04- غلاطية 1: 11-19 – بولس رسول المسيح

النص:

11 وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الإِنْجِيلَ الَّذِي بَشَّرْتُ بِهِ، أَنَّهُ لَيْسَ بِحَسَبِ إِنْسَانٍ. 12 لأَنِّي لَمْ أَقْبَلْهُ مِنْ عِنْدِ إِنْسَانٍ وَلاَ عُلِّمْتُهُ. بَلْ بِإِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. 13 فَإِنَّكُمْ سَمِعْتُمْ بِسِيرَتِي قَبْلاً فِي الدِّيَانَةِ الْيَهُودِيَّةِ، أَنِّي كُنْتُ أَضْطَهِدُ كَنِيسَةَ اللهِ بِإِفْرَاطٍ وَأُتْلِفُهَا. 14 وَكُنْتُ أَتَقَدَّمُ فِي الدِّيَانَةِ الْيَهُودِيَّةِ عَلَى كَثِيرِينَ مِنْ أَتْرَابِي فِي جِنْسِي، إِذْ كُنْتُ أَوْفَرَ غَيْرَةً فِي تَقْلِيدَاتِ آبَائِي. 15 وَلكِنْ لَمَّا سَرَّ اللهَ الَّذِي أَفْرَزَنِي مِنْ بَطْنِ أُمِّي، وَدَعَانِي بِنِعْمَتِهِ 16 أَنْ يُعْلِنَ ابْنَهُ فِيَّ لأُبَشِّرَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، لِلْوَقْتِ لَمْ أَسْتَشِرْ لَحْماً وَدَماً 17 وَلاَ صَعِدْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، إِلَى الرُّسُلِ الَّذِينَ قَبْلِي، بَلِ انْطَلَقْتُ إِلَى الْعَرَبِيَّةِ، ثُمَّ رَجَعْتُ أَيْضاً إِلَى دِمَشْقَ. 18 ثُمَّ بَعْدَ ثَلاَثِ سِنِينَ صَعِدْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ لأَتَعَرَّفَ بِبُطْرُسَ، فَمَكَثْتُ عِنْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً. 19 وَلكِنَّنِي لَمْ أَرَ غَيْرَهُ مِنَ الرُّسُلِ إِلاَّ يَعْقُوبَ أَخَا الرَّبِّ.

الشرح:

مسيحيون من أصل يهودي، متمسكون بالناموس، أتوا الى كنيسة غلاطية ذات الأصل الوثني، وأخذوا ينادون بحفظ شعائر الناموس وأهمها الختان، قائلين ان بشارة بولس ناقصة وانه ليس برسول كونه لم يعرف الرب ولم يرافقه مع تلاميذه الإثني عشر. دحض الرسول بولس هذه الادعاءات وبرهن ان رسوليته لا تختلف عن رسولية الاثني عشر لأن مصدرها الرب يسوع المسيح القائم من بين الأموات.

“الإنجيل الذي بشرت به … هو بإعلان يسوع المسيح” اي الكلام الذي بشرتكم به هو بطبيعته الهي ويأتي مباشرة من مصدر الهي، هو انجيل المسيح، في حين ان المتهودين يأتون بكلام بشري ويريدون ان يحولوا انجيل المسيح (انظر غلاطية 1 : 7). “لم اتسلمه او اتعلمه من انسان” اي لم اتتلمذ على يد أحد من الناس ولا حتى على أيدي الاثني عشر.

“سمعتم بسيرتي قديما في ملة اليهود” يقول الرسول عن نفسه انه “من جنس اسرائيل من سبط (اي قبيلة) بنيامين، عبراني من العبرانيين، من جهة الناموس فريسي، من جهة الغيرة مضطهِد الكنيسة، من جهة البر في الناموس بلا لوم” (فيليبي 3 : 5 – 6).

وذكر الانجيلي لوقا في سفر اعمال الرسل ان بولس كان يُدعى شاول (اعمال 8 : 1) وانه درس على أيدي المعلم غملائيل واحتل مركزا مرموقا في الديانة اليهودية وكان على صلة وثيقة برؤساء الكهنة الذين شهدوا له ومنحوه الثقة والسلطان لاعتقال المسيحيين ومعاقبتهم في السجون (انظر اعمال 22 : 1 – 5) . كله دلالة على انه كان “يزيد تقدما في ملة اليهود على كثيرين من أترابه (اي الذين من عمره) كونه اوفر منهم غيرة على تقليدات الآباء”. يقصد بتقليدات الآباء مجمل التراث الديني اليهودي المؤلف من الأسفار المقدسة (العهد القديم) وتفاسيرها والتعليقات الشفوية وتعاليم الحاخامين وتطبيقاتها العملية.

