07- كولوسي 3: 4-11 – التغيير الناتج عن الإيمان

النص:

4 مَتَى اظْهِرَ الْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ انْتُمْ ايْضاً مَعَهُ فِي الْمَجْدِ. 5 فَأَمِيتُوا اعْضَاءَكُمُ الَّتِي عَلَى الأَرْضِ: الزِّنَا، النَّجَاسَةَ، الْهَوَى، الشَّهْوَةَ الرَّدِيَّةَ، الطَّمَعَ الَّذِي هُوَ عِبَادَةُ الأَوْثَانِ، 6 الأُمُورَ الَّتِي مِنْ اجْلِهَا يَأْتِي غَضَبُ اللهِ عَلَى ابْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ، 7 الَّذِينَ بَيْنَهُمْ انْتُمْ ايْضاً سَلَكْتُمْ قَبْلاً، حِينَ كُنْتُمْ تَعِيشُونَ فِيهَا. 8 وَأَمَّا الآنَ فَاطْرَحُوا عَنْكُمْ انْتُمْ ايْضاً الْكُلَّ: الْغَضَبَ، السَّخَطَ، الْخُبْثَ، التَّجْدِيفَ، الْكَلاَمَ الْقَبِيحَ مِنْ افْوَاهِكُمْ. 9 لاَ تَكْذِبُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، اذْ خَلَعْتُمُ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ مَعَ اعْمَالِهِ، 10 وَلَبِسْتُمُ الْجَدِيدَ الَّذِي يَتَجَدَّدُ لِلْمَعْرِفَةِ حَسَبَ صُورَةِ خَالِقِهِ، 11 حَيْثُ لَيْسَ يُونَانِيٌّ وَيَهُودِيٌّ، خِتَانٌ وَغُرْلَةٌ، بَرْبَرِيٌّ سِكِّيثِيٌّ، عَبْدٌ حُرٌّ، بَلِ الْمَسِيحُ الْكُلُّ وَفِي الْكُلِّ.

الشرح:

 يشدد الرسول بولس هنا على التغيير الجذري الناتج عن الإيمان، وهو ولادة جديدة تموت بنتيجتها الانفعالات البشرية المحضة ويكتسب المؤمن عوضها بصيرة الهية ثاقبة تمكّنه من استجلاء حقيقة الوجود والتماس الطريق الى الحياة الحق. بالإيمان يكتمل الكيان الانساني وبه يحقق الانسان ذاته اذ يتجلى بكيانه الأصيل المخلوق “على صورة الله ومثاله” (تكوين 1: 26).

المؤمن يجتاز الموت مدفوناً مع الرب يسوع في المعمودية التي فيها يقام أيضا معه (انظر كولوسي 2: 11-13) وعلى اثر هذا الحدث تصبح حياة المؤمن في عهدة الرب محفوظة الى اليوم الأخير “انكم متّم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله” (كولوسي 3 :2-3)، ومتى ظهر المسيح الذي هو حياتنا فأنتم ايضا تظهرون معه في المجد”.الحديث هنا عن انبعاث الحياة مجددا عند مجيء الرب يسوع في نهاية الأزمنة. أخذ المؤمن عربون الحياة بالمعمودية وسيحصل على ملء الحياة عندما سيظهر في موكب الرب يسوع في مجيئه الأخير.

“أميتوا اعضائكم التي على الأرض”. شرط الحياة الحق الإقلاع التام عن الانقياد لموحيات اللحم والدم والتطلع الى الحياة في إطارها الإلهي “فإن كنتم قد قمتوا بما فوق لا بما على الأرض” (كولوسي 3: 1-2). ما فوق بعيد كل البعد عن “الزنى والنجاسة والهوى والشهوة الردية والطمع” محور هذه الرذائل الخمس هي الشهوة التي هي حركة النفس الخاوية لملء فراغها. ساوى معلمو الشريعة اليهودية بين الطمع وعبادة الأوثان، ويقول الرسول بولس “ان محبة المال اصل لكل الشرور (1 تيموثاوس 6: 10)، اما الرب يسوع فيحذّر قائلا “انظروا وتحفظوا من الطمع فانه متى كان لأحد كثيرا فليست حياته من أمواله” (لوقا 12 :15).

