☦︎
☦︎

“..And he will also come in his glory to judge the living and the dead. Whose kingdom has no end. We await the resurrection of the dead and the life of the age to come. Amen."

Introduction:

عندما يفكّر المرء بآخر الأزمنة، تراوده فوراً مشكلة مصيره الشخصي، ويطرح نفسه السؤال:  ماذا سيحدث بي بعد الموت؟ هذا التساؤل ناتج عن جعل الإنسان نفسه محوراً للعالم. غير أن الإعلان الإلهي والتقليد الشريف يعلّمان أن “الأنا” ليست محور العالم، وأن محور العالم هو ذاك الذي قال : “أنا الألف والياء، المصدر والغاية”. لذلك فالسؤال الصحيح الذي يجب أن يُطرح هو: ماذا سيحدث عند مجيء المسيح الثاني؟

الكنيسة تعيش على إنتظار هذا المجيء، إذ حينئذ فقط يصير المسيح “الكلّ في الكلّ” وتتم عملية الخلاص وإفتقاد الله للبشر.

في هذا الفصل سنبحث كل جوانب هذا السر محاولين، قدر المستطاع بنعمة الرب يسوع، الولوج في أعماقه.

1 – المجيء الثاني للمسيح

a - يسوع نفسه أثناء بشرته على الأرض، أعلن عن مجيئه الثاني فقال: [ وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِياً عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. فَيُرْسِلُ مَلاَئِكَتَهُ بِبُوقٍ عَظِيمِ الصَّوْتِ فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ مِنْ أَقْصَاءِ السَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا ] [ متى 24: 30، 31 ]. و[ وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ اِبْنَ اَلإِنْسَانِ آتِياً فِي سَحَابٍ بِقُوَّةٍ كَثِيرَةٍ وَمَجْدٍ فَيُرْسِلُ حِينَئِذٍ مَلاَئِكَتَهُ وَيَجْمَعُ مُخْتَارِيهِ مِنَ اَلأَرْبَعِ اَلرِّيَاحِ مِنْ أَقْصَاءِ اَلأَرْضِ إِلَى أَقْصَاءِ اَلسَّمَاءِ ] [ مرقس 13: 26، 27 ]. و[ وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِياً فِي سَحَابَةٍ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ ] [ لوقا 21: 27 ]. وقد ذكّرنا الرسول بولس بأقوال السيد هذه في أول رسالة كتبها من كورونثوس إلى أهل تسالونيكي: [ فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هَذَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ: إِنَّنَا نَحْنُ الأَحْيَاءَ اَلْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ لاَ نَسْبِقُ الرَّاقِدِينَ. لأَنَّ الرَّبَّ نَفْسَهُ سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً ]. [ 1 تسالونيكى 4: 15، 16 ].

ب – الأحداث التي تشير إلى المجيء الثاني:

لم يُعلن يسوع موعد مجيئه الثاني، لا بل أكّد على أن ذلك الموعد لا يعرفه أحد سوى الله، ولكنه أشار إلى أحداث تسبق ذلك الموعد، منها:

  • دمار الهيكل ومدينة أورشليم: [ متى 24 : 2 ]. و [ لوقا 21: 20 – 24 ].
  • ظهور الأنبياء الكذبة: [ متى 24: 5، 11]. [ مرقس 13: 6 ]. [ لوقا 21: 8 ].
  • الحروب والمجاعات والكوارث الطبيعية:  [ متى 24: 6 – 8 ]،  [ لوقا 21: 8 – 11 ]،  [ مرقس 13: 7، 8 ].
  • إضطهاد المسيحيين من أجل المسيح: [ متى 24: 9، 10 ]، [ مرقس 13: 9 ]، [لوقا 21: 14 – 19 ].
  • فقدان المحبة والإيمان وطغيان الإثم: [ متى 24: 12 ]، [لوقا 18: 8]، [ 2 تيموثاوس 3: 1 – 5 ].
  • إنتشار الإنجيل في كل العالم: [ متى 24: 14 ]، [ متى 28: 19، 20 ].
  • ظهور المسيح الدجال: [ متى 24: 15، 16 ]، [ 1 تيموثاوس 4: 1، 2 ]، [ 2 تسالونيكى 2: 3 – 10 ]،  [ 1 يوحنا 2: 18، 22]، [ 1 يوحنا 4: 3 ]، [ 2 يوحنا 7 ]

ج – اليقظة والسهر:

العديد من الأحداث التي ذكرنا حصل بالفعل، ومنها ما يحصل الآن. وهذا ما يحدو بالمؤمن أن يأخذ القضية بكثير من الجدية وأن يعتبر ما حصل ويحصل إشارات لإقتراب موعد الملكوت، وأن يستعد لذلك. كيف يستعد؟ بالسهر. هكذا أراد يسوع: [ 42 «اِسْهَرُوا إِذًا لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي رَبُّكُمْ. 43 وَاعْلَمُوا هذَا: أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ رَبُّ الْبَيْتِ فِي أَيِّ هَزِيعٍ يَأْتِي السَّارِقُ، لَسَهِرَ وَلَمْ يَدَعْ بَيْتَهُ يُنْقَبُ. 44 لِذلِكَ كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مُسْتَعِدِّينَ، لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لاَ تَظُنُّونَ يَأْتِي ابْنُ الإِنْسَانِ. ] [ متى 24: 42، 44 ]. و[ وَلَكِنْ سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي اَللَّيْلِ، يَوْمُ اَلرَّبِّ، اَلَّذِي فِيهِ تَزُولُ اَلسَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ اَلْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ اَلأَرْضُ وَاَلْمَصْنُوعَاتُ اَلَّتِي فِيهَا ] [ 2 بطرس 3: 10 ].

وما مثل العذارى العاقلات [ متى 25: 1 – 13 ] إلا ليعلمنا يسوع بكل وضوح ضرورة السهر المستمر واليقظة الدائمة في كل حياة روحية تَنْهدُ إلى الأصالة. وأكّد على ذلك في مثل الخادم الأمين الذي عاد سيده فوجده ساهراً… كلّ منّا مدعو لأن يكون إحدى العذارى العاقلات أو ذلك الخادم الأمين. فبدون حياة روحية (واعية) تفتش عن المسيح في كلّ مواضع سُكْناه وتسعى إلى العيش باستمرار في ذكرى الله، وتعي أننا موجودون دوماً في حضرة الله تعالى، لا توجد أية حياة مسيحية حقيقية.

د – صلاة يسوع:

يقول الرسول بولس: [ صَلُّوا بِلاَ اِنْقِطَاعٍ ] [ 1 تسالونيكى 5: 17 ]. وكأنه بذلك يدلّنا على الطريق القويم لإستجابة طلب السيد: ” إسهروا”. والتقليد الأرثوذكسي يربط بين اليقظة والصلاة المستديمة. هذا التقليد، الذي لا يزال حياً في عالمنا اليوم، يدعو إلى تلاوة مستمرة لما يُسمّى بـ “صلاة يسوع” في شكلها التالي: “يا يسوع ابن الله الحي إرحمني أنا الخاطئ”.

هذه الصلاة يمكن أن يمارسها المؤمن في كل مكان. وبإشراف أب روحي ذي خبرة تنقلب الصلاة من حركات في الشفاه إلى صلاة قلبية يرددها القلب دون إنقطاع وأثناء أي عمل يقوم به الإنسان.

ونرى في كتاب ” سائح روسي على دروب الرب” كيف أن أبسط الناس يمكنهم التدرّب على هذه الصلاة والدخول في حضرة الله فيزداد شوقهم إلى لقياه ويترقبون بفرح مجيئه الثاني: [تَعَالَ أَيُّهَا اَلرَّبُّ يَسُوعُ ] [ رؤيا 22: 20 ].

2 – نهاية العالم” الأرض الجديدة”

يعلمنا الكتاب المقدس، في عهديه القديم والجديد، أن للعالم بداية ونهاية. وهاك بعض النصوص الأكثر أهمية المتعلقة بذلك:

أ – في العهد القديم:

[ منْ قِدَمٍ أَسَّسْتَ اَلأَرْضَ وَاَلسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ. هِيَ تَبِيدُ وَأَنْتَ تَبْقَى ‏وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى كَرِدَاءٍ تُغَيِّرُهُنَّ فَتَتَغَيَّرُ. وَأَنْتَ هُوَ وَسِنُوكَ لَنْ تَنْتَهِيَ. أَبْنَاءُ عَبِيدِكَ يَسْكُنُونَ وَذُرِّيَّتُهُمْ تُثَبَّتُ أَمَامَكَ ] [ مزمور 102: 25 – 28 ].

[ اِرْفَعُوا إِلَى اَلسَّمَاوَاتِ عُيُونَكُمْ وَاُنْظُرُوا إِلَى اَلأَرْضِ مِنْ تَحْتٍ. فَإِنَّ ‏اَلسَّمَاوَاتِ كَالدُّخَانِ تَضْمَحِلُّ وَاَلأَرْضَ كَالثَّوْبِ تَبْلَى وَسُكَّانَهَا ‏كَالْبَعُوضِ يَمُوتُونَ. أَمَّا خَلاَصِي فَإِلَى اَلأَبَدِ يَكُونُ وَبِرِّي لاَ يُنْقَضُ ] [ أشعياء 51: 6 ].

[ اِنْسَحَقَتِ اَلأَرْضُ اِنْسِحَاقاً. تَشَقَّقَتِ اَلأَرْضُ تَشَقُّقاً. تَزَعْزَعَتِ ‏اَلأَرْضُ تَزَعْزُعاً. تَرَنَّحَتِ اَلأَرْضُ تَرَنُّحاً كَالسَّكْرَانِ وَتَدَلْدَلَتْ ‏كَالْعِرْزَالِ وَثَقُلَ عَلَيْهَا ذَنْبُهَا فَسَقَطَتْ وَلاَ تَعُودُ تَقُومُ. وَيَكُونُ فِي ‏ذَلِكَ اَلْيَوْمِ أَنَّ اَلرَّبَّ يُطَالِبُ جُنْدَ اَلْعَلاَءِ فِي اَلْعَلاَءِ وَمُلُوكَ اَلأَرْضِ ‏عَلَى اَلأَرْضِ. وَيُجْمَعُونَ جَمْعاً كَأَسَارَى فِي سِجْنٍ وَيُغْلَقُ عَلَيْهِمْ ‏فِي حَبْسٍ. ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ يَتَعَهَّدُونَ. وَيَخْجَلُ اَلْقَمَرُ وَتُخْزَى ‏اَلشَّمْسُ لأَنَّ رَبَّ اَلْجُنُودِ قَدْ مَلَكَ فِي جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَفِي أُورُشَلِيمَ. ‏وَقُدَّامَ شُيُوخِهِ مَجْدٌ ] [ أشعياء 24: 19 – 23 ].

[ قُدَّامَهُ تَرْتَعِدُ اَلأَرْضُ وَتَرْجُفُ اَلسَّمَاءُ. اَلشَّمْسُ وَاَلْقَمَرُ يُظْلِمَانِ وَاَلنُّجُومُ تَحْجِزُ لَمَعَانَهَا ] [ يوئيل 2: 10، 3: 15 ].

ب – في العهد الجديد:

[ وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الأَيَّامِ تُظْلِمُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ وَالنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ وَقُوَّاتُ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ ] [ متى 24: 29 ].

[ وَأَمَّا فِي تِلْكَ اَلأَيَّامِ بَعْدَ ذَلِكَ اَلضّيقِ فَالشَّمْسُ تُظْلِمُ وَاَلْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ وَنُجُومُ اَلسَّمَاءِ تَتَسَاقَطُ وَاَلْقُوَّاتُ اَلَّتِي فِي اَلسَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ اِبْنَ اَلإِنْسَانِ آتِياً فِي سَحَابٍ بِقُوَّةٍ كَثِيرَةٍ وَمَجْدٍ فَيُرْسِلُ حِينَئِذٍ مَلاَئِكَتَهُ وَيَجمَعُ مُخْتَارِيهِ مِنَ اَلأَرْبَعِ اَلرِّيَاحِ مِنْ أَقْصَاءِ اَلأَرْضِ إِلَى أَقْصَاءِ اَلسَّمَاءِ  ] [ مرقس 13: 24 – 27 ].

