Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎
☦︎

و – الدخول إلى أورشليم والتعاليم الأخيرة قبل الآلام 11: 1 – 13: 37

في هذا القسم الأخير السابق لرواية الآلام في إنجيل مرقس، يجري الحديث عن أعمال يسوع في أورشليم بعد دخوله الظافر إليها. يجد بعض المفسرين في رواية مرقس هذه ترتيباً لتلك الأعمال موزّعاً على ثلاثة أيام (أو أربعة). هذا الترتيب غير وارد في باقي الأناجيل، وهو كالآتي:

  • في اليوم الأول (11: 1-11) الدخول إلى أورشليم وزيارة الهيكل، والانتهاء مساءً في بيت عنيا.
  • في اليوم الثاني (11: 12-19) حادثة التينة اليابسة، وتطهير الهيكل.
  • في اليوم الثالث (11: 20 – 2: 17) المناقشة حول الإيمان، وسؤال رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ عن السلطة، ومثل الكرامين القتلة، والسؤال عن إعطاء الضريبة لقيصر.
  • في اليوم الرابع (12: 18 – 13: 37) قيامة الموتى، أولى الوصايا، الأرملة الفقيرة والحديث عن نهاية العالم.

لكن إن كانت صحيحة النظرية التي تقول إنه بين الآيتين 12: 17 و12: 18 يدخل مقطع يوحنا 7: 53 – 8: 11 عن الإمرأة الزانية، وبعد أخذنا بعين الاعتبار ما جاء في الآية 14: 1 “وكان الفصح بعد يومين”، نجدُ أن أعمال يسوع الأخيرة في أورشليم تستغرق أسبوعاً كاملاً. يضع مفسّرون آخرون كل الحوادث الموجودة في المقطع (12: 20 – 13: 37) في اليوم الثالث. وأخيراً، منهم من يعتقد أن الإنجيلي يقدّم هنا تعاليم مأخوذة من لحظات ليسوع سابقة ومختلفة.

على كل حال، ما يهمّ الإنجيليين قبل كل شيء ليس هو التوقيت الزمني الدقيق لأعمال يسوع بل تفسيرها كتعبير عن محبّة الله للعالم، تلك المحبة التي سوف تصل إلى أوجها على الصليب.

الدخول إلى أورشليم:

“1 وَلَمَّا قَرُبُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى بَيْتِ فَاجِي وَبَيْتِ عَنْيَا، عِنْدَ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، أَرْسَلَ اثْنَيْنِ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، 2 وَقَالَ لَهُمَا:«اذْهَبَا إِلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أَمَامَكُمَا، فَلِلْوَقْتِ وَأَنْتُمَا دَاخِلاَنِ إِلَيْهَا تَجِدَانِ جَحْشًا مَرْبُوطًا لَمْ يَجْلِسْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ. فَحُلاََّهُ وَأْتِيَا بِهِ. 3 وَإِنْ قَالَ لَكُمَا أَحَدٌ: لِمَاذَا تَفْعَلاَنِ هذَا؟ فَقُولاَ: الرَّبُّ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ. فَلِلْوَقْتِ يُرْسِلُهُ إِلَى هُنَا». 4 فَمَضَيَا وَوَجَدَا الْجَحْشَ مَرْبُوطًا عِنْدَ الْبَابِ خَارِجًا عَلَى الطَّرِيقِ، فَحَلاَّهُ. 5 فَقَالَ لَهُمَا قَوْمٌ مِنَ الْقِيَامِ هُنَاكَ:«مَاذَا تَفْعَلاَنِ، تَحُلاََّنِ الْجَحْشَ؟» 6 فَقَالاَ لَهُمْ كَمَا أَوْصَى يَسُوعُ. فَتَرَكُوهُمَا. 7 فَأَتَيَا بِالْجَحْشِ إِلَى يَسُوعَ، وَأَلْقَيَا عَلَيْهِ ثِيَابَهُمَا فَجَلَسَ عَلَيْهِ. 8 وَكَثِيرُونَ فَرَشُوا ثِيَابَهُمْ فِي الطَّرِيقِ. وَآخَرُونَ قَطَعُوا أَغْصَانًا مِنَ الشَّجَرِ وَفَرَشُوهَا فِي الطَّرِيقِ. 9 وَالَّذِينَ تَقَدَّمُوا، وَالَّذِينَ تَبِعُوا كَانُوا يَصْرُخُونَ قَائِلِينَ:«أُوصَنَّا! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! 10 مُبَارَكَةٌ مَمْلَكَةُ أَبِينَا دَاوُدَ الآتِيَةُ بِاسْمِ الرَّبِّ! أُوصَنَّا فِي الأَعَالِي!». 11 فَدَخَلَ يَسُوعُ أُورُشَلِيمَ وَالْهَيْكَلَ، وَلَمَّا نَظَرَ حَوْلَهُ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ إِذْ كَانَ الْوَقْتُ قَدْ أَمْسَى، خَرَجَ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا مَعَ الاثْنَيْ عَشَرَ.” (مرقس11: 1-11، متى21: 1-11، لوقا19: 29-40).

