文本:
1 اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ. 2 فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا. 3 الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضاً شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ الآبِ وَمَعَ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. 4 وَنَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً.
5 وَهذَا هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْهُ وَنُخْبِرُكُمْ بِهِ: إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ. 6 إِنْ قُلْنَا: إِنَّ لَنَا شَرِكَةً مَعَهُ وَسَلَكْنَا فِي الظُّلْمَةِ، نَكْذِبُ وَلَسْنَا نَعْمَلُ الْحَقَّ. 7 وَلكِنْ إِنْ سَلَكْنَا فِي النُّورِ كَمَا هُوَ فِي النُّورِ، فَلَنَا شَرِكَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ، وَدَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ.
说明:
في رسالتي يوحنا الأولى والثانية يواجه الكاتب فرقة كانت تقول بأن يسوع المسيح ظهر في العالم، ولكن جسده لم يكن جسداً مادياً، حقيقياً، بل شُبِّه لناظريه ان له جسداً. وهذا هو بالضبط ما يواجهه الانجيل الرابع بتشديده على ان الكلمة الذي كان في البدء “صار جسداً، وحل فينا” (يوحنا 1: 14). الموضوع الاساسي الذي تعالجه الرسالة هو موضوع “الاله الحقيقي” والشركة معه، ازاء الاوثان. “الله نور وليس فيه ظلمة البتة”، الله محبة وبهذا فقط يُعرف. اساس معرفتنا لله والشركة معه، واساس البشرى نفسها، هو انه اعلن الحياة الابدية، “كلمة الحياة”، في ابنه. وهذا هو السبب للتشديد على الاعتراف بأن يسوع المسيح اتى “بالجسد”، لأن بهذا فقط تصبح معرفة الله والمشاركة في حياته ممكنة. “بيسوع المسيح البار”، وبمحبة الله الظاهرة فيه نلتقي الآب. هذه هي الحياة الابدية، وبهذا تتم غلبة العالم.
في هذه الرسالة ايضاً ترابط بين فكرة الانتصار على “رئيس هذا العالم”، الشيطان، وموت يسوع، ما جعل الرسالة قريبة من الانجيل الرابع الذي يتحدث في الموضوع عينه، ويتوسع فيه.
يتعاطى الكاتب مع الازمات التي تواجهها الكنيسة بروح اخروية، يفترض التفكير في الازمنة الاخيرة التي فيها شدة وضيق للمؤمنين، ولكن يسوع سينتصر وينجي الذين يثبتون الى المنتهى. هذه هي الساعة الاخيرة، يقول الكاتب، الساعة التي فيها يأتي المسيح الدجال، وهو كل من قال بأن يسوع لم يأت بالجسد. انكار التجسد هو نتيجة لانعدام الحب، والكراهية. هناك تفريق بين ابناء الله من جهة، وابناء الشيطان من جهة اخرى. العالم هو تحت سيطرة الشرير، مرتبط بالظلمة، والخطأ، والموت. اولاد الله مدعوون ان يمكثوا في هذا العالم حافظين وصية الحب.
“الذي كان في البدء”، هذه العبارة صدى لمقدمة انجيل يوحنا الذي يتكلم عن “الكلمة الذي كان في البدء عند الله، لكنها، اكثر من ذلك، اشارة الى كتاب التكوين الذي يصور الله انه، في البدء، اوجد العالم بكلامه. “الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته ايدينا من جهة كلمة الحياة”، هذه العبارات تشدد على المعاينة الشخصية، ولكنها ايضاً تشدد على ان هذه الخبرة الشخصية لا زال مفعولها قائماً في الكنيسة، وكأنها ابداً حاصلة. ليس المقصود بالمتكلم هنا الرسل الذين كانوا مع السيد، بل الشهادة الدائمة له، في الكنيسة، والتي تُحمل في كل جيل. هذه الشهادة المشتركة، هي شهادة على حياة يسوع وقيامته. ليس بالضرورة ان تكون الشهادة مؤسسة على العيان، بل القبول والايمان بأن يسوع مات وقام هي شهادة حقيقية على هذه الاحداث، وكأن المؤمن رآها بعينها، ولمسها. “كلمة الحياة” هنا لا تعني الكلمة-المسيح، بل كل اعلان الله منذ البدء. يتكلم الكاتب عن مقصد الله واعلانه الذي يجلب الحياة للبشر. اولئك الذين “سمعوا ورأوا نالوا، بحياة يسوع وموته وقيامته، المشاركة بحياة الله الابدية.
