1 – لفظة شخص في العربية
لقد تعرضنا مراراً في هذا الكتاب لموضوع الأقنوم فقطعنا شوطاً نحو ما سيأتي.
وقبل الدخول في صلب الموضوع، فلا أرى بأساً من أن أتكلم قليلاً عن المصطلحات العربية في هذا الباب.
الدكتور محمد عزيز حبابي طرق الموضوع في كتابيه “من الكائن إلى الوجود” (1) و”الشخصانية الإسلامية” (2). ونوه بالفوضى في المصطلحات. في اللغة العربية 3 ألفاظ: “الذات، الوجه، الشخص”. الحبابي يرى أن “الذات” تنطبق على الشخص والشيء. يوسف خياط يذكر أن “الذات” تطلق على الله بدلاً من “الشخص”. في ترجمة كتاب غارديه شيء من ذلك. خياط في معجمه الكبير “لسان العرب المحيط” نقل معاني لفظة شخص في المعاجم القديمة. هي فوضى. الحبابي يقول: “شخص الشيء: برز وظهر؛ بدا (يقال للأشباح)، نظر بإلحاح؛ تمثل، وضح، أوحى بفكر عن…” (ص 14).
خياط قال: “الشخص الذات الواعية لكيانها (المستقلة في أرائها) الحرة في تصرفاتها، وغذا أطلق على الله قيل: الذات” (3).
الكتبة المسيحيون العرب والكتب الطقسية استعملوا لفظتي “وجه” و”ذات”.
لويس غارديه يقبل لفظة “شخص” كما قبلها الحبابي وسواه بالشروط التالية: “… فنصطلح هنا على تعريبها “بالشخص”، بعد اسقاط ما تبدو عليه هذه اللفظة العربية من انحصار في المعنى الحسي والكمّي، وتقيدٍ بأطر الزمان والمكان” (4). واللفظة المعنية هي الأقنوم.
في النتيجة نرى لدى حبابي، أن العربية كاللاتينية لم تكن تحوي المعاني الحديثة لمفهوم الشخص. ومر معنا أن اليونانية هي كذلك. فالعجز اللغوي قائم. بقي على اللاهوتيين أن يخترقوا جدار الصوت وينحتوا الأإلفاظ للمعاني الجديدة التي أتى بها الوحي المسيحي. فتجشّمت المشقة أجيال من آباء الكنيسة الناطقين باليونانية في شرقنا القديم. فتلقفها عنهم العالم المسيحي.
2 – الأقنوم في اللاهوت المسيحي
إن هذا الفصل هو أعسر فصول هذا الكتاب قاطبة. وتحتاج مطالعته إلى حسن تدبر وصبر جميل بإيمان حي. وهو لا يستوعب البحث بتمامه. فأجزاء منه انضوت تحت فصول أخرى بلغة أسلس من أسلوبي الحقوقي الشديد هنا العائد للعامين 1965 و1966.
لذلك أرجو من المطالع الكريم أن يستفيد من الفهرس التفصيلي ليجمع شتات الموضوع متى شاء أن يتمكن من الموضوع.
إن كلمة أقنوم سريانية وترجمة لكلمة hypostasis اليونانية المؤلفة من لفظتنين hypo (تحت) و stasis (الوضع). فمعناها الحرفي هو الوضع تحت. وقد وردت لدى أرسطو ولكن لا بالمعنى الفلسفي (5) بل العامي. فاستعمل كلمة kath’hypostasin “بحسب الأقنوم” بمعنى “واقعياً، حقيقةً” (6)، وكلمة أقنوم بمعنى “ترثب ثقيل” (7) فهي تعني في اللغة “القائم حقيقة”، “القوام”.
واستعملها الرواقيون كمرادف لـ “ماهية” ousia (8).
واستعملها أفلوطين بشأن ثالوثه: الواحد والعقل والنفس، ووردت لديه بمعنى “الشكل الخاص” (9). ولكن نظريات أفلوطين بعيدة بعداً كبيراً عن المفاهيم المسيحية هنا.
ووردت في مواضع عديدة من الترجمة السبعينية اليونانية للعهد القديم وفي العهد الجديد. فوردت في الرسالة الثانية إلى كورنثوس وفي العبرانيين بمعنى “جوهر أو حقيقة” (10) وبمعنى “ضمانة، كفالة” (11).
وقد استعملها آباء الكنيسة قبل مجمع نيقية وبعده.
وهي ذات معانٍ عديدة. وترد كمرادف لكلمة “ماهية” ousia. إلا أن فارقاً أصلياً يميزها. فكلاهما يحددان وجوداً موضوعياً جوهرياً، يحددان ما هو موجود، ما هو قائم.
ولكن “الماهية” ousia تميل بالأحرى إلى أن تعني العلاقات والمميزات الداخلية أو الواقع الميتافيزيكي؛ بينما يشير “الأقنوم” إلى الطابع الواقعي الخارجي للجوهر.
وقد طرحت البدعة الآريوسية مشكلة الثالوث بصورة قاسية فكان على آباء الكنيسة أن يوضحوا العقيدة. واستعمل المجمع الأول المسكوني الكلمتين كمترادفين. وبقي استعمالهما كمرادفين تقريباً والواحدة عوضاً عن الأُخرى حتى حوالي سنة 362-370. فحتى أثناسيوس الكبير يستعملهما كمرادفين (12) ولعب تحديد معاني الألفاظ دوراً في المشادات. ففريق أعطى كلمة “أقنوم” معناها الحالي وفريق أعطاها معنى “الجوهر”، فتولى أثناسيوس الكبير عام 362 تبديد الخلاف وتوضيح الاتفاق في صلب العقيدة: جوهر واحد للثالوث في ثلاثة أقانيم شخصية متساوية في الجوهر.