[ وَتَكُونُ عَلاَمَاتٌ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَعَلَى الأَرْضِ كَرْبُ أُمَمٍ بِحَيْرَةٍ. اَلْبَحْرُ وَالأَمْوَاجُ تَضِجُّ وَالنَّاسُ يُغْشَى عَلَيْهِمْ مِنْ خَوْفٍ وَانْتِظَارِ مَا يَأْتِي عَلَى الْمَسْكُونَةِ لأَنَّ قُوَّاتِ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِياً فِي سَحَابَةٍ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. وَمَتَى ابْتَدَأَتْ هَذِهِ تَكُونُ فَانْتَصِبُوا وَارْفَعُوا رُؤُوسَكُمْ لأَنَّ نَجَاتَكُمْ تَقْتَرِبُ ] [ لوقا 21: 25 – 28 ].

[ وَأَمَّا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ الْكَائِنَةُ الآنَ فَهِيَ مَخْزُونَةٌ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ عَيْنِهَا، مَحْفُوظَةً لِلنَّارِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَهَلاَكِ النَّاسِ الْفُجَّارِ. اَلّذِي فِيهِ تَزُولُ اَلسَّماوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ اَلْعَنَاصِرُ مُحتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ اَلأَرْضُ وَاَلْمَصْنُوعَاتُ اَلَّتِي فِيهَا ] [ 2 بطرس 3: 7، 10 ].

[ ثُمَّ رَأَيْتُ عَرْشاً عَظِيماً أَبْيَضَ، وَالْجَالِسَ عَلَيْهِ الَّذِي مِنْ وَجْهِهِ هَرَبَتِ الأَرْضُ وَالسَّمَاءُ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهُمَا مَوْضِعٌ!. ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً، لأَنَّ اَلسَّمَاءَ الأُولَى وَالأَرْضَ الأُولَى مَضَتَا، وَاَلْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ ] [ رؤيا 20: 11، 21: 1 ].

ج – الأرض الجديدة:

كل النصوص التي ذكرنا تعطينا صورة رهيبة لنهاية العالم. وأمّا الحروب والكوارث الطبيعية، وإمكانات التدمير الحديثة، من أسلحة نووية إلى أسلحة كيماوية، فبإمكانها تقريب الصورة عن تلك النهاية وجعل تصوّرها سهلاً علينا.

ولكن علينا أن ننظر إلى الحدث بعيني الإيمان لا بالعين المجرّدة، لا سيما وأنه لا بدّ من زوال العالم القديم ليحلّ عالم جديد دشنه المسيح في مجيئه الأول وسيكمله في مجيئه الثاني.

إن يوم نهاية العالم سيكون رهيباً (للأشرار): [ فَبِمَا أَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا تَنْحَلُّ، أَيَّ أُنَاسٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ فِي سِيرَةٍ مُقَدَّسَةٍ وَتَقْوَى؟ مُنْتَظِرِينَ وَطَالِبِينَ سُرْعَةَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الَّذِي بِهِ تَنْحَلُّ السَّمَاوَاتُ مُلْتَهِبَةً، وَاَلْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً تَذُوبُ ] [ 2بطرس 3: 11، 12 ]. ولكنه للمؤمنين يوم مجد. هذا اليوم هو المنتظر لأن فيه: “يُسلّم المسيح الملك إلى الله الآب بعد أن يبيد كل رئاسة وكل سلطة وكل قوة” [ 1 كورونثوس 15: 24 ]. وفيه يتحقق العالم الجديد الذي تنبّأ عنه أشعياء، إذ قال: [ هَئَنَذَا خَالِقٌ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً فَلاَ تُذْكَر الأُولى وَلاَ ‏تَخْطُرُ عَلَى بَالٍ ] [ أشعياء 65: 17 ]. ويقول لنا بطرس الرسول بشأن هذا اليوم في رسالته الثانية: [ وَلَكِنَّنَا بِحَسَبِ وَعْدِهِ نَنْتَظِرُ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً، يَسْكُنُ فِيهَا اَلْبِرُّ ] [ 2بطرس 3 : 13 ]. وأمّا يوحنا فيذكر في رؤياه ” ثم رأيت سماء جديدة وأرض جديدة” [ رؤيا 21: 1 ]، ويروى لنا قول السيد: [ وَقَالَ اَلْجَالِسُ عَلَى اَلْعَرْشِ: هَا أَنَا أَصْنَعُ كُلَّ شَيْءٍ جَدِيداً ] [ رؤيا 21: 5 ].

إذاً، آخر الأزمنة ليس مدعاة للخوف، فهو النهار الذي يلي الظلمة. ونحن بالمعمودية دخلنا العالم الجديد الآتي: [  إِذاً إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي اَلْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. اَلأَشْيَاءُ اَلْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا اَلْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً ] [ 2 كورونثوس 5: 17 ]، وولدنا ثانية لله وأصبحنا خليقة جديدة. وكما يقول الرسول بولس: [ لأَنَّكُمْ قَدْ متُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ اَلْمَسِيحِ فِي اَللهِ. مَتَى اُظْهِرَ اَلْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً مَعَهُ فِي اَلْمَجْدِ ] [ كولوسي 3 : 3، 4].

وكما سنرى فيما بعد، عند مجيء يسوع المسيح الثاني، يقوم الموتى بأجسادهم للحياة الأبدية.

3 – الموت

ما هو الموت، وبالتالي من هم الأموات؟ هذا هو سؤال أساسي جداً في حياتنا ولا بدّ من طرحه الآن. الجواب المباشر يعطينا إيّاه المزمور 104: [ تَحْجُبُ وَجهَكَ فَتَرْتَاعُ. تَنْزِعُ أَرْوَاحهَا فَتَمُوتُ وَإِلَى تُرَابِهَا تَعُودُ. تُرْسِلُ ‏رُوحَكَ فَتُخْلقُ. وَتُجَدِّدُ وَجْهَ اَلأَرْضِ‏ ] [ المزمور104: 29، 30 ].

الحياة هبة من الله. وكما رأينا في الفصل الثالث الخاص بخلق الإنسان وسقوطه، فالموت ضد الطبيعة الإنسانية الأصلية: [ فَإِنَّ الله خَلقَ اَلإِنْسَانَ خَالِداً وصَنَعَهُ عَلَى صُورَةِ ذَاتِهِ ] [ حكمة 2: 23 ]. وكذلك: [ لَيْسَ اَلمَوْتَ مِنْ صُنْعِ الله ولا هَلاكُ اَلأحْيَاء يَسُرَّه ] [ حكمة 1: 13 ].

فالموت، إذاً، نتيجة الخطيئة: [ لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ وَأَمَّا هِبَةُ اَللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ وَهَكَذَا اِجْتَازَ اَلْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ اَلنَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ اَلْجَمِيعُ ] [ رومية 6: 23 و5: 12 ]. دخل العالم بواسطة الإنسان يوم لبَّى دعوة الشيطان “الذي لديه قدرة الموت” [ عبرانيين 2: 14 ]، من أجل الإبتعاد عن مصدر الحياة.

والآن حريّ بنا أن نطرح سؤالاً ثانياً: ما هو مصيرنا بعد الموت ودفن الجسد على رجاء القيامة العامة؟

لنمعن النظر جيداً بالنصوص الكتابية لعلنا نلقي بعض النور على هذه المشكلة.

أ – في المزامير وعند الأنبياء:

الموت، في المزامير وعند الأنبياء، يوصف بأنه “أرض سكوت”، “عدم ذكر الله”، “أرض النسيان”، “التراب”، “الحفرة”، “الجب” وكذلك “الهاوية”.

  • [ لأَنَّهُ لَيْسَ فِي اَلْمَوْتِ ذِكْرُكَ. فِي اَلْهَاوِيَةِ مَنْ يَحْمَدُكَ؟  ] [ مزمور 6: 6 ].
  • [ مَا اَلْفَائِدَةُ مِنْ دَمِي إِذَا نَزَلْتُ إِلَى اَلْحُفْرَةِ؟ هَلْ يَحْمَدُكَ اَلتُّرَابُ؟ هَلْ يُخْبِرُ بِحَقِّكَ؟ ] [ مزمور 30: 10 ].
  • [ أَفَلَعَلَّكَ لِلأَمْوَاتِ تَصْنَعُ عَجَائِبَ أَمِ اَلأَخِيلَةُ تَقُومُ تُمَجِّدُكَ؟ سِلاَهْ. هَلْ ‏يُحَدَّثُ فِي اَلْقَبْرِ بِرَحْمَتِكَ وبِحَقِّكَ فِي اَلْهَلاَكِ؟ هَلْ تُعْرَفُ فِي اَلظُّلْمَةِ ‏عَجَائِبُكَ وَبِرُّكَ فِي أَرْضِ اَلنِّسْيَانِ؟‏ ] [ مزمور 88: 10].
  • [ لَيْسَ اَلأَمْوَاتُ يُسَبِّحُونَ اَلرَّبَّ وَلاَ مَنْ يَنْحَدِرُ إِلَى أَرْضِ اَلسُّكُوتِ ] [ مزمور 115 : 17 ].
  • [ لأَنَّ اَلْهَاوِيَةَ لاَ تَحْمَدُكَ. اَلْمَوْتُ لاَ يُسَبِّحُكَ. لاَ يَرْجُو اَلْهَابِطُونَ إِلَى ‏اَلْجُبِّ أَمَانَتَكَ ] [ أشعياء 38: 18 ].

