مواعظ لزمن التريودي

أحد القديس يوحنا السلّمي – الأحد الرابع من الصوم
كل شيء ممكن للمؤمن

النص الإنجيلي الذي سمعناه هذا الصباح يقول إن هنالك أباً كان له ابن وكان هذا الابن مريضاً مصاباً بداء الصرع. واعتماداً على وصف الأب لمرض ابنه، يمكننا أن نستنتج بأن مرض هذا الصبي كان شديداً وخطيراً. ويتضح أن ذلك الأب أتى إلى تلاميذ السيد المسيح بالذات وطلب إليهم أن يشفوا له ابنه فلم يتمكنوا. حينئذ حمله إلى المخلّص ذاته. والمخلّص ذاته، لدى رؤيته الأب والابن، قال للأب هذه الجملة الرائعة: (كل شيء ممكن للمؤمن)، كل شيء ممكن لمن قلبه عامر بالإيمان. ثم سأله هل تؤمن أن ابنك سيُشفى على يد المخلّص ؟ أجابه الأب: يا رب أنا أؤمن. عندئذٍ قال له يسوع: استجابةً لإيمانك، فليكن لك ما تريد. وشفي ابنه من تلك الساعة.

طُرح أمر ثانٍ على أثر معجزة الشفاء. ذلك أن التلاميذ تعجّبوا وقالوا للمخلّص: هذا الإنسان طلب إلينا أن نشفي له ابنه فلم نتمكن، فما السبب يا تُرى ؟ أجابهم يسوع: يا بني هذا الجنس، من الأمراض التي تتغلغل في نفس الإنسان، في جسمه، في كل خلاياه، هذا النوع من المرض لا يخرج إلاّ إذا كان الطبيب يصوم ويصلّي.
هذه الكلمات خرجت من فم الرب. نحن لم نخترع الصيام اختراعاً. نحن تعلّمناه من الرب يسوع المسيح ذاته. والرب نفسه هو صام. وهو عوّدنا أن يكون هو قبل الكل خاضعاً للقواعد التي يرسمها. لذلك قبل أن يأتي العالم ليصنع العجائب ويشفي المرضى، هو نفسه ذهب أولاً إلى البرّية وصام أربعين يوماً.

أيها الأحباء نحن نعتقد أن الخطيئة أمر خطير جداً. وأن وجه هذا العالم كان يمكن أن يكون مختلفاً اختلافاً كلياً لو لم تكن الخطيئة متأصلة في النفوس وفي القلوب. الخطيئة لا يتكلم عنها الناس كثيراً في هذه الأيام، لأننا صرنا في جيلٍ يتخفى وراء ظله ليخبئ خطيئته، في جيلٍ لا يحب أن يعترف بخطاياه. في إيماننا نحن، في إيمانكم أنتم، الخطيئة والفساد، اعني العفن والنتانة، الخطيئة والفساد شيء واحد. ولذلك فالموت، وفيه الفساد وفيه النتانة، هو ابن الخطيئة. ولذلك أيضاً إذا شئت أن تعالج الموت فعالج الخطيئة.

الموت في هذه الأرض – وموت الإنسان – ليس من عطايا الله، ولكنه نتيجة للعصيان الذي ارتكبناه أمام الله. الموت، موتنا، ليس طبيعياً ولا عادياً. لذلك فإذا كنّا أمام موت أحد أحبائنا نتمرمر فهذا حق، وهذا مقبول لأن الموت ليس من طبيعتنا. الموت والفساد مرتبطان ومتلازمان وسببهما واحد هو الخطيئة. أين الدواء ؟ الدواء في محاربة الخطيئة وفي طلب الصلاح.

لكن أين الصلاح ومن هو الصالح ؟ الرب يسوع هو الصالح والصلاح فيه. فكيف نسير إليه ؟ باتباعنا طريقته. نحن إذا صمنا، ونحن إذا صلّينا، ونحن إذا آمنّا بالرب يسوع بكل ذرةٍ من ذرّات وجودنا، وبكل ناحيةٍ من نواحي فكرنا وَظَنِّنا، فإنما نفعل ذلك لكي نحارب الفساد، فنحارب الموت بذلك الذي وحده له سلطان على الموت. هذا هو منطق الأمور في الكنيسة المقدس.

هذا يظن أنه يصوم من أجل معدته، وذاك من أجل بطنه، وذاك لأن الناس يصومون في مثل هذا الوقت، وذاك لأنه يتّبع (الموضة) في الصيام. هذا كله سخيف وهذا كله سطحي. نحن بالصيام نفتش عن عملية تنظيف، عن عملية تنقية لذرّات هذا الجسد. فالعين تحاج إلى تنقية، واليد تحتاج إلى تنقية، الجسد كله يحتاج إلى تنقية، النفس كلها تحتاج إلى تنقية.

في عالمنا اليوم لماذا تزداد ثمار الخطيئة وتزداد. بيادر عندنا اليوم من حصاد الخطيئة. بيادر من مقومات الموت والفساد. لماذا لا نلتفت في النهاية إلى الطبيب الشافي ؟ إلى ذاك الذي وحده غلب الموت والفساد ؟

نحن المؤمنين ولو تقلص عددنا ولو أصبحنا فرداً واحداً في الكون، فإن هذا الواحد سيبقى يُصرّ ويعلن ويبشّر بأن الدواء الوحيد للموت والفساد هو لدى الطبيب الوحيد الأوحد، ألا وهو الرب يسوع المسيح الشافي.

صومنا اتباع له. صلاتنا مسيرة إليه ومعه. والمسيحي هو من سار مع المسيح. نترجى قيامة الموتى والحياة في الدهر الآتي لأن المسيح قام، ولأنه هو وحده الذي يغلب الموت والفساد.

أيها الأحباء، مناخ الصوم في الكنيسة، مناخ يجعلنا نفحص أنفسنا قليلاً. إننا نحتاج إلى تنقية. نعم نحتاج. كل واحدٍ منا يحتاج إلى نقاوة، يحتاج إلى طهارة. كل واحد.
لا تتكبروا ولا تكابروا فليس من واحد منا (فوق الغربال). فليعطينا الرب أن نتتبع خطاه، وأن نتنقى ونتغلّب على الفساد لكي نتغلّب معه هو على الموت، ونقوم معه في يوم قيامته ونسمع النشيد السماوي: (المسيح قام).

{ أُلقيت في دمشق في5/4/1981}.

arArabic
انتقل إلى أعلى