تاريخ قانون العهد الجديد

تاريخ اقانون الكتاب المقدس

المقدمة:

كلام المسيح نور وحياة، نور لعقلنا يضيء علينا نحن الجالسين في الظلمة وظلال الموت، هو حياة لقلوبنا المتعبة في مهام هذه الدنيا والظامئة إلى الحياة والمحبة. كتب كثيرة جميلة وثمينة وغنية بأفكارها نُشرت وتُنشر كل يوم. ولكن كتاب الحياة واحد. منه منبع الحياة الخالدة المنبعثة من قلب في قلب كل مؤمن. «الإنجيل المقدس» المخلص. ولذا يتحتم أن العهد الجديد والكنيسة تكّرم الكتاب كل الإكرام. وتتعدد وسائل تكريمها له. في الكنيسة نطوف بالكتاب ونزيّحه ونبخره ونقبّله ونطال عه. الكتاب المقدس يتربع وسط المائدة في الهيكل داخل كنائسنا.

وكل هذا كل الإكرام لأنه في نظرنا مقدس وموحى حسب قول الرسول بولس: «الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم…» (2 تي 3: 16 ). نحن نؤمن أن الكتاب مقدس لأن الروح القدس هو الذي ألهم الذين وضعوه، وهو الذي بمسحته القدوسة سيلهم أيضاً من يقرؤونه ويفسرونه.

الآباء القديسون كانوا خير حفظة للأمانة الرسولية، إذ أنهم دأبو عندما كثرت وتنوعت الكتب على تحديد ما يسمى بالكتب القانونية، وهي الأسفار التي قبلتها الكنيسة لأنها موحاة من الله. هذه العملية أخذت مراحل تطور تا ريخية امتدت خلال القرون الأربعة الأولى للمسيحية. البحث اللاحق يتابع هذه المراحل التاريخية في تكوين قانون كتب العهد الجديد، معتمداً على ما استطعت تحصيله من ترجمة في كتاب الأستاذ يوحنا كرافيذوبولوس (مدخل إلى العهد الجديد). مستمداً عوناً لا غنى عنه من آباء كن يستنا – كتبنا الناطقة – لكي أقدم بحثاً متواضعاً من أجل نيل العضوية في مدارس الأحد الأرثوذكسية.

العهد القديم ك “كتاب” للكنيسة الأولى:

قبل أن نرى المراحل التي مرت بها إجراءات تجميع كتب العهد الجديد ال«27 كتاباً» في جسم واحد ومعرفته من الكنيسة ك “كتاب مقدس”، أي تاريخ قانون العهد الجديد، يجب أولاً أن نجيب على السؤال التالي: أي كتابٍ كان للكنيسة الأولى؟

في كتب العهد الجديد عادةً نصادف العبارات: «الكتب، يقول الكتاب، المكتوب، على حسب الكتب… الخ» وبمقدار ما يذكر المسيح نفسه من هذه العبارات كذلك يذكرها كتاب الكنيسة الأولى الذي هو العهد القديم والمدعو كذلك «الناموس والأنبياء». يُظهر المسيح رأيه بالعهد القديم على أنه تصور وتخطيط مسبق لكل حياته وعمله وموته وقيامته وطبعاً يلخص رسالته المتعلقة بالعهد القديم بعبارته في العظة على الجبل: «لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل»  (مت 5: 17). والرسل بعد ذلك استندوا في كرازتهم على العهد القديم معلنين في كل اتجاه الإيمان أنه بشخص يسوع المسيح تحققت كل النبؤات، وكذلك الآباء وناظمي التسابيح الكنسيون فقد فسروا العهد القديم بمفاهيم خريستولوجية.

بدايات العهد الجديد كـ” كتاب”:

كما أخذت كلمة الرب شكلاً مكتوباً في الأناجيل الأربعة فإنها قد سلمت بشكل متوازي شفوياً كـ “تقليد” وهذه الكلمة أخذت موقع اليقين والصحة بصورة رئيسية في ضمير المسيحيين.

الرسول بولس يدعم أقواله دائماً في رسائله بصحة وقوة كلام الرب: «فإننا نقول لكم هذا بكلمة الرب» (اتس 4: 15)، «أوصيكم لا أنا بل الرب» (اكو 7: 10)، «هذا أمر الرب أن اللذين ينادون بالإنجيل من الإنجيل يعيشون» (اكو 9: 14)، «فأنا من الرب تسّلمت ما سّلمته إليكم» (1كو 11: 23)، «في كل شيء أريتكم أنه هكذا ينبغي أنكم تتعبون وتعض دون الضعفاء متذكرين كلمات الرب يسوع»(أع 20: 35).