معظم النصوص تُظهر الموت وكأنه مكان الهلاك، مكان السكوت والنسيان، وبالتالي، وكأن الأموات ” ينامون”. بيد أن بعض النصوص تلقى على هذا النوم بصيصا من الأمل كالمزمور الذي استشهد به بطرس الرسول في سفر الأعمال: [ لِذَلِكَ سُرَّ قَلْبِي وَتَهَلَّلَ لِسَانِي. حَتَّى جَسَدِي أَيْضاً سَيَسْكُنُ عَلَى ‏رَجَاءٍ. لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي الْهَاوِيَةِ وَلاَ تَدَعَ قُدُّوسَكَ يَرَى ‏فَسَاداً. عَرَّفْتَنِي سُبُلَ الْحَيَاةِ وَسَتَمْلأُنِي سُرُوراً مَعَ وَجْهِكَ‏ ] [ أعمل الرسل 2: 26 – 28 ]. ونجد ذلك أيضاً في سفر أشعياء: [ تَحْيَا أَمْوَاتُكَ. تَقُومُ اَلْجُثَثُ. اِسْتَيْقِظُوا. تَرَنَّمُوا يَا سُكَّانَ اَلتُّرَابِ. ‏لأَنَّ طَلَّكَ طَلُّ أَعْشَابٍ وَاَلأَرْضُ تُسْقِطُ اَلأَخْيِلَةَ ] [ أشعياء 26: 19 ]. وسفر أيوب: [ أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ وَاَلآخِرَ عَلَى اَلأَرْضِ يَقُومُ . وبَعْدَ ‏أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هَذَا وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى اَللهَ ] [ أيوب 19: 25، 26 ]. وبصورة خاصة في سفر حزقيال: [ فَقَالَ لِي: تَنَبَّأْ لِلرُّوحِ، تَنَبَّأْ يَا اِبْنَ آدَمَ، وَقُلْ لِلرُّوحِ: هَكذَا قَالَ ‏اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ: هَلُمَّ يَا رُوحُ مِنَ اَلرِّيَاحِ اَلأَرْبَعِ وَهُبَّ عَلَى هَؤُلاَءِ اَلْقَتْلَى ‏لِيَحْيُوا. فَتَنَبَّأْتُ كَمَا أَمَرَني، فَدَخَلَ فِيهِمِ اَلرُّوحُ، فَحَيُوا وَقَامُوا ‏عَلَى أَقدَامِهِمْ جَيْشٌ عَظيمٌ جِدّاً جِدّاً. ثُمَّ قَالَ لِي:  يَا اِبْنَ آدَمَ، ‏هَذِهِ اَلعِظَامُ هِيَ كُلُّ بَيتِ إِسْرَائِيلَ. هَا هُمْ يَقُولُونَ: يَبِسَتْ ‏عِظَامُنَا وَهَلَكَ رَجَاؤُنَا. قَدِ اِنْقَطَعْنَا. لِذَلِكَ تَنَبَّأْ وَقُلْ لَهُمْ: ‏هَكذَا قَالَ اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ: هَئَنَذَا أَفتَحُ قُبُورَكُمْ وأُصْعِدُكُمْ مِنْ ‏قُبُورِكُمْ يَا شَعْبِي وَآتِي بِكُمْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا ‏اَلرَّبُّ عِنْدَ فَتْحِي قُبُورَكُمْ وَإِصْعَادِي إِيَّاكُمْ مِنْ قُبُورِكُمْ يَا شَعْبِي. وأَجْعَلُ رُوحِي فِيكُمْ فتَحْيُونَ، وَأَجْعَلُكُمْ فِي أَرْضِكُمْ، فَتَعْلَمُونَ ‏أَنِّي أنَا اَلربُّ تَكَلَّمْتُ وَأَفْعَلُ، يَقُولُ اَلرَّبُّ ] [ حزقيال 37: 9 – 14 ]. وفي سفر دانيال: [ وَكَثِيرُونَ مِنَ اَلرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ اَلأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ هَؤُلاَءِ إِلَى ‏اَلْحَيَاةِ اَلأَبَدِيَّةِ وَهَؤُلاَءِ إِلَى اَلْعَارِ لِلاِزْدِرَاءِ اَلأَبَدِيِّ ] [ دانيال 12: 2 ]. حيث يبرز نوع من المقارنة بين “نوم” الموت و”صحو” القيامة المرتقبة: “وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون إلى الحياة الأبدية، وكثيرون آخرون إلى العار للإزدراء الأبدي”.

ب – موت الأبرار في سفر الحكمة:

في أسفار العهد القديم المتأخرة التي كتبت باليونانية في مصر خلال ال 150 سنة السابقة لميلاد المسيح، وخاصةً في سفرى الحكمة والمكابيين الثاني، يبرز مظهر جديد لما سيحدث بعد الموت. فيدخل سفر الحكمة في التفاصيل إذ يبدأ مرحلة التفريق بين نوعين من الأموات، ويؤكّد أن الأبرار منهم لا يموتون إلا “ظاهرياً”. ولأن حياتهم هى في يدّ الله فإنهم يعيشون إلى الأبد.

[ أمَّا اَلْصِدَّيقُ فَإِنَّه وإنْ تَعَجَّلَهُ اَلمَوْتَ يَسْتَقِرَّ فِي اَلرَاحَةِ ] [ حكمة 4: 7 ].

[ أَمَّا نُفُوسَ اَلصِدِّيقِين فَهِي بِيَدِ الله فَلا يَمُسّّهَا اَلْعَذَاب. وفِي ظَنْ اَلجُهَّالِ أَنَّهُمْ مَاتُو و قَدْ حُسِبَ خُرُوجُهُمْ شَقَاءً. وذِهَابُهم عَنا عطَباً أمَّا هُمْ فَفِي اَلْسَلامِ. ومَعَ أنَّهُم قَدْ عُوقِبُوا فِي عُيُونِ اَلْنَاسِ فَرَجَاؤُهُم مَمْلُوءٌ خُلُوداً. وبَعْد تَأدِيبٍ يَسِيرٍ لَهُمْ ثَوَابٌ عَظِيمٌ لأنَّ الله إِمْتَحَنَهُمْ فَوَجَدَهُم أَهْلاً لَهُ. مَحَّصّهُم كّالذّهَبِ فِي البّوْتَقَةِ وقَبِلَهُم كَذَبِيحَةٍ مُحْرَقَةٍ. فَهُمْ فِي وَقْتِ اِفْتِقَادِهِم يَتَلألأون ويَسْعُون سَعْيَ اَلشَرَارِ بَيْنَ اَلقَصَبِ. ويَدِينُونَ اَلأمَمِّ ويَتَسَلَّطُون عَلَى اَلشِعُوبِ ويَمْلُك رَبُّهُم إِلَى اَلأبَدِ. اَلمُتَوَكّلُون عَلَيْهِ سَيَفْهَمُون اَلحَقّ والأُمَنَاءِ فِي اَلمَحَبّةِ سَيُلازِمُونَه لأنَّ اَلنِعْمَة واَلرَحْمَةَ لِمُخْتَارِيه ] [ حكمة 3: 1 – 9 ].

ويضيف: [ لأنَّ رَجَاء اّلمُنَافِق كَغُبارِ تَذْهَبْ بِهِ اَلرِيحُ وَكَزَبَدِ رَقِيقٍ تُطَارِدَه اَلزَوْبَعَة وكَدُخَّانٍ تُبَدِّدَهُ اَلرِيحُ وَكَذِكَرٍ ضَيْفٍ نَزَلَ يَوْماً ثُمّ إِرْتَحَلَ. أمّا اَلصِدّيقُون فَسَيَحْيُون إلَى الأبَدِ وَعِنَد اَلَربِّ ثَوَابُهُم و لَهُم عِنَايَة مِنْ لُدُنِ اَلعَلِيّ ] [ حكمة 5: 15، 16 ].

ج – الحياة الأبدية في العهد الجديد:

هذا الرجاء بالحياة الأبدية، الذي بدأ بالظهور في العهد القديم، توطد وغدا أكيداً عند مجيء السيد المسيح الذي هو أيضاً حياة العالم. في إنجيل [ يوحنا10: 27، 28 ]، يقول يسوع مستخدماً عبارة ” يد الله” الكتابية: [ خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي ]. ويؤكد قيامة المؤمنين حين يقول: [ لأَنَّ هَذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ اَلّذِي أَرْسَلَنِي: أَنَّ كُلَّ مَنْ يَرَى الاِبْنَ وَيُؤْمِنُ بِهِ تَكُونُ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي اَلْيَوْمِ الأَخِيرِ ] [ يوحنا 6: 40 ]. و[ اَلْحَقَّ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ ] [ يوحنا 6: 47 ]. و[ اَلْحَقَّ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْفَظُ كلاَمِي فَلَنْ يَرَى اَلْمَوْتَ إِلَى الأَبَدِ ] [ يوحنا 8: 51 ]. ويلفتنا بشكل خاص قوله: [ قَالَ لَهَا يَسُوعُ: أَنَا هُوَ اَلْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهَذَا؟ ] [ يوحنا 11: 25، 26 ].

هذه النصوص كلّها تؤكد ما يلى:

  • أن حياة الإنسان تستمر بعد الموت بقدر ما هى مرتبطة بالله. لذلك يقول لنا السيد في الإنجيل: [ وَلاَ تَخَافُوا مِنَ اَلَّذِينَ يَقْتُلُونَ اَلْجَسَدَ وَلَكِنَّ اَلنَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ اَلَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ اَلنَّفْسَ وَاَلْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ. ] [ متى 10: 28 ].
  • الموت يحدث من جرّاء غياب الله. وحيث يوجد الله لا يوجد الموت. لذلك، فالنفس العطشى لله والتي تسعى دائما إلى العيش في حضرته لا تموت لأن توْقها إلى الله يحفظها حية.
  • الذي يعيش على هذه الأرض في المسيح يستمر على هذه الحياة بعد موته. هذا ما يؤكده بقوة الرسول بولس إذ يقول: [ لأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ نُقِضَ بَيْتُ خَيْمَتِنَا الأَرْضِيُّ، فَلَنَا فِي السَّمَاوَاتِ بِنَاءٌ مِنَ اّلْلَّهِ، بَيْتٌ غَيْرُ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، أَبَدِيٌّ. فَإِنَّنَا فِي هَذِهِ أَيْضاً نَئِنُّ مُشْتَاقِينَ إِلَى أَنْ نَلْبَسَ فَوْقَهَا مَسْكَنَنَا اَلَّذِي مِنَ السَّمَاءِ. وَإِنْ كُنَّا لاَبِسِينَ لاَ نُوجَدُ عُرَاةً. فَإِنَّنَا نَحْنُ اَلَّذِينَ فِي اَلْخَيْمَةِ نَئِنُّ مُثْقَلِينَ، إِذْ لَسْنَا نُرِيدُ أَنْ نَخْلَعَهَا بَلْ أَنْ نَلْبَسَ فَوْقَهَا، لِكَيْ يُبْتَلَعَ اَلْمَائِتُ مِنَ اَلْحَيَاةِ. وَلَكِنَّ اَلَّذِي صَنَعَنَا لِهَذَا عَيْنِهِ هُوَ اَلْلَّهُ، اَلَّذِي أَعْطَانَا أَيْضاً عَرْبُونَ الرُّوحِ. فَإِذاً نَحْنُ وَاثِقُونَ كُلَّ حِينٍ وَعَالِمُونَ أَنَّنَا وَنَحْنُ مُسْتَوْطِنُونَ فِي اَلْجسَدِ فَنَحْنُ مُتَغَرِّبُونَ عَنِ اَلرَّبِّ. لأَنَّنَا بِالإِيمَانِ نَسْلُكُ لاَ بِالْعَيَانِ. فَنَثِقُ وَنُسَرُّ بِالأَوْلَى أَنْ نَتَغَرَّبَ عَنِ اَلْجَسَدِ وَنَسْتَوْطِنَ عِنْدَ اَلرَّبِّ ] [ 2 كورونثوس 5: 1 – 8 ]. وجاء في (فيليبي 1: 20-23): “الحياة عندي هي المسيح والموت ربح… أرغب في أن أترك هذه الحياة لأكون مع المسيح…”.
  • المسيح هو الحياة وواهبها. فالذي يعيش في المسيح و [ حَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ اَلْمَسِيحِ فِي اَللهِ ] [ كولوسي 3: 3 ]، هذا يكون (ذِكرهُ مؤبداً)، لأن روح الله يحمله ويحفظه من الموت: “مَتَى اظْهِرَ الْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ انْتُمْ ايْضاً مَعَهُ فِي الْمَجْدِ.” (كولوسي 3: 4).

د – ماذا عن الذين لم يعرفوا يسوع ولم يقبلوه؟:

يجيب بطرس الرسول قائلاً: [ الَّذِي فِيهِ أَيْضاً ذَهَبَ فَكَرَزَ لِلأَرْوَاحِ الَّتِي فِي السِّجْنِ، إِذْ عَصَتْ قَدِيماً، حِينَ كَانَتْ أَنَاةُ اللهِ تَنْتَظِرُ مَرَّةً فِي أَيَّامِ نُوحٍ، إِذْ كَانَ الْفُلْكُ يُبْنَى، الَّذِي فِيهِ خَلَصَ قَلِيلُونَ، أَيْ ثَمَانِي أَنْفُسٍ بِالْمَاءِ. ] [ 1 بطرس 3: 19، 20 ].

