Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎

مناقشة حول الطهارة الخارجية والداخلية:

1 وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ الْفَرِّيسِيُّونَ وَقَوْمٌ مِنَ الْكَتَبَةِ قَادِمِينَ مِنْ أُورُشَلِيمَ. 2 وَلَمَّا رَأَوْا بَعْضاً مِنْ تَلاَمِيذِهِ يَأْكُلُونَ خُبْزاً بِأَيْدٍ دَنِسَةٍ، أَيْ غَيْرِ مَغْسُولَةٍ، لاَمُوا. 3 لأَنَّ الْفَرِّيسِيِّينَ وَكُلَّ الْيَهُودِ إِنْ لَمْ يَغْسِلُوا أَيْدِيَهُمْ بِاعْتِنَاءٍ، لاَ يَأْكُلُونَ، مُتَمَسِّكِينَ بِتَقْلِيدِ الشُّيُوخِ. 4 وَمِنَ السُّوقِ إِنْ لَمْ يَغْتَسِلُوا لاَ يَأْكُلُونَ. وَأَشْيَاءُ أُخْرَى كَثِيرَةٌ تَسَلَّمُوهَا لِلتَّمَسُّكِ بِهَا، مِنْ غَسْلِ كُؤُوسٍ وَأَبَارِيقَ وَآنِيَةِ نُحَاسٍ وَأَسِرَّةٍ. 5 ثُمَّ سَأَلَهُ الْفَرِّيسِيُّونَ وَالْكَتَبَةُ:«لِمَاذَا لاَ يَسْلُكُ تَلاَمِيذُكَ حَسَبَ تَقْلِيدِ الشُّيُوخِ، بَلْ يَأْكُلُونَ خُبْزاً بِأَيْدٍ غَيْرِ مَغْسُولَةٍ؟» 6 فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ:«حَسَناً تَنَبَّأَ إِشَعْيَاءُ عَنْكُمْ أَنْتُمُ الْمُرَائِينَ! كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: هذَا الشَّعْبُ يُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيداً، 7 وَبَاطِلاً يَعْبُدُونَنِي وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ. 8 لأَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ وَتَتَمَسَّكُونَ بِتَقْلِيدِ النَّاسِ: غَسْلَ الأَبَارِيقِ وَالْكُؤُوسِ، وَأُمُوراً أُخَرَ كَثِيرَةً مِثْلَ هذِهِ تَفْعَلُونَ». 9 ثُمَّ قَالَ لَهُمْ:«حَسَناً! رَفَضْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ لِتَحْفَظُوا تَقْلِيدَكُمْ! 10 لأَنَّ مُوسَى قَالَ: أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، وَمَنْ يَشْتِمُ أَباً أَوْ أُمّاً فَلْيَمُتْ مَوْتاً. 11 وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَقُولُونَ: إِنْ قَالَ إِنْسَانٌ لأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ: قُرْبَانٌ، أَيْ هَدِيَّةٌ، هُوَ الَّذِي تَنْتَفِعُ بِهِ مِنِّي 12 فَلاَ تَدَعُونَهُ فِي مَا بَعْدُ يَفْعَلُ شَيْئاً لأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ. 13 مُبْطِلِينَ كَلاَمَ اللهِ بِتَقْلِيدِكُمُ الَّذِي سَلَّمْتُمُوهُ. وَأُمُوراً كَثِيرَةً مِثْلَ هذِهِ تَفْعَلُونَ». 14 ثُمَّ دَعَا كُلَّ الْجَمْعِ وَقَالَ لَهُمُ:«اسْمَعُوا مِنِّي كُلُّكُمْ وَافْهَمُوا. 15 لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ خَارِجِ الإِنْسَانِ إِذَا دَخَلَ فِيهِ يَقْدِرُ أَنْ يُنَجِّسَهُ، لكِنَّ الأَشْيَاءَ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْهُ هِيَ الَّتِي تُنَجِّسُ الإِنْسَانَ. 16 إِنْ كَانَ لأَحَدٍ أُذْنَانِ لِلسَّمْعِ، فَلْيَسْمَعْ». 17 وَلَمَّا دَخَلَ مِنْ عِنْدِ الْجَمْعِ إِلَى الْبَيْتِ، سَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ عَنِ الْمَثَلِ. 18 فَقَالَ لَهُمْ:«أَفَأَنْتُمْ أَيْضاً هكَذَا غَيْرُ فَاهِمِينَ؟ أَمَا تَفْهَمُونَ أَنَّ كُلَّ مَا يَدْخُلُ الإِنْسَانَ مِنْ خَارِجٍ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يُنَجِّسَهُ، 19 لأَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ إِلَى قَلْبِهِ بَلْ إِلَى الْجَوْفِ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الْخَلاَءِ، وَذلِكَ يُطَهِّرُ كُلَّ الأَطْعِمَةِ». 20 ثُمَّ قَالَ:«إِنَّ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الإِنْسَانِ ذلِكَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ. 21 لأَنَّهُ مِنَ الدَّاخِلِ، مِنْ قُلُوبِ النَّاسِ، تَخْرُجُ الأَفْكَارُ الشِّرِّيرَةُ: زِنىً، فِسْقٌ، قَتْلٌ، 22 سِرْقَةٌ، طَمَعٌ، خُبْثٌ، مَكْرٌ، عَهَارَةٌ، عَيْنٌ شِرِّيرَةٌ، تَجْدِيفٌ، كِبْرِيَاءُ، جَهْلٌ. 23 جَمِيعُ هذِهِ الشُّرُورِ تَخْرُجُ مِنَ الدَّاخِلِ وَتُنَجِّسُ الإِنْسَانَ». (مرقس7: 1-23، متى 15: 1-20).

