05- أفسس 4: 7-13 – مواهب الروح القدس

النص:

7 وَلكِنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أُعْطِيَتِ النِّعْمَةُ حَسَبَ قِيَاسِ هِبَةِ الْمَسِيحِ. 8 لِذلِكَ يَقُولُ:«إِذْ صَعِدَ إِلَى الْعَلاَءِ سَبَى سَبْياً وَأَعْطَى النَّاسَ عَطَايَا». 9 وَأَمَّا أَنَّهُ «صَعِدَ»، فَمَا هُوَ إِلاَّ إِنَّهُ نَزَلَ أَيْضاً أَوَّلاً إِلَى أَقْسَامِ الأَرْضِ السُّفْلَى. 10 اَلَّذِي نَزَلَ هُوَ الَّذِي صَعِدَ أَيْضاً فَوْقَ جَمِيعِ السَّمَاوَاتِ، لِكَيْ يَمْلأَ الْكُلَّ. 11 وَهُوَ أَعْطَى الْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلاً، وَالْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَالْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ، وَالْبَعْضَ رُعَاةً وَمُعَلِّمِينَ، 12 لأَجْلِ تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ لِعَمَلِ الْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ، 13 إِلَى أَنْ نَنْتَهِيَ جَمِيعُنَا إِلَى وَحْدَانِيَّةِ الإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ ابْنِ اللهِ. إِلَى إِنْسَانٍ كَامِل. إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ

الشرح:

تمايز المواهب كما يظهر في نص رسالة اليوم هو قوام وحدة الجماعة المؤمنة. الكنيسة واحدة وجامعة على كافة الاصعدة وهذا ما عبر عنه الكاتب في الآيات التي تسبق هذا النص اذ قال لاهل افسس: “اجتهدوا ان تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام، جسد واحد وروح واحد كما دُعيتم ايضاً في رجاء دعوتكم الواحد. رب واحد ايمان واحد معمودية واحدة إله وأب واحد للكل الذي على الكل وبالكل وفي كلكم” (افسس 4 : 3 – 5).

هذه الوحدة الجامعة بين المؤمنين لا تمنع تمايز المواهب “اذ لنا مواهب مختلفة بحسب النعمة المعطاة لنا” (رومية 12: 5)، واما هذه النعمة “فأُعطيت لكل واحد منا على مقدار موهبة المسيح”. بقوله “لكل واحد منا” لا يستثني احداً من المؤمنين، فكل مؤمن أُعطي النعمة (بحلول الروح القدس في المعمودية) وهذه النعمة تظهر عن طريق المواهب الشخصية والفردية لكل مؤمن. اذاً تفعيل النعمة يكون بتوظيف المواهب في الكنيسة ومقدار هذه المواهب يحدده الرب يسوع للمنفعة الشاملة في الكنيسة، لذلك نجد ان “انواع مواهب موجودة ولكن الروح واحد… ولكل واحد يُعطى اظهار الروح للمنفعة” (1كورنثوس 12: 4-7).

“لما صعد الى العلى سبى سبياً” آية من المزمور 68 الذي ارتبط بعيد العنصرة اليهودي وهو العيد الذي يقام فيه تذكار اعطاء التوراة للشعب في العهد القديم وحل فيه الروح القدس على التلاميذ بعد صعود الرب يسوع في العهد الجديد. “انه نزل اولاً الى اسافل الارض”: هنا يأخذ الكاتب بتفسير الآية المزمورية قائلا بأن الصعود قد سبقه نزول. قال الرب في حواره مع معلم الشريعة نيقوديموس ان “ليس احدٌ صعد الى السماء الا الذي نزل من السماء ابن الانسان الذي هو في السماء” (يوحنا 3: 13). الصعود والنزول يعودان الى الرب يسوع وحده الذي بنزوله وصل الى اسافل الارض اي الى الجحيم (الهاوية بحسب التقليد اليهودي) حيث حلّ عقالات الموت وحرر ابرار العهد القديم من قبضة الشرير. ثم “صعد ايضاً فوق السموات كلها”: ورد في المعتقدات الفلسفية ان السموات مقسمة الى طبقات ودرجات تسيطر عليها الارواح والتي منها “اجناد الشر الروحية في السماويات” (افسس 6: 12). لم يستعمل الكاتب هذا التعبير بهدف تأكيد هذا المعتقد بل للتأكيد ان الرب يسوع تغلب على كل ما هو منظور وغير منظور. هكذا بنزول الرب يسوع وصعوده “اعطى الناس عطايا” اي سكب عليهم “عطية الروح القدس” (انظر اعمال 2:83) في عيد العنصرة ويسكبها دائما على المعتمدين الجدد. الآية المزمورية اذاً تشير الى ان الرب يسوع هو مصدر كل المواهب.

