نصف الخمسين – حكمة الله

نصف الخمسين

نصف الخمسينيعلّم آباء الكنيسة أن أسماء الله تعبّر عن قواه غير المخلوقة وتميّزها. بالطبع، هي لا تشكّل جوهر الله لأن من المستحيل المشاركة في غير قوته. في كل مرة كشف الله نفسه للأنبياء، كشف صفاته من خلال قواه. وهكذا فإن الله قدّوس، بارّ، غير مائت، محب للبشر، رحوم، سلام، وغير ذلك، لأن البشر عرفوه هكذا. يعلّم القديس غريغوريوس النيصصي أن بالأسماء التي ننسبها إلى الله نفهم ما هو عمله وما هي طبيعة هذا العمل. بالواقع، يسود اقتناع بأن الرسول بولس عرف أكثر من غيره ما كان المسيح، فتشبّه به بطهارته، فتكوّن المسيح فيه. وبسبب هذا التشبّه بالمسيح تحوّلَت طبيعة نفسه إلى النموذج الأول. لهذا قدّم في رسائله كل أسماء المسيح. من ثمّ يعدد القديس غريغوريوس أسماء المسيح، تماماً كما يوردها الرسول بولس. فالمسيح هو حكمة الله وقوته، سلام، نور لا يُدنى منه، قداسة، حرية، رئيس كهنة عظيم، فصح، كفّارة النفوس، تالّق المجد، صورة طبق الأصل عن شخصه، صانع الأجيال، طعام وشراب روحيين، صخرة وماء، أساس الإيمان وحجر الزاوية، صورة الله غير المرئي، إله عظيم، رأس جسد الكنيسة، بكر الخليقة الجديدة، أول ثمار الراقدين، بكر الأموات، بكر لإخوة كثيرين، وسيط بين الله والإنسان، ابن وحيد مكلّل بالمجد والشرف، رب المجد وأصل كل المخلوقات، وغيرها…

بما أننا نتناول في هذا الفصل بشكل محدد أن ابن الله وكلمته هو حكمة الله، فسوف نلخّص ما يقوله القديس غريغوريوس النيصصي عن هذا الاسم بشكل محدد. خلق الله كل المخلوقات. وبما أن الكلمة هو حكمة وقوة، فالحكمة مرتبطة بالقوة. لو لم يكن الحكمة قد صوّر الخليقة، ولو لم تكن القوة التي بها تحوّلت الأفكار إلى أعمال قد تبعت الحكمة، لَما كانت عندنا في الطبيعة هذه العجائب العظيمة التي لا تُوصَف. وهكذا، عندما نرى أهمية تركيبة الأشياء المخلوقة نفهم قوة الكلمة التي لا تُوصَف وعندما نفكّر في خلق الكائنات من العدم فسوف نخرّ أمام حكمة الخالق الغامضة.

إن الإيمان بأن المسيح هو حكمة وقوة يساعدنا على بلوغ الصلاح. إذ إن ما يستحضره أي كان في صلاته وما يراه بأعين نفسه، يحصل عليه بالصلاة. فعندما يتطلّع إلى المسيح كقوة يبلغ إلى قوة أعظم في عالمه الداخلي، ومَن يستحضر حكمة الله يصبح حكيماً. ما يعنيه القديس غريغوريوس بهذا هو أن كلّ مَن يصلّي إلى المسيح على أنّه حكمة الله وقوته يشترك مع الله بإسم مشترك، أي أنّه يصبح قوياً وحكيماً ويبلغ كمال الحياة لأنّه بالحكمة يختار الصلاح وبالقوة ينجح في خياره.

إذاً ضروري جداً أن نصلّي إلى المسيح بأسماء مختلفة، ولكن أن نسعى إلى التمثّل بالمسيح في ما تعنيه الأسماء، إذ بهذه الطريقة أي بالمشاركة نبلغ ماهية الله بالجوهر. وطالما أن أسماء المسيح هي قواه، يعني أننا بالصلاة إليه بالأسماء نحصل على قواه.

arArabic
انتقل إلى أعلى