Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎

الغاية من المادة:

مادة البدع المسيحية، مادة غايتها التعرف على الطوائف والبدع الموجودة في العالم من جهة، وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، وبصورة خاصة بكنيستنا الأنطاكية، ومن جهة أخرى لنعرف ما هو موقفنا تجاههم، حتى نستطيع أن ندافع عن إيمان الكنيسة الأرثوذكسية، تجاه المعطيات التي يثيروها في كل مكان.

مقدمة:

نشر في جريدة السفير الصادرة في الولايات المتحدة الأمريكية أنه في أمريكا يوجد 2000 كنيسة مسجلة رسمياً، وهذا العدد يكبر باستمرار. وهنا السؤال يطرح نفسه، هل الرب يسوع أراد أن يكون كل هذا العدد! هل الرب يسوع هو من أسس كل هذه كنائس!… أم أسس كنيسة واحد؟

قبل تأسيس العالم، اختار الله أن يؤسس كنيسة واحدة تجمع ” كل شيء في المسيح ما في السماوات وما على الأرض” (أفسس 10:1). وعندما تجسد ابن الله ومات وقام وصعد إلى السماوات، صار رأساً واحداً للجسد الواحد (أفسس 22:1) أي الكنيسة الواحدة التي يبنيها “على هذه الصخرة أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها” (متى18:16). أرسل الرب يسوع تلاميذه ليبشروا الخراف الضالة، الذين ليسوا من أولاد إبراهيم (أي من كل الأمم)، كل هؤلاء مدعوين ليكونوا رعية واحدة، والراعي واحد.

ورغم تأكيد المسيح ورسله على أنه سوف تكون هناك انشقاقات، وأن الشرير سوف يزرع الزؤان (متى 24:13-30) والزؤان سيبقى مع الحنطة, والذئب سيهاجم الخراف، “ولكن كان أيضا في الشعب أنبياء كذبة كما سيكون فيكم أيضا معلّمون كذبة الذين يدسّون بدع هلاك وإذ هم ينكرون الرب الذي اشتراهم يجلبون على أنفسهم هلاكاً سريعاً” (2بط 1:2). رغم ذلك لم يكن المسيحيون الأوائل سيتصورون أنه سيكون هناك وقت ينقسم فيه المؤمنون إلى كل هذه الطوائف والشيع والبدع. إذاً نحن لا نستغرب إذا كان من القرن الأول معروف أنه سيوجد هراطقة، وحتى القديس يوحنا في رسالته يبين أنه يوجد أناس في زمانه هراطقة ومبتدعين “أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله لان أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم” (1يو1:4).

مقدمة تاريخية:

أولاً بشر التلاميذ في أورشليم وبعدها انطلقوا إلى أنطاكية وبعدها في أرجاء الأمبراطورية الرومانية، وهذا يعني أن إطار الكنيسة الأولى كان في أرجاء المملكة الرومانية. وكانت تستعمل كلمة كاثوليكية حتى بداية القرن الثاني، ومعناها الجامعة، حيث يشار إلى الكنيسة ككل بمداها الجامع. ولكن هذا لا يعني أن كلمة كاثوليكية أو جامعة لا تشير إلى الكنيسة ذاتها، حتى ولو كانت قرية أو رعية، فهي أيضاً جامعة، لأن المعنى الجامع هو متحقق فيها وبعلاقتها مع بقية الكنائس، لأن الرب يسوع هو الرأس ونحن الأعضاء. لم تكن الكنيسة مقسمة منذ البدء، بل آمن المسيحيون بكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسوليه، أي كان يوجد في البداية كنيسة واحدة تحمل إيمان واحد، مثل كنيسة أنطاكية وكنيسة أورشليم… الخ. واليوم نجد أن الكنيسة ليست واحدة، ونجد أعداد هائلة من الفئات والشيع المختلفة، ولكن هذا لا يدعنا نفاجئ إذا عرفنا بأن الرب يسوع نفسه والرسل من القرن الأول قد عرفوا أنه سوف يظهر أناس يشكلون فئات، وهذه الفئات ليست ضمن الكنيسة التي أسسها الرب يسوع.

إن موضوع الابتداع وتغير الإيمان كان لابد أن يحدث، لذلك نحن في القرن الواحد والعشرين نرى أنه قد أفرزت الأحداث فئات مختلفة تدَّعي أنها مسيحية، وتقول أن معها الحقيقة وكل الحقيقة، وتحمل الإيمان الحقيقي، وتتكل على الكتاب المقدس وتفسيره صحيحاً. ويمكننا القول أن هذه الفئات لم تظهر إلا بسبب أهواء البشر وضعفاتهم ورغباتهم، وطبعاً الشيطان كان له الدور الأهم في ذلك.

سؤال: إذا كان السريان عندهم أصل معين يفتخرون به، مثلهم مثل الأقباط. فنحن الذين نُسمى روم ما هو أصلنا؟

نحن لا نسمى روم نسبة إلى أصل معين؛ نحن نسمى روم لأننا ننتمي إلى المسيحية الأولى التي كانت ضمن الأمبراطورية الرومانية، والتي بشر فيها الرسل، والتي هي الكنيسة الأولى. إلى هذه الكنيسة المسيحية نحن ننتمي، وليس هناك انتماء عرقي أو قومي أو سياسي، بل انتماء ديني حضاري للكنيسة الأولى. ومن الضروري أن نتمسك بهذه التسمية لأنها الصفة التي تدل على القدم وعلاقة انتماءنا إلى الكنيسة الأولى، التي هي الكنيسة الرومانية المسيحية، وبالتالي نحن لم نخرج عن الكنيسة الأولى وأسسنا كنائس. وهي ـ كلمة روم ـ لا تعني التعصب، بل الانتساب إلى الكنيسة الأولى الرسولية.

إن بيئة الأمبراطورية الرومانية هي البيئة التي أخذت فيها الكنيسة طابعها الثقافي والحضاري الأول، ولهذا اكتسب تقليدها طابعاً مسكونياً جامعاً أطلق عليه التقليد الروماني المسيحي، أو التقليد الرومي الميسحي، وهو تقليد الرسل نفسه المعبر عنه بالروح القدس بكل وسائل الحضارة المعروفة في ذلك الوقت، كاللغة، الأدب، الشعر، الموسيقى، التصوير والتي كانت كلها رومية. وحتى الآن فإننا نسمى الأيقونات أو الموسيقى بالأيقونات أو الموسيقى الرومية.

نشوء الطوائف المسيحية الحالية:

نتيجة لتطورات مختلفة ترجع لأسباب عقائدية وبشرية متنوعة، تشكلت مع الزمن كل من الطوائف الرئيسية التالية:

1. الطائفة الآشورية:

ينتسب أبناء هذه الطائفة إلى شعوب قديمة كانت تقطن شرقي أعالي نهري دجلة والفرات، تنصرت مبكراً منذ القرون الأولى المسيحية، وكانت تسمى كنيسة المشرق أو الكنيسة الشرقية الآشورية. لم تستطع المشاركة في المجمع المسكوني الثالث (أفسس 431)، ولم توافق فيما بعد على قراراته بالحكم على نسطوريوس. ولا سيما بعد أن استقبلت الحكومة الفارسية النساطرة الملاحقين من الحكومة الرومانية، وسمحت لهم بتأسيس مدرسة لاهوتية في نصيبين، حيث صارت مركزاً لنشر النسطورية. أعلنت رسمياً قطع شركتها مع الكنيسة الرومية، وشجبها للتعاليم المخالفة للنسطورية سنة 499م.

2. الطوائف غير الخلقيدونية:

بدأت بوادر تشكل هذه الطوائف مع الاضطرابات التي نشبت من البعض احتجاجاً على قرارات مجمع خلقيدون (المجمع المسكوني الرابع سنة 451). واكتمل هذا التشكل في النصف الثاني من القرن السادس بعد فشل المحاولات العديدة من أباطرة الروم في معالجة الوضع المعقد الناتج عن عوامل بشرية وقومية واجتماعية متداخلة، إضافة إلى سوء تفاهم عقائدي متفاقم حول موضوع شخص المسيح (Christology ).

وهذه الطوائف هي:

أ‌- القبطية: سـميت هكـذا لأن معظم أعضائها كانوا مـن الأقباط (مـنEgypt اليونانية) أحفاد المصريين القدامى المتنصرين، والذين كانوا يشكلون غالبية سكان مصر. وقد أثر على موقفهم بشكل خاص حرم بطريركهم ديوسقورس في مجمع خلقيدون.

