مواعظ لزمن التريودي

أحد مرفع اللحم
أين أخوك ؟

إنجيلنا اليوم ينقلني وإياكم إلى العهد القديم، حيث يصوّر لنا الكتاب المقدس مشكلة حدثت في بدء الخليقة. هذه المشكلة خُلِقَت بين الأخوين قايين وهابيل. قايين قتل أخاه. أخوه من أبيه وأمه قتله، وقتله بمناسبة أمر يخص الله. انتبهوا ! الاثنان يحبان الله، الاثنان يقدمان ذبيحة لله تعالى. دبّت الغيرة في قلب واحد منهما، فكان أن قتل أحدهما الآخر. عندئذ يقول لنا الكتاب المقدس، لم يسكت الله الذي كانت له ذبائح الأخوين قايين وهابيل، لكنه نادى الأخ الأكبر: قايين قايين أين أخوك ؟ فكان جواب قايين المشهور: (هل أنا حارس أخي ؟).

قد يكون الإنسان واعياً علاقاته بالله. قد يكون واهباً له نفسه وما عنده، ومقرِّباً ذبائح لله تعالى. وكثيرون هم أبناء الكنيسة المقدسة الذين، هم أيضاً، ليس لديهم سوى مطلب واحد: أن ينالوا حظوة لدى ربهم وإلههم. وما أكثر من يعطي من الخيرات والأموال من أجل اسمه. إذاً فقصة الكتاب المقدس ليست بعيدة وغريبة عنّا. إنها تصف حدثاً قد يحدث لأيٍ منّا ونحن في بيت الله.

الحدث هو نظرتك إلى أخيك. الله، من السهل جداً أن نرتفع بأعيننا إليه نحو السماء، أن نتناسى كل شيء ونخاطبه، لا بل من السهل جداً أن نرتفع بقلوبنا إليه ولو على أكتاف الآخرين، وفوق رؤوسهم. لنذكر الكتاب المقدس: إن قايين المصلّي يقتل هابيل المصلّي، قايين المؤمن يقتل هابيل المؤمن، لأن مفهوم الإيمان مبتور لدى العديد من المؤمنين ويغلب الظن أن الإيمان قد يتجه فقط صعداً إلى الله تعالى، وننسى الأخ الذي أعطانا الله.

(قايين قايين أين أخوك ؟) هذا الصوت الإلهي يصرخ في كل واحد منّا. أخوك، أين أخوك ؟ أين أخوك يا قايين ؟ أين أخوك الذي أعطاك إياه الله. ماذا فعلت به ؟ الغريب أن قايين أجاب كما قد يجيب الواحد منّا في هذه الدقيقة: (أنا لا علاقة لي بأخي، هل أنا حارس لأخي ؟ من كلفني به ؟). النص الكتابي يقول: لقد كلّفك ربك بأخيك، أنت مكلّف به.

إنجيلنا اليوم يعكس تماماً هذه الصورة. كيف تدّعي أنك محب لله، وأنك واهب إياه قلبك، هذا وأخوك يجوع فلا تطعمه ! يعرى فلا تكسوه ! يمرض فلا تعوده ! أي ادّعاء كاذب ادّعاؤك هذا ؟

قايين قايين أين أخوك ؟ أين أخوك ؟ إن الله هو أبوك وأبوه. إن الله لا يسمع لك إذا كنت تنفصل عن أخيك، إذا كنت ترضى أن تتمتع أنت وأن يشقى هو. الله أبوك وأبوه. أنت وهو كلاكما تكوِّنان العائلة الإلهية لا وحدك، فكيف يجوع وأنت تشبع ؟ كيف تنعم بالصحة وهو مريض ؟ كيف ترتضي الحرية وهو سجين ؟ هذا الذي أمامك أخوك، هذا، تسبحتك لله ناقصة ومبتورة بدونه، مقطوعة تسبحتك لله إذا كان فمه لا يرفعها مع فمك. إن الله قد تبناه، إن الله قد ساوى نفسه به، إن الله قد لبسه، فإذا شئت أن تكون لله تحتَّم عليك أن تكون لأخيك. كن لأخيك أيضاً.

يتنصّل الناس من إخوتهم: (هل أنا حارس لأخي ؟). إني أشكر الله على الشبع وعلى الحرية وعلى العافية. قال أحدهم: إن شكرك لله لا يمكن أن يكتمل إلاّ إذا أمسى كل إنسان شبعان، كل أخ من أولادك يا رب قد شبع. عندئذ، وعندئذ فقط يحق لي أن أملأ معدتي طعاماً. وقبل أن أنعم بحريتي سأناضل كي ينعم كل إنسان بالحرية. سأناضل لكي تسقط الأصفاد والسلاسل والقيود. كما إني سأعتبر نفسي جوّالة في الأرض ليس لي مكان أسند إليه رأسي إذا بقي في الناس مشرّد واحد.

(قايين قايين أين أخوك ؟) (هل أنا حارس لأخي ؟). نعم أنت حارس لأخيك. أخوك ليس خارجاً عنك. هذا الشخص الذي يجلس بجانبك ويعايشك في البيت وفي المدينة والأرض كلها، هذا ليس غريباً عنك، افتح عينيك بالإيمان عندئذ تجد كل إنسان أخاً لك، وأنك أخ لكل إنسان.

هؤلاء الذين ذهبوا إلى العذاب ظنوا أنهم هم المسكونة بأسرها، وأن بطنهم بطن كل إنسان، ظنوا أن بيتهم هو مأوى لكل إنسان، لقد نسوا أنه يجب أن يقدموا بطن كل إنسان على بطنهم، ومأوى كل إنسان على بيوتهم. نسوا ذلك. سألوا اللحم والدم سألوهما: ما الفضيلة ؟ فأعطاهما اللحم والدم الجواب فضيلة محدودة من لحم ودم.
يا أحباء يمكننا أن نوجز ما قلناه بكلمات الصوت الإلهي: (قايين أين أخوك ؟). اسمعوه. يجب أن نسمعه: (أين أخوك ؟). اليوم صلاتنا (أين أخوك ؟).

إذا خطر في بالك أن تجيب على غرار قايين: (هل أنا حارس لأخي)، فالصوت يكرر: نعم أنت حارس لأخيك ومسؤول عنه.

{ ألقيت في اللاذقية في 9/3/1975}.

arArabic
انتقل إلى أعلى