وكان الغرب يستعمل لفظة “شخص” prosopon للأقانيم فاشتبه الشرق في الأمر لأن مقابلها اليوناني يعني الوجه والقناع والدور في التمثيل المسرحي.
فأقر غريغوريوس اللاهوتي الاتفاق في المفهوم لدى الشرق والغرب واستعمل كلمة شخص كمرادف لكلمة “أقنوم” (13) وتوضح الأمر نهائياً في عام 382 في أنطاكية (14) ثم أقر المجمع الرابع المسكوني (عام 451) المرادفة بين اللفظتين (15).
فقد كانت اللغة اليونانية والفلسفة اليونانية عاجزتين عن أداء المعاني التي أتى بها الوحي المسيحي في عقيدة التثليث. فأرسطو استعمل كثيراً كلمة “ماهية” ousia. وفرّق في مقولاته بين “الماهيات الأولى” و”الماهيات الثانية”. فالأولى تعني القوامات الفردية، الأفراد القائمون. والثانيات “الجوهر، لا كفكرة مجردة بل كواقع جوهري موجود في الفرد”. ومثل على الأولى: “هذا الرجل، هذا الحصان”، وعلى الثانية: “الإنسان والحيوان”.
ولكن هذا لا يوصلنا إلى المفاهيم المسيحية ولا إلى الإيمان بالأقانيم كأشخاص. فمفهوم الشخص دخل الفكر عن طريق المسيحية بينما غلبت فلسفة “الماهيات” و”العموميات” في الفكر اليوناني. وإن كان أرسطو قد ذكر الفرد إلا أن ذلك يبقى بعيداً جداً عن: 1- مفهوم الشخص و2- عن مفهوم وحدة الجوهر في الأقانيم الثلاثة.
فمهوم الفرد عنده قابل لأن ينطبق على الإنسان والحيوان والأشياء، فأين الشخص إذاً؟
وبما أن الكائن الموجود واقعياً هو وحده موجود فمفهوم وحدة الجوهر بين الأقانيم دون انقسام الجوهر أو تعدده غائب أيضاً لدى ارسطو.
وهذا ما تولى الآباء الكبادوكيون (باسيليوس الكبير وغريغوريوس اللاهوتي وغريغوريوس النيصصي) سد فراغه. ثم زاد الأمر وضوحاً لاونديوس الأورشليمي في القرن السادس في باب التجسد.
كان على آباء الكنيسة أن يعبروا بصورة لا لبس فيها عن إيماننا:
إله واحد هو الآب والابن والروح القدس. ليس الثلاثة وجوهاً أو اسماء للواحد. وليس الواحد وحدة عددية مجرّدة (16).
الآب إله قائم بذاته والابن إله قائم بذاته والروح القدس إله قائم بذاته. ولكنهم ليسوا 3 آلهة بل إلهاً واحداً غير منقسم.
القول بعدم ألوهية الابن والروح يزيل التثليث. والقول بأن الثلاثة 3 آلهة منقسمين سقوط في الوثنية. فكيف يمكن إذاً التعبير عن الواحد في ثلاثة، عن 1 = 3؟
إن المجمع المسكوني الأول استعمل للابن كلمة “مساوٍ للآب في الجوهر” أي أنه والآب من جوهر واحد homoousios ولكنه ليس الآب بل له مميزاته الخاصة به.
وهنا برز دور الآباء الكبادوكيين في التفريق بين الجوهر الواحد المشترك بين الآب والابن والروح القدس وبين أشخاص الثالوث. فعلّم الكبادوكيون ما نؤمن به حتى اليوم، وهو: إن الألوهية واحدة قائمة بتمامها في الآب والابن والروح القدس بدون أن تكون منقسمة بينهم أو مركبة أو متعددة. وأطلقوا على الجوهر الواحد اسم ousia أو physis “طبيعة” (17)، وعلى القوام الشخصي اسم أقنوم.
وفي هذا لا نقول إلهاً أولاً وإلهاً ثانياً وإلهاً ثالثاً. فدائماً في الثالوث، الواحد = 3. ليس العدد كما في الحساب (18)، فالله غير قابل للزيادة. “بل نعترف بفردية الأقانيم دون قسمة الطبيعة إلى جمع”. فليس العدد 3، كيمة بل يعبر عن الترتيب الذي لا يوصف في الألوهة (19).
فبحق قال غريغوريوس اللاهوتي: “واحد هم الثلاثة بالألوهة والواحد هو ثلاثة بالشخصيات” (20). ومكسيموس المعترف إن الله هو “بصورة متعادلة وحدة وثالوث” (21).
وتتميز الأقانيم: الآب بالأبوة، والابن بالبنوة والروح القدس بالانبثاق. وما سوى ذلك فكل شيء مشترك: كائنهم واحد، جوهرهم واحد، ربوبيتهم واحدة، سلطتهم واحدة، فعلهم واحد.
ولا وجود مجرد للألوهة إنما هي قائمة فعلاً في الأقانيم ولا وجود لها خارجاً عنهم. فإن ذكرنا الله خطر لذهننا الثالوث، وإن ذكرنا الثالوث خطر لذهنناالله. قال غريغوريوس اللاهوتي: “حينما أتكلم عن الله عليكم أن تشعروا أنكم مغمورون بنوا واحد و3 أنوار” (الميمر 39: 22 مين 36: 345) وقال أيضاً: “عندما أسمي الله أسمي الآب والابن والروح القدس” (الميمر 39: 4 في مين 36: 628). فالأقانيم هي الحقيقة الواقعية للألوهة، “متحدين في التميز ومتميزين في الوحدة” (22). فكل ما لأحدهما هو للآخرين ما عدا الأبوة والبنوة والانبثاق فهذه غير مشتركة (23).
