Sola Scriptura – عقيدة الكتاب المقدس حصراً – مناقشة لاهوتية


النصوص الكتابية التي تبرهن على عقيدة “الكتاب المقدس حصراً” بحسب البروتستانت:

سنناقش هنا وبصورة سريعة أكثر النصوص الكتابية شيوعاً والتي تستعملها الفئات البروتستانتية للبرهان على صحة عقيدة “الكتاب المقدس حصراً”:

1- “كل الكتاب موحى به من الله ونافعٌ للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذي في البرّ. لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح” (2تيموثاوس 3: 16-17). الملاحظة الأول أن كلمة “الكتاب” التي يستعملهما بولس الرسول هنا تشير إلى أسفار العهد القديم. فالكتب المقدسة التي كانت متوفرة لدى طفولة تيموثاوس كانت بالطبع أسفار العهد القديم. ثانياً، تطبق الكنيسة الأرثوذكسية كلام بولس الرسول على العهد الجديد أيضاً ولكن قانون العهد الجديد لم يوجد قبل القرن الثالث الميلادي كما اشرنا سلفاً. لهذا لو كان بولس الرسول يقصد هنا أن الكتاب وحده كافٍ (أي العهد القديم) لكان هذا يلغي ضرورة وجود العهد الجيد. ثالثاً، بولس يؤكد بطريقة غير مباشرة أن العهد القديم غير كافٍ وحده. فالآية الثامنة من النص نفسه تذكر اسمين هما “ينيس ويمبريس” (2تيمو3: 8)، هذا بالإشارة إلى خروج 7: 11-12. لكن سفر الخروج لا يذكر أسماء هذين الساحرين؛ أي أن بولس يستعمل اسمين أخذهما من التقليد اليهودي وليس من أسفار العهد القديم. مما يعني بالنسبة لبولس أنه باستشهاده من تقليد شفوي كتابي يؤكد على أن الكتاب المقدس (العهد القديم في أيامه، والعهدين القديم والجديد في أيامنا) لا يلغي ضرورة الحاجة لوجود تقليد كتابي شفوي مُعترف به ويُؤخذ به. في هذا النص نفسه يقول بولس لتيموثاوس “وأما أنت فقد تبعت تعليمي وسيرتي وقصدي إيماني وأناتي ومحبتي وصبري،إلخ..” (2تيمو3: 10). ويقول في الآية 14: “وأما أنت فاثبت على ما تعلّمت وأيقنت عارفاً ممن تعلّمت”. إذاً يخصّ بولس تيموثاوس هنا على حفظ التعليم الذي استلمه تيموثاوس من بولس ومن معلِّمين آخرين. عندئذ يقول بولس لتيموثاوس: “وإنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تحكّمك للخلاص بالإيمان الذي في المسيح يسوع” (2تيمو3: 15). هنا الخلاص يأتي من الإيمان بالمسيح وليس من الأسفار المقدسة بحد ذاتها. فالكتب المقدسة ترشد إلى الإيمان بالمسيح يسوع، وهذا الإيمان بالمسيح هو الذي يخلّص. وهذا ما يؤكده بولس في الآية 16 عندما يقول: “كل الكتاب هو موحى به من الله، ونافعٌ للتعليم والتوبيخ، إلخ…”. أي، إن العهد القديم في أيام بولس، والكتاب المقدس بعهديه فيما بعد، هو موحى به من الله، وينفع لتعليم وتوبيخ المؤمن بالمسيح والذي صار لله هذا الكتاب كتاباً موحى به. أما بالنسبة لغير المؤمن بالمسيح، فالكتاب المقدس لا يعني له شيئاً أكثر من مجرد عمل أدبي أو تاريخي. لذلك المهم هو الإيمان المسيحي وهو الذي يجعل المسيحي مؤمناً بأن الكتاب المقدس هو موحى به من الله وهو الذي يجعل الكتاب نافعاً للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذي في البرّ، وهذا ما يكشفه بولس في الآية 17 عندما يقول: “لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح”. أي يقول بولس إن الكتاب المقدس نافعٌ للتعليم والتوبيخ… لإنسان الله، فلو لم يكن هذا الإنسان هو إنسان الله لما كان هذا الكتاب هو كتاب الله، كتاباً مقدساً ونافعاً؛ أي الكتاب المقدس بحد ذاته لا يخلّص إنساناً حتى ولو كان يحفظه عن ظهر قلب. فيمكن للوثني أن يحفظ الكتاب المقدس بصورة أفضل من المسيحي، ومع ذلك لا يخلص إلا إذا آمن بالمسيح واعتمد. الإيمان بيسوع هو الذي يخلّص الإنسان، وهذا الإيمان يقود المسيحي إلى المعمودية ليولد من المسيح ثانية، وهو الذي يقود المسيحي إلى الاعتراف بأن الكتاب المقدس كتاباً مقدساً ونافعاً، إلخ. إن تأكيد بولس على أن العهد القديم في أيام تيموثاوس هو موحى به من الله ونافع إنما ناجمٌ عن وجود تيارات فكرية وغنوصية كانت تطعن بالعهد القديم في تلك الأيام، وهذا واضح من رسائل بولس (1تيمو6: 20؛ 1تيمو1: 4 و4: 7؛ و2تيمو4: 4). لهذا يقول بولس لتيموثاوس إن تعليمي لك لا يحلّ محل الفائدة الناجمة من معرفة الكتاب المقدس (العهد القديم في هذه الحالة). إذاً، يسأل بولس تلميذه تيموثاوس أن يحفظ الوديعة (1تيمو6: 20)، وأن يثبت في تعلّمه، واثقاً وعارفاً مصدر تعليمه (2تيمو3: 14)؛ ومعظم ما تعلّمه كان شفهاً غير مكتوب. وضد التيارات الغنوصية التي كانت تطعن بالعهد القديم، فإن بولس الرسول كان يؤكد لتلميذه تيموثاوس أن الكتاب المقدس (العهد القديم هنا)، والذي درسه تيموثاوس منذ طفوليته، هو حقاً موحى به من الله ونافعٌ.