ب‌- الحبشية: يعود تأسيس هذه الكنيسة إلى بداية القرن الرابع. وبسبب إتباعها لكنيسة الإسكندرية فقد مالت مع الأغلبية فيها، منذ القرن الخامس إلى التمسك بالاعتراف بالطبيعة الواحدة لشخص المسيح، ورفض قرارات مجمع خلقيدون.

ت‌- السريانية: شكل السريان، وهم خليط من الشعوب الشرقية القديمة، التي تنصرت منذ فجر المسيحية، أحد العناصر الرئيسة في كنيسة أنطاكية. وقد كان للأسقف يعقوب البرادعي الدور الأكبر في رسامات إكليريكيي هذه الطائفة التي رفضت مجمع خلقيدون في النصف الثاني من القرن السادس، ولذلك عرفت أيضاً باليعقوبية.

تتبع الطائفة السريانية الأنطاكية، طائفة سريانية في الهند يقدر عدد أفرادها ببضع ملايين (رسم أول جثليق عليها سنة 1964).

ث‌- الأرمنية: يرجع تثبيت دعائم هذه الكنيسة وتنظيمها في أرمينيا إلى بداية القرن الرابع. لم تشترك الكنيسة الأرمنية في مجمع خلقيدون بسبب الحرب الطويلة التي كانت تدور رحاها بين الأرمن والفرس المحتلين. فيما بعد، ونتيجة لنشاطات بذلها القائلون بالطبيعة الواحدة، أعلنت موقفها الرسمي الرافض لمجمع خلقيدون من خلال مجامع عقدتها في القرن السادس.

في السبعينات من القرن الماضي (العشرين) صارت لقاءات وحوارات غير رسمية بين الكنائس الخلقيدونية واللاخلقيدونية، بين لاهوتيين يمثلون هذه الكنائس. اجتمعوا وقاموا بأربعة مؤتمرات، وكانت نتيجة لقاءاتهم أنهم وصلوا إلى القول بأنه، لا وجود للاختلاف العقائدي، بل الاختلاف هو في التعابير المسـتخدمة، هناك اتفاق في جوهر الإيمان. وبعدها في الثمانينات والتسـعينات انتقلت هذه الحوارات إلى رسمية وصارت عدة لقاءات، وأعلنوا بعد الدراسة: أن ما يريد أن يقوله الطرف الآخر هو تماماً ما نريد أن نقوله نحن، ولكن مع التحفظ على التعابير. واتفقوا على حل بعض المشكلات، مثل عدد المجامع المسكونية، القديسون المحكوم عليهم من كنيسة وهم قديسون في الكنيسة الأخرى.

في كنيسة أنطاكية، حصلت لقاءات وحوارات بين كنيسة الروم الأرثوذكس وكنيسة السريان الأرثوذكس، وهذه اللقاءات للبحث العملي الرعائي، حيث يوجد أوضاع معينة ممكن أن تتعاونان من خلالها.

3. الطائفة الغربية (الكاثوليكية):

كانت هذه الطائفة في زمن الأمبراطورية الرومانية تضم القسم الغربي منها، أي كل الكنائس التي كانت تتبع لروما القديمة. وأيضاً كانت تضم قبائل جرمانية تعيش شمال وسط أوربا (قبائل رحل) غير متحضرة. ظروف الحياة دفعتهم أن ينزلوا إلى حدود الأمبراطورية الرومانية (دهر الدانوب) في القرن الثالث، ثم استخدموا في الجيش، وبعدها قوت شوكتهم حتى استطاعوا في القرن الخامس من الاستيلاء على القسم الغربي من الأمبراطورية الرومانية. وأصبحوا هم الحكام فعلاً، والشعوب الرومانية والأقوام التي كانت ضمن الدولة هي عبيد لهم. الإفرنج احتلوا غاليا (فرنسا)، والأنكلوساكسون استلوا على جزيرة بريطانيا (إنكلترا)، والقوت استولوا على إيطاليا وإسبانيا، وروما لم تحتل من قبل هذه القبائل. كانوا وثنيين بالأغلب، ولكن قسم صغير منهم (الغوط) كانوا مسيحيين آريوسيين، وبالتالي جميعهم يضطهدون المسيحيين.

صارت محاولات من البابا من أجل ضمهم إلى الكنيسة، وبعدها أُرسل القديس أغسطين إلى إنكلترا وبشر هناك، وشيئاً فشيئاً ابتدأت هذه الشعوب تتنصر، حتى أصبحوا مسيحيين، وأصبحوا يتزوجون من مسيحيات. وهم كشعوب أعداء للشعوب الشرقية لم يقبلوا التراث الشرقي، وبدأوا بإيجاد تراث جديد بالاعتماد على بعض الآباء الخاصة بهم على أساس تفسير البشر، مما ساعد على تشكل ظروف خاصة بهم، ممارسات وأشكال مختلفة عن إيمان وحياة الكنيسة الواحدة الجامعة التي كانت ضمن الأمبراطورية الرومانية، مثل الصوم يوم السبت، قضية الفطير، بتولية الكهنة … الخ. لم تكن مهمة بمقدار المشاكل العقائدية.

أول مشكلة عقائدية مهمة ظهرت منهم هي فيلو كفه (والابن)، وهي تعلم أن الروح القدس ينبثق من الآب والابن. لذلك في مجمع توليدو (586م) أضافوا كلمة والابن على دستور الإيمان النيقاوي، والحجة كانت أن يقبلوا الآريوسيين ويجعلوهم يؤمنون ويتركون آريوسيتهم، وظهرت هذه الحجة في إسبانيا الموجود فيها القوت. وبما أنهم أشخاص يفتقرون إلى اللاهوت ـ فهم لم يتسلموا التعليم الصحيح ـ امتدت هذه الأفكار إلى أرجاء كثيرة من الدول الأوربية. الملك شارلمان طلب من البابا لاون الثالث أن يضيف “والابن” إلى دستور الإيمان، رفض البابا هذا العمل، وكتب على لوحين من الفضة دستور الإيمان بدون إضافة “والابن” ويقول: “هذه كتبتها أنا لاون حفاظاً على الإيمان الأرثوذكسي، المستقيم الرأي”. وعلقها على كنيسة القديس بطرس. هذه كانت بداية الانحرافات في كنيسة الغرب.

ولكن الأمبراطورية الجرمانية بقيادة هنري الثالث، تحتل روما سنة 1009م، عندها البابا الروماني يوحنا الثامن عشر يستقيل، ويُعيَّن بدلاً عنه بابا جرماني هو سرجيوس الرابع. هذا عندما أرسل دستور الإيمان إلى البطاركة الآخرين أضاف كلمة “والابن”. ويكون هو أول بابا يعترف بهذه الإضافة ويذكرها. وبعد الكثير من المفاوضات مع بطريرك القسطنطينية، لم يصلوا إلى حل، وبقي البابا مصراً على رأيه، محى البطريرك اسم البابا من الذبتيخا، وهكذا انقطعت الشركة بينهم. وفي سنة 1054م تعود المحاولات من جديد، ويبعث البابا لاون التاسع وفد برئاسة الكاردينال هومبيرتو ـ وهو غير محاور ومنتفخ أيضاً ـ ولم تسير الأمور كما يشاء، وفي نفس الوقت يموت البابا لاون التاسع، بعدها يضع الكاردينال الحرم على مائدة كنيسة الحكمة المقدسة، لأنه لا يريد المفاوضات. وهكذا انقطعت العلاقات بشكل نهائي بين الكنيستين ويثبت سنة 1054م.

بعد هذه الحوادث وجدت أمور أخرى ساهمت في ازدياد الانحرافات الموجودة في الكنيسة الغربية. منها:

في القرن التاسع تعرف الجرمان على الفلسفة، وقليلاً قليلاً تحضروا ووضعوا الحروف واللغة، وبدأوا بترجمة الكثير من كتب الفلسفة، أعجبوا بها، لذلك بدأوا ينظرون إلى الأمور الإلهية بطريقة فلسفية، ونشأت الكثير من المدارس الفلسفية (مثل مدرسة توما الإكويني)، هذه ما نسميها بالمدارس السكولاستيكية، أي تتعامل مع الأمور الإلهية بطريقة التحليل الفلسفي العقلي للأمور اللاهوتية، أي صار اللاهوت المسيحي رهن لهذه الآراء والأفكار الفلسفية البشرية. وبناءً عليه أصدروا أفكار عديدة لاهوتية، أغلبها انحرافات عن إيمان الكنيسة الأول، والأبشع من هذا أن الباباوات بسبب قوتهم وسلطتهم، أصبحت سلتطهم أعلى من المجامع المسكونية، يدعون لعقدها متى يشاؤون، حتى أنهم يستطيعون أن يصدروا مرسوماً بابوياً يحددون فيه أي عقيدة أو أي تحديد يخص الكنيسة. وهكذا بدأت تزداد هذه الانحرافات وهي مثبتة لأنها صادرة عن أعلى سلطة روحية عندهم. عندهم 21مجمعاً مثلاً. أربعة عشر مجمع منهم عقدوا في الغرب، فيها أشياء جديدة (مبتدعة) لا تعرفها الكنيسة الشرقية، وأشياء تتفق مع الإيمان، وأشياء كثيرة لا تتفق مع الإيمان.

