Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎
☦︎
☦︎

تاريخ الصوم: 

مقدمة

الصوم هو ظاهرة بشريّة ارتبطتْ مع كل الأديان. وتعدّدت أشكاله ومفاهيمه بتعدّد هذه الأديان. وفي المسيحيّة يحتلّ الصوم أهميّة خاصّة. فعندما عجز التلاميذ عن طرد الشيطان مرّةً، سألوا الربّ يسوع بعد أن أخرجه، “لماذا لم نستطع نحن؟”، أجابهم: “إن هذا الجنس لا يخرج إلا بالصلاة والصوم”(21). وهذه الأهميّة يشهد لها الكتاب المقدّس بعهدَيه. كما نجد أنّ هناك ثمّة تطوّر في فهم معنى الصوم وممارسته، بلغ ذروته في زمن العهد الجديد، عهد النعمة، وفسّره التقليد النسكيّ الشرقيّ بخاصّة.

إنّ عالمنا الحاليّ، وخاصّة الغربيّ وبعض المسيحيّين بتأثير منه، لا يعطون للصوم قدره الحقيقيّ ويجهلون معناه الصحيح. لذلك وإن امتدحوا الاعتدال بالطعام ونظّموا له ضوابط وحميّة (régime) خاصّاً، غدا أغلب الناس يملكون نماذج منه، فإنّهم يعتبرون الصوم تعذيباً للجسد ومضرّاً للصحّة ولا يرون فيه فائدة روحيّة؛ وقد يعتبرونه في أفضل الأحوال ممارسة دينيّة لا يعرفون ضرورتها إلاّ “الشرعيّة”، ولا يدركون فائدتها لذلك قد يبدو لهم مجرّد فرائض دينيّة ضدّ الجسد وملذّاته تتطلبها بعض القساوة التي في الدين. بالطبع ليس الصوم مجرّد “حرمانات” أو “كبتاً” أو “تعذيباً” أو كما يعتبره البعض استغفاراً! إنّ للصوم معنى ً أنثروبولوجيّاً وروحيّاً عميقاً جدّاً، لذلك يستحقّ أن نفهم دوره الحقيقيّ في حياتنا وبالتالي نكتشف ضرورته، ونحدّد إذن كيفيّة ممارسته.

لهذا يتوجّب علينا أوّلاً تحديد معنى الصوم وممارسته في الأديان عامّة، وفي العهد القديم، ثم الجديد خاصّة. وأن نتوقّف بعدها عند البعد الأنثروبولوجيّ الروحيّ كما يفسّره النسّاك والقدّيسون في تقليدنا الشريف.

الصوم هو إشراك للجسد في العبادة، والترفّع عن بعض متطلّباته رغبةً منّا في التعبير عن معانٍ روحيّة نحو الله. فلمّا كان الإنسان نفساً وجسداً كياناً واحداً، كان من العبث أن نتصوّر ديانة روحيّة محضة. إنّ النفس لكي تلتزم بشيء ما وتعبّر عنه تحتاج إلى أفعال الجسد وأوضاعه الخارجيّة. لذلك يُعبَّر عن الاحترام (موضوع روحيّ) مثلاً باللباس والانحناء أو السجود، وعن الفرح بالألوان وأشكال واحتفالات، وعن الحزن بالصوم واللباس… الخ. يعبّر داؤود النبيّ عن شوقه إلى الله فيقول: “عطشتْ إليك نفسي وتاق كثيراً إليك جسدي” (22).

يتمّ الصوم بأحد شكلين، “الانقطاعيّ” أو “الامتناعيّ”، أو بالشكلين معاً، أي الانقطاع عن الطعام والشراب، وعند الاقتضاء عن العلاقات الجنسيّة خلال فترة محدّدة، أو بالامتناع عن بعض الأنواع من المأكولات.

1. الصوم في الأديان

كان الكهنة قديماً بمعظمهم من الأطباء، لذلك ترافق الصوم قديماً مع مفهوم الصحّة، وكان المصريّون يصومون فترات تتراوح بين 6 أيام وبين 7 أسابيع. وصام اليونان دائماً قبل الحروب. وصام الرومان قبل أعياد ذيمترا (Δήμητρα) وذيّوس (Δίος). ويلاحظ مؤرخو الأديان أنّ الصوم كان يحتلّ مكاناً هاماً في الممارسات الدينيّة بدافع النسك والتطهير والحداد والتوسّل إلى الله والاعتراف بالضّعة البشريّة والسموّ الإلهيّ. 

2. الصوم في العهد القديم

صام اليهود في العهد القديم عدّة أصوام قبالة الأعياد الكبرى لديهم. فصاموا يوماً واحداً قبل عيد الغفران (23) وذلك للتواضع أمام الله (24) وصاموا جماعيّاً في ذكرى النكبات الوطنيّة بعد السّبي. ويتكلّم داؤود النبيّ في المزامير عن أصوام كثيرة: “حتى كلّت ركبتيَّ من الصوم”.

