في أن في ربنا يسوع المسيح فعلين

فعل المسيح مزدوجٌ طبعاً: نقول بأنّ في ربّنا يسوع المسيح فعلين، لأنّ له على التساوي -بصفته إلهاً مساوياً للآب في الجوهر-، الفعل الإلهي، وله -بصفته إنساناً مساوياً لنا في الجوهر- فعل الطبيعة البشرية.

تحديد الفعل ومشتقّاته: واعلمْ أنّ الفعل بالقوّة ενεργεία شيءٌ والفعلَ الفعّال ενεργητικόν شيءٌ آخر، والفاعل ενέργημα شيءٌ آخر. فالفعل بالقوّة هو حركة الطبيعة الفاعلة الجوهرية، والفعلَ الفعّال هو الطبيعة التي يصدر منها الفعل، والمفعول هو حصيلة الفعل، والفاعل هو الذي يفعل الفعل أو الأقنوم. ويُقال أيضاً للفعل مفعولاً وللمفعول فعلاً، مثلاً: يُقال للمخلوق خلقاً فنقول هكذا: كلُّ الخلقِ ونعني المخلوقات.

واعلمْ أنّ الفعل حركة، وهو يُفعل به أكثر مما يُفعل، كما يقول غريغوريوس اللاهوتي في كلامه عن الروح القدس: “ومذ يكون الفعل يكون الانفعال-ذلك واضح وينتهي مع الانفعال-“.

ويجب أن تعلم أنّ الحياة ذاتها فعلٌ، بل هي الفعل الأول للحيّ، بل هي تدبير الحيّ كلّه، للتغذية كان أم للنموّ، ذلك في الميدان الطبيعيّ. وهي الحركة في الاندفاع أي في الإحساس، وهي الحركة العاقلة والحرّة. والفعل كمال القوّة. فإذا شاهدنا هذه الأمور كلها في المسيح نقول حينئذٍ بفعل بشريّ فيه.

أنواع الفعل الأخرى نظراً إلى الاتحاد الحاصل في المسيح: إنّ الهجس الأول الذي يقوم فينا يُسمى فعلاً. وهو فعلٌ بسيط وبدون ارتباط، ذلك عندما يُطلِق العقلُ في ذاته هواجسه الخاصة بلا وضوح وهو بدونها لا يستحقّ أن يسمّى عقلاً. ويسمّى أيضاً فعلاً تبيانُ الكلام بلفظه وإيضاح معانيه، وهو ليس بعدُ بدون ارتباط وبسيطاً، بل هو ظاهرٌ في ارتباطه مركباً من هجس وكلمة. وأيضاً الارتباط نفسه هو للعامل على أن يكونَ الحدث هو أيضاً فعل. والشيء نفسه الذي يتمّ يُقال له فعلاً، أكان الإتمام مختصّاً بالنفس وحدها أو كان مختصّاً بالنفس في استعمالها الجسد أو كان مختصّاً بالجسد العائش في حياة عقليّ’، لأن العقل -في نظره إلى ما سيكون- يفعل ذلك بواسطة الجسد. وعليه فإنّ السيطرة هي للنفس تستعمل الجسد بمثابة آلة لتسييره وتقويمه. أمّا فعل الجسد -الذي تدفعه النفس وتحركه- فهو غير ذلك، فإنّ الإتمام -بالنسبة إلى الجسد- لمسٌ وضبطٌ وكأنما هو استملاك، بينما هو -بالنسبة إلى النفس- شبه تصوير وتصميم لما سيصير. والفعل في ربّنا يسوع المسيح هو على هذا النحو. فإنّ فعل العجائب هو لقوة لاهوته. أمّا العمل بالأيدي والمشيئة والقول “شئت فاطهر” (متى8: 3) هو فعل ناسوته. ومن أفعال ناسوته، كسر الخبزات وإسماع الأبرص: “شئتُ”. أمّا من أفعال لاهوته، فتكثير الخبز وشفاء الأبرص، فإنه بتفاعل النفس والجسد المتبادل قد اتّضح الفعل الإلهي بأنه واحد وأنه هو هو في مصدره وأنه متساوٍ. فكما نعرف أن الطبيعتين متّحدتان، وأنّ لهما النفوذ إحداهما في الأخرى، وأننا لا ننكر تباينهما، بل نعدّهما ونعرفهما غير منقسمتين، كذلك أيضاً نعرف ارتباط المشيئتين والفعلين ونقرّ بتباينهما ونعدّهما ولا نُدخل فيهما انقساما. فعلى نحو ما قد تألّه جسده ولم ينل طبيعته تغيير، فعلى هذا النحو ذاته، إنّ المشيئة والفعلَ قد تألها ولم يخرجا عن حدودهما، لأنّ هذا وذاك واحدٌ ولأنه هو نفسه الذي يشاء ويفعل على هذا النحو وعلى ذاك النحو أي إلهياً وبشرياً.

