Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎

هذا النص مرحلة فقط. لم يحل المعضلة حلاً تاماً. لذلك مقابل انفصال النساطرة الذين يثنّون الأقنوم ويوهنون الاتحاد، أنتج التعصب لكيرللس الإسكندري بدعة أوطيخا (افتيشيوس). هذا الراهب القسطنطيني المتعصب لكيرللس ذهب إلى امتزاج الطبيعتين. حرمه مجمع القسطنطينية (العام 448). كان نفوذه على الخصي خريسافيوس النافذ الكلمة في القصر قاطعاً. دعا الأمبراطور إلى مجمع أفسس (1) (برئاسة ديوسقوروس الإسكندري) يمنع ثيوذوريتوس أسقف قورش من حضوره. ارتكب ديوسقوروس غلطته الكبرى. أراد أن يُقلد كيرللس فأساء التقليد. كيرللس لاهوتي كبير وعميق جداً. ولولا اندساس العبارات الأبولينارية عليه لما احتاجت الكنيسة ولاهوتيوها إلى الجهود المضنية ونكبات الدهر طيلة قرون. وكيرللس تبنّى الحقيقة، بتطرف فاحش وصارم، دون أن يخسر كل مرونته. فما أن بدت بوارق الانفتاح الأنطاكي حتى أسرع في تفهم المواقف والعبارات، وسعى إلى وحدة الكنيسة بخطى حثيثة. ديوسقوروس تبنى أوطيخا تبنياً أعمى. وضرب عرض الحائط برومية والقسطنطينية وسواهما. ولم يدم النصر المزور. مات الأمبراطور ثيودوسيوس الثاني وخلفته أخته بلخاريا (2) التي ضمت إليها ماركيانوس أمبراطوراً. فانعقد المجمع الرابع المسكوني في خلقيدونية قرب القسطنطينية في 8 / 10 / 451 وحضر من الكرسي الأنطاكي وفد كبير يناهز المائة. وأدرك ديوسقوروس أن أوطيخا مبتدع، ولكن بعد فوات الأوان. فكانت تصفية الحسابات شخصية، وبئس التصفية هذه التصفية (3).

أوطيخا مزج الطبيعتين بصورة كفرية فقال بطبيعة واحدة إلهية. المجمع الخلقيدوني تبنى التطورات اللاهوتية التي طرأت منذ ظهور بدعة نسطوريوس. فقد طغى تيار الآباء الكبادوكيين باسيليوس والغريغوريوسان إلى تحديد معانٍ جديدة للألفاظ اللاهوتية المتعلقة بالمسيح على غرار تحديداتهم لها في شأن الثالوث القدوس. وكان غريغوريوس اللاهوتي بطل هذا التيار في الأساس بخاصة في رسالته إلى كليدونيوس. فجاء تحديد المجمع الرابع تكملة طبيعية لرسالة المصالحة كما يرى المطالع لكلا النصين في مكان آخر من هذا الباب. إلا أن هذا المجمع أبدى إلحاحه الزائد على وحدة يسوع وعلى وحدة أقنومه. وجعل لفظة “شخص” مرادفة للفظة أقنوم. وقال مثل غريغوريوس اللاهوتي وايسيدوروس الفرمي وبروكلوس القسطنطينية ولاون ورمية بأقنوم واحد في طبيعتين (4). وحُرم أوطيخا وديوسقوروس. وكان حرم الأخير تسرعاً كبيراً، لأن البحث أثبت أن الخلاف شخصي لا عقائدي (5) كما ذكرنا في مكان آخر. ولم يكن في الصف الأرثوذكسي أنذاك خليفةً لكيرللس يلجأ إلى الحكمة بدلاً من التشفي. ومصر كتلة واحدة وراء رئيسها سواء كان فرعوناً أم بطريركاً. وكان في أيام كيرللس قد قوي جداً الاستقلال الكنسي والسياسي لبطريرك مصر. انثنت مصر على نفسها وراء أسقفها. وغالت في الأنزواء حتى تحول الأنزواء إلى انطواء وانفصال ديني – سياسي – قومي – لغوي. وليس الأمر بطارئ في تاريخ مصر. فردة فعلها على الصدمات القاسية التي تأتيها من الشرق كانت مراراً في التاريخ انطواءً صبوراً.  أما في مشرقنا فحمي وطيس الصراع والنقاش. وفي الفترات الساخنة من التاريخ كان دوماً لمصر فيه أنصار وأصدقاء. فالأوفياء لذكرى كيرللس كثيرون (6).