ويبدو أنّ اليهوديّة كانت قد حدّدت صوماً أسبوعياً يوم الخميس. أمّا الفريسيّون فكانوا يضيفون عليها يوم الاثنين أيضاً، وذلك إحياءً لذكرى صعود موسى إلى الجبل ونزوله منه. لهذا ادّعى الفريسيّ أمام الله أنّه يصوم مرّتين في الأسبوع وليس مرّة واحدة كما العامّة من الناس (25). ويذكر إنجيل لوقا حنّة النبيّة (26) وتلامذة يوحنا المعمدان. كما يتّضح أنّ جماعة الأسّانيّين كانوا يصومون كثيراً وينقطعون كلّياً عن اللحم والخمر. وهناك “أربعينيّات” مقدّسة صامها كبارُ الأنبياء مثل موسى (27)، وإيليا (28). وعلى غرارهم صام يسوع (29). بالطبع إنّ هذا الامتناع عن الأكل لا يعني احتقاراً للمادّة بل هو بسبب من دوافع روحيّة خاصّة. لأنّه بالصوم يتّجه الإنسان نحو الربّ (30) أو يطلب الغفران (31) أو يلتمس شفاءً (32) أو يعبّر عن حزنه (33) أو لمنع وقوع كارثة ما (34)، كما يمكن أن نصوم من أجل فتح القلب على النور الإلهيّ (35) وخاصّة للاستعداد من أجل ملاقاة الله (36). كانت الأصوام اليهوديّة تقوم على تأخير الوجبات (انقطاع) إلى المساء واختصارها. كما كانت تُمنع الزيجات في الصوم.

3. الصوم في العهد الجديد

صام يسوع “الأربعينيّة” كما موسى وإيليا، لكن يظهر أنّه لم يشدّد على حفظ أصوام العهد القديم والعادات اليهوديّة بل وكأنّه في بعض المرّات كان يدعو لتجاوزها. ومع ذلك فإنّ نوعاً من التقشّف والنسك ساد تعاليمه، فهو لم يأتِ لينقض وإنما جاء ليتمّم (37). وعلّمنا أن نصلّي ونطلب من أجل الخبز الكافي لليوم فقط (38) و”أن نطلب أوّلاً ملكوت الله وبرّه” وبعدها أيّ شيء آخر. ويبدو أنّه كان، كما في كلّ تعليمه، يجدّد في روحانيّة الصوم فيشدّد على “التجرّد” والترّفع وتجنّب بعض الأخطار التي كانت تترافق مع “الأصوام”، مثل خطر التمسّك بالشكليّات والكبرياء، أي الصوم “لكي نظهر للناس صائمين”. وكان يدعو لأن نصوم بكتمان وتواضع، أي لله: “فمتى صمتم لا تكونوا عابسين كالمرائين… بل لأبيك الذي في الخفاء” (39).

ولقد حافظت الكنيسة في القرون الأولى على الأصوام اليهوديّة ولكن بالروح التي أملاها عليها يسوع. وهناك ذكر لأصوام في سفر أعمال الرسل كانت تتطلبها بعض الاحتفالات والحالات الخاصّة (40): “بينما هم يخدمون الربّ ويصومون قال الروح القدس افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه، فصاموا حينئذٍ وصلّوا ووضعوا عليهما الأيادي ثم أطلقوهما”. لقد سبق يسوع ودافع عن تلاميذه أمام اتّهامات اليهود عليهم بأنّهم لا يصومون كتلامذة يوحنا، لكنّه قال: “ما دام العريس بينهم لا يستطيعون أن يصوموا. ولكن سيأتي زمن يُرفع العريس من بينهم، ففي ذلك اليوم يصومون”. فإلى أن يأتي إلينا العريس من جديد، سيبقى الصوم محتفظاً بمكانة خاصّة في الكنيسة. لم يكتفِ بولس- على ما يبدو- بالأصوام العاديّة، فرغم العطش والجوع والأسفار، أضاف إلى ذلك أصواماً عديدة (41).

لقد استلمتْ الكنيسة هذا التقليد وتابعت الأصوام التي في اليهوديّة بالروح التي جدّدها المسيح، فصار الصوم “أداةَ توبة” وليس “مفخرةَ تبرير”. ولهذا مالت الكنيسة في أيامها الأولى إلى إبراز هذا التجديد، لكي لا توضع رقعةٌ جديدة في قطعةٍ قديمة. لهذا يذكر كتاب “تعليم الرسل الاثني عشر” (القرن الأول): “صوموا الأربعاء (التسليم) والجمعة (الصلب) على خلاف اليهود المرائين” (42). وتكرّر “الأوامر الرسولية” (القرن الرابع) الوصيّة بالصيام (43). ونجد عند القدّيس أبيفانيوس أنّ صوم الأربعاء والجمعة هو تقليد رسوليّ (44). لقد تمحورت الأصوام في الكنيسة حول العيد الأهمّ، موت المسيح وقيامته. ويذكر يوستينوس الشهيد والفيلسوف أنّ المسيحيّين حفظوا هذا الصوم بشدّة وقساوة (45).