وعلى نهج الرسل سار الآباء الرسوليين في اعتبارهم العهد القديم وأقوال الرب حقائق يمتلكونها دون سواها. من هذه الأشياء يُستدل على أنه في البداية كان يلعب تقليد الكنيسة الحي دوراً أولياً في نشر الحقيقة المسيحية.

بابياس أسقف ايرابوليس فريجيا، في بدايات القرن الثاني، بالرغم من أنه كان يعرف الأناجيل المكتوبة إلا أنه كان يعتمد على التقليد الحي أكثر من اعتماده عليها ونستدل على ذلك من خلال المقطع القادم الذي يعطينا تفصيلات دقيقة «ولكنني لا أتردد أيضاً عن أن أضع أمامكم مع تفسيري كل ما تعلمته بحرص من المشايخ (1) وكل ما أتذكره بحرص، ضامناً صحته………. لأنني لا أعتقد أن ما تحصل عليه من الكتب يفيدني بقدر ما يصل إلي من الصوت الحي، من الصوت الحي الدائم» (2).

إن الكتب التي كوّنت العهد الجديد هي الجزء المكتوب من الحقيقة المسيحية المسّلمة شفوياً ولكن حتى هذه الكتب لم تُعرف في ذاك العصر ككتاب مقدس إلا أنها كانت مقبولة في ضمير المسيحيين، لمصدرها الرسولي ولانسجامها مع الحقيقة التي امتلكتها الكنيسة كتقليد حي «من البدء شهود عيان وخدام» (لو 1: 2).

المجموعات الأولى لكتب العهد الجديد:

بعد كل ما ذُكر سابقاً عن استشهادات الآباء الرسوليين بالسيد، يبرز لدينا السؤال عما إذا كان ممكناً وجود بتحديد أكبر لمجموعات مكتوبة لكتب العهد الجديد داخل الكنيسة، إذا كان الجواب إيجابياً، متى صارت هذه المجموعات الأولى؟

لدينا شهادات واضحة عن مجموعة أولى في العام 140 م التي قام بها ماركيو ن الملحد في روما.

هذا يكون ابن أسقف في SINWPH TOU POUNTOU الذي التجأ إلى روما وأسس الكنيسة الخاصة به، وصيّر قانوناً مكوّناً من الإنجيل والرسالة، هذا القانون يحتوي على إنجيل لوقا (الذي كان مشاركاً ومرافقاً لبولس الرسول وبناءُ على ذلك كان يملك تعاليم بولسية ) وعشر رسائل لبولس بحسب الترتيب التالي:

(غل، 1+2 كو، رو، 1+2 تسا، اللاذقيين –هكذا سمّى أفسس-، كو، فل، في) ومن إنجيل لوقا اقتطع ماركيون ما لا يتوافق مع تعاليمه.

لكن هل كان ماركيون أول من ساهم بفكرة جمع كتب العهد الجديد بجسم واحد؟ هناك دلائل محددة تشير إلى الفكرة القائلة أنه حدث قبل ماركيون جمع لرسائل بولس الرسول وهي التالية:

– رسالة بطرس الرسول الجامعة الثانية – لكي نبدأ من نصوص العهد الجديد نفسها – بقدر ما  يكتب بشأن بولس الرسول «كما كتب إلينا أخونا الحبيب بولس أيضاً بحسب الكلمة المعطاة له كما في الرسائل كلها متكلماً عن هذه الأمور» (2 بط 3: 15-16). ويمكننا الافتراض بأن القراء المسيحيين كانوا يعرفون هذه الرسائل مجمّعة بهذا الشكل.

– كما أن أغناطيوس الأنطاكي (3) في بدايات القرن الثاني يذكر باستمرار عبارة «من بولس هذا الأمر» هذا يع ني أنه يعرف مجموعة ما من رسائله أنظر (رسالة أغناطيوس، إلى أفسس “12: 2″، “18: 1-1″، إلى أهل رومية “5: 1″، “9: 1″، إلى أهل أزمير “1: 1″، إلى أهل مغنيسية “1: 1″…إلخ).

