14- العبرانيين 11: 9-10 و32-40 – الثبات في الإيمان

النص:

9 بِالإِيمَانِ تَغَرَّبَ فِي أَرْضِ الْمَوْعِدِ كَأَنَّهَا غَرِيبَةٌ، سَاكِناً فِي خِيَامٍ مَعَ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ الْوَارِثَيْنِ مَعَهُ لِهذَا الْمَوْعِدِ عَيْنِهِ. 10 لأَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ الْمَدِينَةَ الَّتِي لَهَا الأَسَاسَاتُ، الَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا اللهُ…
32 وَمَاذَا أَقُولُ أَيْضاً؟ لأَنَّهُ يُعْوِزُنِي الْوَقْتُ إِنْ أَخْبَرْتُ عَنْ جِدْعُونَ، وَبَارَاقَ، وَشَمْشُونَ، وَيَفْتَاحَ، وَدَاوُدَ، وَصَمُوئِيلَ، وَالأَنْبِيَاءِ، 33 الَّذِينَ بِالإِيمَانِ: قَهَرُوا مَمَالِكَ، صَنَعُوا بِرّاً، نَالُوا مَوَاعِيدَ، سَدُّوا أَفْوَاهَ أُسُودٍ، 34 أَطْفَأُوا قُوَّةَ النَّارِ، نَجَوْا مِنْ حَدِّ السَّيْفِ، تَقَوَّوْا مِنْ ضُعَفٍ، صَارُوا أَشِدَّاءَ فِي الْحَرْبِ، هَزَمُوا جُيُوشَ غُرَبَاءَ، 35 أَخَذَتْ نِسَاءٌ أَمْوَاتَهُنَّ بِقِيَامَةٍ. وَآخَرُونَ عُذِّبُوا وَلَمْ يَقْبَلُوا النَّجَاةَ لِكَيْ يَنَالُوا قِيَامَةً أَفْضَلَ. 36 وَآخَرُونَ تَجَرَّبُوا فِي هُزُءٍ وَجَلْدٍ، ثُمَّ فِي قُيُودٍ أَيْضاً وَحَبْسٍ. 37 رُجِمُوا، نُشِرُوا، جُرِّبُوا، مَاتُوا قَتْلاً بِالسَّيْفِ، طَافُوا فِي جُلُودِ غَنَمٍ وَجُلُودِ مِعْزَى، مُعْتَازِينَ مَكْرُوبِينَ مُذَلِّينَ، 38 وَهُمْ لَمْ يَكُنِ الْعَالَمُ مُسْتَحِقّاً لَهُمْ. تَائِهِينَ فِي بَرَارِيَّ وَجِبَال وَمَغَايِرَ وَشُقُوقِ الأَرْضِ. 39 فَهؤُلاَءِ كُلُّهُمْ، مَشْهُوداً لَهُمْ بِالإِيمَانِ، لَمْ يَنَالُوا الْمَوْعِدَ، 40 إِذْ سَبَقَ اللهُ فَنَظَرَ لَنَا شَيْئاً أَفْضَلَ، لِكَيْ لاَ يُكْمَلُوا بِدُونِنَا.

الشرح:

رسالة اليوم هي دعوة للثبات في الايمان كما ثبت الابرار الذين سلكوا مع الله في العهد القديم. اولئك كابدوا الصعاب غير متزعزعين متمسكين بالرجاء حتى النهاية. هذا الثبات اذي لا يتزعزع يحض السامعين ويشجعهم، لذلك يقول الكاتب لسامعيه: “نشتهي ان كل واحد منكم يُظهر هذا الاجتهاد عينه ليقين الرجاء الى النهاية لكي لا تكونوا متباطئين بل متمثلين بالذين بالايمان والاناة يرثون المواعيد” ( عبرانيين 6: 11 ).

تجلى ايمان ابراهيم في طاعته لكلمة الله وخروجه دون تردد من اهله وعشيرته الى حيث يقوده الله ( انظر تكوين 12). سكن هناك في خيام وهذا يشير الى ان ابراهيم لم يستقر بل عاش حياة البداوة والتجوال المستمر لانه عرف ان مستقره ف ” المدينة ذات الأسس التي الله صانعها وبارئها”. لم يتوقع ابراهيم من الله ما هو ارضي بل آمن ان الله سيُنعم عليه بما هو سماوي.