بعد انقطاع الشركة (1054م) صارت محاولات لإعادة الوحدة، هذه المحاولات لم تعطي نتيجة، ومن ضمن هذه المحاولات عقد مجمعين، مجمع ليون سنة 1274م، ومجمع فلورنسا سنة1428-1439م اللذان يفترض أنهما مسكونيان. لكن أمبراطورية الروم كانت في وضع سيئ للغاية، وهي على وشك الانهيار، مما جعل الأمبراطور البيزنطي يرغب في الحصول على مساعدة البابا ضد العثمانيين، مما جعل البابا يستغل هذا الوضع، وأراد أن يفرض أراءه على الكنيسة الشرقية حتى تخضع لـه، لذلك رفض آباء الشرق هذان المجمعان. سنة 1453م عنـد سقوط القسطنطينية، تنقطع العلاقات تماماً بين الغرب والشرق، لذلك يكّون الغرب طريق جديد، وهو يقوم على الاقتناص بوسائل متعددة، إرسال وفود، مرسلين، طغمات رهبانية. حتى يضموا الكنيسة الشرقية، وإن كان ليس بشكل كامل، وهكذا كل الكنائس التي أصبحت غربية اتحدت مع روما بهذا الشكل.

4. من الطوائف التي انضمت لروما (الكاثوليكية):

نتيجـة للجهود التـي بذلت منـذ وقت مبكر، مثل نشـاطات المرسـلين والطغمات الرهبانية والديبلوماسيين الغربيين، والكليات المجانية المخصصة للطوائف في روما، والمدارس والمساعدات وتأسيس مجمع انتشار الإيمان الكاثوليكي سنة 1622، استطاعت روما عبر انشقاقات وصراعات متنوعة أن تضم إليها كلاً من الطوائف التالية:

المورانة: أصل هذه الطائفة فريق من السريان كان قد قبل مجمع خلقيدون، وفيما بعد اقتراح الأمبراطور هرقل بشأن المشيئة الواحدة. بدأ نوع من الاتحاد بينها وبين روما سنة 1181م نتيجة للاتصال بها أثناء الحروب الصليبية. حضر بطريركهم مجمع اللاتران الرابع سنة 1215م. بعد انقطاع العلاقات لفترة طويلة، منح البابا سنة 1515م بطريركهم درع التثبيت ولقب بطريرك أنطاكية. سنة 1741م عقد المجمع اللبناني الذي تم في تبني العادات اللاتينية والانضمام النهائي لروما.

الأرمن الكاثوليك: في القرن الحادي عشر أنشأ الأرمن إمارة مستقلة في كيليكية، اتحدت مع روما في القرن الثاني عشر ودام الاتحاد زهاء ثلاثة قرون. سنة 1743م تأسست أول بطريركية للأرمن الكاثوليك في لبنان.

المتحدون في أقطار أوربا الشرقية: بعد وقوع أوكرانيا تحت احتلال بولونيا، استطاع ملكها الكاثوليكي وبمساعدة اليسوعيين، أن يفرض على أرثوذكس بولونيا سنة 1596م طائفة عرفت باسم كاثوليك الطقس الشرقي، بينما اعتبرت حينها الكنيسة الأرثوذكسية غير موجودة.

على مثال هذه الطائفة تشكلت فيما بعد طوائف متحدة مع روما في أقطار أوربا الشرقية الأخرى مثل سلوفاكيا ورومانيا وصربيا وبلغاريا … الخ.

الكلدان الكاثوليك: استفاد المرسلون الغربيون من فرصة خلاف حول تعيين أحد بطاركة الطائفة الآشورية لكي يعين البابا على قسم منها أول بطريرك على من أسماهم الكلدان الكاثوليك سنة 1553م.

السريان الكاثوليك: تأسست بطريركيتهم سنة 1662م.

الروم الكاثوليك (الملكيون): تأسست بطريركيتهم سنة 1724م.

الأقباط الكاثوليك: بعد محاولات متعددة فاشلة تأسست بطريركيتهم أخيراً سنة 1947م.

الفروقات العقائدية بين الكنيستين الشرقية الأرثوذكسية والغربية الكاثوليكية:

  • 1. رئاسة بطرس الرسول لجميع الرسل واعتباره نائباً للمسيح على الأرض ورئيساً منظوراً للكنيسة كلها.
  • 2. خلافة بابا رومية للقديس بطرس في رئاسته الأولى.
  • 3. عصمة بابا رومية من الغلط العقائدي والإداري.
  • 4. المطهر.
  • 5. الغفارين وعلاقته باستحقاقات القديسين وصكوك الغفران.
  • 6. الرش أو السـكب فـي المعمودية بدلاً مـن التغطيس. وتأخير إعطاء الميرون والمناولة للأطفال.
  • 7. منع العلمانيين عن مناولة الدم الإلهي.
  • 8. تحول الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه حالما ينتهي كلام التقديس.
  • 9. استعمال الفطير بدلاً من الخبز المخمر وعدم كسر الخبز.
  • 10. رؤية الله فقط بحسب الجوهر في الحياة الآتية، والنعمة مخلوقة.
  • 11. انبثاق الروح القدس من الآب والابن.
  • 12. كمال الإنسان التام عند خلقه بسبب المواهب الفائقة للطبيعة.
  • 13. نتائج الخطيئة الأصلية هو فقدان هذه المواهب وحلول غضب الله وسخطه على كل واحد من ذرية آدم وحواء بسبب اعتبار خطيئتهما خطيئة الجنس البشري كله.
  • 14. انمحاء الخطيئة الأصلية باستحقاقات يسوع المسيح، الذي استحق لنا التبرير بآلامه على الصليب كتكفير عن الإهانات التي لحقت بالله بالخطيئة.
  • 15. الحبل بالعذراء بلا دنس.

انبثاق الروح القدس من الآب والابن:

لقد دخلت هذه العقيدة في الكنيسة الغربية لأنهم كانوا في صراع مع الآريوسيين، والآريوسيين علياً يعتبرون أن الابن غير مساوٍ للآب بمعنى أن الابن ليس له طبيعة الآب ذاتها وطبيعته مخلوقة. فلأنهم ضد الآريوسيين ولتأكيد مساواة الابن للآب يقولون إذاً الآب يبثق الروح القدس والابن مساوي للآب إذاً يجب أن يبثق أيضاً الروح القدس.

“ومتى جاء المعزي الذي أرسله إليكم من لدن الآب روح الحق المنبثق من الآب فهو يشهد ليْ” (يو 26:15)، في القسم الأول من هذه الآية يتكلم الرب عن المعزي الذي يرسله الرب يسوع من عند الآب، وإذا أردنا، فإن الآب والابن والروح القدس هم الذين يرسلون الروح القدس كألسنة نارية، أي يرسلون مواهب الروح القدس، وليس الروح القدس كأقنوم، وقد تم هذا الإرسال في الزمن، في العنصرة. وبذلك يثبت أن الروح القدس ينبثق أزلياً وسرمدياً من الآب، ولكن في الزمن أرسلت المواهب فقط. كما أن للآب مواهب، وللابن مواهب، وكذلك الروح القدس لديه مواهب.

نتيجة العمل الفدائي الذي قام به الرب يسوع، أرسل الروح القدس ولكنه لم يرسله وحده، بل هذا الإرسال هو عمل ثالوثي مشترك، للآب والابن والروح القدس (فكل الأعمال الإلهية ثالوثية). الانبثاق هو غير الإرسال، لأن الانبثاق يتعلق بالأقنوم، أي بالروح القدس، أما الإرسال فهو من الآب والابن والروح القدس، ولتوضيح هذه الفكرة فلنأخذ الآية: “ومتى جاء المعزي الذي أرسله إليكم من عند الآب” الفعل أرسل يدل على عمل الابن (الإرسال)، والضمير في أرسله يدل على عمل الروح القدس (المفعول به)، من عند الآب هي عمل الروح القدس (المصدر). أما في النصف الثاني من الآية فهو يوضح حقيقة أخرى تتعلق بالمصدر الأزلي للروح القدس، “روح الحق الذي من عند الآب ينبثق، فهو يشهد لي”.

