لقد اتخذ المسيح آلامنا البريئة – ما هي الآلام البشريّة الطبيعيّة التي لا ملامة فيها: ونعترف أنّ المسيح قد اتخذ كل آلام الإنسان الطبيعية والبريئة، لأنه قد اتخذ الإنسان كلّه، وكل ما يختصّ بالإنسان، ما عدا الخطيئة. فإنّ هذه ليست طبيعيّة والخالق لم يزرعها فينا، لكنها من زرع الشيطان. وهي مثبّتة فينا باختيارنا طوعاً، لا اقتحاماً بالقوة. أمّا الآلام الطبيعية والبريئة فهي تلك التي ليست منوطة بنا وهي كلها قد دخلت في الحياة البشرية من جرّاء الحكم بالمخالفة وهي الجوهر والعطش والتعب والوجع والبكاء والانحلال والاستغاثة من الموت والفزع والنزاع حتى تصبّب العرق وقطرات الدم والاستعانة بالملائكة بسبب ضعف الطبيعة وما شاكل ذلك ممّا هو موجود طبعاً في كل البشر.
وقد اتخذ إذاً المسيح كل هذا لكي يقدّسه كله؛ إنّه جُرِّبَ وانتصر لكي يحقق لنا الانتصار ويُعطي طبيعتنا قوةً بأن تغلِبَ العدوّ، حتى إنّ الطبيعة المغلوبة قديماً، تغلب المنتصر قديماً بواسطة الرشقات نفسها التي كان قد غلبها بها.
كانت تجربة المسيح بدون نزعة داخلية: إذاً فإنّ الشرير قد جرَّب المسيح تجربةً خارجية بدون إيحاءات، ذلك كما فعل بآدم، لأنّ آدم قد جُرِّبَ ليس بإيحاءات، بل بالحيّة. لكنّ الرب قد صدَّ الهجوم وبدَّده كالدخان، حتى إنّ الانفعالات، وقد صدّها هو وهزمها، تصبح هي تحت سيطرتنا، وبذلك يُنقِذُ آدمُ الجديد آدمَ القديم.
إن آلامنا هي في المسيح طبيعية وفوق الطبيعة: لا شكّ في أنّ الآلام التي هي فينا بحسب الطبيعة، كانت أيضاً في المسيح فوق الطبيعة. فقد كانت بحسب الطبيعة لمَّا أطلق لجسده أن يتألم في ما هو من اختصاصه، وكانت فوق الطبيعة، لأنّ الآلام الطبيعية في المسيح لم تسبق قط مشيئته، فلم يوجد قط إكراه في تصرّفاته، بل كانت كلها طواعية. فقد أراد فجاع وأراد فعطش وأراد فخاف وأراد فمات.