لم تكن فترة الصوم قبل الفصح محدّدة حتى القرن الرابع. حينما، مع تنصير الإمبراطوريّة، حُددٍّت بـ 40 يوماً فكانت اقتداء بالأربعينات المقدّسة لموسى وإيليا وخاصّة يسوع. يرد ذكر هذا الصوم في المجمع المسكونيّ الأوّل النيقاويّ (325) وفي القانون الخامس من مجمع اللاذقية المحليّ (364). وصارت هذه الأربعينيّة تسبق الأسبوع العظيم والفصح (46). وبالإضافة إلى هذا “الصوم الكبير”، الذي دُعي هكذا لأهميّته ولطول فترته، هناك قبل كلّ الأعياد الأساسيّة أصوماً تمهيديّة، قبل أعياد الميلاد ورقاد السيّدة والرسل. وهناك أصوام في برامون الأعياد الكبرى وسواها وفي عيد قطع رأس يوحنا المعمدان، إلخ…

هكذا يتّضح لنا كمْ يحتلّ الصوم مكانة روحيّة خاصّة في حياة الكنيسة منذ العهد القديم مروراً بيسوع المسيح والرسل والتقليد الشريف. لهذا علينا بالتالي أن نتلمّس الروح الحقيقيّة للصوم، وذلك لفهم معناه الحقيقيّ وضرورته وكيفيّة ممارسته بالنهاية، لننال ثماره الصالحة. رغم أنّ للصوم وجهاً كنسيّاً عامّاً فله أيضاً وجه خاصّ. فإذا كان الوجه العام يشير إلى مشاركتنا مع الكنيسة جمعاء ويثبّت عضويّتَنا فيها، فإن وجهه الخاصّ يفتح الفرصة إلى “الاختبار الشخصيّ” العميق للحياة بالروح.

 لقد صام آدم في الفردوس تماشياً مع الوصيّة والرغبة الإلهيّة، وذلك قبل وجود الخطيئة ووجود حاجة للاستغفار أو وجود الحلال والحرام والطاهر والنجس! وهذه الملاحظة تقودنا إذن إلى التساؤل حول غاية الصوم الحقيقيّة، التي كانت له منذ البدء قبل السقوط، مهما دخلت على معانيه ممارسات جديدة بعد السقوط أيضاً. سنناقش الصوم إذن من أبعاده النسكيّة العميقة، وذلك بناءً على المفهوم الأنثروبولوجيّ النسكيّ الشرقيّ الأرثوذكسيّ. انطلاقاً إذن من صوم آدم في الفردوس، نعترف أنّ للصوم دوراً وضرورةً غير الاستغفار والأعياد وسواها، على ضرورة هذه الدوافع الأخيرة. فللصوم إذن وجه إيجابيّ أصيل قبل الوجوه السلبيّة الدخيلة عليه بعد السقوط والتي تمارسها الأديان كافّة. لقد كان طريقةَ الحياة الفردوسيّة (47).

لا بل إنّ كثيراً من الآباء القدّيسين يشدّدون: بما أنّ السقوط كان بسبب كسر الصوم فإنّ العودة والتوبة يجب أن تبدأ من حيث سقطنا أي من الصوم. “إنّ أوّل وصيّة وُضعت لطبيعتنا منذ البداية كانت عدم تذوّق بعض الطعام، ومن هنا سقط أوّل بني جنسنا. لذلك فإنّ أولئك الذين يجاهدون من أجل محبّة الله يجب أن يبدأوا من حيث كانت أوّل ضربة” (اسحق السريانيّ). إذن يدخل الصوم في الحياة الكنسيّة كـ “دواء” و”حلّ” لحالة الإنسان الساقطة، فهو طريقة علاج وشفاء وهو أكثر بكثير من مجرّد ممارسات دينيّة إسترضائيّة للغضب الإلهيّ. إنّه إذن رياضة روحيّة تمسّ عمق أعماق الكيان البشريّ لكي تصلحه، وليس بالأحرى واجبٌ مفروض على حالة خاطئة (الخطيئة) وإنّما هو الحالة الأصيلة للحياة البشريّة كما كانت عند آدم في الفردوس. إذن للصوم بعدٌ أنثروبولوجيّ عميق جداً، وسنحاول أن نعالجه على أساس هذا المفهوم للكائن البشريّ. الصوم هو حركة “روحانيّة” أي عودة بالإنسان من “حالته الحاليّة اللاطبيعيّة” إلى “الحالة الإنسانيّة الأصليّة”.

القراءة الروحيّة للصوم:

مقدمة

“حلَّ آدم الصومَ وسقط”! تخفي هذه الكلمات في طيّاتها معانٍ عميقة تتجاوز كثيراً المعنى القضائيّ للتعدّي على الوصيّة. إنها حقيقة استبدال حياة بأخرى. لقد أوصى الله (وهذا هو الخير) آدمَ بوصيّة الصيام كطريقةِ حياةٍ: “من كل شجر الجنة تأكل إلاّ من هذه الشجرة”. لكن آدم اختار طريقةً مغايرة ثانية للحياة، لقد تصرف ليس بحسب الوصيّة إنّما بحسب “كلّ ما هو شهيّ للمنظر”. لم تكن هذه الشجرة (معرفة الخير والشرّ) ذات طبيعة خاصّة بها أو كان لها ثمارٌ تجلب الموت! لقد كانت شجرة “لـ” معرفة الخير والشرّ، كانت مفترقَ طرقٍ بين اتجاهين لطريقتَي حياة متغايرتين، تلك التي مع الصوم وهذه التي مع كلّ ما هو شهيّ للمنظر.