عندما دخل يسوع مع تلاميذه إلى أورشليم لاقى استقبالاً مسيانياً. إن كان سوف يعاني الموت بعدئذ مخيّباً آمال تلاميذه فهو بهذا يتمّم حتى النهاية دور العبد المتألّم الذي يطيع مشيئة الآب، لكنه يعرف الآلام مسبقاً وينبئ عنها تلاميذه بصورة واضحة. من جهة ثانية يبادر إلى صنع أعمال تدلّ على أنه سيد الموقف وأنه يقوم بكل شيء طوعاً باختياره. هذا المعنى نجده في البداية عند إرساله اثنين من تلاميذه إلى القرية ليجدا جحشاً في مكان محدّد (الآيات 2-6) فيُحضراه لكي يجلس عليه وهو داخل إلى أورشليم. من الملاحظ أنه يدعو نفسه “الرب” ويطلب أن يستخدم بنفسه ولأول مرّة هذا الجحش “الذي لم يجلس عليه أحد من الناس”. فإلى جانب سابق معرفته يبرهن عن سيادته لكي يرى تلاميذه أنه، عندما يأتي إلى الآلام، سوف يتقبلها طوعاً باختياره لا خضوعاً لسلطان اليهود أو الرومان.

بعد تنفيذ طلبه، يجلس يسوع على الجحش ويدخل من جهة جبل الزيتون إلى أورشليم. ومن الملاحظ أولاً أن ظهور المسيا كان منتظراً من جهة جبل الزيتون حسب التوقعات اليهودية. ويتكلم متى عن إتان وعن جحش مستشهداً بمقطع زخريا 9: 9 الذي يقول أن المسيا سوف يأتي “وديعاً راكباً على أتان وجحش ابن أتان” (متى 21: 5).

إن حماس الجمع والصراخ، كما في المزمور 118: 25 “أوصنا” (أي ياربّ أعنّا)، يدلاّن على أن الجمع هيأ استقبالاً مسيانياً ليسوع الداخل. ولكن تُطرح هنا بعض الأسئلة: إن كان الجمع، الذي ليس عنده في الواقع مفهوم عميق لرسالة يسوع المسيانية الحقيقية، يستقبل يسوع كمسيا سياسي (حسب توقعات اليهود في ذلك العصر)، فكيف يرضى يسوع بمثل هذه المظاهر خصوصاً وأنه إلى الآن تجنّب كلياً هذه الظاهر وحتى مناداته بالمسيا؟ أيضاً كيف نفسّر عدم مقاومة الرومان في الحال مثل هذا الاستقبال؟ عن هذه الأسئلة وما شابهها نجيب مؤكدين على أن النصوص الإنجيلية تحمل بخاصّةٍ وقبل كل شيء طابعاً لاهوتياً. يريد الإنجيليون أن يقولوا لنا إن المسيا يدخل في آخر عمل مسياني له في حياته الأرضية، هذا العمل الذي سوف يقوده إلى الصليب. ومما لا شك فيه أن العالم بقي عند حدود المظاهر الحماسية ولم يدرك رسالة المسيا العميقة. لقد قبل يسوع مثل هذه المظاهر من زاوية موقفه التربوي العام أمام الشعب. وبما أن الرومان لم يتدخلوا، فهذا يعني أن دخوله لم يأخذ أبعاداً كبيرة أو أنهم في النهاية لم يروا في ذلك خطراً مهدداً إياهم.