“كنت اضطهد كنيسة الله بإفراط وادمرها”. غيرته على الديانة اليهودية جعلته يرضى بمقتل القديس استفانوس (انظر اعمال 7: 54-60 و8 :1) ودفعته الى السطو على الكنيسة وتسليم الرجال والنساء الى السجن (انظر اعمال 8:3)، وهذا لم يكفِهِ بل “تقدم الى رئيس الكهنة وطلب منه رسائل الى دمشق الى الجماعات حتى اذا وجد أناسا في الطريق رجالا او نساء يسوقهم الى اورشليم” (اعمال 9 :1 -2).

مهمته الى دمشق لم تتحقق لأن “الله ارتضى …ان يعلن ابنه فيه” كونه إناءً مختارا ليحمل اسم الله امام أمم وملوك وبني اسرائيل (انظر اعمال 9 : 15) وهذا حدث إذ اقترب من دمشق “وابرق حوله نور من السماء فسقط على الأرض وسمع صوتا قائلا له: شاول، شاول لماذا تضطهدني؟ فقال: من انت يا سيد؟ فقال الرب: انا يسوع الذي تضطهده” (اعمال 9 : 3 – 5). عندها امتلأ شاوول من حضور الرب يسوع وعرف انه مفروز من جوف امه وأيقن انه منذ الولادة سلك الدرب الذي قاده الى هذا اللقاء المبهر في صحراء الشام.

لن تعرف الانسانية دعوتها ما لم تمتلئ من حضور الله، ومَن يعاين الرب في صحراء حياته تزال القشور عن عينيه ويعود من هناك جديدا إذ يعلم انه محط انظار الله من الحشا.

“أفرزني من بطن امي ودعاني بنعمته”. في العهد القديم كان النبي مخصصا من الحشا ويُفوَّض إثر رؤية إلهية حمل كلمة الله الى الشعب (انظر اشعيا 49 : 1 و5 واشعيا 6 وإرميا 1). هذا السلوك الإلهي هو بمثابة ختم الأصالة للدعوة النبوية، وحدوثه مع بولس يؤكد اصالة دعوته الرسولية.

“لساعتي لم اصغِ الى لحم ودم (اي الى اي انسان) ولا صعدت الى اورشليم الى الرسل الذين قبلي”.لا يزدري الرسول بولس بالرسل الآخرين بل بهذا الكلام يريد ان يؤكد مجددا ان دعوته الرسولية مساوية لدعوة الرسل وانه لم يذهب الى اورشليم ليأخذ موافقة البقية لأن امر تبشير الامم قد صدر مباشرة من الله وفُوّض اليه لذلك نفذه للحال وانطلق الى ديار العرب.

“ديار العرب” هي “العربية” مقاطعة رومانية، وأطلق الاسم على الممالك المستقلة التي نشأت في القرن الأول جنوبي دمشق ومنها مملكة الأنباط ومن اهم مدنها بُصرى (جنوبي دمشق) والبتراء (في جنوب الاردن). “رجعت الى دمشق”. يقول الرسول رجعت لانه دخل دمشق بعد الرؤية الالهية واعتمد من حنانيا ثم ذهب الى ديار العرب (انظر اعمال 9 : 17 – 19).

“بعد ثلاث سنين صعدت الى اورشليم”. كانت مدينة اورشليم تعتبر المرجع الأول للايمان المسيحي لكن بولس صعد اليها ليزور بطرس وهناك قابل يعقوب اخا الرب الذي كان على رأس الكنيسة في ذلك الحين (انظر اعمال 15 : 12-13). يذكر الرسول هنا اسمَي بطرس ويعقوب ردا على المتهودين الذين يدّعون انهم ينشرون دعوة بطرس ويعقوب في حين ان الدعوة واحدة وهذا قد تبرهن في المجمع الرسولي الذي عُقد بعد اربع عشرة سنة “اذ علم بالنعمة المعطاة لبولس يعقوب وصفا ويوحنا المعتبرون اعمدة وأعطوني وبرنابا يمين الشركة لنكون نحن للأمم وهم للختان”(غلاطية2 :1-10).

إذاً “بولس رسول لا من الناس ولا بإنسان بل بيسوع المسيح والله الآب الذي أقامه من بين الأموات” (غلاطية 1 : 1). لا ينقص شيء عن فائقي الرسل (انظر 2 كورنثوس 12 : 11). اختاره الرب يسوع كما اختار الاثني عشر اذ أفرزه من بطن امه، وكما فوّض الرب التلاميذ البشارة بعد قيامته وليس قبلها فوّضه اياها ايضا بعد قيامته، هكذا ختم الله على رسوليته كما ختم على رسولية الاثني عشر.

نقلاً عن نشرة رعيتي
الأحد 24 تشرين الأول 1993 / العدد 43

arArabic
انتقل إلى أعلى