نتيجة الطبيعتين تمييزُ الأفعال: يتحتّم إذاً علينا أن نتكلم عن فعلين في المسيح بسبب تثنية الطبيعة. فمَن كانت طبيعتهم مختلفة يكون فعلهم أيضاً مختلفاً. ومَن كان فعلهم مختلفاً تكون طبيعتهم مختلفة. وبعكس ذلك، من كانت طبيعتهم هي هي، يكون فعلهم واحداً، ومن كان فعلهم واحداً يكون جوهرهم واحداً، على ما جاء في الآباء المتكلمين بالله. وعليه يجب اختيار واحد من اثنين: إمّا القائلين بفعل واحد في المسيح يقولون بالجوهر الواحد أيضاً، وإما -وإذا بحثنا عن الحقيقة- نعترفُ مع الإنجيل والآباء بالجوهرين، متّبعينهم في إجماعهم على الاعتراف بالفعلين المناسبين لهما. فمن كان مساوياً لله الآب في الجوهر يكون مساوياً له بالفعل أيضاً، وهو نفسه لمّا كان مساوياً لنا في الناسوت، فهو مساوٍ لنا بالفعل. ويقول المغبوط غريغوريوس أسقف نيصص: “من كان فعلُهم واحداً حتماً تكون قوّتهم نفسها متساويةً”. لأن كلّ فعل نتيجة قوة، ولا يمكن وجود طبيعة واحدة أو قوّة واحدة أو فعل واحد من طبيعة غير مخلوقة ومخلوقة. وإذا قلنا بفعل واحد في المسيح، فننسب للاهوت المسيح آلام نفسه العاقلة أعني الخوف والحزن والنزاع.

اعتراضات الأخصام والرد عليها: وإذا قالوا بأن الآباء القديسين -في جدالهم في الثالوث الأقدس- قد أعلنوا: “إنّ الذين جوهرهم واحد يكون فعلهم أيضاً واحداً، والذين جوهرهم متباين يكون فعلهم أيضاً متبايناً”، وإنه لا يجوز أن ننقل إلى التدبير ما يختص بعلم اللاهوت، فنجيب: لو كانت أقوال الآباء في اللاهوت وحسب، ولو كان فعل الابن -بعد التجسد- ليس فعل الآب نفسه، لكان جوهره أيضاً ليس جوهر الآب نفسه. ولمن إذاً ننسب هذا القول: “إنّ أبي حتى الآن يعمل وأنا أيضاً أعمل” (يوحنا5: 17)، وأيضاً: “ما يرى الآب يعمله…فهذا يعمله الابن أيضاً على مثاله” (يوحنا5: 19)، وأيضاً: “إذا لم تؤمنوا بي فآمنوا بأعمالي” (يوحنا10: 38)، وأيضاً: “الأعمال التي أنا أعملها تشهد لي” (يوحنا10: 25)، وأيضاً: “لأنه كما أنّ الآب يُقيم الموتى ويحييهم كذلك الابن يحيي من يشاء” (يوحنا5: 21). فإن هذه كلّها ليست تُظهر -بعد تجسده- تساويه للآب في الجوهر فحسب، بل هي تُظهر فعله أيضاً.

وأيضاً لمّا كانت العناية بالكائنات -بعد التجسد- لا تختص بالآب والروح فحسب، بل هي تختص أيضاً بالابن، وبما أنّ -بعد التجسد- هذا أيضاً فعل، فإنّ فعلَ الابن هو فعل الآب أيضاً.

وإذا كنّا نعرف من عجائب المسيح أنه مساوٍ للآب في الجوهر، وكانت العجائب فعل الله، إذاً فإنّ فعل المسيح -بعد تجسّده- هو فعل الآب.

لو كان فعل لاهوته وفعل جسده واحداً لكان هذا الفعل مركباً، ولكان للآب فعلٌ آخر أو كان الفعل مركباً. ولو كان فعل الآب مركباً لكانت طبيعته أيضاً كذلك!!!