إن الذين “تمردوا” على السيد والذين سوف يتمردون عليه، هم بعد الموت “أرواح سجينة”، ويسكنون “الهاوية”، “مكان الهلاك” و”أرض النسيان”. هذا ما تكلمت عنه المزامير وأشعياء النبي. وفي مثل لعازر يشير يسوع نفسه وبعبارات رمزية إلى وضع هؤلاء المتمردين الحزين. فيقول بأن الغني قد مات ودفن، بينما هو في “الجحيم يقاسي العذاب”، رفع عينيه ورأى من بعيد إبراهيم ولعازر في أحضانه، فصرخ قائلاً: [ فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ فِي اَلْهَاوِيَةِ وَهُوَ فِي اَلْعَذَابِ وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعِيدٍ وَلِعَازَرَ فِي حِضْنِهِ فَنَادَى: يَا أَبِي إِبْرَاهِيمُ اِرْحَمْنِي وَأَرْسِلْ لِعَازَرَ لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصْبَِعِهِ بِمَاءٍ وَيُبَرِّدَ لِسَانِي لأَنِّي مُعَذَّبٌ فِي هَذَا اَللهِيبِ. ] [ لوقا 16: 23، 24 ]. ثم يضيف السيد أنه يوجد “هوّة عظيمة” بين “الجحيم” و”أرض الأحياء” أو “أحضان إبراهيم”، لا يقدر أحد أن يجتازها ( لوقا 16: 26).

ولكننا نعلم أن السيد نفسه قال أن: [ غَيْرُ اَلْمُسْتَطَاعِ عِنْدَ اَلنَّاسِ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اَللهِ  ] [ لوقا 18: 27 ]. ونعلم أن المسيح – الله المتجسد – لم ينزل من “السماء” إلى الأرض فقط بل نزل أيضاً إلى “الجحيم” وإلى الهاوية [ رومية 10: 7 ]. لكى يفتقد الإنسان وهو في أقصى درجات تعاسته، ويكسر “القيود الدهرية” ويحرّر الذين يتجاوبون مع محبته.

إذاً، بالقيامة تفقد المسيح الذين هم في الجحيم لأنه “وطئ الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور”. وكل من يلقي بمصيره بين يدى المسيح “أذكرني يا رب متى أتيت في ملكوتك”، يدخل في لحظة مماته مع السيد إلى الفردوس: [اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ اَلْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي اَلْفِرْدَوْسِ ] [ لوقا 23: 43 ]. والفردوس هذا هو: “البيت الأبدي غير المصنوع بيدٍ بشرية، والذي هو في السماوات” (2 كورونثوس 5: 1). وهناك يبقى بإنتظار فرح القيامة.

E – وننهي هذا الفصل عن الموت بذكر الصلوات التي تدعونا الكنيسة إلى تلاوتها في سحر يوم الأحد “اللحن الثالث”. وهذه القطعة توجز ببلاغة تعليم الكنيسة عن غلبة السيد النهائية على الموت: “لقد قام المسيح من بين الأموات، الذي هو مقدمة الراقدين وبكر الخليقة ومبدع كل المبروءات. وقد جدّد بذاته طبيعة جنسنا المنفسدة. فلست تتسلّط فيما بعد أيها الموت لأن سيد الكلّ قد أبطل قوتك وحلّها”.

4 – قيامة الموتى والحياة الأبدية:

هل سيقوم الأموات بأجسادهم؟ وهل القيامة هذه حقيقة واقعية أم هي ضرب من الخيال والوهم عفا الزمان على القول بها؟

بادئ ذي بدء نورد بعض النصوص الكتابية التي تلقي ضوءاً على موضوعنا هذا. وسنجدها تدعّم فكرة القيامة الفعلية للأموات. وتجب الملاحظة في هذا المجال أن آراءنا الشخصية وتأويلاتنا لا قيمة حقيقية لها، فالقيمة كلّ القيمة لما أعلنه الله عن هذا السرّ. والروح القدس هو دون سائر الأرواح قائدنا إلى الحقيقة. والكتاب المقدس يؤكد على ذلك ويحذرنا من محاولة الإتصال بالأرواح كائنة ما كانت: [ لاَ تَلْتَفِتُوا إِلَى اَلْجَانِّ وَلاَ تَطْلُبُوا اَلتَّوَابِعَ فَتَتَنَجَّسُوا ‏بِهِمْ. أَنَا اَلرَّبُّ إِلَهُكُمْ ] [ لاويين 19: 31 ]. ونجد أيضاً في: [ مَتَى دَخَلتَ اَلأَرْضَ اَلتِي يُعْطِيكَ اَلرَّبُّ إِلهُكَ لا تَتَعَلمْ أَنْ تَفْعَل مِثْل ‏رِجْسِ أُولئِكَ اَلأُمَمِ.لا يُوجَدْ فِيكَ مَنْ يُجِيزُ اِبْنَهُ واِبْنَتَهُ فِي اَلنَّارِ ‏وَلا مَنْ يَعْرُفُ عِرَافَةً وَلا عَائِفٌ وَلا مُتَفَائِلٌ وَلا سَاحِرٌ. وَلا مَنْ ‏يَرْقِي رُقْيَةً وَلا مَنْ يَسْأَلُ جَانّ وتَابِعَةً وَلا مَنْ يَسْتَشِيرُ اَلمَوْتَى. لأَنَّ كُل مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ اَلرَّبِّ. وَبِسَبَبِ هَذِهِ اَلأَرْجَاسِ ‏اَلرَّبُّ إِلهُكَ طَارِدُهُمْ مِنْ أَمَامِكَ ] [ تثنية 18: 9 – 12 ].

أ – في العهد القديم :

  • عندما أعلن الرسول بطرس قيامة المسيح [ أعمال 2: 26 – 28 ]، استشهد بنص المزمور (مزمور 16: 9 – 11) فقال: “لِذَلِكَ فَرِحَ قَلْبِي وَاِبْتَهَجَتْ رُوحِي. جَسَدِي أَيْضاً يَسْكُنُ مُطْمَئِنّاً. لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي اَلْهَاوِيَةِ. لَنْ تَدَعَ تَقِيَّكَ يَرَى فَسَاداً. تُعَرِّفُنِي سَبِيلَ اَلْحَيَاةِ. أَمَامَكَ شِبَعُ سُرُورٍ. فِي يَمِينِكَ نِعَمٌ إِلَى اَلأَبَدِ”.
    بطرس، إذاً، يترجّى القيامة، قيامة الأجساد بالفعل، وليس نوعاً من قيامة الأرواح فقط، كما كانت تعلّم في المدارس الفلسفية.
  • أشعياء سبق وتكلّم عن الرجاء نفسه (26: 19) فقال: “ستحيا أمواتكم وتقوم الجثث. استيقظوا وترنموا يا سكان التراب لأن نداك ندى النور والأرض تسقط الجبابرة”. وكأنه بذلك يشير إلى ولادة ثانية وخلقٍ جديد.
  • وفي سفر أيوب نجد الإيمان نفسه بالقيامة بالجسد إذ يؤكد أنه سوف يرى الله بأعين الجسد: [ أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ وَاَلآخِرَ عَلَى اَلأَرْضِ يَقُومُ وَبَعْدَ ‏أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هَذَا وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى اَللهَ. الَّذِي أَرَاهُ أَنَا ‏لِنَفْسِي وَعَيْنَايَ تَنْظُرَانِ وَلَيْسَ آخَرُ. إِلَى ذَلِكَ تَتُوقُ كُلْيَتَايَ فِي ‏جَوْفِي ] [ أيوب 19: 25 – 27 ].
  • وهنا لا بد لنا من إثبات نبوءة حزقيال التي تتلى في خدمة صلاة السحر للسبت العظيم المقدس وهي ما يسمّى بجناز المسيح وتقام عادة مساء يوم الجمعة العظيمة. هذه النبوءة تعطي صورة واضحة ومؤثرة لقيامة الأجساد: [ كَانَتْ عَلَيَّ يَدُ الرَّبِّ فَأَخْرَجَني بِرُوحِ اَلرَّبِّ وَأَنْزَلَنِي فِي وَسَطِ ‏اَلْبُقْعَةِ، وَهِيَ مَلآنَةٌ عِظَاماً. وَأَمَرَّنِي عَلَيْهَا مِنْ حَوْلِهَا وَإِذَا هِيَ ‏كَثِيرَةٌ جِدّاً عَلَى وَجْهِ اَلْبُقْعَةِ، وَإِذَا هِيَ يَابِسَةٌ جِدّاً. فَقَالَ لِي: [ ‏يَا اِبْنَ آدَمَ، أَتَحْيَا هَذِهِ اَلْعِظَامُ؟  فَقُلْتُ: [ يَا سَيِّدُ اَلرَّبُّ أَنْتَ ‏تَعْلَمُ . فَقَالَ لِي: [ تَنَبَّأْ عَلَى هَذِهِ اَلْعِظَامِ وَقُلْ لَهَا: أَيَّتُهَا اَلْعِظَامُ ‏اَلْيَابِسَةُ، اِسْمَعِي كَلِمَةَ اَلرَّبِّ. هَكذَا قَالَ اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ لِهَذِهِ ‏اَلْعِظَامِ: هَئَنَذَا أُدْخِلُ فِيكُمْ رُوحاً فَتَحْيُونَ. وَأَضَعُ عَلَيْكُمْ عَصَباً ‏وأَكْسِيكُمْ لَحْماً وَأَبْسُطُ عَلَيْكُمْ جِلْداً وَأَجْعَلُ فِيكُمْ رُوحاً فَتَحْيُونَ ‏وَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اَلرَّبُّ ]. فَتَنَبَّأْتُ كمَا أُمِرتُ. وَبَيْنَمَا أَنَا أَتنَبَّأُ كَانَ ‏صَوْتٌ وَإِذَا رَعْشٌ فَتَقَارَبَتِ اَلْعِظَامُ كُلُّ عَظْمٍ إِلَى عَظْمِهِ. ونَظَرْتُ ‏وَإِذَا بِاَلْعَصَبِ وَاَللَّحْمِ كَسَاهَ، وبُسِطَ اَلْجِلْدُ علَيْهَا مِنْ فَوْقُ، ‏وَلَيْسَ فِيهَا رُوحٌ. فَقَالَ لِي: [ تَنَبَّأْ لِلرُّوحِ، تَنَبَّأْ يَا اِبْنَ آدَمَ، وَقُلْ ‏لِلرُّوحِ: هَكذَا قَالَ اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ: هَلُمَّ يَا رُوحُ مِنَ اَلرِّيَاحِ اَلأَرْبَعِ وَهُبَّ ‏عَلَى هَؤُلاَءِ اَلْقَتْلَى لِيَحْيُوا. فَتَنَبَّأْتُ كَمَا أَمَرَني، فَدَخَلَ فِيهِمِ ‏اَلرُّوحُ، فَحَيُوا وَقَامُوا عَلَى أَقدَامِهِمْ جَيْشٌ عَظيمٌ جِدّاً جِدّاً. ثُمَّ ‏قَالَ لِي: [ يَا اِبْنَ آدَمَ، هَذِهِ اَلعِظَامُ هِيَ كُلُّ بَيتِ إِسْرَائِيلَ. هَا ‏هُمْ يَقُولُونَ: يَبِسَتْ عِظَامُنَا وَهَلَكَ رَجَاؤُنَا. قَدِ اِنْقَطَعْنَا. لِذَلِكَ ‏تَنَبَّأْ وَقُلْ لَهُمْ: هَكذَا قَالَ اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ: هَئَنَذَا أَفتَحُ قُبُورَكُمْ ‏وأُصْعِدُكُمْ مِنْ قُبُورِكُمْ يَا شَعْبِي وَآتِي بِكُمْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اَلرَّبُّ عِنْدَ فَتْحِي قُبُورَكُمْ وَإِصْعَادِي إِيَّاكُمْ مِنْ ‏قُبُورِكُمْ يَا شَعْبِي. وأَجْعَلُ رُوحِي فِيكُمْ فتَحْيُونَ، وَأَجْعَلُكُمْ فِي ‏أَرْضِكُمْ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أنَا اَلرَّبُّ تَكَلَّمْتُ وَأَفْعَلُ، يَقُولُ اَلرَّبُّ ] [ حزقيال 37: 1 – 14 ].

