار للأثنين في ذلك الوقت، أشار لواحد بالمديح، بينما أشار للآخر بالإتهامات. لأنه أضاف قائلاً: “واحد يؤمن أن يأكل كل شيء”، يحكم عليه من خلال الإيمان، “أما الضعيف فيأكل بقولاً”، ويؤنب ذاك أيضاً لأجل ضعفه.
2-فيما بعد، لأنه وجّه ضربة مؤثرة، يعزي ذاك مرة أخرى قائلاً: “لا يزدر من يأكل بمن لا يأكل” رو14-3.
لم يقل “ليترك”، لم يقل “لا يُدين”، لم يقل “لا يصحح”، بل قال لا يسخر منه، لا يزدري به، لكي يُظهر إنهم صنعوا أمر مستحق لكثير من السخرية لكن من جهة ذاك (أي الذي لا يأكل)، لا يتكلم هكذا، لكن كيف يتكلم؟ يقول “ولا يدين من لا يأكل من يأكل”. لأنه تماماً مثلما أن الكاملين في الإيمان قد قللوا من شأنهم كقليلي الإيمان ومرائين ومزَيفين، ومتهودين بعد، هكذا فإن هؤلاء (أي من لا يأكلون) أدانوا من يأكلون كمخالفين، أو كشرهين. ومن الطبيعي أن يكون من بين هؤلاء الذين يأكلون، أمميين. ولهذا أضاف أيضاً “لأن الله قبله”. لكن من جهة ذاك، أي الذي يأكل لا يتكلم هكذا. وإن كان بالتأكيد الإزدراء قد أرتبط بذاك الذي يأكل، لأنه كان شره. لكنه أبدل هذه الأمور، لكي يُظهر إنه ليس فقط لا يستحق للإزدراء، بل ويمكنه أن يدين. بل ويقول وهل أنا أدينه؟ مطلقاً، ولهذا أضاف أن “الله قبله”.
إذاً لماذا تدينه لأنه خالف الناموس؟ فالله قبله، إذ يقول، “لأن الله قبله”. أي أن الله أظهر لذاك (أي الذي يأكل) نعمته غير الموصوفة، وخلّصه من كل الإدانات. ثم بعد ذلك أيضاً يقول للقوي.
” من أنت الذي تدين عبد غيرك” رو14-4.
وبناء عليه فمن الواضح أن هؤلاء (الذين لا يأكلون) قد أدانوهم، وليس فقط قد إزدروا بهم. “هو لمولاه يثبت أو يسقط”، ها هو جرح آخر أيضاً. ومن الواضح أن الغضب موجه للقوي، لكنه أيضاً موجه لذاك (للضعيف). لأنه عندما يقول “ولكنه سيثبت”، أظهر إنه ما زال بعد مهتز (من جهة الإيمان)، ويحتاج لكثير من الإهتمام وقدر كبير من العناية، حتى إنه يدعو الله طبيب لهذه الأمور، لأنه يقول “لأن الله قادر أن يثبته”، الأمر الذي نقوله لأولئك الذين هم في حالة يأس شديد. بعد ذلك، لكي لا ييأس، يدعوه عبد، على الرغم من إنه ضعيف، قائلاً: ” من أنت يا من تدين عبد غيرك؟”. وهنا أيضاً هو يوبخ ذاك (أي الضعيف) خفية أو بصورة غير معلنة. والتوبيخ هنا غير مرتبط بأنه يصنع غير مستحقة للإدانة، ولهذا بحث على عدم إدانته، لأنه عبد للغير، لكنه ليس عبد لك، بل هو عبد لله.
بعد ذلك يعزيه مرة أخرى، فلم يقل، إنه “يسقط”، لكن ماذا قال؟ قال: “يثبت أو يسقط”. سواء حدث هذا أو حدث ذاك، فإن الرب يهتم بالأثنين، والخسارة تتجه إلى هناك، عندما يسقط، تماماً مثلما يحدث مع الثراء، عندما يثبت. بالطبع فإن هذه الأمور، إن لم نفهم أيضاً هدف القديس بولس منها، والذي يريد ألا يوّبخ هؤلاء قبل الوقت الملائم، تكون غير جديرة بالمرة بالإهتمام الذي يناسب المسيحيين. لكنه وهو الأمر الذي أقوله دائماً، ينبغي أن نفحص القصد، والدافع من وراء قول هذا الكلام، وماذا يريد أن يحقق من وراء هذا الكلام. وهو لم يحيد هذا عن الموضوع . لأنه إن كان الله، الذي أحتمل الضرر، لم يضع شيئاً في البداية، فكيف لا تكون فضولياً أكثر مما ينبغي، ومتثاقلاً عليه، وسبباً في ضيقه، حين تتكلم في الوقت غير المناسب؟
3-“واحد يعتبر يوماً (أكثر قداسة) دون يوم، وآخر يعتبر كل يوم (مقدس) رو14-5.