وإذا زعموا بأنّ الأقنوم يُستنتجُ من الفعل فنجيب: لو كان الأقنوم يُستنتج من الفعل لكان -بموجب المنطق السليم- يُستنتج الفعل أيضاً من الأقنوم. وحينئذٍ، كما أنّ وجوه الثالوث الأقدس أو أقانيمه ثلاثة، تكون كذلك الأفعال ثلاثة، أو كما أن الفعل واحد يكون الفعل أو الأقنوم كذلك واحداً. لكن الآباء القديسين قد قالوا بصوت واحد: إن كان جوهرهم واحداً فيكون فعلهم واحداً.

وأيضاً، لو أنّ الأقنوم يُستنتج من الفعل لكانت الأحكام القاضية بالسكوت عن فعل أو فعلين في المسيح لا تحدّد القول بأقنوم أو أقنومين.

مثل مألوف لدى باسيليوس وغيره: وكما تُصان طبيعتا النار والحديد في السكّين المحمّاة كذلك فعلاهما أيضاً ونتائجهما. لأنّ الحديد يبقى له قطعُه والنار حرقها. والقطع نتيجة فعل الحديد، والحرق نتيجة فعل النار. ويسلم تباينهما في القطع الحارّ وفي الحرق القاطع، حتى أنه -بعد الاتحاد- لا يكون حرقٌ بدون قطع ولا قطعٌ بدون حرق. ومع ذلك فإننا لا نقول بسكينين حارقتين بسبب ازدواج الفعل الطبيعي، ولا نعمل على خلط فارقهما الجوهريّ بسبب وحدة السكين الحارقة. وهذا هو الحاصل أيضاً في المسيح. لأنّ فعله الإلهي القدير يعود إلى لاهوته وفعله الذي هو على مثالنا يعود إلى ناسوته. ونتيجة الناسوت بأن أمسك بيد الصبية وأنهضها. ونتيجة اللاهوت أن أحياها (راجع لوقا 8: 54-55)، فإن هذا الفعل شيء وذاك شيء آخر، وإن كان الفعلان لا يفترقان أحدهما عن الآخر في تصرف الرجل-الإله. فلو كان أنه بسبب أن أقنوم الرب واحد كان فعله واحداً، لكان أيضاً أنه بسبب وحدة الأقنوم أن الجوهر أيضاً واحد.

وأيضاً إذا قلنا بفعل واحد في المسيح نضطرُّ إلى القول بأنه إلهيّ أو بأنه بشري أو بأنه لا هذا ولا ذاك. فإذا قلناه إلهياً نعترف بأنّ المسيح إله فقط مجرد عن الناسوت الذي هو فينا. وإذا قلناه بشرياً نكفر بقولنا أنه مجرد إنسان. وإذا قلناه لا إلهياً ولا بشرياً، أي لا إلهاً ولا إنساناً فلا يكون مساوياً في الجوهر لا لله الآب ولا لنا. -إنّ هوية المسيح قد تكوّنت من اتحاده في أقنومه بالجسد، ولم يزل تباين الطبيعتين باقياً. ومن الواضح أنه، بسلامة تباين الطبيعتين، سلُم فعلاهما أيضاً، لأن لا طبيعة بلا فعل.

الفعلُ الطبيعيُّ دليلٌ على الطبيعة: لو كان فعل المسيح واحداً لكان إما مخلوقاً أو غير مخلوق، ولا ثالث بينهما، وكذلك قل عن الطبيعة، فإن القول بأنه مخلوقٌ يوضح الطبيعة المخلوقة وحدها، والقول بأنه غير مخلوق يُميز الجوهر غير المخلوق وحده، لأنه يتحتّم على الطبيعيات أن تتجاوب مع الطبائع، فلا يمكن أن يكون وجودٌ لطبيعة ناقصة. والفعل الذي هو بحسب الطبيعة لا يكون من خارج. وواضح أن الطبيعة لا يمكنها أن تكون ولا أن تُعرف بدون الفعل الذي هو بحسب الطبيعة. ومن ثمّ كلٌّ تتأكّد طبيعته من فعله. وهذا لا مهرب منه.

ولو كان فعلُ المسيح واحداً لكان هو نفسه صانع الإلهيات والبشريّات. ولكن لا يمكن أحد الكائنات -مع بقائه في مستوى طبيعته- أن يصنع المتناقضات. فإن النار لا تبِّرد وتسخِّن، ولا الماءُ ييبِّس ويرطِّب. فكيف إذاً من هو إله طبعاً وصار إنساناً طبيعة يمكنه أن يصنع المعجزات وأن يحتمل الآلام بفعل واحد؟

وعليه، إذا كان المسيح قد اتّخذ عقلاً بشرياً -أي نفساً عاقلة وناطقة- فإنه يعقل حتماً ويعقل دوماً. وفعل العقل التفكير. فالمسيح إذاً يعمل بصفته إنساناً ويعمل دوماً.