ب – في العهد الجديد:

ولنأت الآن إلى العهد الجديد. نجد أن شهادة بطرس الرسول التي ذكرناها تعتمد أيضاً كلام يسوع نفسه إذ أكد رجاء القيامة فقال: [ اَلْحَقَّ الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآن حِينَ يَسْمَعُ الأمْوَاتُ صَوْتَ ابنِ اللَهِ وَالسَامِعُونَ يَحْيَوْنَ. لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآب لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ كَذَلِكَ أَعْطَى الاِبْنَ أَيْضاً أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ وَأَعْطَاهُ سُلْطَاناً أَنْ يَدِينَ أَيْضاً لأَنَّهُ ابْنُ الإِنْسَانِ.  لاَ تَتَعَجَّبُوا مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ  فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ ] [ يوحنا 5: 25 – 29 ].

هذا هو النص الإنجيلى الذي يُقرأ في صلاة الجناز. وأمّا نصّ الرسالة فهو للقديس بولس ( تسالونيكي 4: 13 – 18): [ لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا نُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ مَاتَ وَقَامَ، فَكَذَلِكَ الرَّاقِدُونَ بِيَسُوعَ سَيُحْضِرُهُمُ اللهُ أَيْضاً مَعَهُ. فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هَذَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ: إِنَّنَا نَحْنُ الأَحْيَاءَ اَلْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ لاَ نَسْبِقُ الرَّاقِدِينَ. لأَنَّ الرَّبَّ نَفْسَهُ سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً. ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعاً مَعَهُمْ فِي اَلسُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ اَلرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ، وَهَكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ اَلرَّبِّ.  لِذَلِكَ عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً بِهَذَا اَلْكَلاَمِ.].

كلّ النصوص التي ذكرنا، الواضحة والمتوافقة فيما بينها، تبين أن الإعلان الإلهي تكلّم عن قيامة للموتى في أجسادهم وقد علّق على ذلك القديس إيريناوس، اسقف ليون السنة 170، مجيباً عن تساؤلات المشككين: “إن لم يُخلّص المسيح الجسد بالقيامة فذلك يعني أنه لم يخلّص الإنسان أبداً. فهل رأى أحد إنسانا بدون جسد؟…”.

التمييز بين روح الإنسان وجسده تمييز مصطنع. والله إفتقد الإنسان كما هو روحاً وجسداً. ومن أجل هذا الإنسان تجسّد المسيح وأخذ جسداً، ثم مات وقام وجلس مع الطبيعة الإنسانية التي تبنى إلى يمين الآب داعياً إليه الذين آمنوا به، والذيم يسلّمون أمورهم وحياتهم للروح القدس ليسكن في هياكل أجسادهم ويحوّلها إلى آنية صاحة لإقتبال الحياة الأبدية. والحياة الأبدية هي “أن يعرفوك أيها الآب القدوس”. وتعطى لمن يؤمن بالآب ويتقبّل الروح [ يوحنا 6: 40، 47 و8: 51 و11: 25، 26 ]. وبهذا الصدد يقول الرسول بولس: [ وَإِنْ كَانَ اَلْمَسِيحُ فِيكُمْ فَالْجَسَدُ مَيِّتٌ بِسَبَبِ اَلْخَطِيَّةِ وَأَمَّا اَلرُّوحُ فَحَيَاةٌ بِسَبَبِ اَلْبِرِّ ] [ رومية 8: 10 ]. وكذلك: [ وَمَتَى لَبِسَ هَذَا الْفَاسِدُ عَدَمَ فَسَادٍ وَلَبِسَ هَذَا الْمَائِتُ عَدَمَ مَوْتٍ فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ الْكَلِمَةُ الْمَكْتُوبَةُ: { ابْتُلِعَ الْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ }. أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟ أَمَّا شَوْكَةُ الْمَوْتِ فَهِيَ الْخَطِيَّةُ وَقُوَّةُ الْخَطِيَّةِ هِيَ النَّامُوسُ. وَلَكِنْ شُكْراً لِلَّهِ الَّذِي يُعْطِينَا الْغَلَبَةَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. إِذاً يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ كُونُوا رَاسِخِينَ غَيْرَ مُتَزَعْزِعِينَ مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ عَالِمِينَ أَنَّ تَعَبَكُمْ لَيْسَ بَاطِلاً فِي الرَّبِّ ] [ 1 كورونثوس 15: 54 – 57 ].

والآن لا بدّ من طرح السؤال: هل يتمكّن الإنسان منذ الآن – أي في حياته الأرضية – أن ينعم بسكنى الله فيه وأن يذوق حلاوة عشرة الله؟

للإجابة عن هذا السؤال رأينا أن ننطلق من سرد حادثة واقعية حصلت للقديس الروسي سيرافيم ساروفسكي ( 1759 – 1833 ) مع صديق له باسم موتوفيلوف، ثم نتبعها بدراسة أعدّها قدس الأب كاليستوس وير (الأسقف حالياً) الإنجليزي والأستاذ في جامعة أكسفورد وهو من أصل أنجليكاني إهتدى إلى الأرثوذكسية. وكان المثلث الرحمات البطريرك الياس الرابع قد نقل دراسته هذه إلى العربية ونُشرت سابقاً في مجلة النور الأرثوذكسية.

5 – تجلي الجسد:

أ – الحوار مع موتوفيلوف:

في إحدى ليالي الشتاء كان القديس سيرافيم ونقولا موتوفيلوف يتحدّثان في الغابة. كانا يتكلمان عن هدف الحياة المسيحية الحقيقية. قال سيرافيم جازماً: “أنه إمتلاك الروح القدس”.

فسأل موتوفيلوف: “وكيف يمكن أن أتأكد أني في الروح القدس؟”.

وقد جرى عندئذ بينهما الحوار التالي كما جاء على لسان موتوفيلوف:

“عندئذ شدّ سيرافيم كتفي بيديه وقال: يا بني! كلانا في هذه اللحظة في روح الله. لماذا لا تتطلع إلى وجهي؟

– لا أستطيع. عيناك تلمعان بأشعة كأشعة البرق الخاطف ووجهك يوج بنور أقوى من نور الشمس. تؤلمني عيناي إذا حدقتا في عينيك.

– لا تخف! في هذه اللحظة بالذات يغمرك شعاع كالذي يغمرني. إنك مثلي الآن. إنك ممتلئ أيضا من روح الله.

ثم أدار رأسه وقرّبه من أذني وتمتم فيها كلمات فيها نعومة السحر: أشكر الرب الإله على صلاحه معنا. إن صلاحه لا نهاية له. لكن لماذا لا تنظر إليّ؟ حدّق ! لا تخف فالله معنا.

بعد هذه الكلمات، إرتمت أنظاري فوق وجهه. شعرت خشية عظيمة قد تملكتني. تصوّروا وجهاً، تصوّروا الشمس، تصوّروا قلب الشمس، تصوّروا الأشعة الخاطفة، تجدون أنفسكم أمام هذا الإنسان. تصوّروا هذا الوجه وهو يخاطبكم. إنك ترى حركات شفتيه وتلحظ تعابير عينيه المتتابعة كأنها الموج، وتشعر بأن هناك من يشد كتفيك بيديه. إلا أنك، لن ترى، لا يديه، ولا جسمه. إنك لا ترى إلا نوراً يكتنفك ويمتد بعيداً عنك ويغمر بضيائه طبقات الثلوج المبسوطة فوق أشجار الغابة، فينعكس ضياء على الرشوحات الثلجية المتساقطة بإستمرار”.

الحوار يستمر. يسأل سيرافيم موتوفيلوف عن الشعور الذي يعانيه في داخله، فيجيب موتوفيلوف، ويعلّق أن حالة الذهول كانت بعد بعيدة عنهما. كلاهما كانا بعد على إرتباط بالعالم الخارجي. ما فتئ موتوفيلوف يشعر بوجود الثلج ويشعر بالغاب، وحديثهما كان مترابطا. حتى هذه اللحظة كان يلفهما نور يخطف الأبصار. ماذا حصل لهما؟.

ب – مغزى الحادثة:

“نور يخطف الأبصار”. إن لاهوت الكنيسة الأورثوذكسية الصوفي أوضح أن الضياء الذي ينبعث من وجه سيرافيم وموتوفيلوف ما هو إلا قوى الله غير المخلوقة. النور الذي يلفهما هو النور الإلهي نفسه الذي غمر السيد لمّا تجلّى على جبل ثابور. “في عينيك خطف البرق، وفي وجهك ضياء أين منه ضياء الشمس”. كلمات موتوفيلوف هذه تحمل إلى ذاكرتنا الآية الإنجيلية: “1 وَبَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا أَخَاهُ وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَل عَال مُنْفَرِدِينَ. 2 وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ، وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ.” (متى 17: 1-2). كما تجلّى المسيح فوق جبل ثابور كذلك تجلّى عبد المسيح سيرافيم في غاب ساروف. سيرافيم وموتوفيلوف تجلّيا من مجد إلى مجد حسب تعبير الرسول: “أما نحن جميعنا فننظر بوجه مكشوف كما في مرآة مجد الرب فنتجلى إلى تلك الصورة بعينها” (2 كورنثوس 3: 7، 18).

إن “الهادئين” (Hésychastes) – وهم أتباع مدرسة روحية واسعة الإنتشار في الشرق المسيحي تشدّد على الصلاة المستديمة كأداة للعيش الدائم في حضرة الله – وخاصة القديسين سمعان اللاهوتي الحديث ( 917 – 1022 ) وغريغوريوس بالماس ( 1296 – 1359 ) يكررون الكلام عن نور إلهي واقعي ويعتبرونه ذروة وقمة الحياة في الصلاة. لا توجد في حالة سيرافيم رؤيا منظورة بأعين الروح الداخلية. إنه نور طبيعي يُنظر بعيني الجسد خارجياً.

أيمكن أن تُعتبر حالة سيرافيم شيئاً عارضاً فريداً يمكن تنحيته ووضعه جانباً؟ أيمكن أن يكون حَدَثاً وحَدْثاً غير عادي خارقاً وعجيبا؟ هذا النوع من التفسير يحمل كثيراً من الأخطار ويُعتبر مغامرة. يُروى عن قديس روسي آخر سرجيوس رادونيج ( 1314 – 1392 ) “أن العطر كان يفوح من جسده بعد موته وأن النور كان يغمر وجهه وأن وجهه لم يكن يشبه وجه الأموات بل وجه الأحياء، وقد برهنت الحياة المائجة فوق وجهه على عالم نفسه النقي”. مثل هذه الأمثلة تنقلنا دائماً إلى حقيقة التجلّي كحدث وقع في الزمان والمكان: “وصارت ثيابه بيضاء كالثلج”.

عودة إلى الوراء، عودة إلى آباء الصحراء، نجد أن هناك حالات كثيرة مشابهة. في كتاب أقوال الرهبان وصف لموت الأنبا سيسويس. يقول الكتاب: “عندما كان تلاميذه يحيطون به، وهو على فراش الموت، كان وجهه يشع كالشمس وكان الضياء يزداد ألقاً ويغمر جسده حتى فارق الحياة، إذ ذاك، صار النور برقاً خاطفاً وإمتلأ البيت من رائحة الطيب”. يذكر الكتاب أيضاً أنا “الأنبا بامغو قد تمجّد بمجدٍ جعل الذين كانوا يحيطون به يرتعدون خوفاً ولا يجسرون أن يحدقوا إليه. وكما أخذ موسى صورة آدم بمجده عندما تمجد وجهه كذلك فقد شعّ الأنبا بامغو بأشعة برّاقة وصار كأنه ملك على عرشه”.

في بعض الأحيان يتكلّم كتاب الأقوال عن النار أكثر مما يتكلم عن النور. إقترب أحد تلاميذ البار أرسانيوس الكبير منه بصورة عفوية فوجده قائما يصلي وقد ظهر له الشيخ وكانه وسط نار. يُروى مثل هذا عن الأنبا يوسف في بامغو “ووقف الشيخ ورفع يديه إلى السماء فصارت أنامله العشر كمشاعل فقال له: إذا أردت فصِرْ كُلّك كالنار”..