ولكن في الكتاب المقدس هناك آيات يوجد فيها روح الابن، روح يسوع المسيح، “ثم بما أنكم أبناءٌ، أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخاً يا أبا الآب” (غلا 6:4). إن روح الله من الله ينبثق، فإذا قلنا روح الابن، فهو إذاً من الابن ينبثق. لكن بما أن الابن أخذ طبيعة بشرية، هذه الطبيعة امتلأت من مواهب الروح القدس بسبب كل عمله الخلاصي والفدائي على الأرض، وهذا الامتلاء من مواهب الروح القدس هو بالنسبة لنا سبب حياتنا في الكنيسة، لأنه إذا كان الرب يسوع هو رأس الكنيسة، ونحن متحدون معه، فكل الأسرار الإلهية، أي النعم التي نأخذها بممارسة الأسرار الإلهية نستمدها بالنهاية من علاقتنا مع الرأس الذي هو الرب يسوع المسيح، نستمد المواهب التي امتلأت بها الطبيعة البشرية.

الآباء يميزون بين الصفات الجوهرية والصفات الأقنومية؛ الصفات الأقنومية تميز الأقانيم، وهي لا تعمم، الآب لا بدء له ولا يأخذ مصدره من آخر بل هو المصدر، الابن مولود قبل كل الدهور، الروح القدس منبثق. أما الصفات الجوهرية التي تميز الجوهر الإلهي الواحد، الله حاضر في كل مكان، الله أزلي أبدي، الضابط الكل، الكلي القدرة، الذي له سلطان على الجميع. الصفات الأقنومية إذا عممت فقد بطل أن يكون ثالوث، فأصبحوا واحد. وهذا هو الغلط في الفكر الكاثوليكي، الابن مساوٍ للآب، الآب والابن يستطيع أن يبثق الروح القدس، وبذلك يصبحون واحداً في الجوهر والأقنوم.

إذا كان الابن مساوٍ للآب فهو يبثق الروح القدس، وإذا كان الروح القدس مساوٍ للآب، فلماذا لا يبثق نفسه، أو لماذا لا يولد الابن، وهكذا دواليك. هذا الموضوع كان السبب الأول في قطع الشركة بين الشرق والغرب.

رؤية الله فقط بحسب الجوهر في الحياة الآتية، والنعمة هي مخلوقة:

الموقف الغربي، هو أن الإنسان لا يمكن أن يتعرف أو يرى الله في هذه الحياة. ولكن بعد الموت أو استمراراً في الحياة الفردوسية، إن نفوس القديسين ترى الذات الإلهية (الجوهر الإلهي) رؤية علانية وجهاً لوجه، بل إن الجوهر الإلهي هو يظهر ذاته جلياً.

أما الآباء فإن موقفهم مخالف تماماً، إذ يقولون أنه يستحيل على أحد أن يرى الجوهر الإلهي، لا في هذه الحياة ولا في الحياة الثانية، ولا حتى الملائكة. وهي في نظر الآباء هرطقة، ويمكننا أن نقول أيضاً أنها هرطقة إذا اعتقدنا أنه ليس لنا رجاء على رؤية الله، ليس بحسب الجوهر بل بحسب القوى، بحسب النعمة، بحسب النور الإلهي. هذه تصدر عن الله، وتصلنا بالله، هي ليست الجوهر الإلهي الذي يبقى خفياً بالكلية، وغير قابل للمعرفة أو المشاركة.

“كل شيء دفع إلي من أبي، وليس أحد يعرف الابن إلا الآب، ولا أحد يعرف الآب إلا الابن، ومن أراد الابن يعلن له” (متى27:11)، هذه المعرفة الجوهرية التي تخص الآب والابن، ويمكننا أيضاً أن نرى أن هناك معرفة تعطى للبعض، لأنقياء القلوب، وهذه المعرفة تعطى من الابن (متى 8:5)، هي معرفة خاصة، تشبه معرفة بطرس ويعقوب ويوحنا على جبل التجلي، إذ عرفوه كابن للبشر وابن لله بحسب مجده الإلهي، ولم يتجلى بجوهره الإلهي، أي لم يعرفوه بجوهره الإلهي.

“لأن مَنْ مِنَ الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذي فيه، هكذا أيضاً أمور الله لا يعرفها أحدٌ إلا روح الله” (1كو 11:2)، وهنا معرفة خاصة بالثالوث، الأقانيم وحدها تعرف بعضها.

“قال لـه يسوع أنا هو الطريق والحق والحياة، ليـس أحد يأتي إلى الآب إلا بـي، لو كنتم قـد عرفتموني لعرفتم أبي أيضاً، ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه. قال له فيلبس، يا سيد أرنا الآب وكفانا. قال له يسوع، أنا معكم زماناً هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس. الذي رآني فقد رأى الآب، فكيف تقول أنت أرنا الآب، ألست تؤمن أني أنا في الآب والآب فيَّ ” (يو 6:14-10)، العتبة الأولى للمعرفة هي الإيمان، والإيمان يكبر ويتحول إلى نوع من المعرفة، الرؤية. “وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك” (يو 3:17)، فالقديسين نتيجة جهادهم، نتيجة إيمانهم، يعرفون الله معرفة بحسب القوى أو المجد أو النور. “ملكوت الله في قلوبكم” (لو20:17)، وكيف يكون ملكوت الله داخل الإنسان؟ الرسل كلهم عرفوا ملكوت الله تماماً في قلوبهم في العنصرة، عند حلول الروح القدس على التلاميذ “روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه، وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم … في ذلك اليوم تعلمون أني أنا في أبي وأنتم فيَّ وأنا فيكم. الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني، والذي يحبني يحبه أبي وأنا أحبه وأظهر له ذاتي” (يو 17:14 ،20). الذين يحل الروح القدس في قلوبهم، هم يعرفون الروح القدس، يعرفون الابن، وعندما يعرفون الابن يعرفون الآب. وبالتالي نستنتج أن كل العمل الفدائي هو لإرسال الروح القدس، وبالتالي ليعطي ملكوت السماوات “توبوا فقد اقترب ملكوت السماوات” (متى 2:3)، “ملكوت السماوات يغصب والغاصبون يختطفونه” (متى 12:11)، وبالتالي الحديث هنا ليس عن شيء سيحدث في الحياة الثانية، كما يقول الكاثوليك، بل ملكوت الله هنا في هذه الحياة.

الحبل بلا دنس:

نتيجة فهم مغلوط للخطيئة الأصلية، ظهرت هذه الهرطقة. الإنسان عندهم يرث الخطيئة الأصلية، يولد الإنسان هو مغضوب عليه من الله، هو معاقب بحرمانه من معرفة الله في هذه الحياة، والرب يسوع جاء ليزيل هذا العقاب، وهكذا تمحى الخطيئة الأصلية بالمعمودية؛ لأن الرب على صليبه أخذ الاستحقاقات بأن تمحى الخطيئة الأصلية. بالنسبة للغربيين كل شخص حامل ذنب الخطيئة الأصلية.

الملاك قال لمريم: سلام عليك أيتها لمنعم عليها. وقد فهموا ذلك بأن مريم مجردة من الخطيئة الأصلية ـ لأنه بالخطيئة سحبت النعم الفائقة الطبيعة من الإنسان ـ وبالتالي مريم وحدها لم يكن عندها دنس الخطيئة الأصلية، وذلك لأنه حبل بها من والديها دون دنس الخطيئة الأصلية.

