النّبوءة في العهد القديم

النبوءة في العهد القديم هي وحي مباشر من اللّه موجَّه إلى العالم بألسنة الأنبياء. والأنبياء ليسوا فقط أولئك الذين لهم أسفار خاصّة بأسمائهم، بل أيضاً الذين ساهموا في تاريخ الخلاص كموسى وإيليّا وناثان وداود وغيرهم. وقد تنبّأ هؤلاء الأنبياء بنبوءات كثيرة منها ما يختصّ بتاريخ شعب إسرائيل ومصيره أو بتاريخ البشريّة كلّها ومصيرها. وبشكل عام، نبّهت النبوءات على ما سيفعله اللّه إذا استمرّ الشعب بالابتعاد عنه وبعدم الإخلاص له. كما أشارت في معظمها الى المآسي التي ستضرب الأثمة، ولكنّها شددت من ناحية أخرى على رحمة اللّه وغفرانه، مؤكدة ان الله يبقى أمينا على عهوده.

الموضوع الآخر الذي تتناوله كل النبوءات هو مجيء المسيح الذي كان ينتظره الشعب. والمسيح، بحسب هذه النبوءات، هو آخر الأنبياء، ذاك الذي يفتتح عصراً جديداً يكون فيه كلُّ المؤمنين باسمه شعباً نبياً، بمعنى أن كل المنتمين إليه هم مسؤولون عن كلمة الله وعن نقل مشيئة الله الى العالم. وقد تجسد ابن الله وصار إنساناً وافتتح بدمه على الصليب هذا العصر، وأضحت الكنيسة، أي جماعة المؤمنين، هي مكان النبوءة.

الكلام عن المسيح في العهد الجديد بأنّه النبي المنتَظَر كثير، فالإنجيلي يوحنا بعد سرده حادثة تكثير الخبز يقول: “فلمّا رأى الناس الآية التي أتى بها يسوع، قالوا حقاً هذا هو النبي الآتي الى العالم” (6: 14). لكن الناس لم تكن تعي بعدُ معنى رسالة المسيح، ذلك أنهم كانوا ينتظرون نبيّا يتزعم حركة قومية ليردَّ المُلْكَ لإسرائيل. وعندما حدّثهم يسوع بأنه سيُسلَم الى الموت وبأنه لن يقيم مُلْكاً أرضياً بل أتى يدعو الناس الى التوبة، “ارتد عندئذ كثير من تلاميذه وانقطعوا عن السير معه” (يوحنا 6: 66).

كما يذكر بطرس الرسول في خطبته أمام الشعب في باحة الهيكل بأن المسيح الذي قتله اليهود ليس سوى النبيّ المنتظَر الذي تحدّث عنه موسى، فيقول: “فلقد قال موسى: سيقيم الرب إلهكم من بين إخوتكم نبيّاً مثلي، فإليه أصغوا في جميع ما يقول لكم، ومن لم يستمع لذلك النبي، يُستأصل من بين الشعب” (أعمال الرسل 3: 22-23). ولكن لم يخطر ببال موسى أو الأنبياء الذين رددوا قوله من بعده، أن ذاك النبي المنتَظَر سيكون ابن الله نفسه أو كلمة اللّه المتجسد.

كون المسيح كلمة الله المتجسد هو تحقيق للنبوءات التي أشارت الى أن الله سيتكلم مباشرة الى كل الناس، كما ورد في سفر إشعياء النبي الذي يقارن الشعب بزوجة، فيقول: “هنيهة هجرتُكِ، وبمراحم عظيمة أضمّكِ. في سورة غضب حجبتُ وجهي عنكِ لحظة، وبرأفة أبدية أرحمك” (إشعياء 54: 7-8). ويقول إرمياء النبي في صدد العهد الجديد الذي سوف يقيمه الله مع شعبه: “لا يعلّم بعدُ كلّ واحد قريبه وكلّ واحد أخاه قائلاً: اعرفِ الرب، لأن جميعهم سيعرفونني من صغيرهم الى كبيرهم، يقول الرب، لأني سأغفر إثمهم ولن أَذْكر خطيئتهم من بعد” (إرمياء 31: 34).

على رأس المواهب التي عدّدها الرسول بولس تأتي موهبة التنبؤ: “اسعوا الى المحبة واطمحوا الى مواهب الروح، ولا سيما النبوءة” (1كورنثوس 14: 1). الروح القدس هو الذي يوزع المواهب والعطايا، وهو الذي يتكلم في المؤمنين الذين يعانون الاضطهادات ويثبتون في إيمانهم: “فلستم انتم المتكلمين بل روح أبيكم يتكلم بلسانكم” (متّى 10: 19)، وهو الذي يجعل كل مؤمن يتنبأ إذا أخلص الإيمان: “وعلى عبيدي وإماني أُفيضُ من روحي في تلك الأيام فيتنبأون” (أعمال الرسل 2: 18).

النبوءة لا تعني إذاً التنبوء بالمستقبل، النبي هو من يتكلم بإلهام من الروح القدس ويكشف عن سر تدبير الله ومشيئته في الظرف الحاضر. نحن كلّنا مدعوون الى ان نكون أنبياء، وهذا نصيره بفضل يسوع المسيح الذي أتاح لنا أن نكون أبناء اللّه لأنه ابن الله، الذي اتاح لنا ان نصير ورثة معه في الملكوت لأنه الوارث، وهكذا نصير أنبياء لأنّه النبي. النبوءة تبدأ بتحقيق مشيئة الله، هذا يعني ان نجعل صلاة “أبانا” التي علّمنا إياها الرب يسوع واقعا حقيقيا وبخاصة عندما نقول: “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”، فنعمل لتحقيق مشيئته هو لا مشيئاتنا.

عن نشرة رعيتي 1998

arArabic
انتقل إلى أعلى