Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎
☦︎
☦︎

تختلط ظواهر الحياة الإنسانيّة بين الخيّر منها والشرّير، ويصطدم صلاحُ الله في ذهن الإنسان مع واقع الألم في حياته. إنّ مسألة الألم والشرور تضع صلاح الله تحت السؤال! أو تضع قدرتَه الكليّة وصلاحَه في التناقض! ولطالما عذّبت هذه التساؤلاتُ الفكرَ الإنسانيّ. فظهرت عبر التاريخ حلول عديدة لتفسير مسألة وجود الشرّ وصلاح الله في آن واحد، أي لتفسير وجود الصلاح وغيابه في آن واحد.

تشكّل الآلهة والبشر شخصيّات من عالمين مختلفين إن لم يكونا متعاكسين، فالله غير مخلوق والبشر كائنات مخلوقة. يتّصف الله بالثبات وعدم التبدّل بينما الإنسان يخضع للتبدّلات والأمراض والضعف حتى آخر مظهر من مظاهره- الموت!

فهل يمكن أن يتّحد الله بالإنسان؟ وماذا يحصل لو أنّه اتّحد به؟ سؤالان عذبا الفكر البشري عامة، ولكن بالأخصّ بعض المسيحيّين في محاولتهم إتباع شخص يسوع المسيح. لم يكن من السهل أن يُفسَّر كيف “الكلمةُ صار جسداً”. فالأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس يتّخذ من البتول جسداً! إنّ التجسّد حدث مبنيٌّ على مفهوم غريب أو مجهول لدى المنطق البشري، لذا تعثّر منطق الكثيرين عنده.

يعني تجسّد الإله أنّ الخالق يأخذ حالة المخلوق (1)، وأنّ المثالَ يتصوّرُ على صورة المتشبِّه به. لقد عرف الناس في الكتاب أنّ الإنسان خُلق “على صورة الله ومثاله”، لكن التجسّد يعكس الأحداث فيتصوّر الله على صورة الإنسان ويأخذ بشرته. وهكذا مَن هو خارج روابط الزمان والمكان يصير خاضعاً لها ولكنّه أيضاً يكسر قيودها. إنّ التجسّد هو “العجيبة” الكبرى في حياة البشرية وتاريخ العالم كله. فإذا ما كان من الطبيعيّ مثلاً أن تتّجه لهبة النار نحو الأعلى، فإنّه ليس من الطبيعيّ أو المنطقيّ أن يتّجه اللهيب نحو الأسفل. وهذا هو العجب أن يتنازل الله ليأخذ صورة عبد، ولكن أيضاً دون أن ينقص. إنّ هذا النقيض هو العجب بحدّ ذاته، فهو لمن يجهله لا منطقيّ ولمن يقبله قوة الله وحكمته. كيف يتنازل الله دون أن يفقد سموّه؟

لم يكن إذن من السهل للمنطق البشري أن يقبل اجتماع واتّحاد الإلهيّ بالبشريّ! لذلك عذّب الكنيسة، مدّة أربعة قرون، تيّاران فكريّان. يميل التيّار الأوّل إلى اعتبار الله قد “تجسّد” بالظاهر فقط- فأخذ صورة إنسان. بينما يعتقد التيّار الثاني أنّ تجسّد الكلمة يسوع يعني أنّ يسوع الإنسان قد وهبه الله مواهب مميّزة أو تألّه فيما بعد. وينطلق التيّاران المتعاكسان تماماً من المبدأ الخاطئ ذاته، وهو أنّه يستحيل على الإلهيّ أن يتّحد بالبشريّ.

تمثّلت البدعة الأولى “بالنسطوريّة”، التي آمنت أنّ يسوع هو “إنسان تامٌّ” بطبيعته، لكنّها ترى فيه مواهب إلهيّة مميّزة أو فريدة. وهذه النظرة ل”يسوع” نجدها في كلّ الأديان التي تكرّمه وتجلّه كنبيّ وأكثر من نبيّ أو أعظم الأنبياء كافّة.

ويتمّثل التيّار الثاني في البدعة “المونوفسيتيّة” (أصحاب الطبيعة الواحدة)، التي تعتبر أنّ يسوع هو “إله تامٌّ” ولكنّه “ظهر” بالجسد كخيال فقط!