لقد كان قرار آدم تفضيل حياة الحواس على إحياء العلاقة مع الله! لقد حوّل حركاته الداخلية (عشقه و اهتمامه) من الله إلى المادة. بعد أن أُعطيت له المادّةُ هديّةً إلهيّةً، العالمَ وكلَّ ما فيه، أراد هو أن يأخذها لذاته غاية، فلم تعدْ تشبع حاجاته وحسب، ولكنّها بقراره صارت “شهيّة للمنظر” تستملك أهواءه وميوله ورغباته. كان السقوط اختياراً خاطئاً في استخدام العالم. وهذا ما يعنيه “حلّ الصوم” أو الوصيّة. بينما كانت الوصيّة هي إشارة إلى طريقة استخدام العالم بحقيقته كصلة وعمل مشترك بين الله والإنسان. لقد كان مقدَّراً للعالم أن يُدخل الإنسان مع الله في شركة- وهذه هي حالة استخدامه الصياميّة- لكن تداعي آدم أمام الحواسّ جعل العالمَ أداةَ فصلٍ بينه وبين الله. لقد كان السقوط سعياً للتألّه قبل أوانه وخارج طريقه. كان طريقاً للتألّه مبنيّاً على تأليه الحواسّ، لكنَّ الحسيّات تعيدنا إلى العالم ولا ترفعنا إلى الله. لقد أضحت الخليقة صنّارة شيطانيّة اصطادت الإنسان، فانحرفت هكذا ميولُه عن الرغبات الأصليّة إلى مجرّد الأمور الماديّة. استبدل الشيطان للإنسان مُثُلَه وأولويّاته، فأضحى العالمُ بعد أن كان هديّةً إلهيّةً سيعيدها الإنسان قرباناً صار أداةً للغواية والخدعة الشيطانيّة. فالتصقت حياة الإنسان بالماديّات وانغلب الروح أمام المادّة. وتركّزت الاهتماماتُ البشريّة حول الحسيّات وضاعت الحضرة الإلهيّة. حتّى أنّ آدم عندما عاد وسمع خطوات الله، بعد أن مال إلى إشباع الشهوات، اختبأ. لأنّ هذه الحضرة التي كانت كلَّ حياته سابقاً صارت مقلقةً ومزعجة لثمرة هذه الشجرة، الشهوة!

عندما ضلَّ الإنسان استُبدٍلتْ شركتُه مع الله بشركتِه مع الماديّات والعالميّات. لهذا يعتبر آباؤنا القدّيسون أنّ سقوط الإنسان أدّى إلى سيطرة “ثلاثة أهواء جبّارة” تتفرَّع عنها كلُّ المشاكل وتتلخّص فيها كل أسباب النزوات والأخطاء. وهذه الأهواء هي الجهل (بسبب الخدعة) والنسيان (بسبب الانشغال بالماديّات) وأخيراً الكسل (لأنّ المادّة بدون الصوم لا تعطي روحاً).

ولم تعدْ أشواق الإنسان إلى الله، بعدما استبدلَها باشتهاء الحسيّات، لم تعدْ تكفيه لسعيه إلى غايته الحقيقيّة. وصارت طاقات الإنسان موزّعة بين الله والدنيا، بينما كان يُفترض على الإنسان أن يحبَّ الله فقط ويتناول حاجته من العالم دون غواية، أي بعفّة.

لقد أراد آدمُ أن يتألّه دون صوم، أي حاول أن يصل إلى غاياته دون سعي وتعب، وكأنَّ المسألةَ سحريّةٌ مجرّد أن نشتهي العالم (نتناول من الثمرة ونشتهيها) نصير عارفين للخير والشرّ- آلهةً. لقد استعاض عن أتعاب الحياة الروحيّة (وصيّة الصوم) بالسحر (الشهوة)، والسحر لا يحقّق حقيقة. المسألة هي أن نحدّد غاية حياتنا؟ أهو الله أم هي المادّة؟ وهذا يجيب على السؤال: هل نحن صائمون أم لا؟ لقد أخرج آدمُ اللهَ من حياته وأدخل الحسيّات، ونحن نصوم لكي نحيا حياة آدم الفردوسيّة الإنسانيّة الأصيلة، فندخل الله إلى حياتنا ولا نجعل الأطعمة والحسيّات تأخذ اهتمامنا. وحتى حين نتناول العالم فإنّنا لا نأخذ لنا أيّة مادّة منه قبل أن نروْحِنها، أي نستخدمها كأداة صلة مع الله وشكر له. الصوم إذن هو حركة لنغلِّبَ الروحَ على المادّة، إنّه سعي إلى القيامة الروحيّة.