في الآيات 1-23 يقدّم الإنجيلي أقوالاً متعدّدة ليسوع عن طهارة القلب الداخلية بالمقارنة مع الطهارة الخارجية المحفوظة بحسب تقليد اليهود. تتوجه الأقوال أوّلاً إلى الفريّسيين والكتبة الآتين من أورشليم (الآيات 1-13)، ومن ثم إلى الجمع (الآيتان 14-15)، وأخيراً إلى التلاميذ داخل البيت (الآيات 17-23). تأتي هذه المناقشة جواباً على سؤال الفريسيين والكتبة ليسوع لماذا لا يغسل تلاميذه أيديهم قبل الطعام (الآيتان 1-2). يجيب يسوع بعبارة أشعيا 29: 13 “هذا الشعب يكرمني بشفتيه أم قلبه فبعيد عني” حيث تظهر المسافة الفاصلة بين الشفتين والقلب عند الشعب الإسرائيلي، أي بين الأعمال الخارجية والاستعدادات الداخلية. إن الآيتين 3 و4 الواردتين وكأنهما بين معترضتين تفسّران للقراء الموجودين خارج نطاق الأوساط اليهودية ما يتعلّق بالعادات اليهودية المختلفة المتعلقة بالطهارة الخارجية، وهي غسل اليدين قبل الطعام، الاغتسال لدى العودة من السوق (حيث يلتقون ربما بأناس مدّنسين)، وأيضاً غسل الكؤوس والأباريق (التي لها سعة كبيرة وهي من خشب عادة) وآنية النحاس.

إن الأوامر الناموسية حول الطهارة، على مثال عطلة السبت هي من المميّزات الخاصة باليهود. ويفسّر عبور شعب الله في وسط شعوب غير طاهرة وتمايزه الواضح عنهم الأوامر العديدة حول الطهارة، خصوصاً في الأزمان الواقعة ما بعد السبي وما قبل العهد المكابي. تعتبر بعض الجماعات أنفسها أطهر من بقية الشعب وتتبع بدقة وحماس أوامر الناموس. نعلم من خلال مخطوطات قمران وجود الاغتسال المستمّر (أو المعمودية المستمّرة) الذي كان يُفرض على أعضاء مجتمع الأسانيين. وأيضاً في النصوص الربّانية تبرز أهمية غسل اليدين قبل الطعام. ورواية التلمود التالية لافتة للنظر: لقد أرسلوا ماءً إلى الربّان “اكيمبا” الذي كان عطشاناً في السجن، فاستخدم معظم كميته لغسل اليدين، كما قال بنفسه، لأنه كان يفضل أن يموت من العطش من أن يخالف تقليد الشيوخ. وهناك عبارة ربّانية أخرى تستخدم المثل التالي: “الذي يأكل خبزاً بدون أن يغسل يديه يشبه من يعاشر الزواني”.