وفي كلا التيّارين تبقى المسيحيّة- للأسف- مجرّد نظام دينيّ أخلاقيّ متطوّر أو تحسيناً أخلاقيّاً، بينما يبقى الإنسان هو هو خاضعاً للموت والفساد. ويسود الاعتقاد أنّ موت يسوع وقيامته يولِّدان فينا “قيامة أخلاقيّة”! وحاشى للمسيحيّة أن تكون كذلك.

إنّ إتّحاد الله بالإنسان اتّحاداً أقنوميّاً وليس أخلاقيّاً أو ظاهريّاً هو جوهر المسيحيّة، التي بدونه تصير فارغة. لذلك للقدّيس بوليكاربوس مَن لا يؤمن بتجسّد يسوع- الكلمة هو غير مسيحيّ. فهذا الإيمان هو قوام مسيحيّتنا. نعم هناك مفارقة، خاصّة للفكر البشريّ الدينيّ والفلسفيّ القديم، مفارقة بين ما هو روحيّ وما هو ماديّ، بين ما هو إلهيّ وإنسانيّ، بين ما هو أبديّ وما هو دهريّ، بين ما هو شريف وما هو خاطئ. وهذه المفارقة ألغاها تجسّد الكلمة، شخص يسوع.

لقد كان يسوعُ الهرطقاتِ إمّا إنساناً كاملاً أو صورةً مجرّدة عن إله غير متجسّد. لقد جاء يسوع ليثبت أنّ الله أحبّ الكون والإنسان حتى أنّه اتّحد ببشرته. إنّه السرّ المكتوم منذ الدهر، وإنّه الغاية المغبوطة التي خَلق اللهُ العالمَ من أجلها بحسب مكسيموس المعترف (2).

ليست المسيحيّة إذن نظاماً دينيّاً يربط الإنسان بالله بواسطة الوصايا والواجبات فتبدّل حياته الخلقيّة. المسيح هو بداية “خليقة جديدة”، إنّه بداية الخليقة المتّحدة بالله، هو البداية التي ستتحقّق في كلّ إنسان. لم يكن جهاد الكنيسة الطويل ولا دم الشهداء والقدّيسين ثمناً فقط للدفاع عن “مفاهيم” – عقائديّة. لم يشأ المسيّحيّون أن تلغي الفلسفات الدينيّة والأفكار البشريّة سرّ التدبير الإلهيّ، وهو تجديد الإنسان في بِشْرته أيضاً. إنّ جسدنا هذا سيلبس عدمَ الفساد وصار محمولاً من الله. إنّ ترانيم الميلاد وترانيم عيد الصعود تشدّد على هذه الحقيقة، على حقيقة التجسّد الإلهيّ في الميلاد وحقيقة مجد الجسد البشريّ في الصعود! إذن حقيقةً يُزرع جسدُنا في فسادٍ ليقوم في عدم فساد. إذا لم يكن الإله الكلمة قد تجسّد فعلاً وإن لم يكن يسوع إلهاً تامّاً وإنساناً تامّاً فإنّه لم يخلص فينا شيء، ولو بدّلنا كلّ الأنظمة والشرائع الدينيّة.

يسوع الإله التامّ والإنسان التامّ “أعاد إصلاح” حقيقةَ الخلق. فإذا ما كانت الحقيقة للكائنات المخلوقة هي التحاقها بالموت كنهاية لوجودها، وكانت القيامة هي الغريبة واللامنطقيّة لأنّ الجسد خليقة تؤول إلى الفساد والموت. فإنّ تجسُّد الإله يعني تماماً أنّ الحياة هي التي صارت حقيقةً لهذا الجسد وأنّ الموت بات هو الغريب والدخيل على حياة الإنسان، أي حياة جسده وبشرته! “يسوع” الإله والإنسان أعطى للمادّة والبشرة كرامتها ومعنى لوجودها، وأعطى للخليقة جمالها. ليست الخليقة كياناً تعبث به الإرادة الإلهيّة أو تُستمَدّ منه الحاجات البشريّة أيضاً. ليس الكون لإشباع الرغبات الإلهيّة ولا الرغبات البشريّة! إنّ الخليقة تحمل كرامة في عين الحبّ الإلهيّ أكبر بكثير. لقد أوجدها الله وأوجد الإنسان ليزجّها في مجده! إذا ما كان يسوع إلهاً تامّاً فقط أو إنساناً تامّاً فقط، فكلّ ما سبق باطل! ويبقى المجد لله والهوان للإنسان. ويبقى الله قاضياً قاسياً وخالقاً ظالماً والإنسانُ مجرّد عبدٍ مظلوم وعابد متألمّ.