لا يمكن للإنسان أن يتلمَّس مقدار تسلّط هذه الأهواء الثلاثة (الجهل والنسيان والكسل) دون “الاعتراف”، أي العودة إلى الذات والله، وهذه الأخيرة تستخدم العالم كأداة تذكير بالله وليس كانشغال عنه، والصوم هو طريقة تحويل المادّة إلى هذه الآلة بعد أن كانت غواية. لا يعني الصوم هجر المادّة بل الترفّع والزهد عن غوايتها. فتلك مباركة وهذه غباوة.

1. شفاء الجهل

 “يا جاهل”! بهذه الكلمة عبّر يسوع عمّن أراد أن “يغتني لنفسه وليس بالله” (48). لقد أخطأ آدم الخيار بين طريقتَين في الحياة، فصار جاهلاً! ولما تمادى في الخضوع للحسيّات جعلت هذه الأخيرة ذهنه أكثر ظلاماً و”غباوة”. لذلك يقول الراهب بيمين: “لولا أن نبوزردان رئيس طبّاخي البابليّين لم يذهب إلى أورشليم لما احترق المعبد”، مشيراً بذلك إلى مدى تأثير التهافت لإشباع لذّة الجوف على الصفاء الروحيّ والحريّة الداخليّة: “هكذا الإنسان لا يحترق إذا لم تسيطر عليه شهوة الطعام”. ويتكلّم الأدب الرهبانيّ عن حالات دقيقة جدّاً ومرهفة. لقد زار أحد الرهبان مرّة الأب أشعياء في زمن صيام فقدّم له هذا الأب قليلاً من العدس. ولما ذاق الراهب الطعام قال للأب أشعياء: “كان يحتاج لبعض السلق أيضاً”. فأجابه الأب: “اشكر الله يا بُنـَيّ أنّنا قدّمنا لك اليوم مائدة فصحيّة، هذا يكفينا”. نعم يدقّق النسك الرهبانيّ على وجود هذا الهوى حتّى في حالات كهذه. الصوم يعني التخلّي عن “الشهوة” وليس عن الطعام بحدّ ذاته، وإن كانت تلك الشهوة لا تغادرنا قبل أن نتجرّد عن الأطعمة نوعاً وكمّاً. ولكن ترك الأطعمة والمحافظة على شهوتها هو صيام ناقص، أو غير ناضج تماماً.

ويُروى أنّ أباً راهباً اصطحب في الصيام معه تلميذه إلى عيد دير مجاور؛ وكانت العادة في الأعياد أن يمدّ الرهبان مائدة الطعام مباشرة بعد القداس الاحتفاليّ أي عند الظهيرة. وهذا ما حصل تماماً. لكنّ التلميذ تردّد في تناول الطعام لأنّ صومهم كان يستمرّ بالعادة حتّى الغروب كما في الأديار، ولهذا قرّر أن يتناول من المائدة فقط في حال أنّ معلّمه الأب يتناول منها. وبالطبع جلس الجميع والأب معهم إلى المائدة وتناولوا طعام العيد، ومثلهم صنع هذا الراهب التلميذ. ثم في طريق العودة مع معلّمه بلغا إلى عين ماء، وكان العطش قد أضناه، فاستأذن التلميذُ من معلّمه أن ينتظره حتّى يشرب، فقال له المعلّم: ألسنا في صيام؟ قال التلميذ، لقد تناولنا ظهراً الطعام! أجاب الأب: نعم يا بُني هناك كسرنا صومنا من أجل المحبّة، ولكن هنا أنت تحلُّه من أجل الشهوة!

أوّل دور للصيام هو تحويل الذهن من العالم إلى الله (49)، وهذا ليس بالضرورة عن طريق ترك العالم، إلاّ تدبيريّاً حين يتحتّم ذلك. لذلك يعترف الأدب الرهبانيّ أنّ الراهب لا يحرق عشقه ولكنه يحوِّله “فيستبدل عشقاً بعشق”. بالصوم يعرف الإنسان الشهوة الحقيقيّة- العشق الإلهيّ. الصوم يُصلح “التهذيب” و”الذوق”. لقد كان السقوط انحرافاً في الذوق ويأتي الصوم ليُصلح هذا الذوق البشريّ المخدوع. بالصوم يؤكّد الإنسان لذاته أنّه “لا يحيا بالخبز وحده بل بالأحرى على كل كلمة تخرج من فم الله”. يكوّن الصوم هذه الحكمة. ولا تأتي حكمة كهذه دون تعاطٍ مع العالم كهذا. إن صوم الجسد يشدّد الذهن (50)، إنّ الصوم يحرّر الإنسان من الجهل ويخلق فيه “النبوّة” (51).