– كذلك بوليكاربوس (4) أسقف أزمير في رسالته إلى أهل فيليبي، يستشهد بمعرفة رسائل بولس، ولكن وفقاً للطريقة التي يعبر بها، يمكن الافتراض أنه حتى أهل فيليبي يعرفونها، أنظر (1: 3)، (3: 3)، (4: 1)، (5: 3)، (6: 2)، (12: 1) ويصف أفسس أنها من الكتاب (4: 26).

– يوستينوس (5) لا يذكر بولس بشكل واضح ولا في أي مكان، لكن يبدو من تعابيره أنه يعرف رسائل بولس (رو، 1كو، غل، أف، كو، 2تس، تي، عب).

بالاستناد إلى الدلائل السابقة يمكننا القول بأن مجموعة من رسائل القديس بولس كانت قد وجدت في جسم واحد في نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني ومكان تجميع الرسائل يمكن أن يكون. كورنثوس (6) أو أفسس (7).

هل من الممكن أن يقال الشيء ذاته بالنسبة للأناجيل الأربعة؟

– قبل أواسط القرن الثاني لم يكن معترفاً بالأناجيل على أنها كتاب مقدس. في نصوص الآباء الرسوليين نلاحظ عدداً قليلاً جداً من أقوال الرب تُقدم كسفر مقدس.

بالطبع نجد فيها كلمة (إنجيل Euaggelio) بالمفرد، إلا أن هذا المصطلح لا يدل على الكتاب أو الكتب التي تتضمنه وإنما يدل على كرازة الكنيسة عن المسيح.

– في أواسط القرن الثاني يذكر يوستينوس كلمة (إنجيل Euaggelio) بحالة الجمع التي يصفها كـ «مذكرات للرسل» ويخبرنا أنها كانت تقرأ في اجتماعات العبادات المسيحية مع مؤلفات الأنبياء.«إن الرسل أوجدوا مذكرات كانت تدعى الأناجيل»

– إذاً في النصف الثاني من القرن الثاني يمكن الحديث عن مجموعة تحوي الأناجيل الأربعة كما سيصبح بشكل واضح أدناه بفضل المعلومات التي وردتنا من إيريناوس (8) ومن كُتاب إنجيليين آخرين في نهايات القرن الثاني. فيكون السؤال متى أُثبتت الأناجيل والرسائل وباقي كتب العهد الجديد كأسفار أو ككتاب عهد جديد؟……… المقطع القادم كفيل بإعطاء العناصر الضرورية للإجابة على هذا السؤال.

نهايات القرن الثاني، محطة هامة في تاريخ القانون:

إن فترة أواسط ونهاية القرن الثاني كانت حاسمة، حيث يذكر أفسافيوس (9) عبارة «كلمة إنجيل العهد الجديد» (10) نقلاً عن لسان أحد محاربي الهرطقة المونتانية (11)، ممكن أن تعود هذه العبارة إلى بوليكراتس أسقف أفسس، بهذا يكون الاستعمال الأقدم لمصطلح «العهد الجديد» كتعبير عن كتب العهد الجديد، يعود إلى سنة 192م، ولكن إلى عشرين أو ثلاثين سن ة أقدم إن ميليتون أسقف سارذيون يتحدث عن “الكتب القديمة ” أو «كتب العهد القديم» (12) مميزاً إياها عن كتب العهد الجديد، إلا أنه لا يستخدم مصطلح العهد الجديد الذي سيسود نهائياً في القرن الثالث وما بعد.

في نهاية القرن الثاني يستخدم إيريناوس أسقف لوغذونو (ليون اليوم ) كتب العهد الجديد فيجهاده ضد الغنوسيين (13) أكثر من أي كاتب كنسي آخر قبله، حيث استعمل في كتابه (مراقبة وتغيير المعرفة الكاذبة ) 1075 آية تقريباً من كل كتب العهد الجديد ما عدا (فل، 2 بط، 3 يو، يه ) ويوضح سلطة الأناجيل ذات الأربعة أشكال، ويشرح معنى الرموز الأربعة للإنجيليين الأربعة لكي يبرز وجود أربعة أناجيل ( 9-8، 11 )، وأيضاً عدا عن كتب العهد الجديد (الأناجيل، الأعمال، رسائل بولس، الرؤيا، ومن الرسائل الجامعة ( 1بط، 1+2 يو) فإنه يضيف إليها «الراعي لهرماس» من الكتاب.