إذن كيف تتّحد طبيعتان مختلفتان (إلهيّة وإنسانيّة في يسوع)؟ قد يبدو للوهلة الأولى علميّاً وفلسفيّاً أنّ ذلك غير ممكن دون أن يطرأ تبديل على إحداهما أو كليهما! لكنّ المسيحيّة هي دين الحريّة، عرفتْ اللهَ حرّاً والإنسان مثله. فهي دين “الشخصانيّة”. نعم تستطيع طبيعتان مختلفتان أن تتّحدا حينما تكون “طريقةُ” وجودهما متشابهة. والإنسان هو على صورة الله ومثاله، أي أنّ طريقة حياته تشابه طريقة حياة الله، وهي طريقة الحريّة والمحبّة. يمكن لشخص أن يأخذ طبيعة شخص آخر، إذا كان الأخير يحيا مثله وذلك دون أن يتبدّل.

تؤمن المسيّحية دين الحريّة أنّ “الشخص” وهو الكائن الحرّ الذي يحدّد ويقرّر نوع وطبيعة علاقاته، فهو السيّد على “الطبيعة” التي تقدّم له فقط خصائصها. وعندما نقول أنّ الله حرٌّ فهذا يعني أنّه غير مأسور من طبيعته ولا حتى من طبيعتنا حين يأخذها. وهذه هي الحياة الحقيقيّة والأبديّة التي جاء يسوع ليدخلها في حياتنا ويقودنا إليها.

لقد فشل آدم في سلوك هذه الحياة، وقاد ذاته إلى عبوديّة الحاجة أو الرغبة، وهكذا فقد الحياة الحقيقيّة: “عندما تأكلان من هذه الثمرة موتاً على الفور تموتان”. لقد سلك “طريقة” الموت! وهي إشباع اللذّة وليس حفظ العلاقة (الشخصيّة الإنسانيّة) مع الله. لقد فشل آدم في أن يتشبّه بالله، وبناءً على ذلك تشبَّهَ اللهُ بهِ، وصار الأقنوم الثاني “الكلمةُ جسداً”. هكذا يستخدم الله إمكانيّة الإنسان كشخص يحيا بالحريّة والمحبّة لكي يحمل شكله (يتجسّد) ويحقّق اتّحاد الإله بالإنسان. الإنسان –الإله كان دعوةً لآدم، لكن لما فشل في تحقيق ذلك حضر الإله- الإنسان. لهذا يكرّر نيقولاوس كاباسيلاس كلام مكسيموس المعترف، أنّ الإنسان قد خُلق ليأتي المسيح يسوع (3).

نعم لقد حمل يسوع جسدنا تماماً، الذي صار لنا بعد السقوط والخطيئة، بكلّ خواصه. ولكن هذا لا يفرض عليه خطيئة، لأنّ الخطيئة ليست من طبيعة الجسد بل من ضعف الإرادة، إن الخطيئة ليست من “الطبيعة” بل من “الشخص”. لأنّ الخطيئة هي اضطراب العلاقات وليس اضطرابات الجسد! لذلك يحمل يسوع جسدنا ويكون مثلنا في كلّ شيء ما عدا الخطيئة. لو أنّ الخطيئة في طبيعة الجسد عندها، عندما يخلّصُ يسوع جسده يكون قد خلص كل البشر، وهذا ليس إيماننا. إنّ تجسّد يسوع يفتح أمام الجميع أن يحقّقوا الحريّة التي حرّر بها طبيعتنا في جسده، لكنّه لا يهبها مجّاناً وفوراً. عندما حَمَلَ اللهُ جسداً تقدّم “الشخص” الأوّل الذي برأتْ فيه طبيعتُنا وتحرّرت من روابط الخطيئة وعالم الفساد.