والجوهر الواحد المشترك هو ركيزة الوحدانية الإلهية وسكنى كل من الأقانيم في الآخر بدون اختلاط أو انقسام، في محبة تفوق كل عقل ووصف. كل منهم حاضر للآخر (24).
وليس ولادة الابن وانبثاق الروح حادثاً عرضياً وقع في الزمن.
الولادة والانبثاق سرمديان أي أن الابن مثلاً لم يلد من الآب منذ كذا سنوات وإنما هو دائماً مولود وصادر منه ومتحد به كشعاع سرمدي صدادر سرمداً من النور البهي. والآب منتشر ومتمدد في الروح والابن وإليها معادهما (25). وهو منبعه الوحدة والألوهية في الثالوث.
يمنح الابن والروح طبيعته التي تبقى واحدة وغير متجزئة وغير مقسومة ومعادلة لنفسها في الثلاثة.
هذا مع العلم أن كيفية ولادة الابن هي غير كيفية انبثاق الروح القدس وإن كنا عاجزين عن فهم هذا السر العميق (اللاهوتي والذهبي و…).
3 – ماهو الأقنوم
سبق إن قلنا أن كلمة أقنوم مرادفة في الأصل لكلمة “جوهر”. ولكن آباء الكنيسة طوّروا معنى كلمة “أقنوم”. قال ثيوذوريتوس أسقف قورش: “في الفلسفة الدنيوية لا يوجد أي فرق بين الـ ousia والأقنوم. لأن الـ ousia تعني ما هو والأقنوم يعني ما هو قائم. ولكن بحسب رأي الآباء، يوجد بين الـ ousia والأقنوم الفرق نفسه الموجود بين العام والخاص” (26).
وقد عرف الدمشقي “الجوهر” ousia بما يلي: “إن الجوهر هو الشيء الموجود بذاته وغير المحتاج إلى شيء آخر لأجل تخثره. أو أيضاً الجوهر هو كل ما هو قائم بذاته ولا يحوي كائنه في آخر. فهو إذاً ما ليس لآخر، ما ليس له الوجود في آخر، ما لا حاجة له إلى آخر من أجل تخثّره ولكن ما هو بذاته وفيه يحوي العرض، الوجود” (27).
وعرف الأقنوم: “إن لكلمة أقنوم معنيين. فتارة تعني الوجود فقط، وبحسب هذا المعنى الجوهر ousia والأقنوم مترادفان. ولهذا قال بعض الآباء: الجواهر أو الأقانيم. وتارة يعني ما هو موجود بذاته وفي تخثره الذاتي. وبحسب هذا المعنى، يعني الفرد المختلف عددياً عن كل آخر كبطرس وبولس وهذا الحصان مثلاً” (28)، “الأقنوم هو الخاص القائم بحسب ذاته: إنه جوهر مع أعراضه يتمتع بوجود مستقل ذاتي ومنفصل عن الأقانيم الأخرى بالقوة وفعلياً” (29).
وعرف الشخص: “الشخص هو الذات التي تظهر نفسها بأفعالها وخواصها كمتيمزة عن الكائنين الى×رين الذين لهم نفس الطبيعة” (30).
فالدمشقي يؤكد إذاً على الوجود الذاتي والمنفصل (31) والمستقل للأقنوم.
فالجوهر واحد في الأقانيم.
ولكن لكل أقنوم وجود ذاتي مستقل خاص به يميزه عن الآخرين. له فرديته واستقلاله ووحدته.
هو يحوي الجوهر والخواص الأقنومية أو الشخصية.
فالجوهر هو العام والأقنوم هو الخاص. وليس خاصاً بمعنى أن يملك قسماً من الجوهر وليس له الباقي. إنما هو خاص بمعنى عددي، بما أنه فردي.
فالفرق بين الأقانيم يمكن في العدد لا في الجوهر. “فيستحيل تأليف مركب مع أقانيم كاملة. فالجنس لا يتألف من أقانيم بل هو موجود في الأقانيم”.
فليس للجوهر وجود مستقل بينما للأقنوم بظهره في كل من الاقانيم.
وتتميز الأقانيم بعدم الانتقال. فالطبيعة مشتركة بين أفراد الجنس ولو نظرياً. أما الأقنوم فخاص بصاحبه لا ينتقل إلى الغير ولا يشترك معه الغير في خواصه الأقنومية المميزة (32).
وقد شرح باسيليوس العلاقة والفرق بين الأقنوم والجوهر (33). فأعطى مثلاً الإنسان (34) وأفراد الناس كبطرس وبولس سلوانس. “فالإنسان” عام قابل أن ينطبق على عدد لا يحصى من أفراد البشر. أما بطرس أو بولس أو سلوانس فخاص. فلا بد من “علامة تمييز نستطيع بواسطتها أن نفهم لا الإنسان بصورة عامة بل بطرس أو يوحنا بصورة خاصة”. فبطرس ويوحنا خاص فلا امتداد إذاً إلى ما هو عام في الطبيعة.
فإذا أردنا تحقيقاً عن جوهر البشرية فلا نعطي في أمر بطرس تعريفاً للجوهر وتعريفاً آخر في أمر بولس وتعريفاً ثالثاً في أمر سلوانس. فالكلمات نفسها تستعمل في الحالات الثلاث لأن لهم جوهراً واحداً.
ولكن بعد أن يعرف المحقق “ما هو مشترك ويلتفت إلى الخواص الفارقة التي بواسطتها يميّ. الواحد من الآخر، فلا يتقابل تعريف كل منهما مع تعريف الآخر في جميع المميزات وإن وجد اتفاق في بعض النقاط”.