يحدّد لنا الصوم “خبزنا الجوهريّ” ويرتّب أولويّات اهتماماتنا وحدود كلّ اهتمام منها ومساحته في زمن حياتنا. لهذا بالصوم رتَّبت الكنيسة أن يزداد تواتر المؤمنين على الكأس المقدّسة وأدخلت “قدّاس السابق تقديسه”. ولعلّ التقشّف والبساطة في الصوم هما أحوج الأمور إلينا للردّ على تسلّط هوس “الرفاهيّة” في حياة الناس اليوم. يعيد الصوم نهاية “السباق” إلى مبتغاه الصحيح. يتسابق الناسُ اليوم على تأمين “الرفاهيّات” في الحياة، وصارت الكماليّات أساسيّات ولو اضطرّتنا إلى التضحية بكلّ ما هو أساسيّ في حياتنا من الراحة والعلاقات الاجتماعيّة الضروريّة. إنّ صنم “الكماليّات” وطلب “السهل” صار إلهَ هذا العصر، ولا تحطِّمه إلاّ بساطة الحياة وتقشّف المعيشة في الصوم. لقد بات الصوم اليوم أكثر ضرورة من أيّ زمن أسبق، وذلك بسبب هيمنة الشهوة والطيَِّب للنظر والحواسّ على مجتمعاتنا وعلى مفاهيمنا. يتراكض الناس ولكن في اتجاهات “ضالّة”، ويتسابقون على اقتناء “الكماليّات”، بينما يعيدنا الصوم إلى السعي لاقتناء الخبز الجوهريّ والتسابق في طرق الفضيلة. إنّ حكمة الناس في دهر الكماليّات هي “كُلْ بقدر ما تستطيع” أي لأكبر حدٍّ ممكن طبيعيّاً أو غير مضرٍّ صحيّاً. لكن حكمة الإنسان في الصوم هي “صُمْ قدر ما تستطيع”، أي لا تأكل قدر ما تستطيع بِشْرتُك. تتبدّل في الصوم النظرة إلى الحياة في غاياتها وفي مصادرها. “في بطن امتلأ من الأطعمة لن يوجد مكانٌ لمعرفة أسرار الله” (اسحق السريانيّ).

 لذلك يترافق الصوم مع الصلاة (الخبز الجوهري) ومع أعمال الإحسان. فتتحوّل طاقات النفس وملكاتها وممتلكاتها نحو غاياتها الصحيحة نحو الله والقريب، نحو بناء علاقة وليس بناء ملكيات. يفتح الصوم الإنسان على عالم الآخر، الله والقريب. “قيمة الصوم ليست بالابتعاد عن المآكل بقدر ما هو الابتعاد عن الخطايا… فماذا يفيدنا الإعراض عن أكل لحوم الخنازير والسمك حين نأكل لحوم أخينا الإنسان”، يقول القدّيس باسيليوس الكبير. وغياب الصوم يغلق الإنسان على ذاته التي لا تشبع وتجعل القريب جحيماً والله مغيَّباً.

يختبر الإنسان في الصوم القول المسيحيّ “يا ربّ خلقتنا ميّالين إليك ولن نرتاح إلاّ بك”. أليست هذه الحكمة أساسيّة في الحياة؟ أو ليسَ غيابها جهالة فظيعة وظلم في حقّ الحياة البشريّة؟

2. شفاء النسيان

 تذكر رواية التكوين وبدقّة متعمَّدة شجرة معرفة الخير والشرّ، التي نُهيَ عنها آدمَ، وتروي أنّها كانت في “وسط” الفردوس: “وجعل الله الشجرة في وسط الفردوس”. وهذا يعني تماماً أنّ دورها كان “التذكير” بالوصيّة الإلهيّة والعهد الفردوسيّ. هكذا كانت الشجرة في “وسط” حياة آدم أينما التفّت أو انتقل كانت تجرِّبه وتضعه في الخيار، أن ينظر بشهوة إليها أو أن يتذكّر بها الوصيّة والربّ.

بهذا المعنى يمتلئ الكتاب المقدّس بآيات وأحداث تريد أن تظهر رغبة الله أن يكون في “وسط الحياة”: “أنا أكون في وسطهم وهم يكونون لي شعباًً”. وتمتلئ قراءات الأسبوع لمرفع الجبن (الأسبوع قبل الصيام) بهذه المعاني. فالصوم هو أداة تجعل الله يتوسّط حياتنا. إنّ “الجوع” هو طعمُ المائدة التي نتعشّاها مع الربّ: “ها أنذا واقف على الباب أقرع فمن يسمع صوتي ويفتح لي أدخل إليه وأتعشّى معه” (52). الجوع هو مذاق العشاء الإفخارستيّ مع الله. أو بكلمة أخرى إنّ اختبار الجوع، أو قليلاً من الجوع، يجعل كلّ طعام ذا مذاق إفخارستيّ ويتوسّطه الربّ.

أغلب الفضائل المسيحيّة كالصلاة والإحسان والسجدات تحتاج إلى زاوية خاصّة وزمنٍ خاصٍّ لممارستها، خاصّة لدى المبتدئين؛ إلاّ الصوم، فيمكنه بدون كلّ ما سبق أن يكون وسط حياتنا. لا يمكننا مثلاً الدراسة والإحسان أو الصلاة في الوقت ذاته! لكنّنا نستطيع أن نقوم بأيّ عمل ونحن صائمون. إنّ الصوم هو صلاة في الجسد بل هو صلاة الجسد. الصوم هو منبّه دائم داخلنا خفيّ غير منظور يرافقنا كلّ لحظة ويقول “الله هنا”، أو بالأحرى: “الله معنا” يتعشّى وإيّانا هذا الطعام بالطعم الجديد- بالصوم.