دخل يسوع إلى أورشليم وتوجّه إلى الهيكل (الآية 11) حيث “نظر حوله إلى كل شيء” (هذا الفعل محبب جداً عند مرقس الإنجيلي)، ثم خرج وكان المساء إلى بيت عنيا مع الاثني عشر. تبعد بيت عنيا (بيت النخيل، أو بيت الفقراء، أو بيت حننيا) 3 كلم عن أورشليم وتقع على الطريق المؤدّية إلى أريحا شرقي جبل الزيتون. كانت تسكن فيها عائلة لعازر المرتبطة مع يسوع بعلاقات صداقة (أنظر يوحنا 11: 1 و18، 12: 1). أما بيت فاجي (= بيت التين) التي يرد اسمها في مرقس 11: 1، فلا نعرف بالضبط أين توجد، ولربما كانت وسط الطريق بين أورشليم وبيت عنيا.

التينة العديمة الثمر:

” 12 وَفِي الْغَدِ لَمَّا خَرَجُوا مِنْ بَيْتِ عَنْيَا جَاعَ، 13 فَنَظَرَ شَجَرَةَ تِينٍ مِنْ بَعِيدٍ عَلَيْهَا وَرَقٌ، وَجَاءَ لَعَلَّهُ يَجِدُ فِيهَا شَيْئًا. فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهَا لَمْ يَجِدْ شَيْئًا إِلاَّ وَرَقًا، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ التِّينِ. 14 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهَا:«لاَ يَأْكُلْ أَحَدٌ مِنْكِ ثَمَرًا بَعْدُ إِلَى الأَبَدِ!». وَكَانَ تَلاَمِيذُهُ يَسْمَعُون.” (مرقس 11: 12-14، متى 21: 18-19، لوقا 13: 6-9).

بعد أن أمضى الليل في بيت عنيا يتوجه يسوع مع تلاميذه مرّة أخرى إلى أورشليم. وفي الطريق جاع ورأى شجرة تين عليها ورق. فاقترب منها حتى يجد ثمراً، فلم يحظَ بذلك. فلعن عندئذ التينة حتى لا تعود تثمر من بعد. طبعاً لم يكن وقت التين كما أشار الإنجيلي. لكن طالما أن هنالك ورقاً على الشجرة، كان يمكن في مثل ذلك الوقت (الربيع، الوقت القريب من الفصح) أن يجد الواحد تيناً شتوياً ينضج متأخراً أي في الربيع.

إنها المرة الوحيدة التي تخرج فيها لعنة من فم يسوع. من الواضح أنه يرى من خلال التينة الشعب اليهودي الذي لم يأتِ بالثمار المتوقعة. أما الحكم على التينة فهو يرمز إلى الدينونة التي جاء بها المسيا إلى الشعب اليهودي العديم الثمر. يحمل مثل هذا الحكم إلى أذهاننا عبارات مماثلة للأنبياء كمثل عبارة أرميا: “ويجمعون أثمارهم يقول الرب: لا عنب في الجفنة ولا تين في التينة. قد سقط الورق” (ارميا 8: 13). ويلاحظ ثيوفيلكتوس أن المسيح يلعن التينة لكي يظهر للتلاميذ “أن بإمكانه أن يؤذي، وإن شاء يمكنه بلحظة واحدة أن يُهلك الذين سوف يصلبونه، فهو يظهر قوته في الشجر العديمة الحسّ“. وهكذا بعد أن فسّر الآباء القديسون أولاً أن التينة ترمز إلى الشعب اليهودي، يتفقون في الرأي الذي يؤكد على خطر العقاب لكل مسيحي لا يأتي بثمر.