فما يقال “بصورة خاصة وذاتية يشار إليه باسم أقنوم. افترض أننا نقول “رجل”. فالطبيعة معينة ولكن من يقوم موجوداً ومن هو معين بصورة خاصة وذاتية ليس واضحاً. وافترض أننا نقول “بولس”. إننا نعلن بذلك الطبيعة القائمة الموجودة التي يشير غليها الاسم”.
وتابع قائلاً: “ليس الأقنوم المفهوم غير المحدد للجوهر الذي لا يجد أي مقر ثابت بسبب عمومية الشيء المعني، ولكن هو ما يقيد ويحصر المتشرك وغير المحدد، في كائن ما، وذلك بخاصيات ظاهرة”.
ويتابع باسيليوس في الرسالة نفسها استنباط المميزات والخواص الذاتية والصفات والظروف التي تحدد الطابع الفردي للإنسان وتفصله عن الفكرة العامة والمشتركة ولا تدخل في تحديد الطبيعة. ثم يقول: “انقل إلى العقائد الإلهية نمط التفريق نفسه الذي تقره في حالة الجوهر والأقنوم في المسائل البشرية، فلا تنحو نحواً ضالاً”.
فهناك ما هو مشترك في الثالوث وما هو مميز. “فالمشترك يعود للجوهر، والأقنوم هو العلامة الفارقة المميزة”.
وقال في الرسالة 236:
“إن التمييز بين الجوهر ousia والأقنوم هو عين ما بين العام والخاص؛ كما هو مثلاً بين الحيوان والإنسان الخاص… فإن لم يكن لنا إدراك متميز للخواص الفارقة أي الأبوة والبنوة والتقديس ولكن الّنا مفهومنا عن الله من فكرة الوجود العامة، فلا نستطيع أن نعطي تقريراً سليماً عن إيماننا، فعلينا إذاً أن نعترف بالإيمان بغضافة الخاص إلى المشترك. فالألوهة مشتركة؛ الأبوة خاصة. فعينا إذاً أن نمزج الاثنين ونقول: “أؤمن بالإله الآب،… أؤمن بالإله الابن،…” وهكذا نجد حماية مرضية للوحدة باعترافنا بألوهة واحدة بينما في تمييز الخواص الفردية الملاحظة في كل واجد (من الأقانيم) يوجد الاعتراف بالخواص الخاصة للأقانيم” (35).
ويظهر أخوه غريغوريوس النيصصي استقلال الأقنوم وعفويته وقيامه بذاته وتحركه من ذاته وتمتعه بالعقل والإرادة والفعل الدائم والقدرة الكلية وتميز كل أقنوم عن الآخر.
ويقول عن الابن كلمة الله أن له “حياة مستقلة وليس اشتراكاً بسيطاً في الحياة” (36).
ويؤكد أن الجوهر الإلهي لا ينقسم ولا يتوزع بين الأقانيم بصورة يكون فيها 3 جواهر كما هناك 3 أشخاص (37).
أما غريغوريوس اللاهوتي فقال: “يعبدون الآب والابن والروحق القدس الألوهة الواحدة؛ الله الآب والله الابن والله الروح القدس طبيعة physis واحدة في ثلاث خاصيات عاقلة، تامة، قائمة بنفسها kath’eautas، متميزة بالعدد ولكن غير متميزة بالألوهة” (38).
وحينما علق على قول الرب لموسى: “أنا هو الكائن” (39)، قال: “إن (الله) يجمع ويحوي في ذاته كل الكائن إذ ليس له ابتداء في الماضي أو نهاية في المستقبل… متعالياً عن كل مفهوم زمن وطبيعة” (40).
وردد ديونيسيوس المنحول هذا قائلاً: “حينما كان الله يناجي موسى لم يقل: أنا الماهية بل: “أنا الكائن”. هو العلة الجوهرية لكل وجود وصانع الكائن والقوام والماهية والجوهر” (41).
فالآباء الكبادوكيون ألحُّوا على الوجود الشخصي للأقانيم الذين هم الحقائق الواقعية للألوهة. هم حاملوا الألوهة.
فلا وجود للألوهة خارج الأقانيم، بل هي موجودة فيهم. الشخص الإلهي وجود مستقل، هو مصدر للطبعية لا منتوجها ولا إشراقها أو اشعاعها الداخلي. إنه شخص الإله الحي الذي يمتلك كيفية وجود وحيدة. فظهر اتلله لموسى “ككائن” موجود شخصي لا كماهية. وعبر عن ذلك بأكثر جلاء غريغوريوس بالاماس قائلاً: “حينما كان الله يناجي موسى لم يقل: أنا الماهية بل أنا الكائن”.
فليس إذاً “الكائن” هو الذي يصدر من الماهية بل الماهية هي التي تصدر من “الكائن”، لأن “الكائن يشمل في ذاته الكائن الموجود برمته”، “إن الكنه l’entité يسبق لا الماهية فقط بل جميع الكائنات لأنه الوجود الأول” “فالماهية هي بالضرورة كائن ولكن الكائن ليس بالضرورة ماهية” (42).
وهكذا لم يقر بالاماس معادلة كل الكائن مع الماهية. لذا يمكن لله أن يظهر في كينونته نفسها مع بقائه غير قابل لأن يساهم في جوهره. فالله غير مقترب منه جوهرياً ولكنه حاضر وجودياً بقدرته الكلية في الكون المخلوق (43).
المجمع المسكوني السادس وما تلاه حتى بالاماس، قررا وجود فعل وقوى لله كشرط أساسي لوجود الماهي. فتبقي كل ماهية تجريداً إن لم تعتلن واقعياً ووجودياً في الفعل. الله يظهر لأنه يفعل (44).