هنا يبدو لي إنه رويداً رويداً يلمح إلى الصوم. خاصة وإنه كان أمراً طبيعياً أن يُدين البعض ممن كانوا يصومون، وبإستمرار كل من كان لا يصوم، أو كان أمراً طبيعياً بحسب هذه التمييزات، أن البعض كانوا يأكلون في بعض الأيام، وفي بعض الأيام لا يأكلون. ولهذا قال “فليتيقن كل واحد في عقله”. هكذا إذاً بدد خوف أولئك الذين صنعوا هذه التمييزات، قائلاً أن الأمر لا يستحق الإهتمام، وأبطل عداوة أولئك الذين شنوا هجوماً شديداً على هؤلاء، مظهراً إنه غير مُستحب بالمرة أن يكونوا مزعجين بإستمرار من أجل هذه الموضوعات. وهذا الأمر غير مستحب بالمرة، لا بسبب طبيعته، بل بسبب الزمن ومن أجل أنهم حديثي الإيمان. كذلك وهو يكتب إلى أهل كولوسي بإهتمام كبير، يمنع هذا الأمر، قائلاً “أنظروا أن لا يكون أحدكم يسبيكم بالفلسفة وبغرور باطل حسب تقليد الناس حسب أركان العالم وليس حسب المسيح”، وأيضاً “فلا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت” و “لا يُخسّركم أحد الجعالة”[2]. بل وإلى أهل غلاطية يكتب بدقة كبيرة ويطلب من هؤلاء الإيمان والكمال في موضوعات مثل هذه. لكنه هنا لا يستخدم هذه النغمة بسبب إنهم كانوا حديثي الإيمان. إذاً ينبغي ألا نقل في كل شيء “فليتيقن كل واحد في عقله”. لأنه حين يكون الكلام عن العقائد أسمع ماذا يقول: “إن كان أحد يبشركن بغير ما قبلتم فليكن أناثيما”[3]. وأيضاً “أخاف إنه كما خدعت الحية حواء بمكرها هكذا تفسد أذهانكم عن البساطة التي في المسيح”[4]. ويكتب إلى أهل فيلبي قائلاً: “أنظروا الكلاب أنظروا فعلة الشر أنظروا القطع”[5]. لكن إلى أهل رومية، لأنه لم يكن وقت أن يصحح هذه الأمور الآن، يقول : “فليتيقن كل واحد في عقله”. خاصة وأن الكلام كان عن الصوم أيضاً، وهو قد تكلم عن هذه الأمور لكي يمحو تباهي أولئك ولكي يبدد الخوف عند هؤلاء.
“الذي يهتم باليوم فللرب يهتم والذي لا يهتم باليوم فللرب لا يهتم. والذي يأكل فللرب يأكل لأنه يشكر الله. والذي لا يأكل فللرب لا يأكل ويشكر الله”. رو14-6.
وهو مستمر في الإهتمام بهذه الأمور. بالطبع ما يقوله يعني الآتي، أن الأمر لا يتعلق بالأشياء التي تأتي في الأوقات المناسبة. لأن المطلوب هو إن كان هذا الأمر يفعله هذا وذاك لأجل الله، إن ما يُطلب هو إن كان الأثنان ( أي الذي يهتم والذي لا يهتم والذي يأكل والذي لا يأكل) يختمان بالشكر على ما يقومان به. خاصة أن هذا وذاك يشكران الله. إذاً فإن كان الإثنان يشكران الله، فالفرق ليس كبيراً. لكن لاحظ من فضلك، كيف إنه هنا أيضاً، دون أن يُشعر به، يضرب المتهود. لأنه إن كان المطلوب هو هذا، أي الشكر ، فإنه من الجليّ أن ذاك الذي يأكل هو الذي يشكر، وليس ذاك الذي لا يأكل، لأنه كيف يكون من الممكن هذا (أن يشكر الذي لا يأكل)، طالما إنه بعد، متجه نحو الناموس! هذا ما قاله بالضبط لأهل غلاطية: ” أيها الذين تتبررون بالناموس. سقطتم من النعمة” غلا5-4. بالطبع هو هنا يشير إلى هذا، لكنه لا يوضحه هكذا (لأنه لم يكن وقته بعد)، بل إنه يُقيّمه أولاً، ثم يوضحه أكثر بالكلام اللاحق. قائلاً:
“لأن ليس أحد منا يعيش لذاته ولا أحد يموت لذاته. لإننا إن عشنا فللرب نعيش وإن متنا فللرب نموت. فإن عشنا وإن متنا فللرب نحن” رو7:14-8.
هنا هو يُشير على هذا (أي للحياة مع المسيح) بأكثر وضوح من خلال هذه العبارات. لأن ذاك الذي يحيا للناموس، كيف يمكن أن يحيا للمسيح؟ لكنه لا يبرهن على هذا (أي الحياة للمسيح) من خلال ما قاله فقط، بل إن ذاك الذي يشرع في التصحيح، يضبطه ويُقنعه أن يكون طويل الأناة، موضحاً إنه من المستحيل أن يُزدرى بهم الله، لكنه سيُصلحهم في الوقت الملائم.