كما إنّ وجود الإنسان “كشخص” يسمح لله كشخص أن يتّحد به. فإنّ وجود الله كشخص يسمح له أيضاً أن يتنازل بحريّته ويرفع ببشرتنا إليه دُون أن يلحق بسموّه عارٌ. لقد سمح وجود الله كشخص ألاّ يخضع لطبيعته بل أن يستخدم خواصّها حين يشاء. هكذا في شخص يسوع الإله التامّ والإنسان التامّ نجد كامل خصائص الطبيعتَين الإلهيّة والإنسانيّة. ولكنّ الله حجب بعض الخصائص الإلهيّة وراء ضعف الطبيعة البشرية. ومع ذلك فقد ظهرت هذه الخصائص المحجوبة عدّة مرّات، كما في التجلّي. إنّ يسوع الإله والإنسان وإن كان يحمل طبيعتنا البشريّة فهو يحمل خواصّها دون أن يخضع لها. لهذا نراه حين يشاء كإله يسير على المياه، أو حين أراد اليهود رجمه ولم تكن ساعة تمجيده قد حضرت نراه يختفي عنهم.

“لقد أخلى (يسوع) ذاته آخذاً صورة عبد” (4) أي حجب بعض خصائصه الإلهيّة (مجده) في هوان طبيعتنا الإنسانيّة، لكي يصير مرئيّاً منّا وعائشاً بيننا ويعلّمنا. فكما هو قادر أن يحجب ذاته (أخلى ذاته) وغيرُ مجبر على إظهار مجده، هو أيضاً حرّ من خواصّ طبيعتنا البشريّة وأظهر مرّات مجده. فهو يحمل مجد طبيعته الإلهيّة وضعف طبيعتنا البشريّة وحرٌّ في قبول أو حجب أيّة خاصيّة منهما. إنّه الشخص الذي يحدّد بحريتّه استخدام خواصّ كلّ من الطبيعتَين الإلهيّة والإنسانيّة، دون أن تلغي الواحدة الأخرى. فهناك طبيعتان خاضعتان لشخص واحد.

لكن عندما نتكلّم عن طبيعة ونحرمها وجود خواصّها نتكلّم عن طبيعة ميّتة أو غير موجودة، وعندما نتكلّم عن الشخص بشكل مجرّد دون طبيعة نتكلّم عن شخص لا قوى له، وبالتالي لا يقوم بأيّة علاقة، أي يجري الكلام عن مادّة جامدة وليس عن كائن حيّ حرّ. لهذا لا يمكن لطبيعتَي المسيح أن تفقدا كلتاهما خواصّهما. لذلك حمل يسوع كامل الطبيعة الإلهيّة وكامل الطبيعة البشريّة، أي أنّ “خواص كلّ من الطبيعتَين بقيتْ سالمة” (5).

وهنا أخطأ أصحاب المشيئة الواحدة وأصحاب مبدأ القوى الواحدة، الذين قبلوا بوجود طبيعتَين للمسيح وبتجسّد الكلمة، لكن لكي يبرّئوه من الخطيئة نزعوا عنه مصدر الإرادة الخاطئة أي الإرادة الإنسانيّة. واعتبروا أنّ المسيح أخذ الطبيعة البشريّة دون إرادتها، أو في الحالة الثانية عند أصحاب القوى الواحدة، دون القوى والخواصّ البشريّة. ولكن عندها نتكلّم عن طبيعتَين لهما عمل وقوى واحدة ولهما خواصّ واحدة، عندها نتكلّم بالواقع عن طبيعة واحدة، إمّا تكون هي مركّبة وحصيلة الطبيعيتَين، أو أنّ طبيعة ألغت الأخرى “وابتلعتْها”. لقد صرخ يسوع للآب “أبعد عنّي هذه الكأس” وهنا ظهرت إرادته الإنسانيّة الوجلة أمام الآلام والموت، ولكنّه تابع على الفور “لكن لا تكن مشيئتي (الإنسانيّة) بل مشيئتك (مشيئتنا الإلهيّة)”. لذلك نحتاج هنا لإعادة التوضيح أنّ خواصّ كلّ طبيعة بما فيها إرادتها وقواها ليست إجباريّة على الشخص الحرّ. فالشخص يستخدم “ما شاء” بحريّته من خواصّ الطبيعة أو الطبيعيتَين فيه.