في هذا كله يبرز إلحاح الأرثوذكسية على الناحية الشخصية في الله. وسبق أن ذكرنا أن الآب بختص بالأبوة والابن بالبنوة والروح بالانبثاق وأن كلاً منهم يقيم في الآخر وحاضر للآخر. كل منهم شفّاف للآخر ولا أحد منهم يحجب الآخر بل يسكن فيه ويحبه حباً يفوق كل حد ووصف.
ولكن ما هي العلاقة بين الأقانيم؟ نقول إن الابن مولود من الآب هذا يعين “كيفية قيام” (45) أقنوم الابن، ولكن لا يستنفد حقيقة شخصه. فالشخص غير قابل لأن يتموضع inobjectivable، ولأن يستنفد، ولأن يتبدل بأبسط منه.
لذا فالحقيقة الشخصية تتجاوز الأمر الانتولوجي (علم الكائن)، وتصحي ما وراء الانتولوجي méta-ontologique. فمهوما “الطبيعة” و”الكائن” لا يحدّانها ولا يحيطان بها لأنها أبعد من هذا كله وتعني فرادة originalité مطلقة وفارقاً صرفاً.
فالشخص هو “من” لا “ما”، ليس بشيء أو موضوع. ليس موضوعاً لنعرفه ونحدده. لذلك يشار غليه إشارة ولا يعرف ويحدد حتى أنه ليس موضوع معرفة.
فالزمان الشخصي، حيث كل أنتولوجيا محتواة ومحددة، يؤلف “ما وراء أنتولوجيا”. فسر الشخص خارج أفق الانتولوجيا.
ويرى اللاهوت الأرثوذكسي المعاصر فلاديمير لوسكي وبردياييف الفيلسوف الروسي أن “صورة الله هي الإنسان كشخص” (46).
فهذا الأفق الجديد في اللاهوت والأنثروبولوجيا (علم الإنسان) كسر طوق الفلسفة اليونانية القديمة التي ركزت على الماهية والعقل والفرد والمنطق والشيء العام (47). لذلك فالمسيحية هي بحق، مؤسسة الفلسفة الشخصانية بالمعنى الحديث للموضوع (48).
قال أوليفيه كلميان: “لا يمكن إطلاقاً أن يتحدد الشخص البشري، كما تفعل السكولاستيك الغربية، بالوظيفتين العليين لطبيعته، العقل والإرادة: إنه يتعالى transcende عن الروح والنفس والجسد معاً”. فلا يوجد إذاً كما يخلص لوسكي إلى القول أي “تساوٍ في الطبيعة” connaturalité بين الإلهي والعقلي، بين الجوهر الإلهي والأرواح والملائكة والبشرية، ولكن معرفة الله هي لقاء من شخص إلى شخص حيث “يعرف الله نفسه للإنسان برمته بدون التمكن من التكلم عن رؤية هي حسية بالمعنى الحقيقي أو عقلية بالمعنى الحقيقي” (49)… لا تحويل الحسي إلى العقلي ولا تصيير الروحي مادياً بل اتحاد communion الإنسان التام مع غير المخلوق، اتحاد يفترض اتحاد الشخص البشري مع الله “فوق كل معرفة”، “فوق العقل” noûs (باليونانية)، بتجاوز كل محدودية لطبيعة مخلوقة” (50). ويقول كليمان صراحة: “إن الوحي الثالوثي يقيم على سر mystére الشخص كل الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) المسيحية لأن الإنسان هو على صورة الله” (51). ويعنون الفصل كله: “سر الشخص Le Mystére de la Personne” (52). والتكلم عن الشخص كسرّ يرفع البحث إلى مستوى أعلى من أي تحليل عقلي أو نفسي. فهذه الوجودية الشخصانية الأرثوذكسية الآبائية تسمو بدرجات فوق درجات على ما قاله الوجوديون والشخصانيون المعاصرون.
وإن كان هذا البحث لا يتسع لمقابلة الفلسفة الشخصانية المعاصرة (53) مع ما سبق، إلا أن بعض الاقتباسات لا تؤذي الموضوع وخاصة إذا كانت من بردياييف الأستاذ سابقاً في معهد اللاهوت الأرثوذكسي بباريس وإن كان يتكلم كفيلسوف مسيحي لا كلاهوتي.
إنه يؤكد بقوة على أن الشخص ليس جزءاً من كل بل هو كل un tout (54) ويؤكد أيضاً على أصليته وامتيازه (55) ويرفض معادلة الفرد بالشخص (56) ومعادلة الشخص بالطبيعة والجوهر (57) ويزيد قائلاً: “إن الشخص يتميز عن كل نوع من الخاص والجزئي وذلك بفعل كونه قابلاً لأن يتضمن محتوى جامعاً un continu universel” (58) وأيضاً: “إن الشخص كائن على حدة، ذو فرادة original ولا يشبه أياً آخر” (59).