يروي متى أيضاً حادثة التينة (متى 21: 18-19)، بينما يذكر لوقا مثلاً عن التينة العديمة الثمر (لوقا 13: 6-9) حيث يؤكد على الفرصة الأخيرة التي يمنحها الله لتوبة اليهود (وتالياً توبة كل إنسان) قبيل الأخرة.

تطهير الهيكل:

“15 وَجَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَلَمَّا دَخَلَ يَسُوعُ الْهَيْكَلَ ابْتَدَأَ يُخْرِجُ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِي الْهَيْكَلِ، وَقَلَّبَ مَوَائِدَ الصَّيَارِفَةِ وَكَرَاسِيَّ بَاعَةِ الْحَمَامِ. 16 وَلَمْ يَدَعْ أَحَدًا يَجْتَازُ الْهَيْكَلَ بِمَتَاعٍ. 17 وَكَانَ يُعَلِّمُ قَائِلاً لَهُمْ:«أَلَيْسَ مَكْتُوبًا: بَيْتِي بَيْتَ صَلاَةٍ يُدْعَى لِجَمِيعِ الأُمَمِ؟ وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ». 18 وَسَمِعَ الْكَتَبَةُ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ فَطَلَبُوا كَيْفَ يُهْلِكُونَهُ، لأَنَّهُمْ خَافُوهُ، إِذْ بُهِتَ الْجَمْعُ كُلُّهُ مِنْ تَعْلِيمِهِ. 19 وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ، خَرَجَ إِلَى خَارِجِ الْمَدِينَةِ.” (مرقس 11: 15-19، متى 21: 12-13، لوقا 19: 45-47).

يشكل الهيكل مركز العبادة اليهودية. وقد قام المسيح بعمل عظيم إذ طهّر الهيكل من البائعين والمشترين وغيرهم الذين حوّلوه من “بيت صلاة” (اشعيا 56: 7) إلى “مغارة لصوص” (ارميا 7: 11). هذا العمل يدلّ على أنه المسيّا المعطى سلطاناً من الله لكي يزيل العبادة القديمة ويوطّد نظاماً جديداً هو العبادة بالروح.

كانت إدارة الهيكل تسمح أن توضع الحيوانات التي للبائعين واللازمة من أجل الذبائح في الساحة الخارجية (المدعوة ساحة الأمم) وكذلك ما يلزم “الصيارفة” الذين كانوا يبدّلون الدراهم الرومانية إلى عبرانية لكي يسدد اليهود ضريبة الهيكل التي كانت مفروضة على كل إسرائيلي تجاوز العشرين من عمره (أنظر خروج 30: 11-16، ومتى 17: 24-27).

إن مثل هذا التساهل مع البائعين يخدم الزائرين ويأتي بأموال باهظة تعود إلى رؤساء الكهنة. تذكر المصادر الربّانية عائلة رئيس الكهنة حنّان كمنتفعة رئيسية من هذه الأرباح. أما تدنيس الهيكل فيأتي حسب الآية 16 من الناس الذين كانوا يجتازون الهيكل مع أمتعتهم وهم خارجون ليختصروا الطريق، وهذا بالضبط ما وقف يسوع ضده ومنعه. وتختصر أقوال يسوع القاسية، الواردة عند أشعيا 56: 7 وارميا 7: 11، كل ما تلفظ به يسوع من شدّة غيظه، وهي ليست موجَّهة فقط إلى البائعين المطرودين بل أيضاً إلى رؤساء الكهنة المسؤولين عن مثل هذا الوضع والذين أخذوا يتحينون الفرص لكي يضعوا حداً لنشاط مثل هذا النبي المزعج. فأصبح الصِدام بين ممثلي اليهود والمسيح فيما يلي محتّماً.