إن فكرة التجلّي مع أنها غير واضحة هنا ويكتنفها شيء من الغموض إلا أن حقيقتها تبقى قائمة. في بعض الأحيان تظهر القوى الإلهية غير المخلوقة بشكل ألسنة نارية كما في يوم الخمسين وبشكل نور كما حصل على جبل ثابور أو في طريق دمشق مع الرسول بولس. إن تكلمنا عن النار والنور فالحقيقة هي هي لا تتغيّر.

لم يُحصر هذا التمجيد الجسدي في الكنيسة الأرثوذكسية. لقد عرفته الكنيسة الغربية قديماً وفي حالات كثيرة مماثلة. إنه نتيجة لحرارة الشركة مع الله، لحرارة الصلاة العميقة لله.. هذا النوع من الصلاة الحارة يعطي إشعاعاً للجسد فائق الطبيعة ويكون سبيلاً إلى التجلّي الجسدي. نرى هذا التجلّي الجسدي في حياة القديسة تيريزا، والقديسة كاترينا بولونيا وكاترينا جنوا. عندما ذهب رفاق البار “بان فان رويزبريك” للبحث عنه في الغابة “رأوا شجرة بكاملها وسط شعلة من نور”. وكان البار جالس عند جذورها.

كما أن جراحات القديس فرنسيس الأسيزي فوق جبل المبارنو هي إمتداد لصليب المسيح في أحد أعضاء جسده السري: “وأتم ما ينقص من شدائد المسيح في جسمي” (كولوسي 1: 24). كذلك تمجيد القديس سيرافيم والقديسين الآخرين هو امتداد لتجلي المسيح “فنتجلى إلى تلك الصورة بعينها”.

ماهو المعنى اللاهوتى لهذا التمجيد الجسدي الذي ظهر في قديسين من الشرق والغرب؟ وراء هذه الأمثلة توجد نقطتان لهما معنى أساسي.

Firstly: التجلي في كلتا الحالتين، حالة تجلّى الرب وحالة تجلّي قديسيه، يؤكّد أهمية الجسد الإنساني في اللاهوت المسيحي. عندما تجلّى المسيح على جبل ثابور ظهر مجده في جسده وعن طريق هذا الجسد. رأى التلاميذ بأعينهم الجسدية: “أن ملء اللاهوت كله حلّ فيه جسدياً” (كولوسي 2: 9). كما أن مجد المسيح لم يكن داخلياً فقط بلّ مادياً وجسدياً كذلك كان مجد قديسيه. إن تجليهم يؤكد أن تقديس الإنسان -تألهه كما يقول الآباء- ليس أمراً يستهدف الروح فقط بل أمراً يشمل الجسد. “الجسد يتأله مع الروح وعلى قدر اشتراكه بالتأله” (مكسيموس المعترف). ويقول القديس ترتليانوس الجسد هو محور الخلاص.

secondly: التجلي في كلتا الحالتين، في تجلّي المسيح وفي تجلّي قديسيه، حدث أخروي. إنه سبق مذاق وعربون الحضور الثاني. وتمجيد جسد القديسين يرمز بطريقة حية إلى منزلة المسيحي، ويشير كيف أن المسيحي هو في “العالم” “وأنه ليس من العالم”. وأنه قائم في نقطة الفصل بين الجيل الحاضر والمستقبل ويعيش في الجيلين معاً. الأزمنة الأخيرة ليست حدثا إستقبالياً فقط. لقد إبتدأت بالفعل.

لندرس هاتين النقطتين درساً مفصلاً ونبحث أولاً عن النتائج الإنسانية النابعة من سر التجلّي.

ج – الجسد واسطة لتمجيد الله:

إن بلاديوس ( 363 – 430 )، في رحلته الأولى إلى مصر عاش مع شيخ ناسك اسمه دوروثيوس وكان هذا ينقل الحجارة طول النهار تحت أشعة الشمس المحرقة، لبناء القلالي. إحتج بلاديوس على عمل الشيخ وقال له: “ما هذا الذي تفعله طول النهار تحت أشعة الشمس الكاوية وأنت في هذه السن؟ إنك تقتل نفسك”. فأجابه دورثيوس ساخراً: “يا بني يجب أن أقتل هذا الجسد قبل أن يقتلني”. هذا القول يتعارض تماماً مع قول بيمين أحد أباء الصحراء:” نحن لم نتعلّم قتل الجسد بلّ قتل الأهواء”.

وراء هذين القولين الموجزين توجد، بعد التدقيق، طريقتان مختلفان في النظرة إلى الإنسان. الطريقة الأولى طريقة أفلاطونية أكثر مما هي مسيحية “وإن كان لها تاريخ طويل في تاريخ اللاهوت المسيحي”. والثانية مسيحية حقيقية ترتكز على الكتاب المقدس. وراء هاتين الطريقتين المختلفتين في النظرة إلى الإنسان نظرتان مختلفتان عن الخليقة. النظرة الأفلاطونية عن الخليقة تقول بأزلية المادة. ليست المادة شيئاً خلقه الله من العدم بل شيئاً سبق وأن كان موجوداً، ومع أن الله يستطيع أن يعطي للمادة شكلاً وترتيباً إلا أنها تبقى في نهاية المطاف شيئاً خارج الله، مبدأ مستقلاً عن الله. أما الكتاب المقدس فلا يقبل بأيّة فكرة تقول بمبدأين. المادة حسب التفكير الكتابي ليست مستقلّة عن الله ولا مساوية له في البدء، إنها ككل الكائنات الهيولية خُلقة من خلقته إذ: “صنع الله السماء والأرض ورأى الله أن كل ما صنع حسن”.

مقابل هاتين الفكرتين عن الخليقة نجد نظرتين مختلفتين في علم الإنسان (الأنثروبولوجيا). ينظر أفلاطون (ومثله أكثر الفلاسفة اليونانيين) إلى الإنسان نظرة ثنائية ويعالجه على هذا الأساس. يعتبر النفس إلهية أمّا الجسد فينظر إليه كسجن وكنبع للمآثم. الإنسان عقل سجين في جسد ترابي يخفق إلى الحرية. الجسد قبر. وهدف الفيلسوف هو أن يبقى بعيداً عن كلّ ما هو مادي. هناك من ينظر إلى الجسد نظرة معتدلة فيعتبرونه وشاحاً لا بدّ للإنسان إلا وأن ينعتق (فيثاغورث). وهناك من ينظر إليه نظرة صارمة قاسية: ” أنك يا نفس فقيرة تحملين جثة” (مرقس أوريليوس).

إن الكتاب المقدّس يدعو إلى نظرة إلى الإنسان تقوم على الوحدانية لا الثنائية كما هو الحال في الفلسفة اليونانية. ليس الإنسان سجيناً في الجسد إنه وحدة جسد وروح. إنه كلّ روحي جسدي. قال أفلاطون “الروح هي الإنسان”. أمّا الكنيسة فترد قائلة الروح ليست كل الإنسان. روحي ليست أن. عندما خلق الله، عندما خلق الثالوث الأقدس الإنسان على صورته خلق كياناً كاملاً، خلق الروح والجسد معاً. وعندما أتى الله إلى الأرض ليخلص الإنسان لم يأخذ نفساً بشرية فقط بلّ جسداً بشريا أيضاً لأن إرادته كانت، وهي، تخليص كل الإنسان، جسده وروحه.

في الواقع أن الجسد كما نعرفه ثقل. إنه شيء يسبب لنا التعب والشقاء وعذاب الولادة. إنه كما نعرفه فعلاً نبع لكل الأهواء الخاطئة وهذه كلها نتيجة للسقطة. بعد السقطة لم بيق الجسد البشري على حالته الطبيعية بلّ صار إلى حالة مضادة للطبيعة. لا شك أن الجسد والروح سينفصلان وهذا الإنفصال إنفصال مؤقت ما دام المسيحيون يترجّون قيامة الجسد وفي القيامة سيعود الإتحاد مرة أخرى. ليس الجسد قبراً ولا سجنا بلّ قسم جوهري من الإنسان. إن الجسد في نظر الرسول بولس ليس عدواً تجب محاربته وسحقه بلّ سبيلاً يمكن الإنسان أن يمجّد به خالقه: [أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلروحِ اَلْقُدُسِ اَلَّذِي فِيكُمُ اَلّذِي لَكُمْ مِنَ اَللهِ وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ ] [ 1 كورونثوس 6: 19 ]. [ فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا اَلإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اَللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اَللهِ عِبَادَتَكُمُ اَلْعَقْلِيَّةَ ] [ رومية 12: 1 ]. القديس مكسيموس المعترف يُعلم نفس التعليم على أساس فكرة التأله: “بالطبيعة يبقى الإنسان كلاّ في الجسد والروح وبالنعمة يصير إلهاً في الجسد والروح”. وكذلك القديس غريغوريوس بالاماس: “النفس الفرحة روحياً والعاملة في الجسد تنتقل بهجتها إلى الجسد فيصير روحياً وهكذا لا تتعطل اللذة المنقولة من الروح إلى الجسد باتصالها مع الجسد بل تحوله إلى روح. وبطرحه الرغبات الجسدية الخبيثة لا يجرف الروح بل يتصرف كأنه روح من الإنسان الكل”. يتضح أن بالماس كتابي بكليته في نظرته الأنثروبولوجية.

الإرتباط الجوهري بين النفس والجسد، خلاصهما المشترك وتأليههما هي أفكار واضحة جداً عند القديس إيريناوس: “بيديّ الله أي بالابن والروح القتدس خُلق الإنسان على شبه الله. أقول الإنسان كله لا قسماً منه فقط خُلق على صورة الله. النفس والجسد معا يشكلان الإنسان بقسميه، لا الإنسان بحد ذاته. لأن الإنسان ككل هو مزج ووحدة النفس (التي تُعطي روح الآب) بالجسد  (الذي يتكون على صورة الله)”.

إن صورة الله، حسب قول إيريناوس، ليس شيئاً ينحصر بالعقل بلّ شيئاً يتناول الجسد الإنساني. يعالج هذه الناحية يوستينوس الفيلسوف في بحثه عن القيامة فيقول:

“من الواضح، إذاً، أن الإنسان المخلوق على صورة الله هو جسدي. أليس القول: إن لا قيمة للجسد المخلوق على صورة الله ولا شرف له قول غير صحيح ومشين؟ فهل الإنسان روحاً فقط؟. كلا!.إنها روح الإنسان. أيمكن أن يكون الإنسان جسداً فقط؟ كلا!. إنه جسد الإنسان. الإنسان هو وحدة من الإثنين. لو أخذ الإنسان بقسمه الواحد دون الآخر، لكان حيادياً”.

في عبارته “نثبت إستناداً إلى طبيعة الإنسان الكتابية أن الإنسان سُمّي إنسانا لا لأنه ذو نفس فقط وجسد فقط، بل لأنه وحدة من النفس والجسد ومن الناحيتين خُلق على صورة الله ومثاله”، يتفق غريغوريوس بالاماس مع يوستينوس.

بدلاً من أن يستغل الكتبة المسيحيون النتائج التي يكتسبها الجسد والمادة من خلقة الإنسان على صورة الله وقعوا في نوع من الملائكية وإعتبروا الجسد كعائق ومانع، كشيء لا علاقة له بالحياة الروحية، كشيء خارجي عن طبيعة الإنسان الحقيقية وأوحوا أن هدف حياة الإنسان هو أن يتحرّر من ربط المادة وأن يحيا حياة روح بدون جسد.