لقد أدان يسوع بشدّة عادة اليهود في حفظ تقليد الشيوخ على هذا الشكل من التزمّت (ويصف هذه العادة في الآية 8 “بتقليد الناس”) على حساب وصية الله. ويُظهر إلى أي حدّ يمكن أن يذهب هذا التزمّت الناقض لوصية الله وذلك بتقديمه مثل عصيان اليهود للوصية الرابعة المذكورة ضمن الوصايا العشر (“أكرم أباك وأمك…”): إذ باستخدام عبادة “القربان” (أي “هدية وهو الذي تنتفع به مني”)، يتحرر اليهودي من واجباته تجاه والديه طالما قدّم مطلبهما قرباناً في الهيكل. هكذا عن طريق مثل هذه الحيل، كانوا يتهربون من وصية الله ويتبعون تقليدهم الخاص (“الجاهل” كما تصفه الآية 13 في المخطوطة D).

في الآيتين 14 و15 يتوجه يسوع إلى الجمع ويعطي خطوطاً عريضة لمفهوم الطهارة الحقيقية وأخلاق الإنسان: ما يدنّس الإنسان ليس ما يدخل فمه (كالأطعمة…) بل ما يخرج منه. اعتُبرت هذه الجملة من قبل المفسرين “إحدى أهم الجمل في تاريخ الأديان”. وهي تذكرنا بكرازة الأنبياء في العهد القديم (عاموسى 5: 21…، أشعيا 1: 11…، 58: 2…، ارميا 7: 21…) الذين وضعوا الطهارة الأخلاقية، طهارة القلب، فوق الطهارة الطقسية الخارجية. طبعاً تستند أوامر الفريسيين حول الطهارة الخارجية إلى العهد القديم (أنظر سفر اللاويين 11-15، تثنية 14: 4…) لكن عندما لا تعبّر هذه الوصايا عن إيمان البشر وأخلاقهم تصبح أعمالاً خارجية كاذبة. ويؤكد الرب يسوع على أهمية هذه الأقوال بعبارة الآية 16 (غير الموجودة في طبعة Nestlé “إن كان لأحد أذنان للسمع فليسمع”).

في الآيات 17-23 يفسّر يسوع لتلاميذه “المثل” الذي أعطاه سابقاً والذي استفهم عنه التلاميذ: ما يوجد داخل الإنسان هي الأطعمة التي تُهضم وتُفرَز خارجاً، بينما ما يخرج من فمه صادر عن القلب (أفكار القلب مثلاً التي تجسدها الأعمال الناتجة عنها: “الزنى، القتل، الفسق، السرقة، الطمع، الخبث، المكر، العهارة، العين الشريرة، التجديف، الكبرياء والجهل”، الآيات 21-22).

الخلاصة:

إن القلب حسب نظرة الكتاب المقدّس إلى الإنسان (anthropologie biblique) هو مركز الكيان. هو مركز الأفكار والإحساسات والإرادة. منه تنتج استعدادات الإنسان وقراراته التي تحدّد طهارته الأخلاقية أم لا. من هنا يطوّب الإنجيل “أنقياء القلوب” (متى 5: 8)، ويقول المزمور الخمسون: “قلباً نقياً اخلق فيّ يا الله” (مز 50: 12).

شفاء ابنة الكنعانية:

24 ثُمَّ قَامَ مِنْ هُنَاكَ وَمَضَى إِلَى تُخُومِ صُورَ وَصَيْدَاءَ، وَدَخَلَ بَيْتاً وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ لاَ يَعْلَمَ أَحَدٌ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَخْتَفِيَ، 25 لأَنَّ امْرَأَةً كَانَ بِابْنَتِهَا رُوحٌ نَجِسٌ سَمِعَتْ بِهِ، فَأَتَتْ وَخَرَّتْ عِنْدَ قَدَمَيْهِ. 26 وَكَانَتْ الامْرَأَةُ أُمَمِيَّةً، وَفِي جِنْسِهَا فِينِيقِيَّةً سُورِيَّةً. فَسَأَلَتْهُ أَنْ يُخْرِجَ الشَّيْطَانَ مِنِ ابْنَتِهَا. 27 وَأَمَّا يَسُوعُ فَقَالَ لَهَا:«دَعِي الْبَنِينَ أَوَّلاً يَشْبَعُونَ، لأَنَّهُ لَيْسَ حَسَناً أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَبِ». 28 فَأَجَابَتْ وَقَالَتْ لَهُ:«نَعَمْ، يَا سَيِّدُ! وَالْكِلاَبُ أَيْضاً تَحْتَ الْمَائِدَةِ تَأْكُلُ مِنْ فُتَاتِ الْبَنِينَ!». 29 فَقَالَ لَهَا:«لأَجْلِ هذِهِ الْكَلِمَةِ، اذْهَبِي. قَدْ خَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنِ ابْنَتِكِ». 30 فَذَهَبَتْ إِلَى بَيْتِهَا وَوَجَدَتِ الشَّيْطَانَ قَدْ خَرَجَ، وَالابْنَةَ مَطْرُوحَةً عَلَى الْفِرَاشِ. (مرقس 7: 24-30، متى 15: 21-28).

تحصل عجيبة الرواية الحاضرة “في تخوم صور” (“وصيدا” حسب بعض المخطوطات). ومقاطعة صور هي في جنوب منطقة سوريا الرومانية، يحدّها الجليل من ناحية الجنوب ومنطقة فيليبس رئيس الربع من ناحية الشرق. لا يقول بوضوح إن كان يسوع قد خرج من الجليل ودخل تخوم صور. إلا أننا نستدل من الرواية المشابهة عند متى أن المرأة خرجت “من تلك التخوم” وأتت إلى يسوع الموجود في شمال الجليل. رغم محاول يسوع تجنّب الجمع وهو في أحد البيوت، تأتي امرأة ابنتها مريضة، عندها “روح نجس”، تطلب وهي جاثية على قدميه أن تتحرر ابنتها من الشيطان. وكانت الامرأة أممية أي وثنية، أما جنسيتها ففينيقية سوريّة (Syrophénicienne)، وقد كان سكان صور فينيقيين معتَبرين خلفاء لسكان فلسطين القدماء الكنعانيين (عند متى 15: 22 المرأة هي كنعانية). تدعو الترجمة السريانية المرأة “أرملة”. في هذه الحالة يعتبر الكثير من المفسرين أن الرواية تقابل قصة إقامة ابنة أرملة صرفت من قبل إيلي النبي، الواردة في سفر 3ملوك 17: 9… من العهد القديم. أخيراً في بعض المواعظ القديمة تدعى المرأة يوسطا وابنتها فيرونيكي.

يتراءى إيمانها في سياق الرواية كلها، ويؤكَّد عليه في الرواية المشابهة عند متى (“يا امرأة عظيم إيمانك، ليكن لكِ كما تريدين”، متى 15: 28). كان يرفض يسوع في البداية تحقيق مطلبها قائلاً لا يجوز أن يُحرم البنون من الخبز لكي يقدّم للكلاب. فقد كان الإسرائيليون يحتفظون لأنفسهم باسم أبناء الله، مطلقين على الأمم الوثنية اسم كلاب. تتقبل المرأة هذه الصفة المهينة وتجيب توّاً: والكلاب أيضاً يمكن أن تشبع من الفتات الذي يسقط من مائدة البنين. بعد هذا يرسل يسوع المرأة إلى بيتها (مادحاً إيمانها حسب متى) لكي تجد ابنتها معافاة. لقد حصلت إذاً العجيبة عن بعد، كما حصل أيضاً مع ابن عامل الملك (يوحنا 4: 46-54) وعبد قائد المئة (متى 8: 5-13، لوقا 7: 1-10). في الحادثة الأخيرة كما في حادثة الكنعانية، يعترف يسوع ويؤكد على إيمان بعض من الوثنيين.

الخلاصة:

يبدو أن الرواية الحاضرة ترتبط بما سبقها (7: 1-23) كما يلي: بينما يعتبر اليهود الأمم الوثنية دنسة (غير طاهرة)، ينشر يسوع نشاطه العجائبي إلى الوثنيين. إنه يطعم الأبناء ويطعم أيضاً الكلاب الصغيرة. يعلن هنا عن الله أباً لليهود والوثنيين على السواء، مخلّصاً لجميع الناس.