في ذات العصر يذكر كليمند وس الإسكندري (14) الكتاب كمايلي: الأناجيل الأربعة التي ميزها بوضوح عن الأبوكريفا (15)، ويقبل أيضاً الأربعة رسالة لبولس مع الرسالة إلى العبرانيين، الأعمال، الرسائل الجامعة (ابط، 1 + 2 يو، يه)، والرؤيا (93، 13 ).

قانون موراتوري:

في سنة 1740 وجد راهب اسمه «موراتوري» نص مهم لحالة القانون خلال القرن الثاني وهو عبارة عن مقتطفات من مخطوط ة في مكتبة أمبروسياني في ميلان، وهذا القانون عُرف بـ «قانون موراتوري» ويعود هذا النص إلى عام 200م تقريباً، على الأرجح أنه مكتوب في كنيسة روما. يعبر هذا النص عن أفكار كنيسة ككل لا عن أفكار شخص منفرد، يذكر هذا القانون 23 كتاب من كتب العهد الجديد مع معلومات (مداخل) مختصرة. ولغته لاتينية صعبة الفهم مما يقودنا إلى الافتراض بأنها مترجمة ترجمة سيئة عن الأصل اليوناني.

الكتب المنصوصة والمعدّدة في قانون موراتوري هي : الـ 4 أناجيل يذكر أن الإنجيل الرابع منها قد أتى من تلميذ المسيح يوحنا، أعمال الرس ل التي أتت من الإنجيلي لوقا، الرسائل الثلاثة عشر لبولس مع مقدمة الرسالة الأولى إلى كورنثوس (1 + 2 كو، أف، كو، غل،1 + 2 تس، رو، فل، تي، 1 + 2 تي) مع الملاحظة أنه كما يوحنا كتب إلى الكنائس السبعة (رؤ 2 – 3)، هكذا أيضاً بولس إلى كورنثوس، أفسس، فيليبي، كولوسي، غلاطية، تسالونيكي ورومية أيضاً كذلك إلى فيلمون وتيموثاوس والـ 3 رسائل الجامعة (1 + 2 يو، يه) رؤيا يوحنا ورؤيا بطرس، ويشار إلى الثانية أن العديدين لم يرغبوا بأن تقرأ في الكنيسة. وتغيب رسالة العبرانيين ال تي حتى نهاية القرن الرابع لم تُدرج بين الكتب القانونية في الغرب. كما أن غياب رسالة بطرس الأولى من القانون غير مفسر على الرغم من أنها كانت تعتبر قانونية من قبل ايريناوس، ترتليانوس (16)، كليمندوس الإسكندري وإيبوليتوس.

نستطيع أن نقول باختصار أنه خلال نهايات القرن الثاني صارت أغلب كتب العهد الجديد الـ 27 تعد قانونية أي : الأناجيل الأربعة، الأعمال، الـ 13 رسالة للرسول بولس (ماعدا الرسالة إلى العبرانيين عند كُّتاب معينين)، من الرسائل الجامعة بشكل واضح فقط رسالة بطرس الأولى ورسالة يوحنا الأولى وأخيراً رؤيا يوحنا.

مناقشات عن كتب محددة من القانون خلال القرن الثالث:

في القرن الثالث لم تحدث أية مناقشات حول قانونية : الأناجيل الأربعة، الأعمال، رسائل القديس بولس الـ 13 والرسائل الجامعة الكبرى، أي الكتب التي كانت قد فُرضت كأسفار مقدسة منذ نهاية القرن السابق.

إلا أن الخلافات بين ترتيبات الكنائس المحلية يُلاحظ في الرسائل الجامعة الصغرى ( 2بط، 3+2 يو، يه ) كما عن الرسالة إلى العبرانيين (رُفضت بشكل رئيسي في الغرب ) وأيضاً الرؤيا (رُفضت بشكل رئيسي في الشرق).

حالة القانون في بدايات القرن الثالث لها صدى في أعمال أوريجانس (17) الذي شهادته أيضاً لها أهمية كبيرة، لأن هذا الكاتب الكنسي الكبير كان يسافر إلى كنائس كثيرة (اليونان، آسيا الصغرى، روما، مصر، فلسطين ) وكان يعرف آراء الكنائس المختلفة فيما يختص بكتب العهد الجديد. هكذا فإنه بحسب أوريجانس، العامل الأساسي للاعتراف بقانونية كتاب ما ليس فقط المصدر الرسولي ولكن أيضاً بشكل رئيسي الاتفاق المهم للكنيسة التي بما أنها مرشدة من قبل الروح القدس فإنها قادرة على التمييز بين الكتب الموحى بها والكتب غير الموحى بها، ويستخدم أوريجانس تعبير «العهد الجديد» الذي كان» قد ثبت استعماله، ورتب أسفاره في مجموعتين: الكتب «المعترف بها» أو «التي لا اعتراض عليها» والكتب«المشكوك بأمرها» (18).