هذه النظرة لا تأخذ بعين الإعتبار الفرق الجوهري بين البشر والملائكة. خلق الله الملائكة أرواحاً خالصة، أما الإنسان فقد أعطاه جسداً تماماً كما أعطاه روحاً وهذان يشكلان وحدة جوهرية. خلق الله الإنسان بجسد ومن الكبرياء والجنون الفاضح أن يحاول الإنسان أن يخلع عنه جسده ويصبح ملاكاً. كما يقول باسكال: “ليس الإنسان ملاكاً ولا حيواناً. من يريد أن يكون الملاك يكون الحيوان”. لا يجوز أن يتجاهل الإنسان، ولا أن يحاول أن يتجاوز الطبيعة المادية بل عليه أن يفتخر بجسده وأن يستعمله كأشرف هدية من الله. يعتقد الكثيرون أن الإنسان هو دون الملاك لأنه يملك جسداً. الملاك لا يملك إلا روحاً والإنسان يملك روحاً وجسداً. يقول غريغوريوس بالماس: “إن الإنسان هو فوق الملاك لأنه يملك جسداً”. إن الطبيعة البشرية كمركّبة تملك إمكانات أكبر من الطبيعة الملائكية. الإنسان حد وسط بين المادي واللامادي، إنه يشترك في العالمين، لذلك يشكّل جسراً ونقطة تماس لكل الخليقة الإلهية.

All this and many other things lie behind the mystery of the Transfiguration, behind the expansion of this mystery among the members of the Church. The Bishop of Fastcott says: “Transfiguration is the measure of human potential, it is the revelation of the spiritual power of earthly life in its highest external form. The transfiguration of Christ and the transfiguration of his saints demonstrates to us the measure of human potential and shows us the human body as God created it in the beginning and what it is qualified to become by His grace and our will. The Transfiguration reveals the spirituality of our sinful material nature. We see the human body in its final state when it becomes a spirit. The manifestation reveals in a very vivid way that the spirit is not equal to the “immaterial.” Not only the soul, but also the body is qualified to wear the mantle of the Holy Spirit. The manifestation of bodies is an appearance perceived only within the framework of an anthropology that accepts the spiritual potential of the human body and strongly rejects every form of Platonic dualism.” The Transfiguration gives the hermit the right to “oath” against Dorotheus and proves that the Christian theologian is necessarily a materialist.

We said that we see in the transfiguration the human body as God created it in the beginning. The glory of Jesus Christ on Mount Tabor is not only an afterlife glory, but an event that refers to human nature in the beginning before it was destroyed by the fall.

Bamgo took the image of Adam’s body, as the book “Sayings of the Hermits” says. What about this phrase? It certainly means that Bamgu has returned and possessed the state of Adam in Paradise. Thus, his body was revealed and became like Adam’s body before the fall, radiant and glorified. The liturgical books contain such a teaching, and on the Feast of the Transfiguration of our Lord and God on August 6, we chant: “Today He was transfigured in Mount Tabor over the disciples and showed in Himself the beauty of the element of the First Image by assuming the human essence.”

And also: “O Christ the Savior, You made Adam’s dark nature shine through Your transfiguration, restoring its element to the glory and splendor of Your divinity.”

The transfiguration of the glorious body of Jesus on Mount Tabor reveals “the beauty of the divine image,” shows us what our human nature would have been like if it had not been tainted by Adam’s sin, and shows us what our human nature can and must become.

In the lives of the saints who were not glorified physically as Seraphim was glorified, we can observe in a modified way the same teaching about the human body. We will show some examples from ancient autists. Among the ancient hermits of the desert we may find a false dualism due to the extreme strictness of life and we may often encounter the opposite. When Saint Anthony (251 - 356) left his desert tower, where he had lived as a recluse for twenty years (as Athanasius mentioned), people were amazed when they saw his body in the state it was. “He was not exhausted by fasting, nor was his struggle with the devils calming him, nor did he slouch from lack of exercise.” He was upright, like one who follows reason and lives according to nature.” There is no trace of any duality here. Antony was in a natural state, he was “living according to nature.” Strict life did not change his body. It appears that the hermit who seeks the life before sin targets soul and body. In his book “The Life of Anthony,” Athanasius the Great highlights the hermit Anthony’s preservation of his body in a way that draws attention: “Even though he lived for a hundred and five years, he still preserved his perfect sight and teeth, and his hands and feet remained strong.”

In Egypt, there is an entire parish of hermits known to us. The bodies of its hermits were in good health, like Saint Anthony’s, and “none of them got sick before his death.” When the hour of death approached them, the lonely one among them would prepare and tell his brothers, then lie down and sleep his last sleep. There was no illness before the fall. This also happens sometimes with those who through their holiness have attained the state of paradise. They are free from diseases. The liberation from the disease bestowed upon Bamgu “who accepted the image of the glory of Adam” and died while weaving a basket is not devoid of meaning. He did not get sick before his death and did not feel any pain in his organs. John al-Salami (579-649) writes about this topic in his famous ladder, and at the end of the thirtieth step of the ladder he explains the topic of manifestation. He talks about the transfiguration of the body and says: “When the heart rejoices in God’s love, his face rejoices and shines.” Therefore, when a person is completely integrated with divine love, the face acquires purity and light and becomes a radiant mirror that expresses the inner lights existing in the depths of the soul. With this splendor, Moses shone and his color shone.” Then he continues, saying: “Those who achieve the angelic act of love often neglect to taste the pleasure of food. I believe that those who possessed this divine love resembled the angels, as if they were immortal and their bodies did not get sick easily, and they became immortal and immortal, purified by the flame of pure divine love.”

The human body, even in the present life and in certain cases, can achieve within certain limits the incorruptibility that Adam had before the fall, which is the share of all righteous people after the resurrection of the body. This helps us understand how the bodies of saints sometimes remain immortal after death.

D - The final glory of the Resurrection:

If man, created in the image of God, is a unity of soul and body, if the body participates with the soul in deification, then why do we not encounter in the lives of many saints neither the incorruption of the body nor external glorification? Was not physical glorification in the case of Saint Seraphim and in the lives of other saints the glorification of moments? What is the explanation for this? The manifestation of our Lord and God answers this question. Once, and once during Christ's life on earth, Christ appeared to his disciples transfigured in divine light for a moment. This does not mean that the Lord's human nature accepted something that was not in it before and then lost it. On the contrary, the glory that shone in Jesus on Mount Tabor was not an extraordinary glory, but rather something that he had always possessed, except that, through a voluntary movement of evacuation, he concealed this glory due to other circumstances. In his second presence, the Lord will come in glory and power, and humans will see his body as it really is, in all its beauty and greatness. This will also happen with his saints. As long as they remain on earth, their true glory almost always remains secret and appears physically in few and rare cases. But when the dead rise on the last day, the saints will appear as they actually are, glorified physically and spiritually.

The Transfiguration is, therefore, an eschatological reality, that is, the hope of the second coming of Christ, when he will also appear in his glory as he appeared at Tabor and symbolize the resurrection of the dead, when the same divine light that radiated in the body of Jesus on Mount Tabor will penetrate the bodies of the saints rising from the tomb. Christ in his transfiguration, as Anselmus says, demonstrated his glory and glorified his followers, or as Gregory Theologos says: “Does anything other than the glory of the final resurrection be revealed through the transfiguration? The glory of Tabor is the pledge, the promise, and the manifestation of the glory of Paradise.”

In the sermons of Macarius (at the beginning of the fifth century), the future transfiguration of man after the resurrection of the body is spoken in detail: “The human body is glorified to the extent that it is possessed by the Holy Spirit. What a person stores deep within himself will be revealed and will appear outside the body and the Day of Resurrection will come. By the power of the Sun of Justice, the glory of the Holy Spirit emerges from the inside out and overwhelms the bodies of the saints whose glory was hidden within their souls. What is in them now comes out of the body, and then their bodies are glorified by the incomprehensible light that was in them by the power of the spirit.”

After the Resurrection, the bodies of the saints will shine with light, as the Book says. This splendor is due to the glory of the Spirit, which will be poured into the body: making it transparent. The body accepts to reveal the splendor that is within the soul, spiritually and immaterially. The glory of the soul will be seen in the transfigured body just as you see the color of things in glass vessels.

This is what the ecclesiastical photographer is secretly trying to do and represent. He tries to highlight the transfigured body of resurrection, radiant with the light of the Holy Spirit.

E - The beginning of the future generation:

What Saint Thomas Aquinas calls “the outpouring of the spirit into the body” is not something prepared only for the future. Some (as we have seen) enjoy physical glory from now on (even if the enjoyment is momentary).

The reality of the last day is the comprehensive resurrection and transfiguration of the body. Do we not live as Christians who have been buried and risen with Christ through baptism in the coming generation from now on to some degree? Is not the Kingdom of God a present reality and at the same time a future reality? The resurrection, as the Evangelist John confirms in his narration of the resurrection of Eliezer, is something in which the believer participates from now on. When Martha says, “I know that he will rise in the resurrection on the last day,” she means the future resurrection. As for Christ, he confirms the reality of the present resurrection with his answer to it: “I am the resurrection and the life... and everyone who is alive and believes in me will never die.” [John 11:24-26]. The transfiguration of Saint Seraphim is a realistic symbol of the words of Christ. All these examples of physical glorification and the prior taste of the final resurrection of the dead confirm that Christian teaching about the afterlife is not something received but rather something achieved from now on, after it has been consecrated. “If at that time the body shared the secret good things with the soul, now it shares the good things of the spirit that inhabits it,” says Saint Gregory Palmas.

This is the theological meaning of the dialogue: Seraphim and Motovilov. It clearly presents the importance of the human body in God's plan of salvation, inviting us to turn our eyes to our future resurrection while at the same time showing us how we can enjoy the first fruits, the fruits of resurrection, here and now.

And - the manifestation of the world:

Not only is the human body called to be manifested, to become “clothed with the spirit,” but also the entire material creation. When the last day dawns, the freed man will not be separated from the rest of creation, as the entire creation will be saved and glorified with him. The Evangelist John says: [Then I saw a new heaven and a new earth, for the first heaven and the first earth passed away, and the sea was no more] [Revelation 21:1]. The Apostle Paul says: [For the expectation of creation awaits the revelation of the sons of God. For the creation was subjected to futility - not willingly, but for the sake of him who subjected it - out of hope. Because the creation itself will also be freed from the slavery of corruption into the glorious freedom of the children of God. For we know that the whole creation has been groaning and in travails together until now [Romans 8:19-22]. This idea of the salvation of the world may be misinterpreted, but when interpreted correctly, it constitutes an essential element of the Orthodox doctrine on matters related to the afterlife.

Man can now look to the sacred icons as the first fruits of this collective salvation that includes even matter. In it we clearly see the potential of sanctification and spiritual gifting of wood and color as a material. Icons are powerful revelations of the spiritual power that man possesses and with which he is able to redeem creation with beauty and art. It is a pledge of the coming victory when the salvation that Christ brought to all creation is consolidated to erase the results of the fall. The icon is a positive physical example that has been restored to its original symmetry and beauty and is now used as a garment for the Holy Spirit. The icon constitutes a part of the revealed world.

Just as the transfiguration of Jesus symbolizes the final resurrection of the body, it also prefigures the transformation of the whole world. Not only did the person of Christ appear on Mount Tabor, but also his clothing. F says: De Maurice: “The event of transfiguration lived through the ages and enlightened all generations. Because of that light and that form that shone with the glory of God, because of those scarves that shone white as snow, all faces acquired this radiance and all common things were transfigured. The manifestation of the Lord Jesus means the manifestation of all creatures, the manifestation of His perfection in the future and His offerings to us from now on, which man can taste. It is enough for him to have eyes to see.”

Saint Irenaeus says in his description of the last day: “Neither the hypostasis nor the essence of creation disappears, but rather the size of this world passes away, that is, what was the cause of disobedience and by which man became obsolete.” By crossing this form and man being renewed and growing in incorruption, he cannot become old, “and there will be a new heaven and a new earth, and in the new man will remain new, speaking to God and speaking to him.”

A Hebrew manuscript says: “One of the kings entered his garden to address the gardener, but the gardener hid, and the king said to him: Why are you hiding from me, am I not like you?” This is how God will walk with the righteous in the earthly paradise, and they will see him and tremble at him, and he will say to them then, “Do not be afraid, I am one of you.” This is the manifestation we have been waiting for.