القرار الإلهيّ عند يسوع لم يكن طبيعيّاً أي إجباريّاً من طبيعته. ولم يكن تفوّقاً طبيعيّاً من طبيعة على الأخرى. إنما كان القرار خياراً حرّاً. ويصف بولس الرسول في الرسالة إلى العبرانيّين جهاد يسوع ليضع إرادته الإنسانيّة في طاعة المشيئة الإلهيّة: “بصراخٍ شديد ودموع طلبات وتضرّعات للقادر أن يخلصّه من الموت، وسُمع له من أجل تقواه مع كونه ابناً تعلّم الطاعة ممّا تألمّ به. وإذ كمُل صار لجميع الذين يطيعونه سبب خلاص أبديّ” (6). لقد أطاع يسوع حتى الموت موت الصليب، أي أخضع مشيئته الإنسانيّة لمشيئة الآب الإلهيّة (مشيئته الإلهيّة المشتركة مع الآب). لو لم تخضع المشيئة الإنسانيّة في يسوع للمشيئة الإلهيّة فإنّ هذا يعني أنّها لم تُشفَ بيسوع.

لقد حمل يسوع الإرادة البشريّة كإرادتنا لكنّه أخضعها لإرادته الإلهيّة (وحّدها معها) فشفاها. إنّ وجود إرادتَين عند يسوع لا يعني وجود قرارَين. فالشخص يمكنه أن يحمل إرادات متعدّدة لكنّه يأخذ قراراً وموقفاً واحداً. لقد كان قرار يسوع الدائم هو قرارٌ بإتحاد المشيئة الإنسانيّة بالإلهيّة، وهذا القرار كان ثمرةَ حريّته وليس نتيجة ابتلاع الإرادة الإلهيّة للإنسانيّة. لهذا إنّ وجود طبيعتَين في يسوع لا يعني أبداً وجود شخصَين، ووجودَ إرادتَين لا يعني أيضاً وجود شخصَين. إنّ الشخصيّة هي طريقة الوجود وليست بنيتَه.

إنّنا نتكلّم عن سرّ التجسّد كتأنّس للإله الكلمة وليس كتألّه للإنسان يسوع. أي أنّ الكلمة الإله الموجود قبل التجسّد شاء في لحظة من الزمن أن يحمل طبيعتنا البشريّة بخواصّها وضعفها. لم يدخل الله الكلمة على يسوع الإنسان، بل أضافت الكلمة الله إلى طبيعتها الإلهيّة الطبيعية الإنسانيّة في التجسّد لتشفيها. يسوع هو الإله الكلمة الذي صار جسداً “وفيه ملئ اللاهوت جسديّاً” (7).

لهذا يصرخ غريغوريوس النيصصيّ “ما لم يُتّخذ لم يشفَ” (8)، أي أنّ يسوع شفى كامل الطبيعة الإنسانيّة لأنّه أخذها بكامل خواصّها. وهذه الخواصّ ليست الخطيئة، لأنّ الخطيئة من فعل القرار الخاطئ وليست في الطبيعة. يسوع المسيح إله تامّ وإنسان تامّ، بطبعتَين ومشيئتَين، سَلُمت فيه خواصّ كلٍّ من الطبيعتَين كاملة.


[حاشية مرتبطة بالعنوان] تتكرّر في البداية بعض الأفكار الواردة في مقالة “العجب” الواردة آنفاً في متن هذا الكتاب، وذلك لضرورة تكامل الموضوع هنا، الذي نُشر كمقالة مستقلّة.

(1) غريغوريوس النيصصي، “إلى سْميليكيون”، [Jaeger III, I, 68].

(2) “إلى ثلاسيوس”، [PG 90, 621].

(3) “الحياة في المسيح”، 6، 58. بانايوتي خريستو، “الفيلوكاليا”، 22، 574 (باليونانية).

(4) فل 2، 7 و3، 21.

(5) عقائدية، صلاة الغروب للحن الثالث.

(6) عب 5، 7-9.

(7) كول 2، 9.

(8) “το απροσληπτόν και αθεράπευτον, ό δε ήνωται τω Θεώ, τούτο και σώζεται”، “الرسالة 101″، [PG 37, 181].

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎

معلومات حول الصفحة

عناوين المقال

محتويات القسم

وسوم الصفحة

arArabic
انتقل إلى أعلى