وعندما يتوسّط الله حياتنا بواسطة هذه الممارسة الرائعة، عندها نكون في يقظة! “اسهروا وتيقّظوا إبليس خصمكم كأسدٍ زائر يجول ملتمساً من يبتلعه” (53)، هذه اليقظة تنقذنا من “النسيان”.

أغلب المسيحيّين يؤمنون بالله، وأيضاً يحبونه. ويحبّون تطبيق الوصايا والصلاة وأعمال الفضيلة. لكن لو سألنا ذواتنا لماذا لا نقوم بكلّ ما نحبّه ونخطّط له؟ لوجدنا أنّ الجواب هو “نَسَيْنا”. هذا هو عدوّ المؤمن، “النسيان”. يقول المثل الرهبانيّ إنّ الشيطان لا يقول لأحد لا تعمل عملاً خيراً وفاضلاً لأنّ ذلك يُعادي الضمير، ولكنّه يقول له “أجّلْه للغدّ”، لا يقول لنا: لا تصلّي بل صلِّ بعد قليل، لا يقول لنا لا تساعد بل ساعدْ في وقت آخر…وهكذا! إنّ أسهل وأفتك سلاح يستغلّه الشيطان ليُبطِل فضيلة الإنسان هو “النسيان”. لو قال لنا الشيطان لا تصلِّ لأوقظ فينا ضرورة الصلاة. ولكنّه يقول لنا صلِّ غداً فيأخذنا بالنسيان وليس بالجهل، لأنّه لا يوجد مؤمن يجهل أهميّة الصلاة. لكنّ المؤمنين الذين يجهلون خدعة النسيان هم كثرٌ جدّاً. إنّ الكثير ممّا ينقصنا في جهادنا الروحيّ لم ينقصْ بسبب قناعاتنا السلبيّة تجاهه، ولكن غالباً بسبب مرور الوقت دون أن نخصّص له حقَّه منه، إنّه النسيان عدوّ الإيمان اليوم. والنسيانُ عادة كلَّما كرّرناها تفاحشت، وهذه العادة يقتلها الصوم. الصوم ممارسة سهلة تضعنا في “اليقظة”. يؤهِّلنا الصوم لكلمات داؤود النبيّ “جعلتُ الربَّ أمامي كلّ حين”. وهذا ممكن أحياناً بالصلاة وممكن دائماً ما دام الصوم.

لا شيء يحجب الله عنّا ويخرجه من وسط حياتنا كالنسيان. وللنسيان أسبابه، أهمّها تعلّقنا بالدنيويّات أوّلاً، “لأنّه حيث كنزك هناك يكون قلبك”. وثانياً انشغالنا الزائد بالخبز غير الجوهريّ على حساب الجوهريّ، فيصير خبزُ كفايتِنا غايتَنا وننسى خبز الحياة. يعيدنا الصوم إلى هذه الحضرة أمام الله، أو يجعل حضرة الله في القليل من الجوع ترافقنا. “بمجرّد أن يبدأ الإنسان بالصوم، يتشوّق العقل لعشرة الله” (اسحق السريانيّ).

ينصح اسحق السريانيّ بالصوم الدائم وضبط الذات في مكان واحد (عدم التشتّت بالاهتمامات العديدة)، وينجم عن ذلك كما يقول الأمور التالية: إخضاع الحواسّ وضبطها، يقظة الذهن وتذكّر الله، وداعة الأفكار واستئناس الأهواء الشرسة، استنارة حركات الذهن، التأمّلات السامية، الدموع المدرارة، ذكر الموت، والعفّة.

عكس النسيان، أي طرد الله من وسط الحياة، هو الصوم الذي يجعلنا “نعاين الله”. ترتيب الأصوام بالأساس في الأديان كان استعداداً لملاقاة الإنسان بالله. وهذا ما تشدّد عليه حوادث الكتاب المقدّس. لقد صعد موسى لملاقاة الله، ولهذا صام قبل ذلك، وهكذا إيليا. فالصوم مرتبط مباشرة بلقاء الله، كتهيئة له. “إنّ إيليا لمّا تنقّى بالصيام شاهد الله عياناً في طور حوريب، فلنطهّرنَّ ونحن أيضاً القلب بالصيام وسنعاين المسيح إلهنا”. هكذا بالصوم ندخل إلى معاينة الله، أي إلى “حياتنا المستترة بالله”.

بحسب غريغوريوس اللاهوتيّ كانت الشجرة هي رؤية الله، أي أنّ الله هيّأ لآدم في وسط الفردوس (وسط الحياة) أن يهتمّ في ذهنه بالبحث عن الله وتمجيده وهذا هو النعيم الحقيقيّ. تشدّد قراءات أسبوع مرفع الجبن (الأسبوع قبل الصوم) على رؤية الله وتربط ذلك بالصوم كطريقة (قراءة الساعة السادسة- يوم الجمعة): “ها أنذا أخلّص شعبي… وأقتادهم وأسكن في وسطهم ويكونون لي شعباً وأكون لهم إلهاً…” (54). ونبوءة مساء الجمعة: “هذه الأقوال يقولها الربّ الضابط الكلّ، الرابعُ صوم… فلننطلق سائرين لنطلب وجه الربّ الضابط الكلّ ونبتغي وجهه في أورشليم…” (55).