آلام المسيح فعلٌ: إن القديس العظيم يوحنا الذهبي الفم الجزيل الحكمة -في العظة الثانية من تفسيره أعمال الرسل- يقول هكذا: “لا يخطأُ من يسمّي آلام المسيح عملاً. لأن المسيح، في احتمالها كلها، قد أنجز ذلك الصنيع العظيم بتحطيمه الموت وصنعه الأشياء الأخرى كلّها”.

مردُّ أفعال المسيح عموماً إلى الصورتين كلتيهما: لما كان التقليد لدى الأرباب في الموضوع أنّ كل فعل هو الحركة الجوهرية لطبيعةٍ ما، فأين رأى أحد قط طبيعة بلا حركة، أو بدون فاعلية البتة، أو أين وجد فعلاً خالياً من حركة قوته الطبيعية؟ فأنْ يكون فعلُ الله الطبيعي وفعل خليقته واحداً لا يسلّم به ذو المنطق السليم، على ما قاله كيرلس المغبوط. فإنّ الطبيعة البشرية لم تمنح الحياة لآلعازر، والقدرة الإلهية لا تبكي، لأن الدمع خاصّ بالناسوت، والحياة هي من اختصاص الحياة الأقنومية. لكنّ كلاًّ من هذه وتلك في الاشتراك معاً بسبب وحدة هوية الأقنوم. فإنّ المسيح واحدٌ وواحدٌ هو وجهه أو أقنومه. لكنه مع ذلك حاصل على طبيعتين، لاهوته وناسوته. فمن اللاهوت إذاً يصدر المجد صدوراً طبيعياً، ويشملهما كلتيهما بسبب وحدة هوية الأقنوم، ومن الجسد تصدر الضعة التي تشملهما كلتيهما أيضاً. ولأنّ هذا وذاك نفسيهما واحدٌ أيضاً -أي الإله والإنسان- فيخصّ هذا الواحد -ما للاهوت وما للناسوت. فمن جهة يعمل اللاهوت المعجزات، ولكن ليس من دون الجسد، ومن جهة أخرى يعمل الجسد الأمور الوضيعة، ولكن ليس بمعزل عن اللاهوت. فإنّ اللاهوت الذي استمرّ لا يتألّم كان متّحداً بالجسد المتألِّم، والآلام أنجزت الأعمال الخلاصية. وكان العقل المقدس الناظر إلى ما يحدث والمدرِك لها يعمل متحداً بلاهوت الكلمة.

فإن اللاهوت كان يطفو بمفاخره الخاصة على الجسد ويبقى هو نفسه منزّهاً عن آلام الجسد. فليس كما كان يفعل اللاهوت بالجسد كان كذلك جسده يتألم بلاهوته، لأن الجسد هو بمثابة آلة للاهوت. وعليه، إذا كان المسيح منذ بدء الحبل به غير منفصل البتة من كلتا الصورتين، بل كانت أعماله -في المدّة كلّها- صادرة من شخص واحد بموجب كلتا الصورتين، فإننا مع ذلك لا نخلط في حال من الأحوال ما قد صار بلا انفصال، بل نشعر -من صفة الأعمال- ما هي ومن أية صورة هي.

كان الناسوت يفعل بمبادرة من اللاهوت: وعليه فإنّ المسيح كان يفعل بحسب كلٍّ من طبيعتيه وكانت تفعل كل طبيعة بالاشتراك مع الأخرى. وكانت المبادرة للكلمة من عمل ما يختصّ بالكلمة وكان الأمر والسلطة للاهوته في كل ما هو سيطرة وتملّك. أما الجسد فكان يعمل بأمر الكلمة المتحد هو به -وقد أصبح شيئاً خاصاً به، فلم ينطلق من ذاته إلى الآلام الطبيعية ولا كان له من ذاته النفور والاستنجاد من المحزنات أو ممّا داهمه من خارج، بل سار في مساق الطبيعة حين شاء الكلمة وأطلق له -بحسب تدبيره- أن يتألّم ويعمل ما يختصّ به، لكي تفوز الحقيقة بالثقة بواسطة أعمال طبيعته.