4 – أقنوم يسوع كلمة الله المتجسد
لما اشتدت وطأة الخلافات بعد مجمع نيقية، كان من حظ أبوليناريوس أسقف لاذقية سوريا أن حرف الأنظار إلى الحديث عن اتحاد الطبيعتين في يسوع المسيح. فشحذ اللاهوتيون قرائحهم. فقد تنبه أبوليناريوس إلى أن وجود إنسان تام بدون شخص أو أقنوم مستحيل فبتر الطبيعة البشرية في يسوع وقال أنها بلا روح، رداً على مدرسة أنطاكية. فأكدت بشدة على استقلال الطبيعتين وتماميتهما. فأغرق ثيودورس أسقف المصيصة ونسطوريوس في ذلك حتى صار الاتحاد سطحياً إذ يستحيل الالتصاق التام بين أقنومين. فتوهمت النسطورية “شخص اتحاد” يحقق نوعاً من الألفة. وشعر الأرثوذكس بشيء مماثل ولكن الخلاص لا يتم إلا في وحدة الابن يسوع فألحّوا على الوحدة وثنائية الطبيعتين. وأكد المجمع الخلقيدوني وجود أقنوم أو شخصض واحد ف يسوع ونوّه بوجود طبيعتين فيه ولكنه حدد شكل الاتحاد بعبارات سلبية لا ايجابية. قال أنهما متحدتان بلا اختلاط وبلا… ولكن ما هو هذا الاتحاد وكيف تم وو…؟ أسئلة بلا جواب.
أغلق الأمر على كثيرين من الأرثوذكس فوقفوا كما وقف النساطرة والمجمع الخلقيدوني أمام مشكلتي وجود طبيعة بلا أقنوم شخصي واتحاد الطبيعتين، فجزموا بوحدة الأقنوم والطبيعة مع التأكيد على تمامية اللاهوت والناسوت في الأقنوم الواحد، فظنوا أنهم حلوا المعضلة بذلك وأبقوا على متانة اتحاد الطبيعتين في يسوع. ونشب الخلاف إلى يومنا هذا دون مبرر صحيح. فالخلاف لفظي لا اساسي.
المشكلة هي أننا أمام إله وإنسان متحدين بدون اختلاط. فكيف يمكن انقاذ الوحدة مع التمييز كما مرّ معنا ذلك في سر التثليث حيث كنا أمام وماحد=ثلاثة، دون زوال الوحدة أو الثالوثية؟
فقد أتى التفسير الواضح من لاونديوس الأورشليمي في الجيل السادس للميلاد. فاستند إلى الآباء الكبادوكيين للتأكيد على استقلال الأقتوم وفرديته وفيامه بذاته إلا أنه أوضح خاصيّة أُخرى له ألا وهي عدم انتقاله. فالإنسان مركب من نفس وجسد والنفس كاملة كنفس والجسد كامل كجسد ولكل منهما جوهره المتميز عن الآخر، ولكنهما يؤلفان الطبيعة البشرية التي نشاهدها في أفراد الجنس البشري والتي انتقلت إلى الأفراد بالتناسل. فالطبيعة البشرية موجودة في كل فرد ولكل فرد شخص خاص به يميره عن سائر الأشخاص، لا يشاركه فيه أحد وهو مميزه الصحيح ولا ينتقل منه إلى أحد.
وفي الرب يسوع اتحد الإله والإنسان بصورة خاصة تفوق الأفهام فلم يؤلفا طبيعة واحدة خاصة يمكن تناقلها. لسنا أمام “”لاهوت-ناسوت” هو قابل للانتقال كما هو الحال مع الطبيعة البشرية حيث “جسد-روح” ألّفا طبيعة بشرية يتناقلها الناس. وهكذا نكون أمام خاصية جديدة للأقنوم ألا وهي عدم التناقل والانتقال. فاتحاد اللاهوت بالناسوت أمر فوق الأفهام، نسجد له بخشوع وإيمان، تم في أقنوم ابن الله. فقد اتخذ طبيعة بشرية لا اقنوم لها وإلا أضحت شخصاً بشرياً يستحيل هدم شخصيته إلا بهدم كيانه الذاتي. والاتحاد بين شخصين اتحاد خارجي غير عميق فلا يتم الخلاص به ولا يكون يسوع المسيح قد فتح باب الاتحاد بالله إلا للشخص الذي اتخذه. أما إذا قلنا أنه اتخذ طبيعة بشرية فإن الاتحاد ينفتح أمام أفراد الجنس البشري جميعاً.
ولكنه لم يبقِ الطبيعة البشرية دون اقنوم إذ صار أقنومه الإلهي أقنوماً لها أي أنه قنّمها فهي مقنّمة به. فهناك حل وسط بين الكينونة بلا أقنوم anhypostatos وبين الكينونة أقنوماً، ألا وهو الكينونة مقنّماً enhypostatos. وهذا ما تم للطبيعة البشرية في يسوع. فهذا الحل الموفّق يقرُّ بوجود طبيعتين كاملتين في يسوع وبوحدة الأقنوم وباتحاد الطبيعتين اتحاداً وثيقاً عميقاً جداً لا وهن فيه أبداً. فأقنوم ابن الله هو أقنوم للطبيعتين بدون أن يتجزأ أو يطرأ عليه تغيير. للطبيعتان موجودتان في الأقنوم الواحد. يسوع واحد، رب واحد، ابن واحد، كلمة إلهي واحد متانس. لذا فالجسد هو جسد ابن الله. فسبحان الذي لبّس طبيعتنا ليسربلنا مجد لاهوته ويختصنا لنفسه نسلاً مقدساً في الروح القدس والحمد لله الآب الذي رحمنا بابنه يسوع المسيح.
الخاتمة (60)
يا ابن الله الآب وكلمته وحكمته الأزلي القائم في حضنه سرمدياً، المولود منه سرمدياً، بدون أن يكون هناك زمان لولادتك، لأنك أنت المولود على الدوام. أنت بالأمس مولود وغداً وإلى أبد الآبدين. فأنت فوق الزمان والمكان.
يا ابن الله المولود دوماً بدون جري (61) ودون أن يعتري الآب نقص أو تبديل (62). إنك تلد من الىب ولكنك لا تنفصل منه بل تبقى في حضنه، إذ أنت والآب واحد لا تتميزان إلا بالولادة وزالأبوة، كما أن الروح القديس يتميز بالانبثاق. وما عدا ذلك فجوهركم واحد وفعلكم واحد وكل شيء مشترك بينكم.