أما عند الكنيسة الأرثوذكسية فنحن لا نرث الخطيئة الأصلية، نحن نرث نتائج الخطيئة الأصلية، الفساد (جذر فاسد يخرج ثمار فاسدة)، فالإنسان ليس مسؤول عن خطيئة آدم وحواء ولذلك هو معاقب، بل مسؤوليته تجاه خطاياه وحده. الله ليس معاقب لنا، بل هو كان حزين لذلك دبر لنا خلاصنا. هم يهينون مريم إذ يقدسونها رغماً عنها، أي أن الله أشاء ذلك، ولغوا دور العذراء في قداستها. هي مثال لنا في القداسـة، أكرم من الشاروبيم لأن أبويها قديسـين وعاشت عيشـة قداسة، وجاهدت وصلت وصارت فعلاً أقدس من كل القديسين. هم ينكرون دور المسيح في خلاص مريم “تبتهج روحي بالله مخلصي” (لو 47:1)، “لأنه يولد لكم مخلص” (متى 21:1)

رئاسة بطرس الرسول لجميع الرسل واعتباره نائباً للمسيح على الأرض رئيساً منظوراً للكنيسة كلها، خلافة بابا روميا للقديس بطرس في رئاسته الأولى، عصمة بابا رومية من الغلط العقائدي والإداري:

في المجمع الفاتيكاني الأول (1870م) أعلن رسمياً عن رئاسة البابا، رغم أنها كانت ممارسة قبلاً، ولكن هذا المجمع ثبت هذا الشيء إيمانياً. مستندين إلى أن بطرس الرسول عنده هذه الرئاسة، وبابا رومية خلف بطرس الرسول في روما، أخذ عنه كل هذه الصلاحيات الرئاسية التي كانت لبطرس الرسول.

رئاسة بطرس الرسول حسب المجمع الفاتيكاني الأول: من قال أن السيد المسيح لم يقم الطوباوي بطرس الرسول رئيساً على جميع الرسل، ورأساً منظوراً للكنيسة كلها. أو قال أن سيدنا يسوع المسيح أولاه رئساً ومباشرة رئاسة الشرف، لا رئاسة الولاية الحقيقية الخاصة. فليكن محروماً.

رئاسة البابا: من قال أن ليس من وضع السيد المسيح نفسه، وبالتالي من الشرع الإلهي أن يكون للقديس بطرس دوماً خلفاء، يرأسون الكنيسة كلها رئاسة عليا. فليكن محروماً.

طبيعة رئاسة البابا: من قال أن وظيفة الحبر الروماني في الكنيسة كلها تتوقف عند حد الإشراف والإرشاد، لا في أمور الإيمان والآداب فقط، بل أيضاً في الأمور التي تتعلق بتنظيم الكنيسة وإدارتها في كل أطراف المعمورة. أو من قال بأن للحبر الأعظم القسط الأكبر من الولاية العليا لا ملء الولاية. أو من قال بأن سلطته هذه العليا ليست عادية ومباشرة بحيث تتناول الكنائس جملة وأفراداً والرعاة والمؤمنين جملة وأفراداً. فليكن محروماً.

ويمكننا أن نرى هنا، أنه على هذه الأرض نحن نتعامل مع المنظور، أي الرئيس المنظور، وهو البابا. وبالتالي لم يبقى للمسيح أيٌّ من السلطان، أُخذ كله وأُعطي للبابا.

المجمع الفاتيكاني الثاني (1963م)، عقد في ظروف انفتاح مسكوني، وكان ينتظر منه أن يخفف قليلاً من حدة هذه الرئاسة، ولكنه ثبتها. وأضاف أن السلطة الأسقفية لها سلطان، وهذا السلطان مرتبط بالبابا. “بيد أن الهيئة الأسقفية أو الجسم الأسقفي لا سلطان لها ما لم نتصورها متحدة بالحبر الروماني خليفة بطرس اتحادها برئيسها، محتفظاً بسلطانه الرئاسي الأعلى كاملاً على الجميع، سواء كانوا رعاة أو مؤمنين. ذلك أن الحبر الروماني بحكم مهمته كنائب للمسيح وراعي للكنيسة كلها، يملك في الكنيسة السلطان الكامل الأعلى الجامع، وله أن يمارسه على الدوام وبدون أي قيد. وأما الهيئة الأسقفية التي تخلف الهيئة الرسولية في سلطان التعليم والتدبير الرعوي، بل فيها يستمر الجسم الرسولي على الدوام هي أيضاً بالاتحاد مع الرئاسة في الحبر الروماني الأعظم، وليس أبداً بمعزل عن هذا الرئيس، تملك السلطان الأعلى والكامل على الكنيسة كلها، وإنما لا يمكن أن تزاوله إلا بموافقة الحبر الروماني، فالرب قد جعل من سمعان وحده صخرة الكنيسة وله وحده سلم مفاتيها، وأقامه راعياً على قطيعه…”. وهذا معناه أنه لم يترك على الإطلاق سلطان لا للمسيح ولا لأحد آخر.

“دفع إليَّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض، فاذهبوا وتلمذوا كل الأمم” (متى 18:28-19)، دفع إليَّ لا لبطرس، وأنا أعطيكم إياه، أي لكل التلاميذ وليس لواحد منهم. “ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر” (متى 20:28)، أي أن الرب لم يترك الرسل، ولن يتركهم. هو معهم إلى الأبد، ولم يتخلى عن سلطانه لأحد، سلطانه موجود ولكن بشكل غير منظور، وهذا السلطان واضح من خلال عمل الروح القدس، الذي يرسله الرب يسوع، إن سلطان يسوع ليس في السماء بل على الأرض، “كل سلطان في السماء وعلى الأرض”. وهنا المشكلة، بأنهم يسرقون سلطان المسيح بكليته، ولم يتركوا له شيء إطلاقاً، هم يأخذون مكان المسيح ويضعون مكانه البابا (هرطقة).

يستند الكاثوليك على: “من يقول الناس أني أنا ابن الإنسان، … وأنتم من تقولون، فأجاب سمعان بطرس وقال أنت المسيح ابن الله الحي، … وأنا أقول لك أيضاً أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها” (متى 13:16-18)، من يقول الناس أني أنا ابن الإنسان، سؤال مهم جداً، كان السؤال من هو المسيح، وليس من هو بطرس. ويتبعه بسؤال ثاني مهم أيضاً، وأنتم من تقولون أني أنا، بعد أن عاش الرسل مع المسيح يسألهم من أنا، وهنا نلحظ تقدم واضح عند الرسل، فيجيب عنهم بطرس: أنت المسيح ابن الله الحي. بطرس لم يتكلم عن نفسه فقط، بل عن التلاميذ أيضاً. ومن الطبيعي أن يمدح المسيح بطرس: طوبى لك …

سمعان بطرس يعبر عن حقيقة إيمانية، أن المسيح هو ابن الله الحي، ليس مجرد إنسان في نظرهم، بل هو الإله الحقيقي. أن يصل الإنسان إلى إيمان كهذا لا يتم إلا بمعونة الآب السماوي، هذا الإيمان لم يكن بمجرد تفكير بشري عقلي، بل هو إعلان من الآب والابن والروح القدس لبطرس. المسيح هو ابن الله الحي هي الحقيقة المهمة جداً، وعلى هذه الحقيقة تُبنى الكنيسة. اسم بطرس دعاه به يسوع، لأنه عرفه وعرف إيمانه الصخري مسبقاً، أنت صخر بالمذكر، وعلى هذه الصخرة بالمؤنث، إذا ليس بطرس هو المقصود.

هناك علاقة بين إيمان بطرس الصخري، والصخرة هي الحقيقة بأن المسيح هو ابن الله الحي، وهذه الصخرة التي تبنى عليها الكنيسة. هذا واضح جداً، حيث أنه منذ تأسيس الكنيسة دعا المسيح الرسل ليؤمنوا به أنه ابن الله، وإلاَّ لا يمكنهم أن يكونوا أعضاء في الكنيسة. وهذا ما تردده كنيستها في المعمودية “نعم أومن”، وهذا ما قاله أيضاً الحارس في السجن عندما قال لبطرس وسيلا، ماذا أفعل لأخلص، قالا له: آمن بالرب يسوع فتخلص أنت وأهل بيتك. لو كان المسيح مجرد إنسان كان مات وانتهت قصة المسيح، لكن كونه ابن الله هو حاضر في كل مكان وزمان، ونحن نؤمن به وبناءاً على هذا الإيمان نحن نصبح أعضاء ونولد من جديد من الماء والروح.

صخرة الكنيسة هو المسيح وليس بطرس، نحن في صلاتنا نقول: “يا ربي يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، ارحمني أنا الخاطئ”. لا يمكن أن يكون هناك كنيسة دون وجود ابن الله.

“اذهب عني يا شيطان” (متى21:16)، أين هذه الصخرة التي يقولون عنها، هو إنسان ـ وحتى ناداه يا شيطان ـ هو إنسان يمكنه أن يعثر، وأن يتخلى عن إيمانه. “لذلك هكذا يقول السيد الرب، هاأنذا أؤسس في صهيون حجراً، حجر امتحان، حجر زاوية كريماً أساساً مؤسساً” (أش 16:28)، يوضح تماماً من الصخرة. “مبنيين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية” (أفسس 21:2). “فإنه لا يسـتطيع أحـد أن يضع أساساً آخر غير الذي وضع، الذي هو يسوع المسيح” (1كو 11:3)، الرسل يضعون أساساً والأساس هوا لرب يسوع. “وجميعهم شربوا شراباً واحداً روحياً، وجميعهم شربوا شراباً واحداً روحياً، لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم، والصخرة كانت المسيح” (1كو 4:10).