“جدعون وباراق وشمشون ويفتاح” لعبوا دوراً مهما في التاريخ اليهودي اذ كانوا قضاة للشعب خلال الفترة الزمنية الننتدة من سكن الشعب اليهودي في فلسطين الى ظهور الملكية مع شاول ومن بعده داود. هؤلاء “قهروا ممالك”، “وتقووا من ضعف “، وذلك لان قوة الله تجسدت في ضعفهم ” فكسروا معسكرات الاجانب” وقادوا الشعب في مواجهة الشعوب المجاورة متكلين فقط على قوة الله وليس على عدد الجنود. انتصاراتهم حققها ساعد الله كما يتضح من الانتصار الذي حققه جدعون على المديانيين بثلاث مئة جندي مقابل حوالي المئة والعشرين الفاً (انظر قضاة 7).

صموئيل هو آخر القضاة واول الانبياء. وُلد بعد ان حلّ الله عقر امه وصار خادماً لله في صغره وكاهناً عند بلوغه ( انظر 1 صموئيل 1 – 2). داود هو الذي ثبّت اساس المملكة اليهودية ويخبرنا العهد القديم انه ” ملك على جميع اسرائيل وكان يجري قضاءً وعدلاً لكل شعبه” (2 صموئيل 8:15). اشتهر الملك داود بتقاه الذي تجلى في كتاب المزامير الشريف.

“اخذت نساء امواتهن بالقيامة”. يُقصد بهذه الآية امرأتان. الأولى ارملة صرفت صيدا الوثنية الفقيرة التي استضافت النبي ايليا طوال سني القحط السبع. توفي ابنها وأُقيم من الاموات بعد ان صلى عليه النبي ايليا طالباً من الله اعادته الى الحياة ( انظر 1 ملوك 17: 21- 24 ). الثانية امرأة اسرائيلية اعتادت ان تستضيف رجال الله ومن اهمهم النبي أليشع خادم النبي ايليا. وعدها اليشع ان الله سيعطيها مولوداً وعندما كبر مولودها أُصيب بضربة شمس وتوفي. اتت به الى اليشع الذي صلى الى الله فعاد الصبي الى الحياة. ( انظر 2 ملوك 4: 8- 37 ).

الضيقات الفظيعة التي ترد في نص الرسالة اصابت غير مؤمن في العهد القديم. اهم الأسماء تتضمّن اسم النبي ارميا الذي كابد الهزء والقيود والسجن ( انظر ارميا 37: 15 و16) وانتهى به الامر بالرجم كما ورد في التقليد. نبي آخر قُتل رجما وهو زكريا بن برخيا الذي اتى ذكره الرب يسوع نفسه (انظر متى 23: 35). اما النشر فكان من نصيب النبي اشعيا. حاول هذا النبي تلافي السخط الذي كان منتشرا في اورشليم ايام الملك منسى فهرب الى بيت لحم واختفى في التلال المتاخمة، لكن سرعان ما قُبِض عليه ونُشر الى نصفين بمنشار من الخشب.

“هؤلاء كلهم مشهود لهم بالايمان”. كل هذه الضيقات التي كابدها هؤلاء الابرار تشهد على ايمانهم بأن الله قادر ان يعطيهم ” قيامة افضل” اي حياة جديدة. ايمانهم كان اثمن من حياتهم ومع هذا ” لم ينالوا الماعيد” اي انهم لم يحصلوا عليها وهم احياء. مواعيد الله تمت في الجلجلة ووصلت الى غايتها النهائية في صليب المسيح وذلك عندما” دخل الرب يسوع الى الاقداس ليس بدم تيوس بل بدم نفسه فوجد فداءً ابدياً” (عبرانيين 9: 12).

لم يحصل هؤلاء الابرار على مواعيد الله لأن الله ” سبق فنظر لنا شيئا ً افضل، ان لا يكملوا بدوننا” اي ان لا تكمل وتتم مواعيد الله بدوننا. هنا يؤكد كاتب الرسالة ان مواعيد الله لا تطال فقط ابراره الشهداء الاقدمين بل هي تعني سامعيه الآن. المؤمنون ليسوا ورثة الاقدمين بل هم بالتحديد اصحاب المواعيد كما كان القدماء، لذلك شدد الكاتب انها لا تكتمل بدونهم. ” الله سبق فنظر للمؤمنين” اذ هم محط انظار الله منذ البدء وان كل مقصد من مقاصد الله الازلية يتضمنهم.

نقلاً عن نشرة رعيتي
الأحد 19 كانون الأول 1993 / العدد 51

arArabic
انتقل إلى أعلى