2- النص الثاني الكتابي الذي يستعمله مناصرو عقيدة “الكتاب المقدس حصراً” هو: “… أن لا تفتكروا فوق ما هو مكتوب كي لا ينتفخ أحدٌ لأجل الواحد على الآخر” (1كورنثوس4: 6). من القراءة الأولى لهذا النص وظاهرياً يبدو أنه على المسيحيين أن يلتصقوا بالكتاب المقدس فقط وحتماً. لكن نظرة متمعنة إلى هذا النص تُظهر أن لا علاقة له أبداً بمسألة سلطة الكنيسة. فأولاً، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الإطار الذي كُتبت فيه رسالة كورنثوس الأولى، حيث يناقش بولس الرسول المشاكل التي كانت في هذه الكنيسة. ففي 1كور1: 12 يقول بولس إن بعض الكورثنيين يتبعون بولس وبعضهم أبولس، إلخ. أي كانت توجد انشقاقات فيما بينهم. والسؤال هنا مطروح على الفئات البروتستانتية المنقسمة على بعضها بعضاً: هل المسيح منقسمٌ؟ ومن الواضح أن الانقسام في كنيسة كورنثوس وصل إلى نقطة كان الناس فيها يقارنون الرسل ببعضهم بعض ويحكمون على أن بعض الرسل أفضل من البعض الآخر. إجابةً على هذه النقطة، يؤكد بولس الرسول بأن القضاء أو الدينونة هي لله وحده ويجب على أهل كورنثوس أن لا يفتكروا فوق ما هو مكتوب، قائلاً: كي لا ينتفخ أحدٌ لأجل الواحد على الآخر. إذاً لا علاقة لهذا النص بالأفكار التي تطرحها عقيدة “الكتاب المقدس حصراً”.

ومن جهة أخرى، يبقى السؤال هنا بخصوص هذه الآية: ما المقصود من كلمة “ما هو مكتوب” في ذهن بولس؟ لو نظرنا إلى مقاطع سابقة من الرسالة نفسها في 1كور1: 19 إلخ، و1كور1: 31، إلخ، و1كور3: 19-20، إلخ، نجد أن كلمة ما هو مكتوب تشير إلى هذه الاقتباسات السابق ذكرها. فبولس الرسول يذكّر أهل كورنثوس بأن الله وخده هو الذي يدين وهو الذي يمجّد وأن الحكمة البشرية والدينونة البشرية لا تؤخذان بعين الاعتبار عند الله. وهكذا نرى أن قول بولس في هذه الآية “أن لا تفتكروا فوق ما هو مكتوب” لا علاقة له بعقيدة “الكتاب المقدس حصراً”.