6 - Judgment

A - God’s justice and judgment:

God is long-suffering, compassionate, and loves humanity, and is equally just. Just as His love and compassion for humanity are infinite, so is His justice. While emphasizing that God is merciful and forgiving, He opens His heart to the one who comes to Him repentant, like the prodigal son, and He pardons him and saves him. He is also a Judge who condemns with the same force the one who does not repent and refuses salvation. Therefore, it was necessary to talk about eternal punishment after we talked about eternal life. The author of the Epistle to the Hebrews (10:30, 31) reminds us of this, where he says: “For we know the one who said: ‘Vengeance is mine; I will repay,’ says the Lord.” And also: {The Lord will judge his people}. It is a fearful thing to fall into the hands of the living God!”

B - Christ is the judge:

Let us reflect carefully on this text that John gave us: “And he gave him (that is, the Son) judgment also, because he is the Son of Man. Do not be surprised at this. The hour will come when all those in the graves will hear His voice, and those who have done good deeds will come out of them to life and those who have done evil to destruction. I can do nothing of my own accord. As I hear from the Father, I judge. My judgment is just, for I do not seek my own will, but the will of him who sent me” (John 5:27-30).

Let us return to what Saint Matthew mentioned (25:34-36) about the Lord’s tongue on the Day of Judgment: “...the King will say to those on his right: Come, you who are blessed of my Father, inherit the kingdom prepared for you from the foundation of the world.” . For I was hungry and you gave me food. I was thirsty and you gave me drink. I was a stranger and you welcomed me. I was naked and you clothed me. I was sick and you visited me. “I was in prison, and you came to me.”

C - The condition of judgment:

We conclude from the above that:

  • The ruler and judge will be Christ himself.
  • This Ruler and Judge loves us and died for us: “And when we were weak, Christ died for sinners... Rarely does anyone die for a righteous person... But God demonstrated His love for us in that Christ died for us while we were still sinners” (Romans 5:6-8).
  • This same ruler said through his prophet: [I do not delight in the death of the wicked, but rather when the wicked turns from his way and lives] [Ezekiel 33:11]. The Apostle Paul confirmed this saying: [Who desires all people to be saved and to come to the knowledge of the truth] [1 Timothy 2:4]. The Apostle Peter reminded us of it: [The Lord is not slow about His promise, as some people count slowness, but is patient with us, not willing for people to perish, but to receive For all to repent [2 Peter 3:9].
  • Just as this ruler and judge is loving and merciful, he is just.
  • The Lord will deal with us according to our actions and our intentions at the same time: “For acting according to the provisions of the law does not justify anyone with God, because the law is for knowing sin” (Romans 3:20). When he said: [...Do not judge, and you will not be judged. Do not eliminate anyone, or you will not be eliminated. Forgive and it will be forgiven you] [Luke 6:36, 37].
  • Therefore, our reckoning will be difficult and closely linked to internal attitudes that reflect love and giving that are evident in our relationship with the sick, strangers, prisoners, and those who are tortured on earth, because in these the Lord resides. Thus, the test, in the end, will be the extent of our love and dedication to serving Him and serving those who were created in His image and likeness: “We know that we have passed from death to life because we love our brothers... He who does not love remains in death” (1 John 3:14).
  • This is the path we must take to have eternal life. It has become completely clear. All we have to do is cross over from hatred to love, because such a crossing makes us cross over from death to God, that is, life. Thus, we anticipate, in a way, the judgment. As Chrysostom says: “Heaven on earth is found in the Eucharist and in love of one’s neighbor.”
  • Knowledge and faith are born of love: [Beloved, let us love one another: for love comes from God. Therefore, everyone who loves is born of God and knows God. As for whoever does not love, he has never known God because God is love! God showed His love for us by sending His only Son into the world so that we might live through Him. ] [1 John 4:7-9].
  • God is love, so whoever does not love has no fellowship with God, and therefore has no connection to life that is from God. Its fate is death and extinction. His fate is hell, where “God does not exist” and His voice is not heard. Isn’t eternal torment the sinner knowing that he will live forever away from the presence of God, not hearing His voice and not enjoying the kingdom that “God prepared from the foundation of the world” (Matthew 25:34).

7 – Praying for the dead

A - The prayer of the righteous and the communion of saints:

The Apostle James advises us, saying: [And pray for one another, that you may be healed. The prayer of a righteous person has great power in achieving it” [James 5:16]. In the Book of Maccabees, we find that the prayer of the righteous is able to forgive the sinner even after his death: [For if he had not hoped for the resurrection of those who had fallen, his prayer for the dead would have been in vain and in vain. Considering that a beautiful reward has been prepared for those who fell asleep with piety. It is a holy and pious opinion. For this reason, atonement was made for the dead, so that they might be absolved from sin. [2 Maccabees 12:44-46].

As for John the Evangelist, he reverses the verse and tells us that the dead are also able to pray for the living: [And when he took the book, the four living creatures and the twenty-four elders fell down before the Lamb, and each Harps and golden vials full of incense, which are the prayers of the saints. And another angel came and stood at the altar, having a golden censer, and he was given much incense to offer it with the prayers of all the saints. The golden altar that is before the throne] [Revelation 5:8 and 8:3]. He likens “the prayers of the saints” before the throne of the Lamb to “golden cups filled with incense.”

Death, then, does not break the unity of the body of Christ. The living in this world and those who have moved on in the hope of resurrection are always one body. This is what we call “the communion of saints.”

This communion, which we previously talked about in Chapter Eight, is best demonstrated in the liturgical life of the Church. The whole church prays, not just the living. Because the dead who are with us in the church and who are represented by the icons of the saints placed in the church also share in our praise. Another important thing happens in the Divine Mass, as the priest remembers the living and places pieces of the offering bread on the tray. Then he remembers the dead and places pieces of the offering bread on the same tray. Then he places what has gathered on the tray in the cup, so that the living and the dead become one body in Christ. Therefore, the only place where the living and the dead meet in every sense of the word is the church, specifically in the Holy Cup, that is, in Christ Jesus. Therefore, we are called to carry our dead in our prayers to the Lord, and they also join us in praising them, so that the name of the Lord is glorified in them and in us, and the body that unites us, which is the Church, the Body of Christ, grows.

B - About the funeral prayer - a sermon by His Beatitude Patriarch Ignatius IV of Antioch - when he was Metropolitan of Latakia:

In the name of the Father, the Son, and the Holy Spirit, the one God. Amen.

Beloved, it seems important for the people to know when we actually pray for our dead. I think that many in this holy Church and many of our people think that the prayer for the two hundred is the prayer that we do at the end of the Mass.

Beloved, we did not come to this church for this prayer (the funeral prayer). We come to church to face our dead. This prayer that we pray at the end of the Divine Mass is a prayer that can be performed at home, anywhere, and many times. It is a very, very ordinary prayer. It is just a mention and nothing more. The reality, beloved ones, is that we face our dead here, and we pray for them and with them, and we celebrate the Divine Mass with them. This is the important point. We hold the Divine Mass so that we and them can be in the divine service. They are mentioned not at the end of the prayer, but they are mentioned when we say: “Remember, O Lord, first “Our Father” and...” Then we mention these names at the divine table after the Lord has brought among us bread and wine transformed into His body and blood.

So it is very natural for our thoughts to turn not into an empty memory but into a total presence, into a presence that is almost tangible like the presence of Christ among us, like the presence of Christ body and spirit, body and blood, body and soul. When Christ is present with us in particular, when the dead are placed on this blessed tray, they are present just like the living. When divine grace descends on the honorable body, on the honorable lamb, and on the honorable blood, then they become alive just as Christ is alive.

Beloved, I hope that we spiritually turn to that particular circumstance in our prayers. Therefore, those who come to the church are sanctified for their dead. Those who do not attend the Divine Mass and even this short prayer have not fulfilled their duties towards their dead. He who does his duty towards his dead is the one who comes to see him. To pray with him, and to receive with him the precious body and blood of the Lord as well.

I ask you first that we come at the beginning of the Mass, because the Mass is the prayer for the dead, not this prayer. Secondly, we and our dead share in life with them in the Lord Jesus. This is our actual consolation, beloved ones.

As for external condolences, such as a visit to the home and offering condolences as usual, this is no longer available to all people. People in the world can no longer tolerate harassment in their small homes or deprivation of their limited time, and more than that, their tired souls may not tolerate the issue of sadness being raised in them many times. People can no longer tolerate the customs we live in today. Therefore, condolences were most often carried out in the church or at its entrance. The sad person then goes to his house to feel that he is free there. If he wants to cry, he can cry in his house, and if he wants to pray, he can pray in his house as well.

This is what I wanted to announce, and in all circumstances I wish every person who loses a loved one to have the heartfelt comfort, the deep comfort that comes from the Lord Jesus. The comfort that comes from the Lord Jesus resides in the heart of every believer.

8 - The Dormition of Our Lady, Mother of God:

In the fifth chapter, we talked about the Mother of God, and we return to it now because it gives the best picture of the transition from death to life. Her sleep - or rather, her transition - is a living symbol of what the end of our life on earth might be like: “Most assuredly, I say to you, whoever hears my words and believes in him who sent me has eternal life and will not attend judgment, because he has passed from death to life” (John 5). : 24).

The Dormition of the Mother of God was not mentioned in the Holy Books, but church tradition transmitted this event to us. The church celebrates him on the fifteenth of August.

What do we learn from the Eid icon and the prayers and supplications that we offer during the Eid service?

a- In the icon, we see Mary on her deathbed surrounded by the apostles, and the soul was gathered from all over the world. We also see the angelic bishops of the Church bowing before her. In the middle of the icon, we see the Master carrying a child in his arms, representing the spirit of his mother. Thus, simply and profoundly, the icon teaches us that Mary, who bore the Lord as a child, is now born in heaven and is being carried by the hands of her Son and Master. And the one to whom she gave her human nature to be born on earth, in turn, received his grace to be born in heaven. Thus, in the Dormition of the Virgin, the glory of the coming age was achieved and man achieved the ultimate goal for which he was created, meaning deification. In Christ, God was incarnated, and the Virgin, in her transition, was deified and achieved for the first time the goal of divine incarnation, which the Fathers expressed when they said: “The Son of God became man so that man might be deified.”

B- “In your birth, you preserved and maintained virginity, and in your sleep you did not neglect or abandon the world, O Mother of God, because you passed into life, since you are the mother of life, so through your intercessions, save our souls from death.”

This troparion teaches us that the Virgin passed from death to life and that she had eternal life without being subject to judgment. (John 5:24) Because the Mother of God cannot remain in corruption. On the fifteenth of August, the anniversary of the Virgin’s death, we hold a service somewhat similar to the Easter service because it brings us back to the Virgin’s Assumption and is also a celebration of her resurrection and her union with her Son, skipping the Day of Judgment and the general resurrection.

“The Mother of God, who does not neglect intercessions and unanswered hope for assistance, was not restrained by grave or death, but since she is the mother of life, she transferred her to life, which resided in her eternal repository of virginity.” (Qandaq in magic).

“When the angels saw the sleep of the most pure virgin, they were astonished at how she ascended from the earth to the highest” (The Ninth Valley).

C- What happened to Mary is not a coincidence, but it is part of God’s plan of salvation for each of us. After the judgment, that is, at the end of times, we will be alive with our bodies before the face of God, as the Apostle Paul says: “This is the case in the resurrection of the dead: the body is buried in corruption and rises incorruption. It is buried without honor and rises in glory. It is buried in weakness and rises in power. He buries a human body and raises a spiritual body. And if there is a human body, there is also a spiritual body” (1 Corinthians 15:42-44).

And this is the final purpose of judgment: to bring us into eternal life with God as the Virgin entered it, and to enter the Kingdom of Heaven or Heavenly Jerusalem, as the book calls it, this all-new world that God promised us and which is in “becoming” from now on and at the same time. "at". It will be fully realized when God becomes “all in all” (1 Corinthians 15:28).

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎

information About the page

Titles The article

content Section

Tags Page

الأكثر قراءة

Scroll to Top