المجمع المسكوني السابع – مجمع نيقية الثاني

الأمبراطورة ايرينه: (786-787) وفي السنة 775 توفي قسطنطين الخامس فخلفه ابنه لاوون الرابع. وكان لاوون هذا مثل والده يرفض الأيقونات ولكنه كان ليّن الجانب. وبعد خمس سنين خلفه ابنه قسطنطين السادس وله من العمر عشر سنوات. وتولّت أمه ايرينة زمام الحكم باسمه وكانت من محبي الأيقونات. ورأت ايرينه منذ بداية عهدها أن الجيش ما يزال معادياً للأيقونات وأن الصقالبة في غليان مستمر فأرجأت النظر في إعادة الأيقونات إلى وقت آخر. وكان البطريرك بولس الرابع القسطنطيني وغيره من كبار رجال الكنيسة قد أُكرهوا على تقبل قرارات مجمع هييرية (754) فاستقال ونصح إلى الوصية أن تجمع مجمعاً مسكونياً وأن يُرقّى إلى الكرسي البطريركي طراسيوس كاتم أسرار الدولة asecretis. وكان طراسيوس عالماً ورعاً تقياً فلم يقبل الدرجة إلا بعد أن استوثق من الوصية بأنها تدافع عن الرأي القويم. وما أن تسلّم عكاز الرعاية حتى بادر إلى توجيه الرسالات السلامية إلى رومة والإسكندرية وأنطاكية وأورشليم مبيناً فيها استمساكه بقرارات المجامع المسكونية وإيمانه الوثيق بشفاعة العذراء والملائكة والقديسين واحترامه للأيقونات.

الدعوة لعقد المجمع: وفي السنة 784 كتب البطريرك طراسيوس وكتب الوصية باسمها وباسم ابنها قسطنطين السادس إلى البابا أدريانوس الأول (771-795) وإلى البطاركة أبوليناريوس الإسكندري وثيودوروس الأنطاكي والياس الأورشليمي من أجل مجمع مسكوني يعقد في القسطنطينية. فأجاب أدريانوس مادحاً مبتهجاً ولكنه اعترض على ارتقاء طراسيوس من العوام وعلى لقبه المسكوني وطلب أن ترد له “أملاك بطرس الرسول” والسلطة على الأبرشيات “التي أضافها لاوون الثالث إلى الكرسي القسطنطيني”.

التآم المجمع: وفي صيف السنة 786 اجتمع المجمع في القسطنطينية في كنيسة الرسل ولكن الجند اندفعوا إليها شاهرين السلاح فدفعوا بالآباء إلى الخارج. فاستبدلت الوصية حامية العاصمة بغيرها. وعاد الآباء إلى الاجتماع في أيلول السنة 787 في مدينة نيقية فتألف المجمع من 367 أباً وكان رئيسه البطريرك طراسيوس وناب عن البابا ادريانوس القسان بطرس وبطرس وعن البطاركة الشرقيين الثلاثة القسان توما ويوحنا لأن الظروف السياسية في الدولة الإسلامية كانت شديدة على هؤلاء.

أعمال وقوانين المجمع: وعقد المجمع المسكوني السابع ثماني جلسات واشترع اثنين وعشرين قانوناً وذلك في خلال شهر واحد بين الرابع والعشرين من أيلول والثالث والعشرين من تشرين الأول سنة 787 وافتتح طراسيوس أعمال المجمع بخطبة وجيزة ثم تلي كتاب الأمبراطور والوصية وأهم ما جاء في هذا الكتاب ما معناه: “إننا قياماً بالوصية الإنجيلية وصية المسيح رئيس الكهنة الأبدي قد عُنينا بإرجاع السلام إلى الكنيسة فبرضاه ومسرته قد جمعناكم أنتم كهنته الجزيل بركم الحافظين عهده بذبائح غير دموية ليكون حكمكم حكم المجامع الأرثوذكسية”. وجاء أيضاً في هذه الرسالة أيضاً أن طراسيوس أُغصب على قبول المنصب البطريركي وأنه قال قبل أن يقبل الشرطونية: “إني أرى وأنظر كنيسة المسيح المؤسسة على الصخرة التي هي المسيح إلهنا مقسومة الأن ومنشقة وإننا نحن كنا نقول قبلاً بغير ما نقول الآن. ومسيحيو الشرق المماثلون لنا في الإيمان يقولون قولاً آخر وافقهم عليه مسيحيو الغرب. ونحن أصبحنا غرباء عنهم جميعاً. وكل يوم نحرم من الجميع. فأطلب عقد مجمع مسكوني يحضره نواب عن بابا رومة وعن رؤساء كهنة الشرق”.