4-إذاً ماذا يعني قوله: “ليس أحد منا يعيش لذاته؟” يعني إننا لسنا أحرار، لنا رب يريد لنا أن نحيا، ولا يريد لنا أن نموت، والذي فيه هذان (أي إرادة الحياة وعدم إرادة الموت) يختلفان أكثر عن توجهاتنا نحن. لأنه بهذا يُظهر أن الله يعتني بنا أكثر جداً من إعتناءنا بأنفسنا، ويعتبر حياتنا غنى، والموت ضياع. لأننا لا نموت لأنفسنا فقط، بل ونموت للرب، لو تصادف ومتنا. لكن الموت الذي يعنيه هنا، هو الموت الذي يأتي من الأيمان. بالطبع كان هذا كافياً لكي يُقنع، إنه يعتني بنا، وإننا نحيا له، ونموت له. لكنه لم يكتف بهذا، بل يضيف أمراً أخر لأنه بعدما قال: “فإن عشنا وإن متنا فللرب نحن” وبعدما ذهب من موت الإيمان إلى الموت الطبيعي، لكي لا يبدو إنه يُقسّي كلمته، يقدم دليل أخر كبير جداً لعنايته (نحونا). إذاً ما هو هذا الدليل؟ يقول:
“لأنه لهذا مات المسيح وقام وعاش لكي يسود على الأحياء والأموات” رو14-9.
حتى أن هذا يُقنعك أيضاً، أي إنه يعتني لخلاصنا وإصلاحنا. لأنه إن لم يعتني بهذا القدر الكبير، فهل كانت هناك حاجة للتدبير؟ إذاً فذاك الذي أظهر هذا القدر الكبير من الإهتمام، لكي تصير ملكاً له، يزدري بنا؟ هذا أمر غير ممكن، ولن يكون، ولن يُفضل أن يترك هذه الرسالة العظيمة. من أجل هذا يقول: “لهذا مات”. مثلما يمكن للمرء أن يقول، إن فلان لن يحتمل أن يحتقر عبده، لأنه يهتم بمدخراته أو خزينته. كذلك نحن لا نحب المال بهذا القدر، بقدر ما يشتهي هو خلاصنا. وبالطبع هو لم يدفع مال من أجل خلاصنا، بل دفع دمه. ومن أجل هذا لن يحتمل أن يترك هؤلاء، الذي من أجلهم دفع هذا الثمن الكبير جداً (أي دمه). لكن إنتبه لقوته أيضاً، كيف يُظهر إنها قوة لا يُعبر عنها. “لهذا مات وعاش لكي يسود على الأحياء والأموات”. وفيما سبق قال: “فإن عشنا وإن متنا فللرب نحن”.
أرأيت سلطة مطلقة (مثل هذه)؟ أرأيت قوة (مثل هذه)؟ أرأيت إهتمام تام وكامل (مثل هذا)؟ ولكي لا تقل لي إنه يتكل عن الأحياء، يُشير إلى إنه يهتم أو يعتني بالأموات أيضاً. لكن إنه كان يعتني بالأموات، فمن الجليّ إنه يعتني بالأحياء أيضاً. إذاً لا شيء قد غاب عن هذه السيادة مزوداً نفسه بالحقوق أكثر من البشر، لكي يعتني بنا، دون النظر للأمور الأخرى. لأن الإنسان بالطبع يدفع أموال، ولهذا فإن عبده يحتمل بصورة كبيرة جداً، بينما المسيح دفع موت، ولن يقدم حساب لأي أحد، من أجل الخلاص ذاك الذي إشتُرى بهذا الثمن الباهظ، والذي ربح السلطان بواسطة هذا الإهتمام الكبير، ومثل هذا العمل. وهو يتكلم عن هذه الأمور مُبكتاً المتهود ومُقنعاً إياه أن يتذكر حجم العمل، وإنه وإن كان ميتاً، فقد عاش، وإن لا شيء قد ربحه من الناموس، وكان نموذج لأسوء أنواع الجحود، أن يعود للناموس، ذاك الذي تركه، وإن كان قد نال الكثير لأجل خلاصه.
5-إذاً بعدما إنتقده بشكل كاف (أي عن اليهودي)، مرة أخرى يتركه قائلاً: “وأما أنت فلماذا تدين أخاك أو أنت أيضاً لماذا تزدري بأخيك؟” رو14-10.
ومن الواضح إنه يتكلم عن هذه الأمور، كأمور متساوية، لكن من خلال الكلام يُظهر أن الفرق أو الإختلاف كبير. أولاً من خلال التسمية للأخ، يُبطل كل عداوة، ثم بعد ذلك بأن يُذكر بذلك اليوم المخوف (يوم الدينونة). لأنه بعدما قال: “لماذا تزدري بأخيك؟” أضاف: “لأننا جميعاً سوف نقف أمام كرسي المسيح”. ومن الواضح أيضاً إنه يقول هذه الأمور، لكي يُوبخ من هو أكثر كمال في الإيمان، بينما يهز ذهن المسيحي المتهود بشدة، ليس فقط مؤنباً إياه، بسبب الإحسان الذي صار له، بل ويخيفه من العقاب الآتي. لأنه يقول:
“لأننا جميعاً سوف نقف أمام كرسي المسيح”. كذلك فإنه “مكتوب أنا حي يقول الرب إنه لي ستجثو كل ركبة وكل لسان سيحمد الله. فإذاً كل واحد منّا سيُعطي عن نفسه حساباً لله” رو11:14-12.