فأنت، يا ابن الله، يا صاحب هذا المجد الذي لا يوصف، أتيت بمسرة الآب الأزلي وفعل الروح القدس إلى الأرض لتلبس إنساننا الذي هوى إلى الجحيم لكي ترفعنا إلى مقامك الشريف. لقد صرت إنساناً غير عادي. ولكن كيف؟ لا بالاستعلاء بل بالارتفاع على الصليب بين اتللصوص بعد أن آثر الناس عليك قاطع الطرق برباس. فعلت كل هذا لكي ترفعني من المزبلة، لكي تخرجني من جحيم الخطايا إلى مشاهدة نور طلعتك البهية. ولكني فشلت في الخروج لأني ما زلت غارقاً في لجج هذا العمر الفاسد. فلا تعاملني إذاً كما أنا بل عاملني كما هي رحمة ذبيحة الصليب. بها رُشّ ضميري بدم الطهارة لكي استقبلك في قلبي زائراً أبدياً.
ولا تنسَ أبداً شعبك الذي هو كنيستك المقدسة. فافتقده كل حين بالقداسة والإرشاد وحسن العناية والرعاية حتى يمتلئ من حضرتك. آمين!
[div3 class=”quote” class2=”quote-l” class3=”quote-r”]
إلى هنا ينتهي الكتاب الموجود أونلاين.. وهذا الكتاب أول مرة يُنشر على الشبكة العنكبوتية بمناسبة العيد الرابع لميلاد أرثوذكس أونلاين
20 أيلول/سبتمبر 2006 – 20 أيلول/سبتمبر 2010
[/div3]
(1) من الكائن إلى الوجود، ص 83-107.
(2) الشخصانية الإسلامية، ص 14-23.
(3) معجم المصطلحات العلمية والفنية، ص 349.
(4) غارديه، فلسفة الفكر الديني بين الإسلام والمسيحية، الترجمة العربية، المجلد 2 ص 294.
(5) سقراط: التاريخ الكنسي، الكتاب 3: 7، مين 67: 395.
(6) العالم 4: 25.
(7) الفضاء: الكتاب 2 فصل 2: 14.
(8) تيكسيرون: المجلد 2 ص 36.
(9) التاسوعية الخامسة، الكتاب الأول، الفصل 7.
(10) عبرانيين 1: 3
(11) 2 كورنثوس 9: 4 و11: 17 وعبرانيين 3: 14 و11: 1.
(12) مين 25: 465 و26: 1036.
(13) الميمر 39: 11، مين 36: 345-346 والميمر 42: 16 مين 36: 476-477 واستعملها أيضاً غريغوريوس النيسي، مين 45: 177، 18 والتعليم المسيحي: 39.
(14) ثيوريتوس، التاريخ الكنسي، الكتا 5: 9 مين 82: 1212-1217.
(15) إن أوريجانوس هو أول من أطلق عبارة 3 أقانيم على الثالوث (على يوحنا 2: 6 مين 14: 128 و6:17 مين 14: 257 وعلى أشعياء 1: 4 و4: 1). واستعمل كلمة “اقنوم” في مواضع أُخرى عديدة. كما أنه استعمل كلمة “شخص” (مين 14: 369). واستعمل ايبوليتوس الروماني كلمة شخص prosopon للآب والابن (ضد نويتس 7 و14 مين 10: 813، 884). أما في اللاهوت اللاتيني فإن ترتليانوس هو الذي استعمل لفظة شخص persona للأقانيم (ضد براكسياس 11-13، 15، 18، 21، 24، 27، 31، مين اللاتيني 2: 166، 167، 168-169، 173-175، 177-179، 179-188، 186-187، 190-192، 196).
(16) للاستزاد في هذا الموضوع راجع كتاب “حوار عن الثالوث مع دراسة لعقيدة الثالوث في الكتاب المقدس والآباء” للدكتور جورج حبيب بباوي… (الشبكة)
(17) إن الكبادوكيين استعملوا ousia (باسيليوس، مين 29: 520 و529 و540 و552 و568 و580 و588 و589 وغريغوريوس اللاهوتي، مين 36: 145، 164، 477 – غريغوريوس النيسي مين 45: 604). ولكنهم يؤثرون عليها كلمة “طبيعة” physis. فكانوا يحاربون بدعة أفنوميوس الذي زعم أن الله كلي البساطة وقابل بالتمام لأن يكون معقولاً ومدركاً (باسيليوس الرسالة 235 وسقراط، التاريخ الكنسي 4: 7). فجعلوا الـ ousia الكائن الصميمي لله، الغير مقترب منه وغير المدرك، والطبيعة physis الصفات، والأقنوم hypostasis لكيفيات الشخصية (باسيليوس، صد أفنوميوس 1: 10، 13، 14 مين 29: 533، 544-545 والرسالة 38: 2 مين 32: 325).
(18) راجع الحاشية 16.. (الشبكة)
(19) باسيليوس، في الروح القدس 45، مين 32: 149 ولوسكي ص 47 (اللاهوت الصوفي).
(20) غريغوريوس، الميمر 31: 9 مين 36: 144.
(21) مكسيموس، مين 90: 1125.
(22) باسيليوس، الرسالة 38: 4 وغريغوريوس اللاهوتي، الميمر 23: 8.
(23) غريغوريوس اللاهوتي، الميمر 31:؛ 9 مين 36: 144 والدمشقي 1: 8، مين 94: 828.
(24) الدمشقي، الإيمان 1: 8، مين 94: 828-829
(25) غريغوريوس، الميرم 42، مين 36: 476.