يضع مرقس حادثة تطهير الهيكل في اليوم الثاني من مجيء المسيح إلى أورشليم، بينما يضعها متى ولوقا في اليوم الأول مباشرةً بعد الدخول المسياني. أمّا يوحنا الإنجيلي فيضعها في بداية عمل المسيح العلني (يوحنا 2: 13-22). من الطبيعي أن تحصل الحادثة في نهاية عمل المسيح (كما جاء في الأناجيل الإزائية) مما يتيح فرصة لرؤساء اليهود الدينيين للقبض عليه. إضافةً إلى ذلك يجب أن نلاحظ أن الإنجيليين يوردون الحدث كلاهوتيين ليس كمؤرخين جافين. كثيراً ما يُدفع الكاتب بسبب هدفٍ معيّن إلى عدم الاهتمام بالتوقيت الزمني لحادثة أو تعليم ما، فيجعله ضمن وحدات يتحدّد مكانها على ضوء ذلك الهدف. هكذا يريد يوحنا قبل كل شيء أن يؤكد على زوال الشريعة القديمة وبداية العبادة الجديدة، مما يدفع يوحنا إلى جعل حادثة التطهير ضمن هذا الإطار يتفق مع الإطار الخارجي.

التعليم حول الإيمان:

“20 وَفِي الصَّبَاحِ إِذْ كَانُوا مُجْتَازِينَ رَأَوْا التِّينَةَ قَدْ يَبِسَتْ مِنَ الأُصُولِ، 21 فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ:«يَا سَيِّدِي، انْظُرْ! اَلتِّينَةُ الَّتِي لَعَنْتَهَا قَدْ يَبِسَتْ!» 22 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ :«لِيَكُنْ لَكُمْ إِيمَانٌ بِاللهِ. 23 لأَنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ قَالَ لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ وَانْطَرِحْ فِي الْبَحْرِ! وَلاَ يَشُكُّ فِي قَلْبِهِ، بَلْ يُؤْمِنُ أَنَّ مَا يَقُولُهُ يَكُونُ، فَمَهْمَا قَالَ يَكُونُ لَهُ. 24 لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ حِينَمَا تُصَلُّونَ، فَآمِنُوا أَنْ تَنَالُوهُ، فَيَكُونَ لَكُمْ. 25 وَمَتَى وَقَفْتُمْ تُصَلُّونَ، فَاغْفِرُوا إِنْ كَانَ لَكُمْ عَلَى أَحَدٍ شَيْءٌ، لِكَيْ يَغْفِرَ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ زَّلاَتِكُمْ. 26 وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا أَنْتُمْ لاَ يَغْفِرْ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ أَيْضًا زَّلاَتِكُمْ.” (مرقس 11: 20-26، متى 20-22).

تعطي رؤية التينة اليابسة ليسوع الفرصة للتكلّم عن قوّة الإيمان (الآيات 22-24). فصورة نقل الجبل لها معنى إنجاز أمر صعب تحقيقه، ولا يوجد حاجز أمام الإنسان المؤمن إيماناً عميقاً وحقيقياً. ترد العبارة “اقتلاع الجبال” في الأدب الربّاني بشكل مثَل، ولها معنى إنجاز شيء صعب تحقيقه في الظاهر. يورد الإنجيليون كذلك أقوالاً مماثلة للآيات 22-24 في أماكن أخرى: في متى 17: 20 بمناسبة شفاء الشاب المصروع، في لوقا 17: 6 حيث يتكلّم عن الجميّزة بدل الجبل، أنظر أيضاً 1كور 13: 2 “إن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال ولكن ليس لي محبة فلست شيئاً”. بمناسبة ذكر الصلاة في الآية 24 يتكلم بالتالي في الآية 25 عن مسامحة الأخوة كشرط للصلاة ولغفران الله. ترد هذه الأقوال أيضاً في الموعظة على الجبل (أنظر متى 14: 6). تضيف بعض المخطوطات في الآية 26 الكلام التالي الذي يأتي في الموعظة على الجبل “وإن لم تغفروا للناس زلاّتهم لا يغفر لكم أبوكم أيضاً زلاتكم” (متى 6: 15).