أرأيت كيف إنه مره أخرى يهز ذهنه، بينما من الواضح إنه يوبخ الأخر؟ لأنه يقصد شيئاً مثل هذا، كما لو إنه قال، ما هو هدفك؟ هل تنوي أن تُعَاقب من أجل ذاك؟ لكنه بالطبع لم يقل هذا، لكن قد ألمح إليه، وأورده بصورة هادئة، قائلاً: “لأننا جميعاً سوف نقف أمام كرسي المسيح” و “فإذاً كل واحد منا سُيعطي عن نفسه حساباً لله”.
ويُشير إلى النبي (أي أشعياء)، الذي يؤكد على خضوع الجميع لله، وهو خضوع تام، خضوع البشر الذين عاشوا في العهد القديم، وبشكل عام جميع البشر. لأنه لم يقل فقط أن كل واحد سيسجد” بل “وسيحمد”، أي سُيعطي حساباً عن أعماله. إذاً كان لديه قلق ناظراً إلى إلهنا وهو يجلس على العرش ورغبة في أن لا تشتت وتفرق الكنيسة، معزولاً عن النعمة، وراكضاً نحو الناموس، خاصة وأن الناموس هو ملكاً له. وعن ماذا أتكلم، أأتكلم عن الناموس؟ وأولئك الذين عاشوا بالناموس، وأولئك الذين عاشوا قبل الناموس. ولن يطلب الناموس منك أن تُعطي حساباً، بل المسيح سيطلب منك ومن كل الجنس البشري، أرأيت كيف إنه أبطل الخوف من الناموس؟ بعد ذلك لكي لا يبدو إنه يقول هذه الأمور عمداً، لكي يخيف ذاك (أي المتهود)، بل إنه أُقتيد إلى هذا، من خلال ترتيب الأمر، هزة أخرى يأتي إلى نفس الموضوع قائلاً:
“فلأني كم أيضاً بعضاً بعضاً. بل بالحري أحكموا بهذا أن لا يُوضع للأخ مصدمة أو معثرة”رو14-13.
لكن هذه الأمور لا تُذكر بهذا القدر الكبير من جهة ذاك (أي الغير كامل في الإيمان)، بقدر ما تُذكر من جهة هذا (أي الكامل في الإيمان). ولهذا فمن الممكن أن يطبقها الأثنين، الكامل في الإيمان الذي يُعثر من أجل التمييز في الأطعمة، وأيضاً الغير كامل الذي يُصدم بالتوبيخ الشديد.
6- لكن إنتبه من فضلك، كم سنُعَاقَب نحن الذين نُعِثر (غيرنا) بشكل عام. لأنه إن كان الأمر مخالف، بسبب إنهم وّبخوا في وقت غير مناسب، وأعاق أن يحدث هذا، حتى لا يُعثر أو يُصدم الأخ، فعندما نُعثر (الآخر)، دون أن نُصلح شيء، أي عقاب سنكون مستحقين؟ إذاً إن كان حين لا نخلص شخص، هو أمر يستحق الإدانة، وقد برهن عليه ذاك الذي حفر الأرض وأخفى الوزنة (الفضة)[6]، هذا ونحن نُعثره أيضاً، ما الذي لن يحدث لنا؟ ماذا إذاً، إن كان يُعثر وحده، هكذا يقول، هل لأنه ضعيف في الإيمان؟ ولهذا تحديداً ستكون عادل، مظهراً إحتمال. لأنه إن كان قوي ، ما كان ليحتاج كل هذه العناية لذاك، لكن الآن لأنه أكثر ضعفاً، من أجل هذا فهو يحتاج لعناية كثيرة. لنمنحه إذاً هذه الرعاية ولنحميه من كل جهة. لأننا لن نعطي حساباً عن شرورنا فقط، بل عن سلوكنا الذي به أعثرنا آخرين. لكن إن كانت تلك العقوبات هي في حد ذاتها فرعية، عندما تضاف إليها هذه العقوبات، فمتى سنخلص؟ لا تعتقد إذاً إن لدينا مبرر، إن وجدنا مشاركين لنا في خطايانا، لأن هذا بالنسبة لنا، يعني عقاب إضافي أيضاً خاصة وأن الحية قد عُوقبت أكثر من المرأة (أي حواء)، تماماً مثلما أن المرأة قد عُوقبت أكثر من الرجل (أي آدم). وبينما أختطف آخاب الكرم، عُوقبت إيزابل بأكثر قسوة، لأنها كانت هي تلك التي إبتدعت كل الأمر، وأعثرت الملك. لأن الخطية لا تحطم بهذا القدر، بقدر ما نقود آخرين أيضاً للخطية. ولهذا يقول الرسول بولس: “لا يفعلونها فقط بل أيضاً يسرّون بالذين يعملون”[7]، حتى إنه عندما نرى أن البعض يُخطئون، فإننا ليس فقط لا ندفعهم (نحو الخطية)، بل لنخرجهم أيضاً من وحل الشر، لكي لا نعاني نحن أنفسنا العقاب، من أجل هلاك الآخرين. ولنتذكر بإستمرار المنصة المخوفة (أي منصة العدل الإلهي)، نهر النار، القيود التي لا تُحل، الظلام الحالك، صرير الأسنان، الحشرة السامة.