مصر تقلصت على نفسها تجترّ أقوال كيرللس حرفياً دون غوصٍ إلى مابعد حرفيّة أقواله ودون تفريق بين ماقاله قبل المصالحة وبعدها (7). لذلك جاءت عباراتها اللاهوتية مشابهة تماماً للعبارات الأبولينارية: أقنوم واحد، طبيعة واحدة، مشيئة واحدة.

إلا أن المضمون غير أبوليناري. المضمون أرثوذكسي لأن كيرللس قال بوجود روح في ناسوت يسوع بأن يسوع إله كامل وإنسان كامل.

القائلون بالطبيعة الواحدة (وقد اندس عليهم أبوليناريون) (داليس…و 289) كما اندس علينا نسطوريون (مايندورف 44). اعتبروا مجمع خلقيدونية انتصاراً نسطورياً. واستمروا دهراً يحكمون على الأرثوذكس بمنظارهم الشخصي. لم يهتدوا إلى ارتداء منظاراً ليفهموا رأينا، المجمع المسكوني الرابع قام بانقلاب جذري في استعمال الألفاظ اليونانية، فأنقذها من الغموض والابهام والالتباس. وفي موضع آخر من هذا الكتاب تعرضنا بدقة للموضوع. فبينما استعمل نسطوريوس لفظة “شخص” في اليونانية بالمعنى الوارد في المعاجم (أي “وجه”، “قناع”، “مظهر”، “دور”،…) قال المجمع:

  1. بترادف لفظتي “أقنوم” و”شخص”. فليس ليسوع أقنومان وثلاثة أشخاص كما قال نسطوريوس.
  2. بأن يسوع أقنوم واحد في طبيعتين كاملتين.
  3. بإبطال الترادف بين لفظتي “أقنوم” و”طبيعة” في اليونانية.

فجعل لفظة أقنوم ولفظة شخص ذات معنى واحد، وصرف لفظة طبيعة لتعني جوهر الناسوت أو اللاهوت. فالأرثوذكس مثلاً يرفضون اليوم رفضاً قاطعاً كفرياً أن يقول أحدهم أن ليسوع أقنومين أو أن يسوع واحد تألف من أقنومين. القول أن له أقنومين يعني لنا أنه اثنان لا واحد. والقول أنه تألف من أقنومين يعني أن الطبيعة البشرية أقنوم. وتأليف واحد من شخصين مستحيل لأن الشخص غير قابل للاتحاد التام مع شخص آخر. هذا فضلاً عن أن الطبيعة البشرية لم تكن موجودة قبل البشارة لتدخل عنصراً في التأليف. ولا نقبل أن يُقال أن يسوع كان اثنين قبل الاتحاد ثم صار واحداً بعده لأن الأقنوم الإلهي وحده كان موجوداً قبل التجسد. وفي التجسد أخذ من العذراء ناسوته وضمه إليه.

في مصر كان الصراع محدوداً في الزمان والمكان لأنها اختارت الانفصال فبقى الأرثوذكس (8) نسبة محدودة حتى يومنا هذا. في القسم الشرقي من المتوسط حمي الوطيس. الفردية وعدم الاستقرار واختلال التوازن وتبدل المواقف أمراض عريقة في سوريا. لذلك يرتكب خطأ، الكتبة الذين يتوهمون أن سوريا خسرت في معركة أفسس. خلقيدونية وماتلاها حتى اليوم أثبتا أنها قادرة دوماً على التمزق أحزاباً وشيعاً ومذاهب إنما يبقى فيها للخط القويم أنصار عديدون جداً. قد لا يكونون أهل مغامرة وديناميكية ونضال مرير إلا أنهم أهل صمود (9). شهرة مصر قامت على مدينة الإسكندرية. أما المدن السورية فكانت قلاعاً للثقافة والفكر. مصر تقف صفاً واحداً وراء رئيسها. السوريون مشاكسون عشاق للانقسام والتباين (10). شكري القوتلي عبّر عن فهم عميق لما قال لعبد الناصر: “… شعباً كل من فيه يعتقد بأنه سياسي و50% منه يعتقدون بأنهم زعماء و25% منه بأنهم أنبياء و10% منه بأنهم آلهة ومنهم من يعبد الله ومنهم من يعبد الشيطان…” (الأهرام 5 / 10 / 1961).

