Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎

عندما أخذ نور الفجر ينبلج في الأفق أردتُ أن أستمد بركة الأب لأهبط من الجبل إلى البحر أو لنقلْ من الجبل الروحي إلى خضم المجتمع. وقد وجدتُه صافي الوجه، هادئاً، يردّد “الصلاة” فيما يزاول حرفته اليدوية التي يؤمن بواسطتها طعامه المؤلَّف من بعض قطع الخبز المحمص (البقسماط) وبعض اللوازم الضرورية الأخرى.

قلتُ له: “صلِّ من أجلي” فيما انحنيتُ لألثم يمينه فأجاب قائلاً: “وفّقك الله يا ولدي ولتكنْ سيدتنا والدة الإله معك وليقوِّكَ الثالوث القدوس وليحفظ الرب الإله نفسك وجسدك من كل شرّ ومن كل أذى شيطاني ومن كل تخيّل يثير الاضطراب، وليكن الرب نورك وسترك وطريقك وعزّتك وإكليل بهجتك وعوناً أبدياً لك. إحرصْ على مراقبة نفسك واجعل “صلاة يسوع” رفيقاً ملازماً لك وصلِّ من أجلي لكي يرحمني الله…”

إنّ صلوات الرهبان كلها تتدفق فيها الحياة وتصدر عن قلب متأله.

قلتُ: أيها الشيخ، إني لشاكر لك على كل شيء صلِّ من أجلي ومن أجل أصدقائي ومن أجل أبنائي الروحيين وأهلي. صلّ… أجل صلِّ أيها الكاهن القديس من أجل العالم كله لأنك في أعلى موقع منه نحو السماء… صلِّ أيها الشيخ فأنت أنبل إنسان في البشرية. صلِّ لأنك كنز للأرثوذكسية لا يثمّن، محفوظ في مجموعة كنوز الجبل المقدّس (آثوس) شأنه شأن آخرين كثيرين. صلِّ، أجل صلِّ من أجلنا نحن الخطأة. فأنت الحية النحاسية التي رُفعت في البريَّة ونحن الخطأة الذين لسعتهم أفعى الخطيئة وإننا لنلقي بصرنا عليك فنشفى. إنك النبي موسى لنا. ترفع يديك من أعالي الجبل في موقف صلاة ونحن تحت ننتصر على العدو. فلا تُخفضْ يديك لئلا تسحقنا قوة الشيطان عدونا. أجل، صلِّ أيها الشيخ…

– ليرحمني الله يا ولدي.

– باركوا.

– ليبارك الربُ. وإني أنتظر مجيئك إليَّ في السنة القادمة…

فيما كنتُ نازلاً من الجبل إلى الشاطئ لأركب القارب كنت أشبه بعصفور ذي أجنحة كثيرة وبالنبي إيليا حامل النار. وقد توقّف منطقي أما قلبي فكان مشتعلاً. إنه كان يطير. وبدون أن أدرك جيداً ما يدور من حولي أخذتُ أرنم بعض عبارات من الخدمة الدينية ألّفها الآثوسي المميّز القديس نيقوذيموس الأغيوريتي للآباء القديسين الأغيوريتيين (الذين عاشوا في جبل آثوس)جاء فيها: “من يحدّث عن جهاداتكم أيها الآباء المغبوطون؟ ومن يترنم وينشد كما بإنجازاتكم الممتازة في الرياضات التي قمتم بها هنا؟ أيمدح ما لكم من صفاء العقل؟ أم ديمومة الصلاة بلا انقطاع؟ أم يتغنى باستشهاد الوجدان المجهد من أجل الفضيلة؟ أم يذكر المجاهدات ضد الأهواء؟ أم سهركم واقفين طوال الليل مصلّين؟ أم يُثني على عبراتكم المنهمرة على الدوام؟ وهل يمدحكم كشراع تعمل في الخفاء؟ أو يلهج بما لكم من اتضاع الفكر؟ أو يعدد انتصاراتكم الباهرة على الشياطين؟… يا قافلة المواهب، أيتها الجموع، جموع الأبرار المتقدسة المحبوبة لدى الله، ويا أيها النحل الذي جمعه الله في مغاور وكهوف الجبل المقدّس (آثوس) يصنع العسل الكلي الحلاوة، عسل الهدوء، في خلايا عقلية يا طيوب الثالوث ومباهج والدة الإله ومفاخر آثوس وموضع تعظيم المسكونة وإجلالها، تشفعوا إلى الربّ لكي يرحم نفوسنا”.

يا ربي يسوع المسيح، ابن الله، بشفاعات قديسيك، ارحمني أنا الخاطئ.

يا والدة الإله الفائقة القداسة خلّصيني.

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
arArabic
انتقل إلى أعلى