(26) الحوار 1 في مين 83: 33.
(27) الدياليكتيا 39 مين 94: 605
(28) الدياليكتيكا 42 مين 94: 612.
(29) مين 95: 132-133 وأيضاً 94: 1439.
(30) دياليكتيكا: 52 مين 94: 612.
(31) دياليكتيكا: 66 مين 94: 668-669.
(32) الدمشقي، الإيمان 1: 8 و3: 6.
(33) الرسالة 38: 2-5 (مرسلة إلى أخيه غريغوريوس النيسي) – وأيضاً ضد أفنوميوس 1: 10 و2: 28 و4: 1 وما يليه مين 29: 533، 636-637، 689 وما يليها.
(34) إن أخاه غريغوريوس يستنبط صفات الأقنوم ذهاباً من الإنسان أيضاً. ولا غرابة فهو صورة الله وهو وحده شخص في الكون لا فرد فقط (التعليم المسيحي: 1-2).
(35) الرسالة 236: 6 مين 32: 884.
(36) التعليم المسيحي، فصل 1- 2 وأيضاً مين 45: 184.
(37) مين 45: 177 و180.
(38) الميمر 33: 16 مين 36: 236.
(39) خروج 3: 14.
(40) الميمر 45:3 في مين 36: 625؟
(41) الأسماء الإلهية 5: 4 في مين 3: 817.
(42) عن مايندورف: ص 293.
(43) مايندورف: ص 293. إن مايندورف يبرز في الصفحات 289-310 الموقف الشخصاني والوجودي للاهوت الأرثوذكسي بخلاف ميتافيزيكا الماهيات اليونانية. ويقول في الصفحة 310: “الميتافيزيكا الشخصانية والوجودية personnaliste et existentielle التي ورثها بالاماس من الكتاب المقدس والآباء”.
(44) باسيليوس الكبير، الرسالة 189: 76، مكسيموس المعترف مين 91: 96 و200 و205 و240 وبالاماس عن مايندورف: ص 291.
(45) الدمشقي 1: 8 مين 94: 828 و837.
(46) لوسكي: ص 52 و114-123، اوليفيه كليمان: ص 152-174، بردياييف: 5 تأملات في الوجود: ص 166-174، 180.
(47) بردياييف: ص 181 ومونييه، الشخصانية: ص 10-16.
(48) لوسكي: ص 52. أي مثقف اطلع على الشخاصنيين المعاصرين يستطيع بعد مطالعة هذا الكتاب أن يدرك مدى تخلفهم عن آباء الكنيسة الملهمين ألمع مفكري تاريخ العالم ومنيري ظلامه الحالي.
(49) لوسكي: رؤية الله، فصل 9 ص 14.
(50) لوسكي: رؤية الله، فصل 9 ص 15 ومقال كليمان ص 166-167.
(51) ص 159.
(52) ص 152.
(53) لمؤسسها عمانوئيل مونيه Mounier. فوجهها غير لاهوتي. ولكنها فكر مسيحي متأثر بآباء الكنيسة اليونان وثائر على السكولاستيك الغربية. ولكن تأثره بالأب تيلاردي شاردان يجعل بعض عباراته عن الشخص والطبيعة دون فخامة تعبير الآباء.
(54) خمس تأملات: 167، 178، 179، 180 ولوسكي 241؟
(55) خمس تأملات: 175.
(56) خمس تأملات: 165
(57) خمس تأملات: 166 و168.
(58) خمس تأملات: 179.
(59) خمس تأملات: 175.
(60) الخاتمة ليست من ضمن هذا الفصل، ولكن تم وضعها اختصاراً لعدد الصفحات. ويوجد بعد الخاتمة فصولاً أخرى، وعناوينها على الشكل التالي:
- أيها الروح القدس… صلاة
- ملحق عن الاجتماعات بين الأرثوذكس واليعاقبة
- دعاء أخير
- فهرس الكتاب
ولكن لن يتم اضافتهم حالياً لعدم وجود الوقت الكافي… (الشبكة)
(61) أثناسيوس، مين 25: 204 و441 و29: 72-73 وسواها، باسيليوس، ضد أفنوميوس 2: 4-6 و23؛ غريغوريوس اللاهوتي الخطبة 28: 22. الآباء نزهوا الألوهة وولادة الابن عن الأمور التي تحدث في الطبيعة. واستعملوا لفظة “عدم الجري” (تترجمها كتبنا الطقسية “عدم سيلان”) للدلالة كما قال أثناسيوس في الموضوع الأول هنا على ولادة الابن بدون انفصال لا كما يخرج الجدول جارياً إلى خارج الينبوع. فيسوع باقٍ في الينبوع خلافاً للجدول.
(62) اللفظة اليونانية pathos تحتمل عدة معانٍ منها “الم”، “هوى”، “تبدل”. يبقى على القارئ أو المترجم أنم يفهم المعنى المقصود منها أو من مشتقاتها. الخطأ الشائع هو ترجمتها غالباً ترجمة حرفية بلفظة “ألم” أو “وجع”, استدراكها “صروف” أحياناً في ترجمته الجديدة لكتاب المعزي، فترجمها أحياناً بلفظة “هوى” حيث المعنى كذلك.
الترجمة البروتستانتية ترجمت pathos في كولوسي 3: 5 بـ “ألم” حرفياً بدلاً من “هوى”. والمعنى في نصّي هو معنى لاهوتي-فلسفي للفظة. الأمر واضح جداً لدى غريغوريوس اللاهوتي (الخطبة 29: 4 و6) وحتى لدى باسيليوس (في البدء كان الكلمة، ص 15 و16 ومن الترجمة العربية). وكذلك لدى أثناسيوس (مين 25: 441).