ما هو الله؟ – إنه غير مُدرَك ست صفات في الله تدلّ على أنه لا جسمَ له: – إذاً إنه لواضح أن الله موجود. – ولكن ما هو الله في جوهره وطبيعته؟ – إن هذا لا يمكن إدراكُه ولا معرفتُه البتة. وإنه لواضح أيضاً أن لا جسمَ له. – فكيف من لا يُختَبَر يكونُ جسماً؟ وهو لا يُحدُّ ولا يُصوَّرُ ولا يُلمَس ولا يُرى وبسيطٌ وغيرُ مركّب؟ – وكيف يكونُ غير متحوِّل، إذا كان محصوراً ومنفعلاً؟ – وكيف يكون منزّهاً عن الانفعال مَن هو مركّبٌ من عناصر، وسينحل يوماً إليها؟ – فالتركيب بدءُ النفور. والنفورُ بدءُ التفكّك. والتفكّك بدءُ الانحلال. والانحلال غريبٌ تماماً عن الله.
وكيف يصحّ هذا أيضاً أن الله ينفذُ عبر الكلّ ويملأ الكلّ؟ -على حسب ما قال الكتاب: “ألستُ مالئُ السماواتِ والأرض؟ يقول الرب”(ارميا23: 24). – فالجسم لا يستطيع النفوذَ عبرَ الأجسام دون أن يقطعها وتقطعه، ويشتبك بها وتعارضه، مثلها مثل جميع الرطوبات التي تختلط وتمتزج بالأشياء.
يزعم الرواقّيون أن لله جسمٌ غير مادي، وهو الجوهرُ الخامس: – وإذا قال بعضهم أيضاً إن الله جسمُ غير ماديٍّ اسمه العنصر الخامس، كما يزعم بعض حكماء اليونان، نقول: إن هذا لا يمكن وجوده، لأنه يكون حتماً متحرك، شأنه شأن السماء. وإذا قالوا إنَّ هذا جسمٌ خامس، فالذي يحرّكه من يكون؟ – لأن كلَّ متحرِّكٍ يحرّكه آخر – وذاك من هو؟ – ذلك إلى أقصى حدود التصوّر، إلى أن ننتهي إلى من هو لا يتحرّك. فإن الأول الذي يحرِّكَ ولا يتحرَّك هو الإله. وكيف المتحرِّكُ لا يكون في مكان محدود؟ – إن الإله إذاً وحده لا يتحرَّك، ويحرِّك الكلَّ بعدم تحرُّكه. ومن ثم ينبغي أن نُدرك بأن الإله لا جسم له.
ن الصفة.”لا جسمي” لا تُفيد شيئاً عن الله: – ولكنّ هذا: “إن الإله لا جسم له” لا يدلّ على جوهر الله، كما هي الحالة في كونه غير مولودٍ ولا بدءَ له ولا يتغيَّر ولا يَفسُد. وفي كل ما يُقال عن الله وعن وجوده، لأنَّ هذه الصفات تدلُّ لا على ما هو الله، بل على ما ليس هو. وينبغي على مَن يشاء التكلُّمَ عن جوهر شيءٍ ما أن يقول ما هو هذا الشيء. لا ما ليس هو. ومن ثمّ أُجيب على السؤال، ما هو الله، باستحالة الكلام عن جوهره. وهذا المنطق أقرب إلينا جداً من تخيُّل جميع الصفات. وذلك لأن الله ليس واحداً من الكائنات، لا لأنه ليس كائن، بل لأنه فوق جميع الكائنات، وهو فوق الوجود نفسه. ولما كانت معارفنا على مستوى الكائنات، فما هو فوق المعرفة هو حتماً فوق الجوهر أيضاً. وبالعكس ما هو فوق الجوهر يكونُ أيضاً فوق المعرفة.
في التكلم عن الله، الإقرار بعدم المعرفة هو الأفضل: – الإله إذاً لا يُحد ولا يُدرك. والشيء الوحيد الذي نُدركه عنه أنه لا يُحد ولا يُدرك. وكل ما نقوله في الله للتوضيح يدلّ، لا على طبيعته، بل على ما هو حال طبيعته. فإذا قلتَ بأنه صالحٌ وعادلٌ وحكيم ومهما قلت، فلستَ تقول شيئاً عن طبيعته، بل عمّا هو حول طبيعته. وهناك أيضاً بعض المقولات التوضيحية عن الله، لها قوة توضيح تدريجي. مثلاً إذا نسبنا الظلام إلى الله، فلسنا نفكِّر بالظلام بل بأنه ليس نوراً بل بأنه فوق النور.