لكن الله هو مُحب للبشر. وبناء على ذلك، فإن هذه الأمور (التي تكلمنا عنها) هي مجرد كلام. فلا ذلك الغني الذي إزدرى بلعازر سُيعَاقب، ولا العذارى الجاهلات سيُطردون من العرس، ولا الذين لم يطعموه يذهبون إلى النار التي أُعدت للشيطان، ولا ذاك اللابس ملابس دنسه، بعدما يُقيد من الأيدي والأرجل، سيهلك، ولا ذاك الذي طلب المائة دينار، سُيسلم للمعذبين، ولا ما قيل عن الزُناة هو أمر حقيقي، “حيث دودهم لا يموت والنار لا تطفأ”[8]، بل أن كل هذا هو فقط تهديدات. نعم هكذا يقول، أخبرني من أين، تتجرأ أن تبرهن على أمر بهذا الحجم، وأن تستخرج أو تصدر الحكم، من خلال حجج خاصة بك؟ لماذا أنا من خلال كل ما قاله، وكل ما فعله، سيمكنني أن أبرهن على العكس. إذاً لو إنك لا تؤمن من خلال ما سيحدث في المستقبل، فعلى الأقل آمن بتلك الأمور التي حدثت بالفعل، خاصة وأن تلك الأمور التي حدثت وتحققت، ليست تهديدات وكلام.
إذًَا من غمر كل المسكونة، وأحدث ذلك الطوفان المخيف، وتدمير كل جنسنا البشري؟ من بعد كل هذا ألقي تلك الصواعق المخيفة والنار من السماء على سدوم؟ من أنهك كل مصر؟ من أهلك الستمائة ألف في البرية؟ من ….. ص567، من أَمر الأرض أن تفتح فاها لتبتلع أولئك الذين كانوا مع قورح وداثان؟ من أهلك سبعين ألف في لحظة واحدة، في زمن داود؟ وهل أتكلم عن أولئك الذين عوُقبوا بشكل منفصل؟ هل أتكلم عن قايين الذي سُلّم لعقاب دائم؟ عن كرمي ( Χαρμι ) الذي رُجم مع كل النسل وعن ذاك الذي عانى نفس الأمر تحديداً، لأنه جمع خشب يوم السبت؟ هل أتكلم عن الأربعين شاباً الذين إفُترسوا من مهلك الوحوش ولم ينالوا عفواً أو مسامحة، ولا حتى بسبب أعمارهم؟ لكن لو إنك بعد النعمة، تريد أن ترى نفس الأمور، ففكر كم عانوا اليهود، كيف إلتهمت النساء أولادهن، بعضهن شوا الأولاد، وبعضهن أكلوهم بطريقة أخرى. كيف برغم إنهم سُلّموا إلى مجاعة لا تحتمل، وغلى حروب متنوعة ومخيفة، فقد طغت على كل المآسي السابقة، بكوراتهم التي فاقت الحد.
إذاً من حيث أن المسيح قد آثار هذه الأمور، إسمعه إذ سبق وقال هذا بأمثله، بأسلوب واضح وقاطع. بأمثلة، مثلما يقول: “أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم فأتوا بهم إلى هنا واذبحوهم قدامي”[9]، وبمثل الكرم، وبمثل العرس[10].وبطريقة واضحة، عندما يهدد: “ويقعون بفم السيف ويُسبون إلى جميع الأمم وتكون أورشليم مدوسة من الأمم حتى تكملي أزمنة الأمم. وتكون علامات في الشمس والقمر والنجوم وعلى الأرض كرب أمم بحيرة. البحر والأمواج تضج، والناس يُغشى عليهم من خوف”[11]، و “يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ إبتداء العالم إلى الآن ولن يكون”[12]. وتعرفون جميعكم كيف عُوقبا حنانيا وسفيرة، لأنهما اختلسا فلوساً قليلة ولكن ألا ترى الكوارث اليومية؟ أم ربما هذه لم تحدث؟ ألا ترى اليوم أيضاً، أولئك الذين يهلكون من الجوع؟ ألا ترى أولئك الذين يسود عليهم داء الفيل والجذام؟ ألا ترى أولئك الذين يحيون على الدوام في الفقر؟ ألا ترى أولئك الذين يُعانون من شرور لا حصر لها غير قابلة للشفاء؟ إذاً كيف يمكن أن يتبرر البعض، أن يُدان البعض، وألا يُدان البعض الآخر؟ لأنه إن كان الله غير ظالم، وهو بالحق كذلك، فإنك على كل حال ستُدان أنت أيضاً، طالما تُخطأ، لكن لو إنه بإعتبار إنه مُحب البشر، لا يُعاقب، فإنه ولا هؤلاء ينبغي أن يُعَاقَبون.
