الرسالة الثانية إلى تيموثاوس

هذه هي رسالة بولس الأخيرة، كتبها قبل استشهاده في رومية، راجيا أن تتشدد الاجيال الآتية بمحبة الرب يسوع والشهادة له. (راجع الرسائل الرعائية)

يبدأ بولس مؤلَّفه كعادته، فبعد تقديم ذاته وذكر اسم المرسَل اليه والدعاء، نراه يربط نفسه بإيمان أجداده (يقول: “أشكر الله الذي أعبد بعد أجدادي بضمير طاهر”)، فيعلّم المسيحيين أن لا يقطعوا صلتهم ببِرّ العهد القديم وأبراره. ثم يتذكر تيموثاوس ودموعه فيغلبه الشوق لرؤية من هو وليد عائلة (جدته وأمه) علّمته أن يؤمن “ايمانا بلا رياء” (1-5) .-5) .

بعد هذه المقدمة يناشد الرسول تلميذه أن يزكي الموهبة التي نالها “بوضع الأيدي” (أنظر: 1تيموثاوس 4: 14)، ويشدّده -وجماعته- لئلا يخجل بالبشارة ومشقاتها. ويحثه على أن يتكل “على قدرة الله الذي خلّصنا ودعانا دعوة مقدسة” مجانية “وفقا لسابق تدبيره” ونعمته التي انكشفت “بظهور مخلصنا يسوع المسيح الذي قضى على الموت وجعل الحياة والخلود مشرقين بالبشارة…”، التي يعاني بولس بلا خحل، في سبيلها، محنة السجن، متكلا على القادر على “أن يحفظ وديعته (وزنته او تعليمه…)” الى يوم الرب (6-12). ويذكّره بالاقوال التي علّمه إياها، ويطلب منه حفظ “الوديعة الكريمة بالروح القدس الذي يقيم فينا” ( 13و14). ثم يقدم له أخبارا وصلته، فقد تحوَّل عنه “جميع الذين في آسية” (مقاطعة رومانية في القسم الغربي من آسية الصغرى) ممن كان له الفضل في هدايتهم (لعله يشير الى بعض المسيحيين الذين أهملوه في فترة سجنه ومحاكمته). غير أن أونِسِفورس (يبدو انه رقد بالرب قبل كتابة هذه الرسالة) كان قدّم لبولس خدمات عدّة فأراحه كثيرا، وهو يصلي له من أجل أن “يلقى الرحمة لدى الرب” في يوم الدينونة (15-18) .

يَعْلَم بولس أن المسيحية مكلفة ولا يمكن لأحد أن يحققها بقدرته الشخصية، ولذلك يطلب من تلميذه أن يتشدد بالنعمة، ويحضّه على أن ينقل ما سمعه من تعليم الى “أناس أُمناء جديرين بأن يعلّموا غيرهم”. وهذا، لا شك، يتطلب تصميما قويا وتجنبا للملذات الدنيوية، وذلك أن “ما من أحد تَجَنَّدَ” ويرغب في أن يُرضي الله “يشغل نفسه بأمور الحياة المدنية”. ثم يتغنى بقيامة المسيح التي هي حياة المؤمنين وقوّتهم، ويبين انه “في سبيلها يعاني المشقات” وقيود السجن كمجرم، غير أن شيئا لا يمنعه من أن يبشر لان “كلمة الله لا تقيَّد” (4: 17؛ فيلبي 1: 12-14).  وهو يصبر على كل شيء “من اجل المختارين ليحصلوا هم ايضا على الخلاص الذي في المسيح يسوع…”. ويورد نشيدا يزكي فيه الشهادةَ وإخلاصَ الحيّ الى الابد، يقول: “اذا متنا معه حيينا معه (يتكلم بآن على المعمودية وعلى رفض الخطيئة وصعوبات الحياة الرسولية ومخاطرها…)، واذا صَبَرنا مَلَكْنا معه، واذا أنكرناه (اي خنّاه في وقت تجربة او محنة) أنكرَنا هو ايضا (في اليوم الاخير)، واذا كنا غير أمناء ظل هو أمينا لانه لا يمكن أن يُنكر نفسه” (2: 1-13). ويطلب من تلميذه أن تبتعد الجماعة عن كل “مماحكة” غير مثمرة، ويوصيه أن يجتهد في الفضيلة والعمل والتعليم، ويتجنب “الكلام الفارغ الدنيوي…” (الزعم بأن القيامة الروحية “قد حدثت” وإنكار قيامة الاجساد) الذي يروّجه اناس أمثال هومنايُس وفيليطس (14-18). ثم يورد بعض التوصيات يحث فيها المسيحيين على أن يكونوا مؤهلين “لكل عمل صالح”، ويطلب من تلميذه (والجميع) أن يهرب “من أهواء الشباب” (الأهواء الجسدية والمشاجرات والعنف…)، ويبتغي “البر والإيمان والمحبة والسلام”، فحياة المسيحيين تُظهر صدق اعتقاداتهم، ولذلك يحذرهم من التخاصم “والمجادلات السخيفة الخرقاء”، ويحثهم على تأديب المخالفين باللطف والصبر والوداعة، ليتوبوا الى الله “فيعرفوا الحق، ويعودوا الى رشدهم، اذا ما أفلتوا من فخ إبليس الذي اعتقلهم (قبل أن يتوبوا) ليجعلهم رهن مشيئته” (19-26) .