وأوردها تييري دي شاردان بعبارة قريبة في كتابه 100 مليون عربي وقال تشرشل في العام 1963: الشعب السوري لا يعرف كيف يحكم نفسه ولا يدع سواه يحكمه. وأذكر أن صديقاً قال لي منذ حوالي 30 عاماً: “الجنرال كوليه (المندوب الفرنسي في دمشق) قال: هذا الشعب السوري حيّرنا. يتحرك حين نحسب أنه لن يتحرك. وينام حين نحسب أنه سيتحرك”. كل هذا يدل على حيويته ونبوغه من جهة ولكن على صعوبة مراسه وتباين آرائه ومواقفه من جهة أخرى. وهذا مانسبته يوماً في فصل من كتاب ظهر بالفرنسية إلى نوعية من التناقض اللاشعوري – ambivalence (11). فنوعيته خاصة جداً. وتلعب الدور الرئيسي في تكوين الصعوبات الرئيسية في نفسية السوري ومواقفه مهما أعطته من جهة أخرى إمكانات للتفتح والبروز. ولسنا هنا في معرض تحليل نفسي وإنما أردت لفت النظر لفهم طبيعة القوى النفسية التي حركت تاريخنا في تلك الفترة الخطيرة المصيرية من تاريخنا.

ومع كل ماجرى بقيت أكثرية الكرسي الأنطاكي سوراً للأرثوذكسية كما قال المؤرخ الدقيق أرنست شتاين. وبقي الصراع داخلياً دون انقسام تام إلى كنيستين مستقلتين حتى العام 543 / 544. إنما قسا الأمر على الأرثوذكس بسبب مساندو زينون (رئيس جيش الشرق أولاً ثم الأمبراطور لاحقاً) بطرس القصار على قلب بطريركنا وتنصيب نفسه مكانه وتنصيب صديقه فيلوكسينوس كرسي منبج الهام. وخلع فاسيليسكوس زينون فترة، فشن فيها علينا اضطهاداً كبيراً. وهاد زينون معتدلاً حيناً لينصرف فيما بعد إلى مراعاة مصلحة الأمبراطورية في وحدتها على حساب العقيدة الخلقيدونية، فمال إليه الطرف الآخر وتعرضنا لنقماته. وخلفه أنسطاسيوس فأثرها فيما بعد حرباً شعواء. فخلع بطريركنا أنستاسيوس ونصب بدلاً منه سويروس أعمق لاهوتيي الفريق الآخر (512). وتمتع الثلاثة بديناميكية مذهلة حقاً، لا مثيل لها في بلادنا أيامهم. ربما كان كرسينا قد تعب طيلة قرنين من صراعات الأريوسية والأبولينارية والنسطورية والمونوفيزيية التي كان أرضها المختارة. فجاء غربا ثلاثة يذكون النار. فبطرس القصار كان راهبا في خلقيدونية قد ترك ديره فجاءنا مع زينون القادم رئيس جيش لجيش الشرق. وفلوكسينوس فارسي وسوري صرف يجهل اليونانية. وسويروس من بيسيدية تعلم في الإسكندرية وبيروت واهتدى في بيروت وتنصر في طرابلس. وفي العام 543 / 544 شق يعقوب البرادعي الكنيسة واقام إكليروساً منفصلاً (12). وكان ذا ديناميكية مذهلة حقاً. إلا أنها لم تصل إلى حد رسامة مائة ألف شخص كما زعم البعض. فالمؤرخون السريان مغالون كما نرى من هذه الحادثة ومن حادثة الادعاء أن يوحنا تلة رسم 170 ألفاً وأن بابا رومية أغاثون رشى الأمبراطور قسطنطين بمبالغ خرافية من الذهب (13) لأجل المجمع السادس المسكوني (680). فسكان سوريا الطبيعية قبل الفتح العربي (14) كانوا 5 ملايين بحسب تقدير قاموس التاريخ والجغرافيا الكنسيين الفرنسي (المجلد 3، العامود 613) فهل يحتملون مثل هذا العدد من رجال الدين؟ وفي (سوريا) سارت الأمور نحو التباين اللغوي والعرقي. ففي العام 363 أسس القديس أفرام الرها (15) (أديسا قديماً) مدرسة لترجمة التراث اليوناني. مدرستا الرها ونصيبين أنعشتا اللغة السريانية وأدابها ونقلتا التراث اليوناني إلى فارس ثم العرب. ومن نوافل الكلام أن النهضة الأدبية تجر وراءها النهضة القومية. إلا أن أكثرية سكان الرها بقوا أرثوذكساً قبل الفتح العربي كما يبين من المخطوط المرسوم في كتاب ديسيليه (ص 16).