في الفئة الأولى : الأناجيل الأربعة، رسائل القديس بولس ال 13 والرسالة إلى العبرانيين (التي عليها شكوك من ك نائس معينة، فقط في موضوع نسبتها إلى بولس الرسول )، الأعمال، رسالة بطرس الأولى الجامعة، رسالة يوحنا الأولى الجامعة، الرؤية.

في الفئة الثانية : والتي تدعى (المشكوك بها ) لأن الكنائس لم توافق عليها بالإجماع وهي رسالة بطرس الثانية الجامعة، رسالة يوحنا الثانية والثالثة الجامعة، رسالة يعقوب، رسالة يهوذا.

كذلك يستخدم أوريجانس عدة كتابات أخرى لعدة مرات كأنها أصيلة جداً لكنه لا يعتبرها قانونية أو موحاة. هذه الأعمال هي: الراعي لهرماس، رسالة كلميندوس الأولى، أعمال بولس، رسالة برنابا، تعليم الرسل.

وأخيراً يعتبر بعضها كاذبة وهي الأناجيل الهرطوقية مثل إنجيل توما، فاسيليذي، متياس، الإثني عشر والذي بحسب المصريين.

في أواسط القرن الثالث، ديونيسيوس تلميذ أوريجانس الذي كان مسؤولاً عن مدرسة الإسكندرية للتعليم وفيما بعد أسقفاً على الإسكندرية، هذا في محاربته ضد الأسقف «أرسينوس نيبوتا » صاحب بدعة الألفية (19) الذي استشهد بكتاب الرؤية، زعم بأدلة لغوية أن هذا الكتاب (أي الرؤية ) لم يُؤلف من تلميذ المسيح يوحنا لاختلافه عن نمط أعماله (الإنجيل والرسائل ) بل كُتب من كاتب كنسي آخر ملهم والذي كان يدعى أيضاً يوحنا.

إلا أن أفكاره هذه لا تقودنا إلى رفض قانونية هذا الكتاب، بينما تلامذة أوريجانس الآخرين وأيضاً مدرسة أنطاكية التي أسسها لوكيانوس (20) لا يقبلون الرؤيا ككتاب لقانون العهد الجديد.

 بشكل عام وُجد الشرق متحفظاً كثيراً بالنسبة لسفر الرؤية. الأمر الذي يعكسه الواقع الليتورجي، فإن الكنيسة لم تحدد قراءات من هذا السفر في الليتورجيا. هذا بالإضافة إلى أن 2/ 3 ثلثي مخطوطات العهد الجديد تقريباً لا تحوي هذا السفر.

الصياغة النهائية للقانون خلال القرن الرابع:

– جاء أفسافيوس حوالي سنة 325 م، بعد قرن واحد تقريباً من أوريجانس في تاريخه الكنسي، مميزاً المجموعات التالية للكتب (21) :

 – الأسفار المعترف بها : يذكر تباعاً الأناجيل الأربعة المقدسة، أعمال الرسل، رسائل القديس بولس (دون أن يميز الرسالة إلى العبرانيين )، رسالة يوحنا الأولى، رسالة بطرس الأولى، ويصنف معها أيضاً الرؤية. ولكن يشير إلى آراء معارضة لها.

ب – الأسفار غير المعترف بها : الرسائل المعروفة لكثيرين، يعقوب، يهوذا، بطرس الثانية، يوحنا الثانية والثالثة.

ج – الأسفار غير القانونية : أعمال بولس، الراعي لهرماس، رؤيا بطرس، رسالة برنابا، تعليم الأثني عشر، إنجيل العبرانيين، رؤيا يوحنا.

د – الأسفار الهرطوقية : إنجيل بطرس، إنجيل توما، إنجيل ميتاس وآخرون، أعمال أندراوس ويوحنا ورسل آخرون.

