14- العبرانيين 1: 10-2: 3 – الخلاص العظيم الحاصل لنا بالكلمة المتجسد

النص:

1: 10 وَ «أَنْتَ يَارَبُّ فِي الْبَدْءِ أَسَّسْتَ الأَرْضَ، وَالسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ. 11 هِيَ تَبِيدُ وَلكِنْ أَنْتَ تَبْقَى، وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى، 12 وَكَرِدَاءٍ تَطْوِيهَا فَتَتَغَيَّرُ. وَلكِنْ أَنْتَ أَنْتَ، وَسِنُوكَ لَنْ تَفْنَى». 13 ثُمَّ لِمَنْ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ قَالَ قَطُّ:«اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ»؟ 14 أَلَيْسَ جَمِيعُهُمْ أَرْوَاحاً خَادِمَةً مُرْسَلَةً لِلْخِدْمَةِ لأَجْلِ الْعَتِيدِينَ أَنْ يَرِثُوا الْخَلاَصَ!.
2: 1 لِذلِكَ يَجِبُ أَنْ نَتَنَبَّهَ أَكْثَرَ إِلَى مَا سَمِعْنَا لِئَلاَّ نَفُوتَهُ، 2 لأَنَّهُ إِنْ كَانَتِ الْكَلِمَةُ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا مَلاَئِكَةٌ قَدْ صَارَتْ ثَابِتَةً، وَكُلُّ تَعَدٍّ وَمَعْصِيَةٍ نَالَ مُجَازَاةً عَادِلَةً، 3 فَكَيْفَ نَنْجُو نَحْنُ إِنْ أَهْمَلْنَا خَلاَصاً هذَا مِقْدَارُهُ؟ قَدِ ابْتَدَأَ الرَّبُّ بِالتَّكَلُّمِ بِهِ، ثُمَّ تَثَبَّتَ لَنَا مِنَ الَّذِينَ سَمِعُوا.

الشرح:

تندرج الآيات الاولى من رسالة اليوم في سياق الإصحاح الاول من الرسالة الى العبرانيين، حيث يُظهر الكاتب تفوّق الرب يسوع المسيح ابن الله الوحيد على كل ما هو مخلوق اذ يقيم مقابلة بين ابن الله من جهة والملائكة من جهة اخرى. يعالج الكاتب الموضوع انطلاقا من كتاب المزامير حيث قيل عن الملائكة “باركوا الرب يا جميع ملائكته المقتدرين بقوّته العاملين بامره عند سماع صوت كلامه، باركوا الرب يا جميع قواته، يا خدامه العاملين ارادته” (مزمور 102: 20 – 21) وقيل ايضا “الصانع ملائكته ارواحا وخدامه نارا تلتهب” (مزمور 103 : 4، عبرانيين 1 : 7). إذا الملائكة هي “أرواح خادمة” في حين ان الابن هو واحد مع الله اذ “هو بهاء مجده ورسم جوهره” (عبرانيين 1 : 3)، وقد “وُضع قليلا عن الملائكة” (عبرانيين 2 :9) عند تجسده “ليشترك في اللحم والدم” (عبرانيين 2 : 14) “ويذوق بنعمة الله الموت لأجل كلّ واحد …لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت اي ابليس” (عب 2 : 14)، و”بعدما صنع بنفسه تطهيرا لخطايانا جلس في يمين العظمة في الأعالي صائرا اعظم من الملائكة بمقدار ما ورث اسما افضل منهم” (عبرانيين 1 : 3 – 4).

يظهر هذا الكلام على انه رد على انحراف أطلق عليه الرسول بولس تسمية “عبادة الملائكة” (كولوسي 2 : 18). دخلت عبادة الملائكة بتأثير من مقولات الفلسفة اليونانية على الدين اليهودي قرابة القرن الاول الميلادي. يقول الفيلسوف اليهودي فيلون الاسكندري (توفي 40 م) ان الخلق تم عن طريق سلسلة من الوسائط اهمها “الكلمة” او Logos الذي يصفه بانه المولود الاول والرئيسي للإله وهو النموذج الذي خلق على اساسه كل شيء. بالإضافة الى “الكلمة اللوغوس” وضع فيلون عددا من الوسائط الأخرى اعتبرها مظهرا من مظاهر قدرة الله الخلاقة ودعاها الملائكة وهي لا تختلف عن الكلمة الا من حيث المرتبة ومهمتها تنفيذ مآرب الله ومقاصده الخفية في عالم الموجودات. وقد اعتمد فيلون هذا التفسير ليوضح إمكانية الإتصال بين الكائن المتعالي وبين العالم الحسي. هذا النوع من التفسير الفلسفي دفع بعض المؤمنين الى عبادة الملائكة على انها وسيطة بين الله والناس، مما يخالف الايمان المسيحي “لأنه يوجد اله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الانسان يسوع المسيح” (ا تيموثاوس 2 : 5 وعبرانيين 8 : 6) في حين ان الملائكة هي “أرواح خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين ان يرثوا الخلاص”.

يدعو الكاتب الى الانتباه “الى ما سمعنا” اي الى بشارة الخلاص التي وصلتنا لئلا يفوتنا شيء منه. اما “الكلمة التي تكلم بها ملائكة” فيشير بها الكاتب الى التوراة اي الشريعة المعطاة للشعب عن طريق موسى “ذاك الذي كان في البرية مع الملاك الذي كان يكلمه في جبل سيناء” (اعمال الرسل 7 : 38). ثبت الله كلمة الشريعة في العهد القديم، واما الآن فقد اتتنا الكلمة الأخيرة اذ “كلّمنا الله في هذه الأيام الأخيرة في ابنه … الذي هو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته”(عبرانيين 1 : 2 – 3) اي ان الله اعلن عن نفسه نهائيا في ابنه مانحا لنا به الخلاص “فكيف ننجو ان اهملنا خلاصا عظيما كهذا”. “هذا الخلاص ثبته لنا الذين سمعوه” اي رسل المسيح وتلاميذه وبشروا به الجميع “شاهدا الله معهم بآيات وعجائب وقوات متنوعة ومواهب الروح القدس حسب ارادته” (عبرانيين 2 : 4).

نقلاً عن نشرة رعيتي
الأحد 14 آذار 1993 / العدد 11

arArabic
انتقل إلى أعلى