النص:
1 فَدَخَلَ السَّفِينَةَ وَاجْتَازَ وَجَاءَ إِلَى مَدِينَتِهِ. 2 وَإِذَا مَفْلُوجٌ يُقَدِّمُونَهُ إِلَيْهِ مَطْرُوحاً عَلَى فِرَاشٍ. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ إِيمَانَهُمْ قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: «ثِقْ يَا بُنَيَّ. مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ». 3 وَإِذَا قَوْمٌ مِنَ الْكَتَبَةِ قَدْ قَالُوا فِي أَنْفُسِهِمْ: «هذَا يُجَدِّفُ!» 4 فَعَلِمَ يَسُوعُ أَفْكَارَهُمْ، فَقَالَ:«لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِالشَّرِّ فِي قُلُوبِكُمْ؟ 5 أَيُّمَا أَيْسَرُ، أَنْ يُقَالَ: مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ، أَمْ أَنْ يُقَالَ: قُمْ وَامْشِ؟ 6 وَلكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لابْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَاناً عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الْخَطَايَا». حِينَئِذٍ قَالَ لِلْمَفْلُوجِ:«قُمِ احْمِلْ فِرَاشَكَ وَاذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ!» 7 فَقَامَ وَمَضَى إِلَى بَيْتِهِ. 8 فَلَمَّا رَأَى الْجُمُوعُ تَعَجَّبُوا وَمَجَّدُوا اللهَ الَّذِي أَعْطَى النَّاسَ سُلْطَاناً مِثْلَ هذَا.
الشرح عن نشرة مطرانية اللاذقية
عجيبة شفاء المخّلع في هذا النص الإنجيلي تختلف عن كل العجائب الشفائية الأخرى، فالمريض لم يتكلم كلمة واحدة، ولا أظهر ايمانه . لكن الرب إذ رأى ايمان أقربائه وأحبائه الذين أحضروه شفاه عن عاهته، لأنه في حالات كثيرة لا يُطلب إيمان المريض فقط، خاصة عندما يكون فاقد الحواس، بل إيمان وصلاة أهل بيته التي تشفع له وتنجيه.
لقد كان وضع المخّلع متردّياً جداً، وأمام ذلك تفاجأ الجميع بأن يسوع تغاضى لحظتها عن هذا الوضع المثير للشفقة وقال للمخّلع: “يا بنيّ مغفورة لك خطاياك “. من الواضح أنه لا حاملوا المخّلع كانوا يطلبون شيئاً كهذا من يسوع ولا الجمهور المحتدش كان ينتظر ذلك أيضاً . لقد أراد الرب أن يؤكد للجميع، في مثل هذه الحالة الخطرة حتى الحد الأقصى، أن الخطر الأكبر هو تخليع الروح وليس الجسد . وأن ألأهم هو الروح بينما الجسد هو الخادم له . لقد شدد يسوع بقوة على تفوق الروح على المادة، فالتفت إلى مغف رة الخطايا وصحة النفس عندما كان الجشد بأشد الحاجة إلى الصحة.
“ولكن لتعلموا أن ابن الإنسان له سلطان على الأرض أن يغفر الخطايا، حينئذ قال للمخّلع : قم احمل فراشك، واذهب إلى بيتك”.
لقد كشف يسوع عن سلطانه عندما انزعج لحاضرون، وأظهر بذلك أنه مساوٍ لأبيه لأنه لم يقل أن ابن الإنسان يحتاج أكثر من غيره أو أعطي له بل قال : “أن لابن الإنسان سلطاناً ” وهذا لكي يقنعهم أنه لا يجدّف عندما يساوي نفسه بالله.
بعد أن شفاه يسوع أرسله إلى بيته . فأظهر بذلك أن ما جرى ليس خيالاً. لأن الذين كانوا شاهدين لمرضه يستخدمهم هم نفسهم شاهدين بشفائه . لأنه يقول أريد بدائك أن أدواوي هؤلاء الذين هم أصحاء في الظاهر فقط . ولكن كوﻧﻬم لا يريدون ذلك اذهب أنت إلى بيتك لكي تقوّم هناك أقرباءك وتبشّر في وسط جماعتك بالرب الذي أحسن إليك وأحبّك وخّلصك.
نشرة مطرانية اللاذقية
31 / 7 / 2001
العدد: 31
الشرح عن نشرة رعيتي:
يسوع في كفر ناحوم, المدينة التي يسكن فيها ( انظر متى 4: 13). بشكل مختصر يروي متى في هذا الفصل الإنجيلي أن مخلّعاً ملقى على سريره حُملَ إلى يسوع ليشفيه. هذه الرواية على اختصارها تحمل مدلولات عدّة تتعلق بشخص يسوع المسيح وموقف سامعيه منه.