لكن الآن بسبب كلامكم هذا، فإن الله سيُعاقب كثيرين هنا( أي في هذه الحياة)، لكي تؤمنوا على الأقل بالأمور المختصة بالعقاب، عندما لا تؤمنوا بالكلام الخاص بالتهديد. ولأن الأمور القديمة أو المختصة بالعهد القديم لا تخيفكم، فإنه يُصحح اللامبالين في كل عصر، بواسطة تلك الأمور التي تحدث في كل نسل. ولأي سبب، يقول، إنه لا يُعاقب الجميع هناك (أي في هذه الحياة)؟ يقول هذا لكي يُعطي للآخرين فرصة أو مهلة للتوبة. إذاً لأي سبب يُعاقب الجميع هناك (أي في الدهر الآتي)؟ لكي لا يتشككوا تماماً في عناية الله. كم عدد اللصوص الذين قبضوا عليهم، وكم عدد الذين ماتوا دون أن يُعّاقَبون؟ أين هي إذاً محبة الله للبشر؟ هو دوري الآن أن أسألك أنا أيضاً. بمعنى إنه، إن لم يُعاقب أحد بشكل عام، أيمكنك أن تلجأ إلى هذا الأمر، لكن عندما يُعاقب البعض، والبعض الآخر لن يُعاقب، على الرغم من إنهم صنعوا أسوأ الخطايا، فكيف يمكن أن يكون هناك مبرر لنفس الخطايا، وإلا يكون هناك نفس العقوبات. وكيف لا تنصح، أن أولئك الذين عُوقبوا، قد ظلموا؟ إذا لأي سبب لابد أن الجميع هنا (أي في هذه الحياة)؟ إسمعه وهو يدافع عن نفسه، لأجل هذه الأمور. إذاً لأن البعض ماتوا، عندما سقط فوقهم البرج، يقول لأولئك الذين يتشككون من جهة هؤلاء، “أتظنون أن هؤلاء كانوا مذنبين أكثر من جميع الناس؟ كلا أقول لكم. بل إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون”[13]، ناصحاً إيانا، ألا تأخذنا الجرأة، عندما يُدان البعض، نحن لا نُدان، على الرغم من إننا نصنع خطايا كثيرة. لأنه إن لم نتغير، فإننا سُندان على كل الأحوال.
وكيف يقول، إننا سُندان إلى الأبد، بينما نخطيء هنا “في هذه الحياة الحاضرة) لفترة زمنية قصيرة؟ كيف يُحكم على الإنسان الذي يرتكب حادثة قتل في لحظة زمنية قصيرة بالأعمال الشاقة المؤبدة؟ لكن الله، هكذا يقول، لا يصنع هذه الأمور. إذاً فكيف أمسك المشلول لمدة 38 سنة في هذه العقوبة الكبيرة؟ من جهة إنه عاقبه لأجل خطاياه، إسمع ماذا يقول “ها أنت قد برئت فلا نخطيء أيضاً”[14]. لكنه شُفي، هكذا يقول. لكن الأمور ليست هكذا في الحياة الأخرى، ومن جهة أن العقوبات لن يكون لها حل مطلقاً في الدهر الآتي، إسمعه حين يقول: “حيث دودهم لا يموت والنار لا تطفأ”[15]و “يمضي هؤلاء إلى عذاب أبدي والأبرار إلى حياة أبدية”[16]. إذاً إن كانت الحياة هي أبدية، والجحيم سيكون أبدي، ألا ترى إلى أي مدى هدد اليهود؟ هل يا ترى إذاً قد تحققت التهديدات، في الكلام الذي سبق؟ بقول: “لا يترك ههنا حجر على حجر لا ينقض”[17]. هل يا ترى إذاً تُرك (صخر)؟ وماذا حين قال “يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله”[18]. هل يا ترى لم يحدث هذا؟ أقرأ تاريخ يوسيبوس[19] ،ولن تتمكن حتى من أن تتنفس، وأنت تسمع فقد تلك الأمور التي عاناها اليهود فيما يتعلق بتلك الأمور التي حدثت.