أما الكاثوليك فهم يستندون إلى: “… ارع خرافي، ..ارع غنمي … ” (يو 15:21-18)، يسوع يقول لبطرس ثلاث مرات ارع غنمي وخرافي، يعني أنه نصبه راعٍ على الكنيسة كلها، وهذا الشيء تم من الرب نفسه. ولكن الرب لم يقل له أن يكون راعٍ للكنيسة كلها، وإنما قال له ارع غنمي، هنا توجد ياء المتكلم. وبطرس حزن لأن الرب قال له ثلاث مرات أتحبني، فقبلاً كان بطرس قد قال: ” لو أنكرك الجميع أنا لا أنكرك”، وهنا الرب يذكره بأنه سينكره ثلاث مرات، ولهذا هو حزن. هل هذه العملية هي تنصيبه على الكنيسة.

الرب يقول: “من يعترف بي أمام الناس، أعترف به أمام أبي الذي في السماوات”، من كان ينكر الرب أيام الاضطهاد، كان يعتبر أنه خسر خلاصه، لذلك خطيئة بطرس ليست أقل من خطيئة يهوذا بغض النظر عن التوبة، هل هو راعي في الكنيسة، أو رئيس الرعاة، وهل كلمة الرعاية تخص بطرس وحده. بطرس كان خجلاً من المسيح، والمسيح يستدعيه ويسأله أتحبني، وبناءً على هذه المحبة ارع غنمي.

حتى بطرس نفسه يقول: ” … ارعوا رعية الله … ومتى ظهر رئيس الرعاة تنالون إكليل المجد الذي لا يبلى” (1بط 1:5-4). الراعي الصالح هو المسيح، والذين يرعون هم بارتباط مع المسيح ” أما الذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف … الحق الحق أقول لكم إني أنا باب الخراف” (يو1:10-7) بطرس ليس إلا أحد أولئك الذي يدخلون من الباب، مثله مثل الكثيرين، هو لا يستطيع أن يصبح رئيس الرعاة، “معلمكم واحد هو المسيح وأنت جميعكم أخوة ” (متى9:23)، وهو كلام صريح وواضح. “فدعاهم يسوع وقال لهم: أنتم تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونهم والعظماء يتسلطون عليهم، فلا يكون هكذا فيكم، بل من أراد أن يكون فيكم عظيماً فليكن لكم خادماً” (متى25:20-26)، (لو24:22-29). لو كان بطرس هو الرئيس لقال الرب ذلك علانية، ولكن رغم ذلك، كنيستنا تعتبر بطرس أول بين الرسل، وهذا التقدم شرفي ليس إلاَّ. وهذه الأولية ناتجة عن إيمانه الصخري، وهو الأول في المبادرة، ولمحبته للمسيح.

“أما المعتبرون أنهم شيء مهما كانوا لا فرق عندي، الله لا يأخذ بوجه إنسانٍ … فإذ علم بالنعمة المعطاة لي يعقوب وصفا (1) ويوحنا، المعتبرون أنهم أعمدة …” (غلا5:2-9)، وبالتالي يمكننا أن نرى أن بولس يعتبر بطرس ثانية بعد يعقوب، رغم أنهم كانوا ثلاثة أعمدة، يعقوب هو كان أسقف أورشليم فكان الأول بين الجماعة، أي بين متساوين. وإذ اعتبروا هؤلاء الثلاثة أعمدة، فهم أيضاً أعمدة بين متساويين، هذا التقدم إكرامي لا رئاسي.

بحسب التحديدات العقائدية الكاثوليكية يجب أن يكون بولس مرؤوس لبطرس، لأنه تلميذ جديد، ولكن في البداية نرى أن بطرس أعطي مهمة أن يهتم بالذين هم من أهل الختان، بينما بولس يهتم بالذي هم من الأمم، وبالتالي على روما أن تتبع بولس وليس بطرس. لا يوجد توزيع رئاسي، فالذي أعطى بطرس، أعطى بولس أن يهتم. “لأني أحسب أني لم أنقص شيئاً عن فائقي الرسل … أهم عبرانيين فأنا أيضاً، أهم إسرائيليون فأنا أيضاً، أهم نسل إبراهيم فأنا أيضاً، أهم خدام المسيح، أقول كمختل العقل، فأنا أفضل. في الأتعاب أكثر، في الضربات أوفر، في السجون أكثر، في الميتات مراراً كثيرة.” (2كو 5:11، 22-23). لا يوجد في الإنجيل نص يقول بأن المهمة الرسولية تنتقل إلى خلفاء الرسل، ولا يوجد نص يقول بأن سلطان بطرس الرئاسي هو من الرب يسوع، وأن هذا السلطان ينتقل إلى خلفائه.

موقف الكنيسة تبينه المجامع المسكونية، في المجمع الثاني القانون الثالث، وفي المجمع الرابع القانون الثامن والعشرون. تقدم الكرسي في روما هو تقدم كرامة فقط، والخمسة كراسي هم متساوون، هذا التقدم ليس له أي علاقة بالناحية اللاهوتية، لو كان له علاقة فالمفروض أن تكون أورشليم الأولى، ففيها المسيح ولد وعلم وصلب ودفن ثم قام وصعد، والثانية أنطاكية ففيها دعي المسيحيين أولاً، وفيها علم الرسل ومن ضمنهم بطرس نفسه، وبطرس رسم أول أسقف على أنطاكية، ومنها انطلقت أول حملة تبشيرية لبولس وبرنابا. روما هي مؤسسة الأمبراطورية، هي عاصمتها، لذلك أسقفها يتمتع بالأولية، وبعدها القسطنطينية (روما الجديدة) أيضاً لاعتبارات مدنية ليس إلاً. وبعدها الإسكندرية، أنطاكية، وأخيراً أورشليم.

عصمة البابا:

المجمع الفاتيكاني الأول: “إن الحبر الروماني حين يتكلم من منصة التعليم “كاتدرا” أي حين يقوم بوظيفة راعي المسيحيين ومعلمهم جميعاً، ويحدد بسلطانه الأعلى تعليما في الإيمان والآداب، يتعين على الكنيسة بأسرها الأخذ به، عندئذ يكون بمعونة من الله وعده بها في شخص القديس بطرس معصوماً من الغلط. تلك العصمة التي أراد المخلص الإلهي أن يزود بها كنيسته في تحديد التعليم في الإيمان والآداب كما وأن تحديدات الحبر الروماني هذه هي بذاتها لا لموافقة الكنيسة عليها، غير قابلة للتحديد والإصلاح”.

لما البابا يتكلم من منصة التعليم بوصفة راعي المسيحيين ومعلمهم جميعاً، يلزم أن تكون العصمة عنده هو وهو فقط، فهذا التعليم صحيح ومنزه عن الخطأ. وفي المجمع الثاني قالوا بأن هناك عصمة للكنيسة وهذه العصمة هي عصمة البابا، ويجمعون في شخص الحبر الروماني الكنيسة الجامعة وهي تستقر فيه بصفة فريدة، وإذا الهيئة الأسقفية لديها العصمة، فهي متحدة بصورة فريدة بعصمة الباب. الرب يسوع لم يعد لديه مكان.

من يملك العصمة؟ الرب يسوع هو وحده يملك العصمة، والرب يسوع أسس الكنيسة والكنيسة هي جسده، وهو أرسل لنا الروح القدس وبالتالي الكنيسة عندها عصمة، وأي أن كل ما تعلمه الكنيسة من خلال المجامع المسكونية هو معصوم عن الخطأ. الآباء القديسون، الرسل، والأنبياء هم أيضاً معصومون عن الخطأ، لأنهم حاملون الروح القدس، وهنا يتضح لنا قول الرب: “لا أترككم يتامى، ها إني أرسل لكم… ” (يو 6:16-7 ،13:16-14). وحده الروح القدس يرشد إلى الحق، هو يقول الحق، لذلك من يمتلك الروح القدس هو يقول ا لحق، وبذلك تكون كنيسة الله هي التي تملك العصمة.