3- “وأما الأخوة فللوقت أرسلوا بولس وسيلا ليلاً إلى بيرية، وهما لما وصلا مضيا إلى مجمع اليهود. وكان هؤلاء أشرف من الذين في تسالونيكي، فقبلوا الكلمة بكل نشاط، فاحصين الكتب كل يوم هل هذه الأمور هكذا” (أعمال17: 10-11). هذا هو المقطع الإنجيلي الثالث الذي يستعمله أتباع عقيدة “الكتاب المقدس حصراً” للدلالة على صحة تعليمهم. لا يقول هذا النص بشكل مباشر إن الكتاب المقدس وحده كافٍ للإيمان والممارسة، ولكن قيمته لدى البروتستانت تأتي من وجوب أن يكون المسيحيون على مثال أهل بيرية، متفحصين كل الأشياء بحسب الكتب. هنا سمع أهل بيرية في المجمع اليهودي من بولس الرسول أن يسوع الناصري هو المسيح الموعود. قارن أهل بيرية ما قاله بولس الرسول بالنبوات الواردة في العهد القديم، وآمن الكثيرون منهم إذ وجدوا أن يسوع الناصري هو حتماً المسيح الموعود المنتظر، متمَّماً كل ما قاله الأنبياء في الكتب. الكتب المذكورة هنا والتي تفحّصها أهل بيرية هنا هي أسفار العهد القديم. لو كان أتباع عقيدة “الكتاب المقدس حصراً” مصيبين في رأيهم في استعمالهم لهذه الآية، لكان على المسيحيين أن لا يستعملوا سوى أسفار العهد القديم حصراً لأنها كانت التي استعملها أهل بيرية. من اللافت للانتباه هنا هو أن أهل بيرية كانوا اشرف من الذين في تسالونيكي لا لأنهم كانوا يتفحّصون الكتب، بل لأنهم قبلوا الكلمة بكل نشاط.

4- “لأني أشهد لكل من يسمع أقوال نبؤة هذا الكتاب، إن كان أحدٌ يزيد على هذا يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب. وإن كان أحدٌ يحذف من أقول كتاب هذه النبوة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة ومن المدينة المقدسة ومن المكتوب في هذا الكتاب” (رويا22: 18-19). ظاهرياً، تبدو هذه الآيات وكأنها تؤيد المدافعين عن عقيدة “الكتاب المقدس حصراً”. لكن لننظر إلى الإطار الذي كُتبت فيه هذه الآيات. يقول المفسر المشهور البروتستانتي وليم باركلي إن مقولات كهذه هي شائعة في الأدب القديم. فأمثال هذه التحذيرات موجودة في تثنية 4: 2 وتثنية 12: 2 وأمثال 30: 5و6. أيضاً إن سفر أخنوخ (وهو من الأدب المنحول في العهد القديم) يحذّر ضد تغيير النص أيضاً. وبحسب باركلي فإن الغاية من هذه التحذيرات هي ضمان نقل هذه الكتب بصورة دقيقة بدون تغيير من قبل الكتبة الذين كانوا ينسخونها. وفي نص يوحنا السابق ذكره فإن يوحنا يشير بصورة خاصة إلى نبؤة هذا الكتاب (أي سفر رؤيا يوحنا) هي المقصودة، ولا يوجد شيء يشير إلى كل الأسفار المقدسة أو الكتب المقدسة ككل. حتى لو عمّمنا كلام يوحنا هنا وجعلناه يشمل أسفار العهدين القديم والجديد لاستنتجنا أن قانون الكتاب المقدس هو مُعطى من الله ولا يمكن تغييره، وهذا بالضبط ما تؤمن به الكنيسة الأرثوذكسية إذ أقفلت قانون الكتاب المقدس إلى الأبد. فلو وجد أي سفر لم يُعرف سابقاً في الكنيسة وتم اكتشافه حديثاً، لما أدخلته الكنيسة في الكتاب المقدس، حتى ولو كان سفراً أصيلاً وصحيحاً، لأنه لم يكن قيد الاستعمال من قبل الكنيسة في كل مكان وفي كل عصر، ومن قبل جميع المؤمنين.

arArabic
انتقل إلى أعلى