“سلطان” المسيا:

“27 وَجَاءُوا أَيْضًا إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَفِيمَا هُوَ يَمْشِي فِي الْهَيْكَلِ، أَقْبَلَ إِلَيْهِ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ وَالشُّيُوخُ، 28 وَقَالُوا لَهُ:«بِأَيِّ سُلْطَانٍ تَفْعَلُ هذَا؟ وَمَنْ أَعْطَاكَ هذَا السُّلْطَانَ حَتَّى تَفْعَلَ هذَا؟» 29 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ:«وَأَنَا أَيْضًا أَسْأَلُكُمْ كَلِمَةً وَاحِدَةً. أَجِيبُونِي، فَأَقُولَ لَكُمْ بِأَيِّ سُلْطَانٍ أَفْعَلُ هذَا 30 مَعْمُودِيَّةُ يُوحَنَّا: مِنَ السَّمَاءِ كَانَتْ أَمْ مِنَ النَّاسِ؟ أَجِيبُونِي». 31 فَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ قَائِلِينَ:«إِنْ قُلْنَا: مِنَ السَّمَاءِ، يَقُولُ: فَلِمَاذَا لَمْ تُؤْمِنُوا بِهِ؟ 32 وَإِنْ قُلْنَا: مِنَ النَّاسِ». فَخَافُوا الشَّعْبَ. لأَنَّ يُوحَنَّا كَانَ عِنْدَ الْجَمِيعِ أَنَّهُ بِالْحَقِيقَةِ نَبِيٌّ. 33 فَأَجَابُوا وَقَالوا لِيَسوع:«لاَ نَعْلَمُ». فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ:«وَلاَ أَنَا أَقُولُ لَكُمْ بِأَيِّ سُلْطَانٍ أَفْعَلُ هذَا».” (مرقس 11: 27-33، متى 21: 23-27، لوقا 20: 1-8).

بينما كان يسوع بعد في الهيكل سأله رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ ممن أخذ هذا السلطان ليعمل “كل ذلك”. ويشير السائلون على الأرجح إلى تدّخل يسوع القويّ في الهيكل. ولا يبدو أن السؤال قد طرح عليه بصورة رسمية وكأنه صادر عن الجمع الكبير اليهودي، بل هو على الأرجح سؤال طرح في مناقشة خاصة. وبدل الجواب يطرح عليهم يسوع سؤالاً قائلاً: هل كانت معمودية يوحنا “من السماء أم من الناس” أي هل كان مصدرها إلهياً أم إنسانياً؟ كان المأزق صعباً لأنهم أخذوا يفكرون هكذا: إن أجابوا من السماء سوف يوبّخهم يسوع لأنهم لم يؤمنوا بكرازة يوحنا (وتالياً بإعلانه السابق عن المسيا)، كذلك لم يكن باستطاعتهم إنكار رسالة يوحنا الإلهية لأنهم كانوا يخافون الشعب الذي كان يكرّم يوحنا كثيراً ويعتبره كنبي.

في رفضهم الإجابة (مدّعين أنهم لا يعلمون) يقول يسوع أنه هو أيضاً لا يعلم بأي سلطان يفعل كل ذلك. لا يتهرّب إذاً من مواجهة الرؤساء اليهود في الوقت المناسب لأن ساعة الاصطدام باتت على الأبواب.

بهذه المناقشة تبدأ مناقشات ليسوع مع اليهود. كانت هذه أولاها، وقد بدأها أعضاء المجمع اليهودي. المناقشة الثانية يبدأها الفريسيون الهيرودسيون (12: 13-17)، الثالثة الصدوقيّون (12: 18-27)، الرابعة واحد من الكتبة (12: 28-34)، الخامسة يبدأها يسوع نفسه (12: 35-37). يجد المفسّرون صلة وشبهاً بين هذه المناقشات التي حصلت في أورشليم وتلك التي حصلت في الجليل (مرقس 2: 1 – 3: 6).

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
en_USEnglish
Scroll to Top