بطرس نفسه لم يكن معصوماً عن الخطأ “اذهب عني يا شيطان” (متى 22:16). “ولكن لما أتى بطرس إلى أنطاكية قاوَمْتُهُ مواجهة لأنه كان ملوماً ” (غلا 11:2). هم يعتبرون أنه ليس بالضرورة أن يكون الباباوات قديسين معصومين عن الخطأ، ولكن كونه مرسوماً بابا، وهو واقف على المنصة، عندها يكون معصوم عن الخطأ. ويمكننا أن نرى عبر التاريخ أنه وجد بابوات لم تكن سيرتهم أو تصرفاتهم موافقة لآداب الكنيسة، هل نتوقع أن يكون هؤلاء معصومين عن الخطأ ‍‼ كيف ذلك؟.

  • البابا مركيلوس (القرن الرابع) ذبح للأصنام حسب شهادة المغبوط الباب داماسيوس خلفه.
  • وقع البابا بالباريوس اعتراف آريوسي في القرن الرابع بعد أن سئم النفي لمدة سنتين، بشهادة القديس أثناسيوس.
  • البابا فيجيليوس حكم عليه المجمع الخامس في القرن السادس
  • البابا أنوريوس سقط في هرطقة أصحاب المشيئة الواحدة، وحكم عليه المجمع السادس بأنه هرطوقي وقد اعترف خلفائه بهذا الحكم.
  • البابا لاون الثالث رفض عقيدة الانبثاق من الآب والابن، وكل الباباوات الذين بعده حتى سنة 1009م جميعه رفضوا عقيدة الانبثاق، بعد 1009م كل الباباوات قبلوها.

والكنيسة البابوية تعترف بكل البابوات على كنيستها أنهم بالكلية معصومين منذ نشأت الكنيسة حتى الآن.

المطهر:

هذا الموضوع من إفرازات اللاهوت السكولاستيكي. حيث في المنشور العقائدي الذي اسمه “بنديكتوس ديوس” سنة 1336م، البابا بنديكتوس الثاني عشر يقول: “إن نفوس الأبرار الطاهرة تماماً تذهب إلى السماء فوراً بعد موتها وذلك قبل قيامة الجسد والدينونة العامة، وإنها تتمتع برؤية الذات الإلهية مباشرة، وتنعم حقاً بالسعادة بينما النفوس التي هي في حالة الخطيئة المميتة تذهب حالاً بعد موتها إلى الجحيم حيث تقاسي عذاباً أبدياً “. في مجمع تريدندت يقولون: “إن الذين يخرجون من هذه الحياة وهم نادمون حقيقة وفي محبة الله، ولكن قبل أن يكفروا عن خطاياهم في أعمال توبة كاملة، تتطهر نفسهم بعد الموت بعقوبات مُطهِّرة “. وفي مجمع ليون ومجمع فلورنسا يقولون: “إن التائبين الذين ماتوا بعد أن غفرت خطاياهم يجب عليهم أن يؤدوا في الحياة الأخرى ما تبقى عليهم من التعويض المفروض”.

هم تائبون، يحيون لله، غفرت خطاياهم، ولكن بعد موتهم يجب أن يقدموا عنها التكفير والتعويض المفروض. هل هذا العمل موافق للإنجيل؟

ما هو التكفير (ما هي عقوبة المطهر تحديداً)؟ في المطهر يميزوا بين عقوبة الخسران وعقوبة الحس، الخسران هي الحرمان المؤقت من الرؤية الطوباوية (الذات الإلهية). أما عقوبة الحس، هي عذاب الحواس، هي نار فيزيقية بحسب الآباء اللاتين وعلماء المدرسة السكولاستيكيين. الله يعذبهم رغم توبتهم.

إلى متى يدوم المطهر؟ من بعد موت الإنسان إلى يوم الدينونة العامة المطهر موجود، كل واحد عنده فترة خاصة ليكفر فيها عن خطاياه، ولا سبيل إلى معرفة المدة، لأن كل نفس حسب خطاياه. مجمع تريدنت يقول: “في المطهر النفوس السجينة تُغاث بإسعافات المؤمنين ولاسيما ذبيحة المذبح الطاهرة، والصلوات والصدقات وسائر أعمال التقوى التي درج المؤمنون على تقديمها بعضهم لأجل بعض وفقاً لقوانين الكنيسة”.

هل موضوع المطهر يتفق مع الكتاب المقدس والإيمان المسيحي الذي سلمنا إياه الرب؟ المعذبون في المطهر، ليسوا الأبرار ولا الأشرار، بل هم النادمون ولكن لم يكفروا عن خطاياهم. لكن لماذا قدم الرب ذبيحته؟ ألم يقدم ذبيحته كفارة عن خطايانا. هذا الموضوع واضح تماماً عند سائر الرسل، والرب نفسه قال: “لم يأتي ابن الإنسان ليُخدم بل ليخدم” (متى28:20). “إن أخطأ أحـد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار، وهو كفارةٌ لخطايانا، ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضاً” (1يو1:2-2). “إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعـادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم” (1يو 9:1). “متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدمه الله كفارةً بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله” (رو24:3-25). “ولكن الكل من الله الذي صالحنا لنفسه ليسوع المسيح وأعطانا خدمة المصالحة ” (2كو 18:5). كل هذه الآيات تؤكد أن الرب يسوع هو كفارة عن خطايانا، ونحن مطلوب منَّا التوبة فقط.

الرب يسوع تكلم عن الابن الشاطر، وكيف يفرح عندما يعود. “يا أبت أخطأت إلى السماء وأمامك ولست مستحقاً أن أدعى لك ابناً فاجعلني كأحد أجرائك” (لو11:15-32). بحسب المفهوم الكاثوليكي، عليه أن يكفر عن خطاياه حتى ولو تاب، ويعوض عن الأموال والسنين التي أهدرها. هو قبله بفرح، أعطاه الحلة الأولى، الخاتم، ذبح له العجل المسمن، لم يعاتبه قط.

رسالة المحبة التي صارت بعد القيامة، “هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أنَّ المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث، وأن يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم مبتدأ من أورشليم” (لو 46:24-47). الكرازة باسم يسوع هي التوبة ومغفرة الخطايا، هو على الصليب حل خطايانا وكفر عنها.

كيف يمكننا أن نحصل على ملكوت السماوات بالتوبة ونحن خاطئين جداً؟ بناء على توبتنا فقط، لأن الرب حمل خطايانا، هم لا يفترضون أنهم سينالون غفران خطاياهم يفترضون وجود مكان (نار) لعقاب التائبين، وليس لعقاب الأشرار. وهم يستندون إلى بعض الآيات الكتابية لتأكيد أن المطهر موجود. منها: (2مكا42:12-46). “كن مراضياً لخصمك سريعاً ما دمت معه في الطريق، لئلا يسلمك الخصم إلى القاضي ويسلك القاضي إلى الشرطي فتلقى في السجن. الحق أقول لك لا تخرج من هناك حتى توفي الفلس الأخير” (متى25:5-26). “ومن قال كلمة على ابن الإنسان يغفر له، وأما من قال على الروح القدس فلن يغفر له لا في هذا العالم ولا في الآتي” (متى32:12). “وأما ذلك العبد الذي يعلم إرادة سيده ولا يستعد ولا يفعل بحسب إرادته فيضرب كثيراً، ولكن الذي لا يعلم ويفعل ما يستحق ضربات يضرب قليلاً” (لو47:12-48).

وأهم هذه الآيات “ولكن إن كان أحد يبني على هذا الأساس ذهباً فضة حجارة كريمة خشباً عشباً قشاً، فعمل كل واحد سيصير ظاهراً لأن اليوم سيبينه، لأنه بنارٍ يستعلن وستمتحن النار عمل كل واحد ما هو، إن بقي عمل أحد قد بناه عليه فسيأخذ أجرة، إن احترق عمل أحد فسيخسر وأما هو فسيخلص ولكن كما بنارٍ” (1كو12:3-15)، ولكن هنا يتكلم عن أشخاص مكلفين بالبشارة، هناك أساس هو الرب يسوع، وكل واحد يبني على هذا الأساس، إما بفضة وحجارة أو بقش لأنه يفرض وجود نار. المسيحي يبني على الأساس الذي هو يسوع المسيح، هذه الأعمال إما أن تكون مثل معادن وتثبت، أو تحترق إن كان قش. بالنسبة لهم اليوم هو يوم الوفاة، عندها سيذهب إلى المطهر. من الآباء القديسين من يقول بأن اليوم هو يوم الدينونة العامة، “عندها بنار سيستعلن”، الرب يتكلم عن نار معنوية، هي نار يأتي بها عندما يأتي بمجد عظيم، هذا المجد هو النار الذي يه سيستعلن. القديس يوحنا الذهبي الفم يوضح المقصود بعبارة “سيخلص” أنه الخلاص من الاضمحلال والفناء، “كما بنار” لا يفنى بل يبقى مستمراً في العذاب.