يأتي غضب الله على أبناء العصيان”. الحديث هنا يشير الى الدينونة الأخيرة. ليس القصد ان الله يعاقب انطلاقا من انفعالات تُثار في نفسه ضد المنغمسين بهذه الشهوات، بل القصد ان هؤلاء الخطأة سيحرِمون انفسَهم من هبة الحياة لأنهم استهلكوا حياتهم في الانغماس بالخطيئة ولم يضعوها في عهدة الرب يسوع. الكولوسيون نالوا قسطهم من حياة الخطيئة قبل الإيمان وهذا لا يعني انهم بعد الإيمان غير معرضين ولذلك يذكرهم الكاتب بهذا وينذرهم مجددا بالابتعاد عن الخطيئة اذ يأمرهم بطرح “الغضب والسخط والخبث والتجديف والكلام القبيح”. ويدعوهم الى محاربة هذه الرذائل بالتع مد. لذل ك يق ول: “فالبس وا كمختاري الله القديسين المحبوبين احشاء رأفات ولطفا وتواضعا ووداعة وطول أناة محتملين ومسامحين بعضكم بعضا …. وكما غفر لكم المسيح هكذا انتم ايضا (كولوسي 3: 12-13).

“اخلعوا الانسان العتيق مع أعماله، والبسوا الانسان الجديد”. الانسان العتيق هو “الفاسد بحسب شهوات الغرور” (افسس 4 : 22). اما الانسان الجديد فهو المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق” (افسس 4: 24). هذا التبدل ليس بسهولة تبديل الرداء بل المعنى ان معالم الانسان الجديد تطمس بالكلية كل معالم الانسان العتيق ولا يظهر لها اي أثر البتة. هذا يتضح جلياً لأصدقاء المؤمن ومعارفه اذ يجدون أنفسهم امام شخص آخر بالكلية، شخص يكون حضوره تعبيرا عن حضور الله لذلك قال الرسول بولس “انتم الذين بالمسيح اعتمدتم المسيح قد لبستم” (غلاطية 3: 27).

“الانسان الجديد الذي يتجدد للمعرفة على صورة خالقه”. اذاً طبيعة الانسان الجديدة ليست طبيعة نهائية تراوح مكانها بل تتجدد باستمرار. لا يعني هذا انها تشيخ وتفسد ولكن تتخذ اكثر واكثر “صورة خالقها”. اذاً صورة الله التي شوِّهت بالخطيئة تتجلى اكثر فأكثر عن طريق معرفة الله وكلما تجلت اكثر كلما تضاعفت معرفة الله وبذلك يعود المؤمن الى المثال الإلهي في كيانه.

“ليس يوناني ولا يهودي ولا ختان ولا قلف”. القلف هو البقاء دون اختتان ويُقصد بهم غير اليهود، والبربري من لا يتكلم اللغة اليونانية ولذلك يُعتبر غير متحضر. اما الاسكيتيون فهم قبائل بدوية كان مركزها جنوب روسيا اعتادت ان تسكن السهول وكانت تغزو مدن شرقي المتوسط.

الرب يسوع هدم سياج العداوة بين جميع هؤلاء، وصار موّحدهم جميعا اذ هو محور حياة المؤمن ومبتغاه النهائي. كل هؤلاء وضعوا حياتهم بعهدة الرب يسوع وقد ماتوا عن عداوتهم واتحدوا بالمحبة الإلهية فيه.

نقلاً عن نشرة رعيتي
الأحد 11 كانون الأول 1994 / العدد 50

arArabic
انتقل إلى أعلى