شفاء الأصم الأعقد:

31 ثُمَّ خَرَجَ أَيْضاً مِنْ تُخُومِ صُورَ وَصَيْدَاءَ، وَجَاءَ إِلَى بَحْرِ الْجَلِيلِ فِي وَسْطِ حُدُودِ الْمُدُنِ الْعَشْرِ. 32 وَجَاءُوا إِلَيْهِ بِأَصَمَّ أَعْقَدَ، وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ. 33 فَأَخَذَهُ مِنْ بَيْنِ الْجَمْعِ عَلَى نَاحِيَةٍ، وَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِي أُذُنَيْهِ وَتَفَلَ وَلَمَسَ لِسَانَهُ، 34 وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ، وَأَنَّ وَقَالَ لَهُ:«إِفَّثَا». أَيِ انْفَتِحْ. 35 وَلِلْوَقْتِ انْفَتَحَتْ أُذْنَاهُ، وَانْحَلَّ رِبَاطُ لِسَانِهِ، وَتَكَلَّمَ مُسْتَقِيماً. 36 فَأَوْصَاهُمْ أَنْ لاَ يَقُولُوا لأَحَدٍ. وَلكِنْ عَلَى قَدْرِ مَا أَوْصَاهُمْ كَانُوا يُنَادُونَ أَكْثَرَ كَثِيراً. 37 وَبُهِتُوا إِلَى الْغَايَةِ قَائِلِينَ:«إِنَّهُ عَمِلَ كُلَّ شَيْءٍ حَسَناً! جَعَلَ الصُّمَّ يَسْمَعُونَ وَالْخُرْسَ يَتَكَلَّمُونَ». (مرقس 7: 31-37، متى 15: 29-31).

إن انتشار نشاط المسيا العجائبي عند الأمم يتابع في رواية العجيبة التي نحن في صددها والتي تحصل في منطقة المدن العشر شرقي بحيرة جنيسارت. لا يذكر الإنجيلي هنا بوضوح إن كان المريض يهودياً أم وثنياً. لكن يمكننا أن نستنتج من خلال متى 15: 31 أن المريض كان وثنياً. يُقدَّم الأصم الأعقد (أي الذي يتكلم بصعوبة) إلى يسوع، فيبعده يسوع عن الجمع (غير باحث عن المجد من وراء عجيبة ظاهرة أمام الجميع حسب المفسّر زيغافنوس). يتفل ويدهن لسانه باللعاب، كواسطة شفاء قديمة، ويضع أصابعه في أذنيه لأنه لا يستطيع بطريقة أخرى (بالكلام مثلاً) أن يتوجّه إلى الأصمّ. ومن ثم يوجّه نظره إلى السماء لكي يُظهر أنه من هناك يأتي العون، ويتنهد أمام خليقة الله الحسنة جداً والمشوّهة الآن من الشيطان، ثم يعيد إبداع الجبلة الفاسدة بأمره الإلهي: “إفَّثا” “أي انفتح”. وللحال من جرّاء الأمر النافذ يتحرّر السمع وتنحل عقدة لسان الأعقد. إن انغلاق السمع وعقد اللسان ما هما إلا نتيجة تسلط الشيطان على الإنسان. تعتبر كلمة “إفَّثا” هنا من قبل مفسّرين كثيرين وكأنها موجّهة إلى الإنسان بعامّة الذي يسيطر عليه الشيطان. وتحمل أيضاً معنى التحرر من الشيطان.

تنتهي الرواية بوصية يسوع المعروفة إلى الجميع بألا يقولوا لأحد. وكما تذكر الرواية تعجّب الناس لما شاهدوا “أنه عمل كل شيء حسناً: جعل الصمّ يسمعون والخرس يتكلمون” (الآية 37)، ممّا يعيد إلى الذهن نبؤة أشعيا عن الأزمان المسيانية عندما قال: “حينئذ… تتفتّح آذان الصمّ، يطفر الأعرج كالأيّل، ويترنم لسان الأبكم” (أشعيا 35: 5-6).

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
arArabic
انتقل إلى أعلى