7-أتكلم عن هذه الأمور، لا لكي أحزنكم، بل لكي أأُمنّكم، ولكي لا أسليكم بلا نفع، وأن أعدكم لتصبروا بأكثر مخافة. إذاً لماذا، أخبرني لا تقبل أن تُدان، حين تُخطيء؟ ألم يخبرك بكل هذا من قبل؟ ألم يهددك؟ الم يُساعدك؟ ألم يضع أمور لا تُحصى من أجل خلاصك؟ ألم يهبك معمودية الميلاد الجديد؟ وغفر لك كل خطاياك السابقة؟ ألم يعطيك أيضاً بعد هذا الغفران، وهذه المعمودية، المساعدة عن طريق التوبة، عندما نخطيء؟ وبعد هذا الغفران لخطاياك ألم يجعل لك الطريق سهلاً؟ إسمع إذاً أي وصية قد أعطى “إن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أبوكم السماوي”[20]، هكذا يقول، وأية صعوبة في هذا الأمر، “أطلبوا الحق إنصفوا المظلوم أقضوا لليتيم. حاموا عن الأرملة ” ثم يقول “إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيّض كالثلج. إن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف”[21]. وأي جهد يحمل هذا الأمر؟ يقول “ذكّرني فنتحاكم معاً. حدث لكي تتبرر”[22]. أية صعوبة في هذا الأمر؟ يقول “ليطلبوا المراحم من قبل إله السموات”[23]. أية متاعب في هذا الأمر؟ لقد قال العشار “أللهم أرحمني أنا الخاطئ”[24]، ونزل مبرراً. أيه جهد تحتاج لكي تحاكي العشار؟
لكنك لا تريد أن تقنعك، ولا حتى بعد كل هذه الأمور الكثيرة المشار إليها، إنه يوجد جحيم وعقاب؟ حينئذ سيمكنك أن تقول، إنه ولا الشيطان يُعَاقَب. لأنه يقول “إذهبوا عني….إلى النار الأبدية المعدة لأبليس وملائكته”[25]. إذاً إن لم يوجد جهنم، ولا الشيطان يُعَاقَب (كان لك الحق فيما تقول)، لكن إن كان الشيطان يُعَاقَب، فمن الواضح إننا سنُعَاقَب نحن أيضاً. لأنه بالتأكيد نحن أيضاً قد عصّينا، وإن كان ليس لذات الأمور. لكن كيف لا ترتعب، متكلماً بكل هذه الجرأة؟ لأنه عندما نقول، بإن الله محباً للبشر، ولا يُعَاقِب، فإن عَاقِب، سيكون وفقاً لكم، إنه ليس بعد محباً للبشر. أرأيت على أي حديث يقودكم الشيطان؟ ماذا إذاً؟ هل الرهبان الذين سكنوا الجبال، وأظهروا نسكً فائقاً، سيرحلون عن هذا العالم غير متوجين؟ إذَا فإن كان الأشرار لا يُدانون، ولا يوجد تعويض لأي أحد، فربما يقول شخص آخر، إنه ولا الأتقياء أيضاً سُتوجون. يقول نعم، لأن هذا يليق بالله، أن يوجد ملكوت فقط، ولا يوجد جهنم. وبناء على ذلك هل العاهر والزاني، وذلك الذي صنع شرور لا حصر لها، سيتمتع بنفس الهبات، مع ذاك الذي أظهر تعقل وقداسة، وهل بولس سيقف (على نفس المستوى) مع نيرون، أو من الأفضل القول هل سيقف الشيطان (على نفس المستوى) مع بولس (أمام الله)؟
إذاً إن كان لا يوجد جهنم، وهناك قيامة للجميع، حينئذ فإن الأشرار أيضاً سينالوا نفس الهبات مع الصالحين. ومن يستطيع أن يقول هذا الكلام، حتى وإن كان بعد من الناس الذين يتسمون بجنون شديد؟ أو من الأفضل أن نقول مَن من الشياطين يستطيع أن يقول بهذا؟ خاصة وإن الشياطين يعترفون بإنه يوجد جهنم، ولهذا يصرخون قائلين: “أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذبنا”[26]، إذاً كيف لا نخاف ولا نرتعب، فحين تعترف الشياطين (بوجود جهنم)، أنت ترفض هذا الأمر؟ وكيف لا تنتبه لمعلم هذه العقائد الخبيثة؟ لأن ذاك (أي الشيطان) الذي خدع الإنسان منذ البداية، وحرمه من الخبرات التي كانت بين يديه، بواسطة إقتراح فيه رجاء كبير، هذا هو الذي يمنع الآن أن يقولوا وأن يفكروا في هذه الأمور، ولهذا فإنه يقنع البعض أن يستنتجوا إنه لا يوجد جهنم، لكي يلقيهم في جهنم. بينما الله على العكس من ذلك، يهدد بجهنم، وقد أعّدها، حتى إنه بعدما تعرف (طبيعة جهنم)، أن تحيا في تقوى، حتى لا تقع داخل جهنم. لكن إن كان الشيطان يُقنعك بهذه الأمور، بينما في الحقيقة يوجد جهنم، فكيف بدون أن يوجد جهنم، قد إعترف الشياطين بوجودها، هؤلاء الذين يُعننون جداً ألا نرتاب في شيء مشابه، حتى إنه بعدما نصير بالأكثر غير مبالين، من خلال عدم الخوف، أن نسقط معهم في تلك النار (نار جهنم)؟ إذاً كيف يقول، إنهم إعترفوا بجهنم وقتها، لأنهم لم يحتملوا العقوبة التي هُددوا بها.
