الإله الواحد

يؤمن المسيحيون أن إلهههم إله واحد في ثلاثة أقانيم: الآب والابن والروح القدس، ولكن اذا سألت غالبيتهم عن تفسير لهذا الكلام لما استطاعوا أن يعرضوا إيمانهم ببساطة ولا أن يشهدوا له او أن يعلّموه… ذلك أن ثمة تعابير غير مفهومة كاقنوم وأقانيم وجوهر تجعل العقيدة المسيحية حكرا لمجموعة صغيرة من اللاهوتيين، وثمة تعابير اخرى كالثالوث مثلا قد توحي لدى البعض أن المسيحيين يؤمنون بتعدد الآلهة.

في العهد القديم كثيرة هي الإشارات التي تؤكد وحدانية الله، ففي مواجهة تعدّد الآلهة عند الشعوب المحيطة بالشعب العبري شدد العهد القديم على أن الله واحد لا اكثر. وهو يعني بهذا أن الله حي، خالق، ودود، رحيم، حنون متكلم، يعلن نفسه ويكشفها عبر علاقة شخصيّة بالبشر. هو إله غير مقترب اليه وقريب في الوقت ذاته.

يُبرز العهد القديم اذاً وحدانية الإله، فالله يخاطب موسى قائلاً: “لا يكن لك آلهة اخرى تجاهي… لاني انا الرب الهك إله غيور” (خروج 20: 3-5). اما موسى فينقل هذا الكلام الإلهي الى الشعب: “إن الرب إلهنا هو رب واحد” (تثنية الاشتراع 6: 4)، وينقل مرقس الإنجيلي هذا التعبير نفسه عن يسوع عندما أجاب على الذي سأله عن أهم الوصايا (مرقس 12: 29). اما اشعياء النبي فيؤكد في نبوءته وحدانية الله: “هكذا قال الرب ملك اسرائيل وفاديه رب القوات: انا الاول وانا الآخِر ولا إله غيري” (44: 6)، وارميا يذهب في الاتجاه ذاته فيقول في نبوءته: “لا مثيل لك يا رب” (10 :6)، والاستشهادات حول هذا الموضوع كثيرة في العهد القديم…

في العهد الجديد تجسد ابن الله وصار انسانا، وظهر إعلان الله في العالم بيسوع المسيح الانسان. فقال فيه يوحنا الإنجيلي انه كلمة الله وسمّاه الانجيليون بابن الانسان وابن الله والابن والابن الوحيد، وكلها تعابير إلهية لا تُنسب الا الى شخص إلهي. لقد صُدم اليهود عندما سأل قيافا يسوع: “أأنت المسيح ابن الله” (متى 26: 63) وأجابه الاخير: “أنت قلت”، فحكموا عليه بالموت لأنه ساوى نفسه بالله.

في تعليمه الذي وصل الينا مدونا يؤكد يسوع على وحدته مع الآب فيقول: “انا والآب واحد” (يوحنا 10: 30)، وايضا “انا في الآب والآب فيّ” (يوحنا 10: 38)، و”من رآني فقد رآى الآب” (يوحنا 14: 9). ولا شك أن أعظم إعلان لوحدة الآب والابن كامن في الاصحاح السابع عشر من إنجيل يوحنا، حيث يقول يسوع في صلاته الوداعية الموجهة الى الآب قبل الانطلاق الى الموت مرفوعا على الصليب: “وجميع ما هو لي فهو لك وما هو لك فهو لي” (الآية 10)، وحيث يدعو من اجل تلاميذه: “فليكونوا بأجمعهم واحدا كما انك فيّ، يا أبتِ، وانا فيك فليكونوا هم ايضا فينا” (الآية 21)، وايضا “ليكونوا واحداً كما نحن واحد” (الآية 22).

في الاصحاح نفسه من انجيل يوحنا تتجلى وحدة الآب والابن من خلال الأفعال المتبادلة التي يملكها الآب والابن كالحياة والمعرفة والمجد… فالابن كالآب يهب الحياة الأبدية (الآية 2)، والحياة الأبدية هي أن يعرف المؤمنون الآب والابن (الآية 3)، وهذه المعرفة مرتبطة بكشف يسوع لها. فمتى الإنجيلي ينقل قول يسوع “سلّمني الآب كل شيء، فما من احد يعرف الابن الا الآب، ولا من احد يعرف الآب إلا الابن ومن شاء الابن أن يكشفه له” (متى 11: 25). والابن يمجد الآب والآب يمجده (الآية 4 و5)، والرسول يوحنا يؤكد الكلام نفسه في مكان آخر حين ينقل قول يسوع بعد خروج يهوذا ليسلّمه: “الآن مُجِّد ابن الانسان ومُجِّد الله فيه، واذا كان الله قد مُجِّد فيه فسيمجّده الله في ذاته وبعد قليل يمجّده (بالموت على الصليب)” (يوحنا 13: 31-32).

المسيحية دعوة الى عبادة الإله الواحد الحقيقي، والمسيحيون بإيمانهم بالآب والابن والروح القدس لا يعبدون ثلاثة آلهة بل إلها واحداً، ذلك أن الأناجيل تؤكد على وحدة الآب والابن والروح القدس. ولا بدّ أن نشير في الختام الى أن المسيحيين الأوائل إنما دفعوا دمهم وحياتهم، إبان الاضطهادات الكبرى، لأنهم كانوا يؤمنون بالإله الواحد رافضين تقديم القرابين لآلهة الوثنيين. لم تكن التهمة الموجهة اليهم، والتي على اساسها استشهدوا، انهم كانوا يؤمنون بثلاثة آلهة بل لأنهم كانوا يؤمنون بالإله الواحد.

نقلاً عن: نشرة رعيتي
 أبرشية جبيل والبترون
الأحد 2 آذار 1997 العدد 9
احد الدينونة (احد مرفع اللحم)

arArabic
انتقل إلى أعلى