وبعد ذلك وفي الجلسة الثالثة في الثامن والعشرين من أيلول دخل الأساقفة المبتدعون واعترفوا بالخطأ الذي وقفوا فيه وقدموا الندامة ورفعوا اعترافات إيمان مستقيم وفي مقدمة هؤلاء باسيليوس أسقف أنقيرة. وقد قال في اعترافه: “فأنا باسيليوس أسقف مدينة أنقيرة قد اخترت أن أتحد بالكنيسة الجامعة أعنى أدريانوس بابار رومة الجزيل القداسة وطراسيوس البطريرك الجزيل الغبطة والكراسي الرسولية الجزيلة القداسة كراسي اسكندرية وأنطاكية والمدينة المقدسة وسائر رؤساء الكهنة والكهنة الأرثوذكسيين وقدمته إليكم أنتم الذين نلتم السلطان عن الأصل الرسولي”.

وقرئت رسالة البابا ورسائل البطاركة وأعلن طارسيوس موافقته على مضمون هذه الرسائل. واعترف الآباء في الجلسة الثالثة والرابعة بوجوب تكريم الأيقونات وقبلوها وألغوا قرارات مجمع هييرية (754). وفي الجلسة السابعة كتبوا اعتراف الإيمان وحددوا موقفهم من الأيقونات فقالوا: “بإكرامها بالسجود احتراماً للذين صوّرت عليهم لا عبادة لهم لأن العبادة إنما تجب لله وحده دون غيره”.

وأوجبت القوانين الاثنان والعشرون التعويض على الأديار والأوقاف عما لحق بها من خسارة وأضرار وفرضت على الأساقفة القيام بواجبهم كما بينت حقوقهم وصلاحياتهم وتطلبت من الكهنة والقساوسة والرهبان التقيد بالقوانين الكنسية.

أمبراطورية غربية: وكان من جراء هذا الاضطهاد الطويل الذي لحق بالكنيسة في الشرق والغرب ومن جراء استمساك بطريرك القسطنطينية بلقب بطريرك المسكونة أن حاول بابا رومة لاوون الثالث إعادة الحق إلى رومة القديمة العاصمة الأولى في انتخاب الأمبراطور. فإنه اعتبر فيما يظهر سلطة ايرينة غير قانوينة لأنها امرأة ولأنه لم يسبق لرومة أن اعترفت بحق امرأة في الحكم. واعتبر عرش الأمبراطورية الرومانية شاغراً بعد خلع قسطنطين السادس وسمل عينيه فتوج كارولوس الكبير ملك الافرنح امبراطوراً في كنيسته الكتدرائية وفي يوم عيد الميلاد من السنة 800 واعتبره خلفاً للاوون الرابع وهرقل ويوستنيانوس وثيودوسيوس وقسطنطين. واعتبرت حكومة القسطنطينية هذا العمل خروجاً على السلطة. وتوقعت زحف كارولوس الكبير على الشرق كما فعل غيره من الأباطرة الذين قاموا قبله في الغرب فزحفوا ووحدوا. وعلم كارلوس حق العلم أن حكومة القسطنطينية ستنتقي بعد ايرينة فسيلفساً جديداً ففاوض ايرينة في الزواج ولكنها خلعت في السنة 802. ولم تعترف حكومة القسطنطينية بلقب كارلوس الجديد قبل السنة 812 ولكنها في مقابل هذا أضافت رسمياً إلى اللقب الفسيلفس الكلمة “الروماني”! وبقيام امبراطورية غريبة تناظر الأمبراطورية الرومانية الشرعية اشتد النزاع بين بطريرك هذه وبابا تلك ومهدت الطريق لانشقاق الكنيسة الجامعة انشقاقاً كبيراً!.

لم تضع تحديدات المجمع المسكوني السابع حدَّا للنزاع، اذ اعتلى العرش بعد موت الملكة (في السنة 803) أباطرة عدّة، منهم لاون الخامس (الارمني)، أعادوا محاربة الايقونات وطاردوا مكرِّميها، ويُعتبر القديس ثيوذورس الستوديتي اشهر المدافعين عن الايقونات في هذه المرحلة. استمرّت هذه الحالة الجديدة من الاضطهاد الى حين تولّى السلطة ميخائيل الثالث وأمه ثيوذورة فأعادا نهائيا تقليد تكريم الايقونات وذلك في السنة 843. يُعرف هذا الانتصار ب”انتصار الارثوذكسية”، ويجري التعييد له في خدمة خاصة في الاحد الاول من آحاد الصوم الاربعيني المقدس الذي يدعى “أحد الارثوذكسية”.

arArabic
انتقل إلى أعلى