إذاً بعدما فهمنا كل هذا، لنُوقف هؤلاء الذين يتكلمون بهذا الكلام، هؤلاء الذين يخدعون أنفسهم أيضاً، ويخدعون الآخرين، لأنهم سيُعَاقَبون عن هذا الكلام، إذ يسخرون من تلك الأشياء المخوفة (أي العقاب الأبدي)، ويضعفون إهتمام الكثيرين الذين يريدون أن يعطوا إهتمام لهذه الأمور، ولا يُحاكموا ولا حتى البربر[27]. لأن أولئك (أي أهل نينوى) بالرغم من إنهم كانوا عديمي الخبرة جميعاً، إلا إنهم عندما سمعوا أن المدينة ستدمر أو ستهلك، ليس فقط قد قبلوا أو آمنوا، بل أيضاً تنهدوا ولبسوا مسوح، وإضطربوا، ولم يتوفقوا عن أن يصنعوا كل شيء، حتى أوقفوا غضب الله[28]. بينما أنت الذي عرفت أمور كثيرة بهذا القدر، هل بالكلام تُسفه الأمور السابقة، إذاً ستحدث المتضادات. لأنه تماماً كما أن هؤلاء (أي أهل نينوى)، لأنهم خافوا من الكلام (أي كلام يونان النبي)، لم يُعَاقَبوا عن الأمور التي فعلوها، هكذا أنت أيضاً، لأنك إحتقرت التهديد بالكلام، ستنال العقاب أو سُتعاني العقاب عن الأمور التي صنعتها. وإن كان الكلام الآن يبدو لك خرافه، لكنه لن يبدو لك كذلك، عندما سُتقنعك الأمور ذاتها في حينها.
ألا ترى هنا أيضاً ماذا صنع؟ كيف أخذ لصين، ولم يعتبرهما مستحقين لنفس الأشياء، بل أن الواحد قاده إلى ملكوت السموات، بينما أرسل الآخر إلى جهنم؟ ولماذا أتكلم عن لص وقاتل؟ لأنه يحزن حتى على الرسول (أي يهوذا)، لأنه صار خائن، بل ناظراً إليه وهو يندفع إلى حبل ويشنق نفسه ويمزن جسده في المنتصف (لأنه بالحقيقة فتح بطنه وإنسكبت كل أحشاءه)، لكن بالرغم من إنه عرف كل شيء من قبل، تركه ليعاني كل هذا الأشياء، لكي يُقنعك من خلال الأمور الحاضرة، بكل ما سيحدث هناك (أي في الدهر الآتي). إذاً لا تخدعوا أنفسكم، بأن تقتنعوا بكلام الشيطان، لأن هذه الأفكار هي له. لأنه إن كان القضاة والسادة، والمعلمين، والبربر يكرمون الصالحين، بل ويعاقبون الأشرار فكيف سيمكن أن يكون هناك مبرر لأن يصير ما هو عكس ذلك في الله، ونُقيّم نفس الأمور، للصالح وللشرير أيضاً؟
لكن حتى سيتخلصون من الشرور؟ إذاً الآن حين ينتظرون العقوبة ويُقيمون بين مخاوف كثيرة جداً والتي تأتي من القضاة ومن القوانين، إلا إنهم لا يبتعدون عن الشرور ولا حتى بهذه الطريقة، وعندما ينتقلون على هناك (إلى الحياة الأخرى)، ويطردون هذا الخوف، وليس فقط لا يسقطون وسط جهنم، بل وينالوا ملكوت السموات أيضاً، متى سيتوقفون أن يكونوا أشراراً؟ أخبرني إذاً هل هذا هو علامة محبة للبشر، ألا يُعَاقِب الشر، أن يُعطي مكافأة للشر، لأن يعتبر العفيف والفاسق، والمؤمن والجاحد، بولس والشيطان، مستحقاً (للكرامة) من أجل نفس الأمور؟ إذاً على أي مدى سنهذي نحن أيضاً؟ ولهذا من فضلكم بعدما تتخلصوا من هذا الجنون، وبعدما تصبحون أسياد أنفسكم، إن تقنعوا أنفسكم أن تخاف وأن ترتعد، لكي تُنقذ من جهنم المستقبلية، وطالما تحيا بالتعقل في الحياة الحاضرة، تنال خيرات الدهر الآتي، والتي ليتنا جميعاً ننالها بالنعمة ومحبة البشر اللواتي لربنا يسوع المسيح الذي يليق به مع الآب والروح القدس المجد إلى الأبد أمين.
[1] رو14:13.
[2] كو2-8،16-18.
[3] غلا1-9.
[4] 2كو11-3.
[5] في3-2.
[6] أنظر مت14:25-30.
[7] رو32:1.
[8] مر44:9.
[9] لو27:19.
[10] أنظر مت 33:12-46 ،1:22-15.
[11] لو24:21-26.
[12] مت21:24
[13] لو4:13-5 .
[14] يو14:5 .
[15] مر44:9.
[16] مت46:25.
[17] مت2:24.
[18] مت21:24.
[19] يوسيبوس هو مؤرخ يهودي كبير عاش في القرن الأول الميلادي.
[20] 14:6.
[21] أش17:1-18 .
[22] إش26:49.
[23] 18:3.
[24] لو13:18.
[25] مت41:25.
[26] مت29:8.
[27] الإشارة هنا إلى نينوى ( Νινευιτες ).
[28] يونان 1:3-10.