كان المسيح ينجز البشريات بطريقة إلهية، والإلهيات بطريقة بشرية: وكما تجوهر -في الحبل به- تجوهراً يفوق الجوهر، كذلك كان يعمل أعمال البشر بما يفوق الإنسان. فقد مشى على الماء السائل بأقدام ترابية -والماء باقٍ على حالته غير الترابية- لكنه انتصب واقفاً بقوة لاهوته الفائقة الطبيعة على ما قد تجمد من ماء، دون أن يهوي تحت ثقل قدميه الماديتين. فلم يكن يعمل الأعمال البشرية على الطريقة البشرية، لأنه لم يكن إنساناً فحسب، بل إلهاً أيضاً. ولذا فقد كانت آلامه محيية وخلاصية. ولم يكن يعمل الإلهيات على طريقة الله، لأنه لم يكن إلهاً فحسب، بل إنساناً أيضاً. ولذا فباللمس والكلام وغيرهما كان يصنع المعجزات.

جواب ذوي المشيئة الواحدة: وإذا قالوا بأننا لسنا نقول بفعل واحد في المسيح لإزالة الفعل البشري، بل ذلك لأنه مسلّم به أن الفعل البشري انفعالٌ يتناقض مع الفعل الإلهي، فبهذا المعنى نقول بفعل واحد في المسيح. ونحن نجيبهم على حسب منطقهم هذا: إنّ القائلين بطبيعة واحدة هم أيضاً لا يقولون بها لإزالة الطبيعة البشرية، بل ذلك لأن الطبيعة البشرية في تناقض مع الطبيعة الإلهية المقولِ فيها بأنها منفعلة. أمّا نحن فحاشا لنا أن ندعو الحركة البشرية انفعالاً لبُعادها على الفعل الإلهي، بل نقول، على الإطلاق، بأنه ليس من وجود يُعرف ويحدد بالمقابلة أو بالمعارضة مع غيره لأنّ بذلك تصبح الأعمال الكائنة نسبية العلّة. فإذا كان، بسبب أن الحركة الإلهية فعل، تكون الحركة البشرية انفعالاً، فللسبب نفسه تكون أيضاً الطبيعة الإلهية حتماً صالحة، وتكون الطبيعة البشرية طالحة. وبموجب قاعدة العكس بالعكس، لسبب أن الحركة البشرية تسمّى انفعالاً، تسمى الحركة الإلهية فعلاً. ولذلك تكون الطبيعة البشرية طالحة والطبيعة الإلهية صالحة. وهكذا تكون كل المخلوقات طالحة، ويكذب القائل: “ورأى الله جميع ما صنعه، فإذا هو حسن جداً” (تكوين1: 31).

الأسماء المختلفة الدالة على الفعل البشري: ونحن نقول بأن الآباء القديسين قد سمّوا الحركة البشرية تسميات كثيرة المظاهر بالنظر إلى ما لديهم من اعتبارات. فقد سمّوها قوة وفعلاً وتبايناً وحركةً واختصاصاً وصفةً وانفعالاً. وهي قوة، لا على أنها نقيض القوّة الإلهية، بل على أنها طاقة مستمرة لا تتغير. وهي فعل لأنها تميّز وتُظهر في ذاتها اللاتغيير الحاصل في جميع مماثليها. وهي تباين، لأنها تمييز وهي حركة لأنها تشهير. وهي اختصاص، لأنها لذاتها وحدها وليس لغيرها. وهي صفة، لأنها تدليل على ذاتها. وهي انفعال، لأنها متحركة. فإنّ كل ما هو من الله وبعد الله ينفعل لأنه محرّك، ذلك لأنّ حركته ليست في ذاته ولا قوّته منه. وهي ليست حتماً من تمييز، كما قيل، بل هي بسبب العلّة المنظّمة الكل التي صنعته ووضعتها فيه. ولذا فإن الآباء القديسين -بعد أن تكلموا عن الفعل الإلهي- سمّوا هذه الحركة فعلاً، لأن القائل: وتفعل كل صورة منهما بالاشتراك مع الأخرى، ولم يقل سوى ما قاله غيره: “فصام أربعين يوماً، وأخيراً جاع” (متى4: 2). لأنّ المسيح -حين شاء- أعطى للطبيعة أن تفعل ما يختص بها. أو قال بعضهم: “إنّ في المسيح فعلاً مختلفاً” أو “فعلاً مزدوجاً” أو “فعلاً وفعلاً”. وكل هذا يدل باختلاف الاسم إلى فعلين اثنين، وكثيراً ما يعرف العدد باختلاف التسمية وبالقول “إلهياً وبشرياً” فإن الخلاف خلافٌ مختلفين. أما غير الموجودات فكيف تختلف؟

arArabic
انتقل إلى أعلى