في الإصحاح الثالث يحذر بولس تلميذه، بأنه “ستأتي في الايام الاخيرة أزمنة عسيرة”، وسيتزايد الشر حتى في الكنيسة (1-7). وسوف يقاوم الأشرار المسيحيين المخلصين ويضطهدونهم، كما “أن يناس ويمبرس (هما، في التقليد العبري، ساحرا بلاط فرعون) قاوما موسى…” (خروج 7). غير أن هذا الوضع لن يطول، وسوف ينكشف حمق المقاومين “لجميع الناس…” (8-9). ثم يذكر بولس الآلام التي أصابته في انطاكية وإيقونة ولِسْترة موطنِ تيموثاوس، وكيف أنقذه “الرب منها جميعا”، وهذا يدل على أن تيموثاوس أدرك منذ البدء أن “جميع الذين يريدون أن يحيوا حياة التقوى في المسيح يسوع يضطَّهَدون…” (10-13). ويقدم له نصائح عدة، فيذكّره بأن يثبت على الصلاح الذي تعلّمه على “الكتب المقدسة” منذ طفولته (كان أولياء اليهود يعلّمون أولادهم الشريعة عندما يبلغون الخامسة من عمرهم)، لانها تحتوي على كل ما هو لازم لبلوغ “الخلاص بالإيمان الذي في المسيح يسوع”. وذلك أن “كل ما كُتِب هو من وحي الله”، ولقد “كُتِبَ” ليكون “رجلُ الله كاملا معدّاً لكل عمل صالح” (14-17) .

في الإصحاح الأخير يناشد بولس تلميذه بأن يغتنم كل فرصة ليعلن، بنشاطٍ، “كلمة الله”، وذلك رغم شر الذين “يحوّلون سماعهم عن الحق، وعلى الخرافات يُقبلون” (1-5). ذلك أنه يتوقع أن يموت (بولس) في أية لحظة، فقد اقترب موعد رحيله وتاليا عودته الى المسيح (انظر: فيلبي 1: 23)، بعد أن أتم شوطه وحافظ “على الإيمان”، وهو ينتظر أن يُنعم عليه الرب في يوم الدينونة ب “إكليل البر”، لا هو وحده “بل جميع الذين اشتاقوا ظهوره” (6-8). ثم يطلب منه أن يأتي اليه (هو ومرقس)، لأن الجميع تركوه (ما عدا لوقا) وأعداءه يستغلّون هذا الوضع (9-12). والآن، وقد حلّ برد الشتاء، يطلب بولس رداءه السميك وبعض كتبه (13)، وينبّهه من “اسكندر النحّاس” (لعله شهد ضد بولس في محاكمته في روما)، ويذكر له بعض ما حصل معه في محاكمته، فقد تركه الجميع “لكن الرب كان معه وقوّاه لتعلَن البشارة عن يده على أحسن وجه ويسمعها جميع الوثنيين”، وقد نجّاه “من شدق الأسد” (انظر: مزمور 21: 21) وسوف ينقده “من كل مسعى خبيث” ويؤهله “لملكوته السماوي”…، ثم يختم رسالته بتحيات وسلامات… (14-22) .

تُعلّمنا هذه الرسالة، بشكل خاص، أن نبقى أمينين على محبة الرب، واعينَ أنّ نقل التعليم السليم مسؤوليتنا، فهو “الوديعة” التي يُنتظر أن نحافظ عليها بإخلاص، وننميها الى يوم مجيء الرب “الديان”.

نشرة رعيتي
الأحد 25 تشرين الاول 1998
العدد 43

arArabic
انتقل إلى أعلى