وبدلاً من النقاش الديني بين الجيل الأول تحول النقاش إلى الإنكماش القومي. وهكذا انشطرت سوريا بنسبة لا بأس بها. إلا أنها بقيت سور الأرثوذكسية (16) حتى ضربها زينون فنصّب بطرس القصار أسقفاً عليها في النصف الثاني من القرن الخامس. ومع ذلك تم إسقاطه مراراً وعاد إلى السدة 4 مرات. وكان أصحاب أي قسط من الثقافة في غربي الفرات يعرفون اليونانية. فالمتآخون في الأرثوذكسية من الناطقين فقط بالسريانية أو المثقفين باليونانية بقوا على أرثوذكسيتهم. ولا صحة لزعم الزاعمين أن المتيونينين (أي المثقفين يونانياً) وحدهم كانوا أرثوذكسيين. فمعجم التاريخ والجغرافيا المذكور نفى ذلك قطعاً. فقال أن العنصر اليوناني في سوريا كان موظفين إداريين وعسكر وتجار. ولكن في الحيرة وشرقها انحاز الناس بأغلبيتهم إلى النسطورية بينما انتشرت اليعقوبية في غربي الفرات وحوله. طبعاً لم تكن القسمة تامة. بقي للأرثوذكس في العراق رئيس ديني يلقب بالكاثوليكوس وكان فيه يعاقبة. أما الأرمن والأحباش فانضموا إلى اليعقوبية (17).


(1) المجمع اللصوصي، أفسس 449. وقد تم منع خصوم أوطيخا، أي أعضاء المجمع القسطنطيني الذي أدان أوطيخا، من التصويت في هذا المجمع… (الشبكة)

(2) لا يتوانى أصحاب الطبيعة الواحدة في الطعن في القديسة بوليخارية. محتجين بأنها نكست نذر البتولية. إلا أن ما يخفونه عادة هو أن زوجة الأمبراطور ثيودوسيوس هي التي سعت إلى الأمبراطور لكي يرسل أخته إلى الدير. أما القديسة بوليخارية فقد كانت نذرت البتولية إلا أنها بقيت في القصر. وعندما اشتد الضغط على الكنيسة الأرثوذكسية عادت للقصر، ومن ثم تزوجت من قائد الجيش مركيانوس مشترطةً عليه أن يكون زواجهما حتى يشاركها الحكم فقط. أي لم تنقض بتوليتها وإنما فقط تزوجت شكلياً…. (الشبكة)

(3) {نعم كان هناك نوعاً من أنواع تصفية الحسابات، بسبب المهازل التي ارتكبها ديسقوروس الإسكندري والتي كانت كافية لوحدها حتى يستوجب ديسقوروس القطع (راجع الحاشية رقم 5 أيضاً). لكن هل كانت فقط تصفية حسابات؟

يقول الأب تادرس يعقوب ملطي، الاصطلاحان طبيعة وأقنوم، ص 20، مقتبساً قولين لديسقوروس الإسكندري، قائلاً:

  • أعرف تماماً أنه ولد من الآب بكونه الله، وفي نفس الوقت ولد من مريم كإنسان.
  • رأه الناس ماشياً على الأرض، ورأوه خالق القوات السمائية بكونه الله.

لو دققنا في أقوال ديسقوروس هنا، سنجد أنه عندما يتحدث عن لاهوت المسيح، فهو يتحدث صراحة عن الطبيعة الإلهية في المسيح. ولكن عندما يتحدث عن ناسوت المسيح فلا نرَ فيه نفس الصراحة. والقول الثاني لا يأتِ أبداً على ناسوت المسيح مع أنه يشدد على لاهوته.

وهذا يشرح أكثر ماورد في:الأب حنانيا كساب، مجموعة الشرع الكنسي، ص 377، ناسباً القول لديسقوروس: أقبل الذي من الاثنين ولا اقبل الاثنين. إنني مضطر أن أكون جسوراً لأن القضية تمس أعماق نفسي.}… (الشبكة)

(4) أثناسيوس قال في رسالته إلى ابيكتوس (9): “ألوهة واحدة معروفة في الثالوث”. إلا أن غريغورويوس اللاهوتي توسع في الأمر حتى صار كلامه (سُنّة) سار عليه اللاحقون قنقل عبارة اللاهوت إلى المتجسد.

