القيامة عند العرب

شدّد الكتّاب المسيحيون العرب على حقيقة حدث الصليب والقيامة في وجه التشكيك الذي كان يواجههم به جيرانهم من أصحاب الأديان الاخرى. لذلك تراهم يتوسّعون في شرح وتفسير هذين الحدثين على ضوء الاعتراضات، فيُسهبون في عرض الحجج والبراهين التي تدعم آراءهم، متوقّفين عند أهميتهما الخلاصية لجنس البشر. ولا تخلو أيّة مقالة لاهوتية عربية من التأكيد على أهم المواضيع الخلافية كألوهة السيد المسيح وبنوّته الأزلية لله وتجسده، ووحدانية الثالوث الأقدس وذكر الصليب والقيامة.

يؤكد طيموثاوس الجاثليق (+823) أن الصليب هو علّة الحياة، ولذلك ينبغي السجود له، فيقول: “إن الصليب هو علّة الموت، ولكن الموت هو علّة القيامة، وهي علّة الحياة وعدم الموت. فاذاً الصليب هو علّة الحياة وعدم الموت”. وعندما سُئل كيف يموت الإله؟ أجاب: “فكما أن الإهانة تُنسب الى الملك نفسه، حينما ينشقّ أرجوانه بإهانة، او تتمزق ثيابه الملوكية بحقارة؛ هكذا موت يسوع (عليه السلام)، الذي صار في الجسد، يُنسب الى أقنومه الإلهي”. ثم اورد الجاثليق أقوال أنبياء العهد القديم في موت المسيح، ليخْلُص الى القول بأنَّ تأُّلم المسيح على خشبة الصليب إنما كان بإرادته وحرّيته، “فالله مجَّده، اذ أقامه من بين الأموات، وأصعده الى السماء”. وفي مكان آخر يتابع قائلا: “إن المسيح قد ارتضى بأن يتألم على الخشبة، حبا بخلاص البشر(…) حتى بموته يحيي الجميع”.

أما عمّار البصري (القرن التاسع) فشدد على أن موت المسيح على الصليب وقيامته قد أنقذا البشر من عبودية الموت والخطيئة، فالمسيح “بذل نفسه للقتل والصلب” ليهدي الناس وينقذهم من “الضلالة والكفر ثم من الخطيئة والموت”. ويؤكد الكاتب نفسه وجوب السجود للمسيح، ذلك انه “كما أن الخالق عزّ جلاله وجبت له العبادة والسجدة والحمد والشكر من خلقه، لخلقه إياهم، كذلك استحق المسيح بناسوته العبادة والسجدة والحمد والشكر من جميع الناس لمّا استنقذهم من الخطيئة والموت بقتله الذي احتمل لخلاصهم”. غاية التجسد عند عمّار هي خلاص البشر الذي تمّ بالصليب والقيامة، فهو يقول: “اذ كان سبب ظهوره في العالم ليستنقذ الناس من ضلالتهم ويجذبهم من طاعة إبليس الى طاعة ربّهم”، لذلك اذ “بشَّرهم بقيامة أجسادهم ومصيرها الى النعيم، سرّه لرأفته بهم وحبّه لهم أن يحمّل نفسه الأوجاع والآلام فيموت”.

اللافت عند عمّار البصري ايضا هو ربطه حدث القيامة بالأسرار، وبخاصة سرّي المعمودية والشكر (المناولة). فهو يعيد التذكير بأن المعمودية إنما هي موت وقيامة مع المسيح: “فأمرَنا، اذ غُيّب في الارض ميتا وقام منه حيا، أن نذكر ذلك بأن نغيّب أبداننا في الماء ونقوم منه فنذكر أن القيامة صحيحة”. كما يشير عمّار في موضع آخر الى أنّ في المعمودية إبطال الخطيئة: “فاذا كان انقضاء الموت صحيحا في أبداننا، فقد بطلت الخطيئة التي كانت سببا للموت”. اما فيما يخص سر الشكر، فالكاتب يؤكد انه لولا القيامة لما كان ثمة اشتراك في جسد المسيح ودمه من خلال المناولة: “ولأن المسيح مات بأنسيّته وقام وارتفع الى السماء ليبيّن بذلك قيامة اهل جوهره وبشريّته من القبور، أحب أن يخلّف عندهم ما يذكرون به موته عنهم ليُظهر بقيامته قيامتهم حتى لا يُنسى موته وقيامته، اذ كان في ذلك حياة جميعهم”. الكاتب يرى في قول المسيح لتلاميذه: “هذا الذي أُعطيكم هو جسدي”، “الحياة التي ظهرت بقيامة جسده من القبر وخروجه عن الموت”. ما أراد عمّار تأكيده إنما هو استمرار القيامة وفاعليّتها الخلاصية في الأسرار.

لا بدّ في النهاية من الإشارة الى بعض ما نظمه الأسقف سليمان الغزّي (القرن الحادي عشر) شعرا في القيامة وحقيقة حدوثها. فهو يقول في قصيدة:

زالت شكوكُ الناس والأوهامُ    في البعث، إذ قام المسيح، فقاموا
هذا الذي أحيا لنا لاهوتُه          ناسوته، فالموت منه منامُ

وينشد الشاعر في ختام القصيدة ذاتها داعيا المؤمنين الى المشاركة في القداس، ورابطا المناولة بالقيامة التي لولاها لما تسنّى لهم أن يشاركوا في جسد المسيح ودمه، فيقول:
قرَّبتَ لحمَ الفصح عن آثامنا        خبزاً، فصار لنا الحياةَ مُدامُ (اي خمرُ)
فتقرَّبوه يا بني ميراثِه               فعساه تسقطُ عنكم الآثامُ

ويقول الأسقف الشاعر في قصيدة أخرى أن قيامة المسيح قد أتاحت لكل البشر أن يقوموا معه:

وقام حيّا لنحيا في طبيعته            ويعمُرَ الحقّ منّا هيكلاً خرِبا
وقام آدم من قعر الجحيم كما         قام المسيح بجسم الإنس مصطَحِبا

ليست القيامة ذكرى يقيمها المسيحيّون مرّة واحدة في السنة، بل هي حقيقة حاضرة في كل قداس إلهي، وبخاصة في قداس يوم الاحد، الذي هو يوم القيامة، اليوم الثامن الذي لا يعروه مساء. وفي هذا يقول سليمان الغزّيّ:

أعلنوا في صباح يوم الآحاد        بقيام المسيح أصواتَ مجدِ

عن نشرة رعيتي 1998

arArabic
انتقل إلى أعلى