– الرسالة الاحتفالية التاسعة والثلاثين للقديس أثناسيوس (22) سنة 367م اعتبرت المحطة الأخيرة في تطور «تشكل القانون» التي ذكر فيها الكتب السبعة والعشرون للعهد الجديد على أنها كتب قانونية بالترتيب التالي: الأناجيل الأربعة، الأعمال، الرسائل السبعة الجامعة (يعقوب، بطرس الأولى والثانية، يوحنا الأولى والثانية والثالثة، يهوذا)، الرسائل الأربعة عشر للقديس بولس (بالنسبة للرسالة إلى العبرانيين وُضعت بعد رسالة تسالونيكي الثانية وقبل الرسائل الرعائية ورسالة فيلمون)، وأخيراً الرؤيا.

ويلاحظ أن القديس أثناسيوس الكبير هو أول من استعمل اصطلاح «قانون» في إعلان مجموعة كتب الكتاب المقدس. وكلمة «قانون» قديماً تعني المسطرة أو مستوى العمارة ومجازياً تعني المقياس الذي وفقه نقارن الأشياء الأخرى بالإضافة إلى أنها تعني اللائحة أو القائمة وبهذا المعنى تستخدم في الرياضيات وعلم الفلك والتاريخ.
الكتب الذي يذكرها القانون تسمى الكتب القانونية بينما كتاب «الرعي» لهرماس يوصف بأنه أحد الكتب «التي لا تنتمي إلى القانون». هكذا فإن الكتب التي تنتمي إلى قانون الكتاب تُدعى «قانونية» بينما الكتب الأخرى فتدعى «غير قانونية» أو «منحولة».

قانون العهد الجديد والكنيسة:

والسؤال الآن، كيف وُجهت الكنيسة إلى تجميع الكتب التي تحتوي الحقائق الخلاصية أي إلى بنية القانون، بعض الباحثين كما لاحظنا سابقاً، يجيبون زاعمين أن الهرطوقي ماركيون في بنية قانونه الذي تكوَّن من الإنجيل بحسب لوقا ومقتطفاً أيضاً من عشر رسائل لبولس، أنه ساعد الكنيسة في أن تَجمّع كتبها الملهمة لكننا رأينا أن ماركيون لم يكن أول من أدرك فكرة القانون، قبله وجدت دلالات من العهد الجديد ومن كَّتاب كنسيين في بدايات القرن الثاني، لأول مجموعة لكتب بولس ، ربما ماركيون ساعد في أن توّجه الكنيسة بشكل أسرع إلى بنية نهائية لقانون كتبها الملهمة.

العامل الثاني الذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار هو رواج الأعمال الأبوكريفية خلال القرن الثاني، تحّفظ المسيحيين من التعاليم الهرطوقية التي كانت محتواة في بعض الأعمال الأبوكريفية أو من معلوماتهم الخيالية غير المدروسة، وهذا كان الهم الأساسي للكنيسة.

لذلك من جهة كان على الكنيسة أن تواجه ماركيون الذي اختصر الكتب الرئيسية إلى إنجيل واحد وعشر رسائل، ومن جهة أخرى كان عليها أن تواجه الهرطقات المختلفة، والحركات ال غنوسية الذين كانوا يضعون كثيراً من نصوص الكتابات الكاذبة. فوسعت قانونها ضد ماركيون بإبرازها الأناجيل الأربعة ورسائل بولس مع بقية رسائل العهد الجديد بالإضافة أيضاً إلى الرؤية، وضد الغنوسيين حصرت النصوص الرسولية الموحى بها من الله والأصلية والتي بها تكّون بشكل نهائي قانون العهد الجديد.

من هنا فإن الذي يجب تأكيده، أن الكنيسة كانت م وجودة قبل القانون ومرُشَدة من الروح القدس مميزة الكتب الموحى بها من غير الموحى بها.من الممكن أن يكون ماركيون وكتب ال غنوسيين المنحولة قد أثروا كمحفزات لتشكيل القانون ولكن أيضاً وبشكل أساسي إن الكنيسة كانت تريد أن تثبّت أساسات مبادئ إيمانها التاريخية في شخص يسوع المسيح من أجل حياتها الليتورجية والبشارية.