(5){لا يمكن اقتطاع هذا السطر من سياقه التاريخ. فكما قلنا في المقدمة أن هذا الكتاب كُتب في أوج المحادثات بين الكنيسة الأرثوذكسية والكنائس اللاخلقيدونية، والتي كان يعوّل عليها كثيراً في عودة الشراكة. وبالتالي فإن الشماس حينذاك لم يرغب في أن “يسبح” عكس التيار. إلا أن نفس الكاتب، أي الشماس اسبيرو جبور، كتب في سنة 2005، بعد أن استبان عدم جدية ومنفعة هذه الحورات نراه يقول في كتاب سألتني فأجبتك التالي:

“حدَّد المجمع (أي الخلقيدوني) الإيمان الأرثوذكسي: أقنوم يسوع اتخذ من العذراء والدة الإله طبيعة بشرية ضمَّها إلى أقنومه الإلهي: أقنوم واحد في طبيعتيين (راجع سر التدبير الإلهي للأب الشماس اسبيرو جبور).
الصيغة مستعارة من رسالة المصالحة التي أنشأها ثيئوذوريتوس ووقعها كيرلس الإسكندري، ومن غريغوريوس اللاهوتي وايسيدوروس الفرمي الأب الروحي لكيرلس، ومن أثناثيوس الكبير وسواهم.
رفضها ديوسقوروس ومشايعوه متمسكين بعبارة منسوبة لأثناثيوس الكبير استعملها كيرلس: “طبيعة واحدة متجسدة لكلمة الله”.(انتهى الاقتباس)

وفي الجلسة الأولى للمجمع، طُلب من ديوسقوروس أن يعترف بإيمانه فقال: أقبل الذي من اثنين ولا أقبل الاثنين. إنني مضطر أن أكون جسوراً لأن القضية تمس أعماق نفسي.

كما أنه قام في المجمع اللصوصي بتغيير قانون المجمع المسكوني الثاني وأنزل القسطنطينية للمرتبة الخامسة وأحلّ مكانها الإسكندرية.

وتقول السيدة أ.ل. بتشر، بعد أن طلب الأساقفة إلى ديسقوروس ألا يحرم قلافيان: [حينئذ نهض ديسقوروس نهضة الأسد عن عريته وصعد على درج عرش الرئاسة وشخص في الحضور فساد السكوت والهدوء فقال يخاطب الأعضاء: “اسمعوا يا هؤلاء إن الذي يتوقف منكم عن التوقيع على الحكم على فلافيان فيكون له معي شأن آخر. إنني لا زلت أنادي بحرم فلافيان وشجبه ولو شد لساني من عنقي. أما إذا كنتم عوّلتم على الثورة فهذا ليس في طوقكم ولا يستطيع حتى أمراؤكم إتيانه“. وبينما كان ديسوقوروس يتلو هذه الأقوال إذ سمع رهط برسوم ضجة في الداخل فلم يجدوا إلى التصبر والتبصر سبيلاً بل اندفعوا إلى الكنيسة كالسيل العرم ومعهم خليط من الجنود والرهبان وخدمة الكنيسة “القندلفتية” وعدد من الزعانف والحرافيش وأخذوا يصيحون ويضجون (…) ويصرخون ثم عمدوا إلى المضاربة والملاكمة… ولم يكتفوا بهذا كله بل تعدوا على فلافيان وأوسعوه ضرباً وإهانة ورموه تحت أقدامهم وداسوه بأرجلهم وكان برسوم يشجعهم على عملها هذا ويحرضهم على قتل ذلك البطريرك اليائس طعنا بالمدى والحراب. وقد خاف الأساقفة أعضاء المجمع على أنفسهم فأجابوا كل طب (…) إياه ولم يتأخروا عن شيء خوفاً على حياتهم حتى أنهم أمضوا ورقة بيضاء كتب عليها بعد ذلك الحرمان ضد فلافيان…. وقد أثرت الضربات واللكمات في فلافيان تأثيراً شديداً فمات على أثرها.

وتقول في الحاشية رقم 1 صفحة 47: …. أما الهياج الذي حدث ضد فلافيان فكل واحد يعلم أن ديوسقوروس هو الذي أوجده وأن اللوم فيه واقع عليه. (تاريخ الأمة القبطية، المجلد الثاني، ص 47-48)…]

وقد قام ديسقوروس بعقد مجمع محلي في الإسكندرية بعد مجمع القسطنطينية 448، الذي أدان أوطيخا، وبرأ أوطيخا. وهذا بحد ذاته يعتبر أيضاً تعدي على القانون الكنسي. إذ لا يستطيع أسقف أبرشية أن يقوم برفع الحرم عن شخص لا يتبع لأبرشيته فضلاً عن كرسيه. ونرى في التاريخ أن القديس يوحنا الذهبي الفم لم يرضَ أن يقوم برفع الحرم عن الأخوة الطوال الذين حرمهم ثيوفيلوس بطريرك الإسكندرية، مع أن القسطنطينية بحسب ترتيب الكراسي تأتي قبل الإسكندرية.