يقودنا إذن الصوم إلى الحضرة الإلهيّة وإلى المثول أمامه، فيغدو صلاةً. يرتبط الصوم بالصلاة، وهو بمثابة الجمر في المبخرة كما الصلاة بمثابة حبّات البخور، فإذا ما اجتمعا رُفعتْ لله رائحةُ طيب زكية، عبادة تسبيح. يخلّصنا هكذا الصوم من النسيان عندما تصير الحياة وقفة في حضرة الله، أي صلاةً.

3. شفاء الكسل

 الصوم حطب لنار الروح، “أعطِ دماً وخذْ روحاً”. إنّ رياضة الصوم تجعلنا دائماً منتصبين وجاهزين. وإنّ هذه الأتعاب هي التي تحفظنا متقبِّلين لسكب النعمة الإلهيّة. إذا ما نظرنا إلى هذا الجهاد الروحيّ (الصوم) سلبيّاً قد يتراءى لنا كحرب ضدّ الجسد، وهكذا يفهمه البعض، ولكن إذا ما عرفنا معناه إيجابيّاً كسعي إلى النور ومحاولة لتلقّي النعمة، آنذاك يصير الصوم رياضة روحيّة محبوبة.

يشدّد أدبنا الروحيّ الشرقيّ على ضرورة الأتعاب، وذلك التزاماً بوصيّة السيّد “ملكوت الله يُغتصب اغتصاباً” و”ادخلوا من الباب الضيّق”. إنّ الكسل عكس التغصّب. الكسل هو مظهر للأنانيّة المتخفّية، إنّ غصب الذات هو نوع من إنكار لراحتها. وهذا يتمّ عندما نعرف أنّ الراحة لا تأتي من الاستراحة. في جواب يسوع على إعلان اليهود أنّ الله استراح (توقّف عن العمل) في اليوم السابع (يوم الراحة) قال: “أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل”. يقول اسحق السرياني “أحبّ التعب” و”رائحة عرق السجدات أطيب لدى الله من رائحة البخّور”. إنّ الاستسلام لأيّة رغبة يحرمنا من قوة الإرادة، وغياب الجهاد يحرمنا من النعمة.

بالطبع للصوم وجه هو تقوية الإرادة. ولقد مارس كثيرون الصوم لهذه الغاية، لكنّ الصوم مسيحيّاً لا يبتغي الإرادة القويّة وحسب بل والصالحة. يهذّب إذن الصوم الإرادة فتغتصب ما تريد بدل أن تعمل ما لا تريده. إنّ ملكوت الله يُغتصبُ اغتصاباً” (56). “حينما ينحطّ الجسد بالصوم تتشدّد النفس روحيّاً في الصلاة” (اسحق السريانيّ). لهذا يقول بولس واصفاً جهاداته وأصوامه: “فإن كان إنساننا الخارجيّ (الجسد) يموت فإنّ إنساننا الداخليّ (الروح) يتجدّد” (57). لكن هذا “الغصب” للجسد ليس حرباً على الجسد بل تهذيب له. لأنّنا نقتل الأهواء وليس الأجساد (58).


(21) مرقس 9، 29.

(22) مز 62، 2.

(23) أع 27، 9.

(24) لاويين 16، 29-31.

(25) مرقس 2، 18.

(26) 2، 37.

(27) خروج 34، 28.

(28) 1 ملوك 19، 28.

(29) متى 4، 1-4.

(30) دانيال 9، 3.

(31) 1 ملوك 21، 27.

(32) 2 صموئيل 12، 16-22.

(33) يهوديت 8، 5.

(34) يوئيل 2، 12-17.

(35) دانيال 10، 12.

(36) خروج 34، 28؛ دانيال 9، 3.

(37) متى 5، 17-20.

(38) متى 6، 11.

(39) متى 6، 17-18.

(40) أع 13، 2-4؛ 14، 23.

(41) 2 كور 6، 5؛ 11، 27.

(42) 1، 8.

(43) 5، 15.

(44) “ضدّ الهراطقة”، 76، 6.

(45) “مقالة دفاعية”، 1، 61.

(46) أنسطاسيوس السينائي (القرن السابع).

(47) باسيليوس الكبير، [PG 31, 165]. لقد كان الصوم قبل الناموس: باسيليوس الكبير، “عظة 1″، [PG 31, 164-184]؛ “عظة 2″، [PG 31, 185-196].

(48) لوقا 12، 20.

(49) باسيليوس الكبير، [PG 31, 172].

(50) باسيليوس الكبير، [PG 31, 180].

(51) باسيليوس الكبير، [PG 31, 172].

(52) رؤيا 3، 20.

(53) 1 بطرس 5، 8.

(54) زخريا 8، 8.

(55) زخريا 8، 19.

(56) متى 11، 12.

(57) 2 كور 4، 16.

(58) باسيليوس الكبير، [PG 31, 181].

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎

معلومات حول الصفحة

عناوين المقال

محتويات القسم

وسوم الصفحة

arArabic
انتقل إلى أعلى