وفي تحديد العلاقة بين الكتاب المقدس والكنيسة يُلاحظ أنه لا يكون صحيحاً في أن يُبَالغ في التركيز على سيادة الواحدة على حساب الأخرى. وطبعاً فإن الكنيسة بدون كتاب تشبه مركبة بدون عجلات، وكذلك فإن الكتاب المقدس بدون كنيسة فإنه يكون بدون فعالية وبدون تفسير، ولو كّنا نملك الكتاب المقدس فإننا نملك الكنيسة لأنها تضمنت فيه وفسرته، مُديّنةً التفاسير الهرطوقية. وبدون الموهبة التفسيرية للروح القدس والتي “تشكل أمر راسخ في الكنيسة “، الكتاب المقدس يبقى «مختوماً بختوم سبعة» ( رؤ 5 :1 ).

تاريخ اقانون الكتاب المقدس

ترجمة: عامر خميس


(1) ھكذا كان یدعى آباء الكنیسة في العصور السابقة

(2) أفسافیوس القیصري، تاریخ الكنیسة،(3″39: 3-4).

(3) أنطاكي الأصل، يوناني الثقافة، ولِد وثنياً حوالي سنة 35م، نال إكليل الشهادة في روما بين عامي 107 و117م.

(4) كان تلميذاً للرسول يوحنا الإنجيلي.

(5) فیلسوف، استشھد في منتصف القرن الثاني( 150 م).

(6) جنوب الیونان حالیاً.

(7) غرب تركیا حالیاً.

(8) ھو أسقف لیون، كان تلمیذاً للشھید بولیكاربوس أسقف أزمیر، ومعاصراً لیوسیفوس الشھید.

(9) من أقدم مؤرخي تاریخ الكنیسة، عاش ما بین (264- 340م)، انحرف عن الإیمان المستقیم لتأثره بالآریوسیة.

(10) أفسافیوس القیصري، تاریخ الكنیسة، ( 5ً 16: 3)

(11) أسسھا مونتانیوس في فریجیا، و علًم تعالیم غریبة لاعتقاده أن حیاة أعضاء الكنیسة الروحیة و الأخلاقیة قد تدھورت، فقد أراد أن یردّھا إلى العصر الرسولي.

(12) أفسافیوس القیصري، تاریخ الكنیسة، (4ً  26: 14).

(13) هم أتباع الھرطقة الغنوسیة، و یعتقدون بالقدرة على فھم حقائق الحیاة المسیحیة و أسرارھا عن طریق العقل، بدأت قبل المسیحیة و استمرت فیھا بعد أن خلق أتباعھا مزیجاً غریباً و خطیراً یبتعد كثیراً عن تعلیم المسیحیة الحقیقي.

(14) ھو یوناني الأصل، علّم في مدرسة الإسكندریة اللاھوتیة، تركھا سنة 202م بسبب الإضطھادات، و اعتبرتھ الكنیسة من آبائھا و إن لم ترفعھ إلى رتبة القداسة.

(15) وأیضاً تدعى “المنحولة” و ھي الكتابات المسیحیة التي لم تقبلھا الكنیسة ضمن الكتب القانونیة للعھد الجدید.

(16) ولد من عائلة وثنیة، بین سنة 106 – 155م في مدینة قرطاجة، اھتدى إلى المسیحیة و ھاجم الوثنیة و الیھود والھراطقة، وھذا التطرف في المواقف جعلھ غیر صبور و كثیر المبالغة في مواقفھو كثیر التناقضات في أفكاره.

(17) ھو عالم مسیحي من الإسكندریة، أسس مدرستھ فیھا، و لكن لدى الكنیسة الأرثوذكسیة تحفظاً منھ فھي لا تعده من آبائھا بل من فئة الكتّاب الكنسیین، (185- 250م).

(18) أفسافیوس القیصري، تاریخ الكنیسة، (6ً  25).

(19) ھرطقة ظھرت في البدایات المسیحیة، أتباعھا یعتقدون بأن المسیح سیأتي عاجلاً لیؤسس مملكة أرضیة یملك فیھا مع الأبرار و تدوم ألف سنة بناءً على تفسیر حرفي و سطحي لبعض آیات الكتاب المقدس أھمھا من الرؤیة (20 : 4- 7).

(20) أسس مدرستھ في أنطاكیة و كان أول المعلمین فیھا.

(21) أفسافیوس القیصري، تاریخ الكنیسة، (3ً  25).

(22) ولد في الإسكندریة سنة 295 م ، بعد أن سیم شماساً حضر مجمع نیقیة، صار أسقفاً على كرسي الإسكندریة، نَفي خمسة مرات من مضطدیھ، و توفي سنة 373 م.

arArabic
انتقل إلى أعلى