“فلما رأى يسوع إيمانهم قال للمخلّع ثق يا بنيّ, مغفورة لك خطاياك”: سبق ليسوع, بحسب إنجيل متى , أن شفى مفلوجين(4: 24) ,إلا أن حادثة المخلع ذات أهمية كبيرة وذلك لأنها, بشكل أوضح, تربط هذا الشفاء بالموقف من شخص يسوع والنظرة إليه. في هذا الإطار يروي الإنجيلي أن يسوع, لما رأى إيمان الذين حملوا المخلّع إليه, شفاه. توحي هذه الجملة أن المخلّع نفسه لم يكن مهما بقدر الذين حملوه إلى يسوع. فإيمان هؤلاء بيسوع هو الذي دفعه إلى أن يشفيه. وبناء على موقف الإيمان هذا ينطلق الكاتب ليشدّد على النقطة الثانية والأهمّ في هذه الرواية, وهي ما يقوله يسوع للمريض:” ثق يا بنيّ, مغفورة لك خطاياك”. فعل “ثق” مهم في هذه الرواية, وذلك لأنه لا يَرِدْ عند متى إلا على لسان يسوع, ويفيد أن بيسوع غفران الخطايا والخلاص. والحقيقة أن رواية المخلّع منذ البداية محورها غفران الخطايا. وغفران الخطايا موضوع مهم في إنجيل متّى. فمنذ بداية إنجيله, يقدّم الإنجيلي يسوع مخلّصا لشعبه من خطاياهم( 1: 21). الخطيئة هي الفعل الذي يفصل الإنسان عن الله ويبعده عنه, وهي لهذا سبب كل مرض ( انظر لاويين 26: 14-16؛ تثنية 28: 21 ؛ يوحنا 5: 14؛ 9: 2 الخ…).
يعجب الحاضرون لأن يسوع لم يقل “احمل سريرك واذهب إلى بيتك”. على الأرجح كان الحاضرون ينتظرون شفاءً, مجرّد شفاء, إلا أن يسوع تحدث عن غفران الخطايا, معطيا غفران الخطايا أهمية أكبر من تلك التي للشفاء الجسدي. وهذا ما يشدّد عليه متى في سائر إنجيله حيث حوادث الشفاء مرتبطة بالإيمان بيسوع المسيح, وليس لها أهمية بمعزل عن هذا الإيمان. يسوع هو المخلّص بالمعنى الأشمل للكلمة: وهذا ما يقودنا إلى النقطة الأساسية في هذه الحادثة وهي أن يسوع إنما يغفر الخطايا بسلطان أُعطي له من الله.
“فقال قوم من الكتبة في أنفسهم هذا يجدّف”. لا يدخل الكتبة في نقاش مباشر مع يسوع. يقولون في أنفسهم إنه يجدّف. لا يقول متى لماذا ألقوا عليه هذه التهمة. لكن سبب ذلك واضحٌ وهو أنهم رأوا فيه إنسانا يضع نفسه, بغفرانه خطايا البشر, جنبا إلى جنب مع الله, وهذا في الفكر اليهودي تجديف. لكن يسوع يعلم ما يفكرون في قلوبهم ويقول لهم إن هذا الفكر شريرُ “لماذا تفكرون بالشر في قلوبكم؟”, وذلك لأن يسوع لم يكن يجدّف, بل الله هو الذي يعمل فيه وهو الذي أعطاه هذا السلطان. السؤال المهم هو: بأي سلطان يفعل يسوع هذا؟.
” ما الأيسر أن يُقال: مغفورة لك خطاياك أم أن يُقال قُم فامشِ؟. يفترض هذا السؤال أن يسوع يجد أن غفران الخطايا أصعب من أن يقال ” قم وامشِ”. فلو قال أولا قم وامشِ لما حدث ما حدث ولما اتهموه بالتجديف. لكنه قال للمخلّع “مغفورة لك خطاياك” “لكي تعلموا أن ابن البشر له سلطان على الأرض أن يغفر الخطايا”. تبلغ رواية المخلّع في هذه الآية أوجها. ففيها يقول يسوع عن نفسه أنه ابن الإنسان موضحا للقارئ (لنا) بأي سلطان يفعل هذا. “ابن الإنسان” بحسب كتاب دانيال (دانيال 7: 13) هو المخلّص الذي سيأتي في آخر الأيام والذي سيعطيه الله سلطانا لتتعبّد له كل شعوب الأرض. يسوع , بحسب متى, هو ابن الإنسان الذي تحدّث عنه دانيال. وقد أعطاه الله كل سلطان مما في السماء وما على الأرض ( متى 28: 18 ), وسلطانه لن يزول ( متى 28: 20 ). هذا السلطان الأبدي يتحقق منذ الآن, على الأرض, بغفران الخطايا.
يتوجّه يسوع الآن إلى المخلّع حتى يظهر قوله بالفعل. يغيب الكتبة عن المشهد. سلطان يسوع يطغى عليهم. الجموع التي رأت كل هذا أو علمت بما حصل تعجّبت واندهشت. هذا العجب وهذه الدهشة سببهما الحضور الإلهي. تنتهي الرواية بقولها: “ومجَّدوا الله الذي أعطى الناس سلطانا كهذا”. المقصود “بالناس” هنا يسوع ومن خلاله أولئك الذين أعطاهم هو سلطان غفران الخطايا: ” ما تحلّونه على الأرض يكون محلولاً في السماء, وما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء ( متى 18: 18 ).
في خاتمة هذه الرواية توترّ بين جموع الناس التي آمنت بيسوع وبأن سلطانه من الله, وبين الكتبة الذين قالوا إن هذا السلطان إنما هو من الشيطان ( 12: 24 ). لكن ما حدث مع المخلّع سبق فأوضح نتيجة كلّ من الموقفين.
نشرة رعيتي
الأحد 11 تموز 1999
العدد 28