وبالتالي إن كان هناك دوافع شخصية، فهي بالأساس ردة فعل على الأفعال والتصرفات الغوغائية-البربرية التي قام بها ديسقوروس: قتل بشكل غير مباشر، تعدي على القانون، استبداد، عدم احترام الأساقفة، فرض التوقيع، التهديد بقوة الدولة، فضلاً عن رفضه للإيمان الأرثوذكسي المُعلن في خلقيدونية….} (الشبكة)

(6) من مطالعة رسائل ثيوذوريتوس أسقف قورش يلمس المر تمرمره من الوشاة الذين يَشون به لدى الإسكندرية والقسطنطينية، ومن المتقلبين المتذبذبين،ومن المنافقين المدجلين. وهو مثقف حلو الشخصية وجذابها. وفكر مراراً بالعودة إلى الدير قرفاً.

(7) لأنهم اتهموا القديس كيرلس بالنسطورية، وهذا ما سنوضحه لاحقاً في حواشي هذا الكتاب… (الشبكة)

(8) أي في مصر. تفضل بزيارة الموقع الإلكتروني لكرسي كنيسة الإسكندرية الأرثوذكسية

(9) قاموس التاريخ والجغرافيا الفرنسي شهد لنا (3: 588) ورنسمان الانكليزي يقدرنا عميقاً.

(10) دبون سومر، تاريخ الآراميين، ص 48

(11) Jaques Berque, I’Ambivalence…

(12) مع أن المنادة بعقيدة الطبيعة الواحدة قويت أولاً في مصر، إلا أننا نرى أن الأنطاكيين هم الذين وضعوا قواعد هذه العقيدة واسسوا كنائسها. وهذا ما يؤكد قول الشماس عن السوريين… (الشبكة)

(13) أي مايعادل بأسعار اليوم [ما قبل سنة 1980] أكثر من مليار ليرة لبنانية. فهل هذا معقول في ذلك الزمن.

(14) “الفتح” كلمة إسلامية مرادفة لكلمة “الغزو”، “الاستعمار”، “الاحتلال”. وتزيد على معاني هذه الكلمات بأنها “استطيانية” أي تُغير معالم البلد الذي احتلته وتوطن شعبها القادم وتعمل على تغيير قومية الشعب المحتل في هذه الدول، على عكس، مثلاً، الاحتلال الروماني في الزمان الغابر الذي كان يُبقي على حضارة، ثقافة واسم الشعوب. أو الاستعمار الحديث الذي يرغب فقط في السيطرة على الثروات دون أن يسعى للاستيطان فيما عدا كيان واحد يمارس الاستيطان الآن وهو الكيان الصهيوني… (الشبكة)

(15) أي أورفا. تقع اليوم في تركيا. إلى الشرق ها في تركيا قرب نصيبين قرب دمشق.

(16) هذا رأي شتاين. وأستغرب قول مايندورف أن لاون بابا روما كان خشبة خلاص اللاهوتيين الأنطاكيين من خطر الهبوط تحت ضغط موجة المونوفيزيتية (القول بالطبيعة الواحدة).

فأنصار أفتيشيوس قليلون رغم مساندة القصر. وكان أسقف أنطاكية دومنوس ضده. ولم يستطيعوا النيل من أحد إلا عن طريق السلطة المدنية. هذا فضلاً عن أن أساقفة روما والقسطنطينية وأنطاكية كانوا ضد أوطيخا. وفشلت السلطة كالعادة بالرغم من الأساليب الزوراء. وما طال الأمر فانقشع الغيم ووفد الأنطاكيون إلى خلقيدونية بحوالي 130 مندوباً بينما كانوا 15 في أفسس 449 مشمولين بمضايقات السلطة (راجع فليش 4: 213-224). طبعاً دور لاون كان عظيماً.

(17) راجع الرقمين 7 و 8 في ثبت المصادر.

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF

معلومات حول الصفحة

عناوين الصفحة

محتويات القسم

الوسوم

arArabic
انتقل إلى أعلى