المواهب تظهر بوظائف مختلفة في الجماعة واهمها وظيفة الرسول التي تتجلى بتلاميذ المسيح الاثني عشر والرسول بولس. من المواهب ايضا النبوة في العهد الجديد التي لا تعني معرفة المستقبل بل تبيان مشيئة الله للجماعة في ظرف معيّن. تقوم مهمة الرسل والانبياء والمبشرين على انشاء كنائس جديدة. اما الرعاة والمعلمون فمهمتهم هي السهر والمحافظة على هذه الكنائس.

هدف هذه المواهب المختلفة هو “تكميل القديسين” اي تزويدهم بما يلزم من دفع روحي “لعمل الخدمة” اي خدمة البشارة والتعليم والارشاد “لبنيان جسد المسيح” اي الكنيسة. كلمة قديس تعني المفروز لله. اذاً هي صفة كل مؤمن افرز نفسه بإيمانه لخدمة الله. الكنيسة هي جسد المسيح الذي يتألف من المؤمنين اجمعين، لذلك قال الرسول بولس للمؤمنين في كورنثوس “اما انتم فجسد المسيح واعضاؤه افراداً” (1كورنثوس 12: 27). هكذا بناء جسد المسيح هو الهدف النهائي لسكب هذه المواهب، وتكميل القديسين وعمل الخدمة هما الأداة الفعالة لتحقيق هذا الهدف.

“الى ان ننتهي جميعنا” ليس كل واحد على حدة بل الجميع بالحياة الكنسية المشتركة. هكذا لا يحصل الفرد على انجازات روحية بمعزل عن الآخرين كما ان نمو العضو في الجسم لا يصير إلا بالنمو المتناغم للجسم ككل. “وحدانية الايمان” تعني الايمان الواحد والمعتقد الواحد “ومعرفة الله” هي المعرفة الكيانية الشاملة التي تفترض الغوص على اعماق الله للتوصل الى المثال الالهي على “مقدار قامة ملء المسيح” اي بالامتلاء من المسيح الذي هو التعبير الاسمى للالوهة المتجلية في البشرة.

نقلاً عن نشرة رعيتي
الأحد 9 كانون الثاني 1994 / العدد 2

النصمن أقوال القديس نيقوديموس الآثوسي في هذا النص

  • “لكل واحد منا أعطيت النعمة على مقدار موهبة المسيح”
    صحيح أن للمسيحيين مواهب مشتركة لكن يمكن أن يكون للواحد موهبة كبيرة وللآخر موهبة صغيرة بدون أن يكون ذلك مدعاة للحسد أو للتكبر. إنها عطية مجانية فاشكر الله عليها حتى لو كانت صغيرة،الرب هو الذي يقدر العطية حسب مقياسه لذا لا تبحث عن أهميتها. يوزع المواهب بما يوافق كل واحد، والحاصل على موهبة كبيرة يتعب ويتحمل مسؤولية أكبر.
  • ” فلذلك يقول لمّا صعد إلى العلى سبى سبياً وأعطى الناس عطايا”
    يستشهد الرسول هنا بأقوال داود النبي (مز18:67) الذي قال إن الله هو الذي يمنح المواهب للناس. يقول الرسول “أعطى للناس مواهب” لأن المسيح يوزِّع المواهب ويتقبل خدمة من قبل البشر، ونحن من جهتنا نأخذ الإيمان ونعطي خدمةَ وتعبَ موهبتِنا.
    صعد المسيح إلى علو الصليب أو إلى علو السماء في صعوده الإلهي وقد سبى الشيطان أي قيَّده كما قيَّد معه الموت واللعنة والخطيئة وحررنا نحن الذين كنا تحت أسر الشيطان وأعطانا مواهب بدل معاقبتنا.
  • ” فكونه صعد هل هو إلا إنه نزل أولاً إلى أسافل الأرض فذاك الذي نزل هو الذي صعد أيضاً فوق السماوات كلّها ليملأ كل شيء”
    كلام الرسول بولس يجيب على المقلِّلين من ناسوت المسيح. فالأول ابن الله والثاني هو ابن العذراء. لأن الذي نزل إلى الأرض من الواضح أنه تجسد أولاً ومن ثم مات على الصليب ثم نزل إلى الجحيم. وقد نزل المسيح وصعد لكي يملأ الكون كله من ألوهيته، من عطاياه الإلهية.
  • “لأجل تكميل القديسين ولعمل الخدمة وبنيان جسد المسيح”
    هنا يظهر عمل كل مسيحي. الواحد -مهما كانت موهبته صغيرة- يبني الآخر ويساهم في بناء جسد المسيح أي الكنيسة. أما تكميل القديسين فيعني إعادة المسيحيين إلى حالة روحية صحية طبيعية إلى وحدة متناغمة فيما بينهم. لكن لكي لا نفهم الكمال الجسدي يقول القديس بولس:”لكي ننتهي إلى قامة ملء المسيح” أي إلى معرفة المسيح والإيمان به إيماناً كاملاً لا يتزعزع.

نقلاً عن رسالة مطرانية حلب
الموقع القديم للمطرانية

arArabic
انتقل إلى أعلى