“الحياة الابدية التي كانت عند الآب” أعطيت للعالم بواسطة “الكلمة المتجسد”. احداث الانجيل تظهر هذه الحياة وتعلنها. تتوضح هذه الفكرة من خلال التشديد على “الشركة” كهدف للبشرى. “الشركة” التي تعني المشاركة المتبادلة والحميمية -شركة المؤمنين مع بعضهم البعض من جهة، ومع الآب وابنه يسوع المسيح من جهة اخرى- تستبق هنا الموضوع الاساسي الذي هو الحب، الذي به تحصل الشركة الحقيقية. ،تساعدنا ايضاً على فهم عبارة “كلمة الحياة” التي تشير خاصة الى اعلان محبة الله، التي تختبرها الكنيسة بشكل فعلي.
“وهذه هي البشرى التي سمعناها منه ونبشركم بها ان الله نور وليس فيه ظلمة البتة”، هذا المقطع يقيم تضاداً بين النور والظلمة، ويوازي التضاد بين الحق والكذب، وبين الحياة والموت الذي يظهر في مقاطع لاحقة من الرسالة. للنور رمزية كبرى في الاديان. نجد خلفية له في الكتابات اليهودية واليونانية. النور عطية لا تقدّر بثمن، وهو لا يعني الانارة والاعلان فقط، بل الطمأنينة والفرح. هناك معنى آخر للنور مرتبط بالانجيل، “اولاد النور” هم اولئك الذين يحيون حياة تتوافق مع الانجيل المعلن بيسوع.
يتكلم الكاتب عن الله انه نور كما يتكلم عنه انه محبة (2 :8، ويوحنا 1: 9)، ليس المقصود هنا تحديد طبيعة الله بالنور والمحبة، بل المراد من خلالهما التعبير عن اعلان الله نفسه للعالم بواسطة ابنه المتجسد. حياة الله تظهر في العالم “نوراً حقيقياً” بالتجسد. ومن لا يقبل التجسد يعيش في الظلمة. التشديد على ان “لا ظلمة فيه البتة” هو رد على من يقولون ان الشر يجد له مكاناً في النظام الالهي. الله ليس في شر ولا علاقة له بالشر. الشر هو في العالم الذي لا يقبل الله، ويسير في ظلمة، دون ان يدرك سبيله.
يدحض الكاتب ادعاءات من يقولون “ان لنا شركة معه”، “وان لا خطيئة لنا” وهم يسلكون في الظلمة، اي الخطيئة. يفهم المسيحيون الخلاص في احيان كثيرة انه “تحصيل حاصل”، ولا يشددون على مساهمتهم في الخلاص. يرفض كاتب الرسالة هذا ويقول ان السلوك في النور هو ان تكون تحت سلطة الحق، وان ترى كل شيء كما هو، اي ان ترى البر على انه بر، والخطيئة على انها خطيئة. لا يمكنك ان تكون خاطئاً وتدعي السلوك في النور. هذا كذب، وضد الحق. الجدية في التعامل مع هذه الامور، والمحبة الكاملة التي هي نور تجعلنا في شركة مع بعضنا البعض ومع الله. كلنا خاطئون، والخطيئة فينا مستمرة ما دمنا في هذا العالم. وحده يسوع، بدمه، اي بمحبته الكاملة لنا، التي عبّر عنها بموته، قادر ان يطهرنا من هذه الخطيئة. ان ندعي البر في حين اننا مجبولون بالخطيئة يعني اننا لا زلنا في الظلمة سائرين.
نقلاً عن نشرة رعيتي بتصرف
الأحد 8 أيار 1994 العدد 19