في تفسير هذه المقاطع التي تشير إلى حكمة الله، يعلّم آباء الكنيسة أنّها بوضوح تدور حول المسيح. لن أورِد كل المقاطع، بل الأكثر دلالة منها فقط.
رداً على آريوس، الذي قال أن المسيح كان خليقة الله وتقدّم مع مرور الزمن في الحكمة والنعمة، قال القديس أثناسيوس الكبير أنّه ليس هناك تقدّم في اللوغوس ولا الجسد الذي اتخذه المسيح كان الحكمة، بل كان جسد الحكمة. لهذا يقول أن الحكمة لم تتكمّل لأنها الحكمة، بل الجسد البشري صار كاملاً في الحكمة. هذا يرتبط بما قلناه في مكان آخر بأن الحكمة التي في المسيح استبانَت مع التقدّم في عمره الجسدي. وعند نقطة أخرى، يقول بطل الأرثوذكسية العظيم، القديس أثناسيوس الكبير، أنّ ابن الله هو كلمة الله وهو الحكمة. إنّه التعقّل والإرادة الحيّة، وفيه إرادة الآب، هو حق الآب ونوره وقدرته. في تفسيره كلمات الأمثال “الحكمة بنت لنفسها بيتاً”، يقول أنّ هذه تشير أيضاً إلى المسيحيين الذين يصبحون هياكلاً للروح القدس. أخيراً، في كتابته ضد أريوس الذي شدّد على مخلوقيّة كمة الله، يشير القديس أثناسيوس مرات عديدة إلى أقوال الرسول بولس بأن المسيح هو حكمة الله المتجسدة.
يستعمل القديس باسيليوس الكبير، في جهاده ضد أفنوميوس، القول الرسولي بأن المسيح هو حكمة الله، فيقول أن هذه الجملة تعني أن كل قوة الآب تكمن في المسيح، وبالتالي كلّ ما يفعله الآب يفعله الابن بالطريقة نفسها.
يفسّر الآباء المقاطع الصوفيولوجية في الكتاب ضمن هذا المنظور. يتحدّث القديس كيرللس الأورشليمي عن “حكمة الله وقوته وبرّه المتجسّد”. يقول القديس أبيفانيوس: “حكمة الآب هو كلمة الله المتجسّد”. في إشارته إلى العذراء، يقول القديس يوحنا الدمشقي “والكلمة المتجسّد وحكمة الله، ابن الله، ظلّلها”. وفي إشارة إلى والدة الإله، يقول صوفرونيوس الأورشليمي “التي وحدها حملت حكمة الله المتجسّد في بطنها”. ولديديموس الأعمى قولٌٌ مهمّ في أنّه “يستحيل اقتناء النور إلاّ من النور، كذلك أيضاً يستحيل اقتناء الحكمة إلاّ من الحكيم، أي الابن من الآب”.
هذه الأمور ليست صوفيولوجيا مجردة تدور حول حكمة مجهولة، ولا هي حتى شيء يشير إلى قوة الله، بل حكمة الله المتجدة أي ابن الله وكلمته. في العهد القديم نبوءات عن تجسد الكلمة غير المتجسّد، وفي العهد الجديد امتداح له وتمجيد وحياة.