النور والنار ذاته مجد الرب العظيم، هو سيكون الحياة الأبدية للبعض، لأنهم يتهيئوا ليعيشوا النور، وبالنسبة للذين لم يتهيؤا سيكون نار.

استحقاقات القديسين: المطهر مرتبط بموضوع استحقاقات القديسين بنظرهم، لأن الأعمال الصالحة تساعد الذي يقوم بها، لكي يُخلَّصْ من العقوبات المطهرية عن طريق استعمال استحقاقات القديسين. هذا وقد أقر هذه القضية البابا سنكديوس الرابع سنة 1477م.

استحقاقات المسيح: يعلم المجمع التريدنتيني : أن العلة الاستحقاقية للتبرير هي يسوع المسيح، ولكن بالنسبة لهم الخطيئة الأصلية إنما انمحت باستحقاقات يسوع المسيح التي تنسب بالمعمودية إلى كل إنسان. المسيح كفَّر ولكن عن الخطيئة الجدية، أما خطايانا فلم يكفر عنها (1يو6:1-8). والأعمال الصالحة هي أيضاً طريقة ثانية لغفران الخطايا.

القديس كليمندس السادس: “إن استحقاقات (تعويضات) أم الله والمختارين كلهم من أولهم إلى آخرهم تعمل على زيادة الكنز الذي منه تستقي منه الكنيسة الغفارين”. يوجد زيادة، هم عملوا أعمالاً صالحة أكثر مما هو مطلوب، هذه الزيادة تسمى استحقاقات توضع في خزانة القديسين.

ما هي الغفارين؟ الغفران هو ترك العقوبات الزمنية المتبقية بعد محو الخطيئة، تمنحه الكنيسة من كنزها التعويضي للأحياء بطريق الحل، والأموات بطريق الصلاة. مجمع تريدنت يحرم من يقول أن هذه الاستحقاقات غير موجودة وغير معمول بها، في البداية وضعت أصوله المدارس السخولاستيكية في بداية القرن الثالث عشر. وبعدها البابا لاون العاشر (القرن السادس عشر) أصدر مرسوم “للبابا السلطان المطلق أي غير المحدود بمنح الغفارين بوصفه صاحب الوصاية العليا على الكنيسة، ولا يستطيع الأساقفة بقوة سلطانهم العادي أن يمنحوا الغفارين إلا لرعاياهم وبمقدار الحق القانوني، وكذلك للكرادلة في منح الغفارين سلطة محدودة”.

ظهرت هذه الفكرة أيضاً مع بدء الحملات الصليبية. فالبابا أوربانوس الثاني قال: “إن هذا السفر هو بدل كل الكفارة”. يعني أن من يذهب مع الحملة تغفر له كل خطاياه مهما فعل وهو ذاهب ليحارب.

الأعمال الصالحة التي تساعد على منح شيء من خزانة الكنز (الاستحقاقات):

  • أ‌. المشاركة في الحملات الصليبية.
  • ب‌. الموضوع المالي، كحاجة الكنيسة إلى الأموال لبناء كنيسة القديسين بطرس وبولس في روما.
  • ت‌. الحج، زيارة بعض الأماكن المقدسة، في روما مثلاً.

وهذه الأشياء مستمرة حتى الآن، ففي عام 2000م، فتح البابا كل أبواب كنيسة القديس بطرس، لأن من يدخل من هذه الأبواب تغفر خطاياه. ربما نحن نقلدهم في موضوع المزار المنتشر في الكثير من أديرتنا، فهذه لم تكن موجودة قبلاً. يطلبون من المؤمنين الأعمال الصالحة كوضع النقود في كنائس خاصة وعندها تغفر لهم خطاياهم.

هل انتهى الموضوع بالنسبة للكاثوليك؟ كلا؛ لأن هذا القرار صادر عن المجامع (دستور بابوي (2)) والبابا معصوم عن الخطأ كما نعلم.

الأسرار:

ما هي الانحرافات التي صارت عند الكاثوليك في الأسرار.

1. المعمودية:

استبدلت الكنيسة الغربية التغطيس بالرش أو السكب، ابتداءً من القرن الثامن، وتعممت في القرن الثاني عشر، وبعدها صار الطريقة الرسمية لهم.

المعمودية بالتغطيس في الكنيسة هو منذ البداية، وذلك واضح في كل المعموديات التي جرت في الكتاب المقدس، “حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليعتمد منه” (متى13:3)، ابتداءً من معمودية يسوع، والخصي الحبشي … الخ. حتى أحواض المعمودية الكبيرة في أوربا نفسها قبل القرن الثامن تبين أنه كان يوجد دَرَج وداخله يوجد بركة، فينزل الشخص ويصبح بالتالي تحت الماء.

كلمة (يوناني) هي الفعل أغطس أو أصبغ. وفي القانون الرسولي /250/ يجب تغطيس المعتمد ثلاث دفعات. يوجد استشهادات من القديس أثناسيوس، يوحنا الذهبي الفم، وغيرهم من الآباء القديسين. وأيضاً الأب الغربي ترتليانوس (القرن الثالث) يقول: “لأننا نغطس ثلاث مرات باسم كل واحد من الأقانيم”.

ما هي أهمية هذا الموضوع. لماذا يفضل التغطيس وليس الرش.؟ “أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته، فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضاً في جدة الحياة” (رو 3:6-4). التغطيس صورة الموت والدفن، وهذا مهم حتى نشارك مع المسيح في القيامة؛ ولدنا ولادة جديدة، أصبحنا أعضاء في جسد المسيح “من آمن واعتمد فقد خلص، ومن لم يعتمد يدن” (مر 16:16)، “لا أحد يستطيع أن يدخل ملكوت الله ما لم يولد من الماء والروح” (يو 5:3). ولكن دعوة حياتنا هي أن نموت عن الإنسان العتيق لكي نحيا معه، هذه هي الصورة (الدفن والقيامة). وبالتالي المعمودية دوماً تذكرنا بدعوتنا.

هل الطفل الصغير يفهم فكرة الدفن والقيامة مع المسيح؟ الأهل الذين يحضرون المعمودية ويشاهدوا هذا السر يتذكرون أن المعمودية بداية لموت ولقيامة مع المسيح وأننا مدعوين، مثلما هذا الطفل أن ندفن أي نموت لكي نقوم مع المسيح. وهذا الطفل عندما يكبر يرى هذه الصورة ويرى ما هي دعوته الحقيقية.

الكاهن الكاثوليكي يستعمل عبارة أعمدك، بينما الكاهن الأرثوذكسي يستعمل كلمة يعمد، وذلك لأن الكاهن الحقيقي هو الرب يسوع.

2. سر المسحة:

وهو ما يسمونه “التثبيت”. في كنيستنا يمارس هذا السر بعد المعمودية مباشرة، أما في الكنيسة الغربية فقد فصل عن سر المعمودية، فهم يعمدون الأولاد في سن مبكر، وبعدها في سن 7-10 يعطونهم هذا السر، وذلك لاعتقادهم بأنه يجب على الأولاد أن يفهموا معاني هذا السر، وعندما يشتركوا به، يجب أن يكونوا بوعي كامل للحقائق الإيماني.

منذ البداية كان هذا السر يؤخذ مع المعمودية، “فلما سمعوا نخسوا في قلوبهم وقالوا لبطرس ولسائر الرسل ماذا نصنع أيها الرجال الأخوة. فقال لهم بطرس توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس” (أع 37:2-38). “ولما سمع الرسل الذين في أورشليم أن السامرة قد قبلت كلمة الله أرسـلوا إليهم بطرس ويوحنا، الذين لما نزلا صليا لأجلهم لكي يقبلوا الروح القدس” (أع 14:8-15). كان سر المسحة يعطى بوضع الأيدي من قبل الرسل.

المعمودية حياة جديدة، هي ولادة من الماء والروح، هذه الولادة تمت ولكن يجب أن يتبعها ثبات، لذلك يعطى سر المسحة (الميرون). هذه المسحة ضرورية بالنسبة لحياة المؤمن لأنها تثبته في المسيح، هذا الميرون هو عنصرة جديدة بالنسبة للمؤمن. فهل نترك أولادنا بعد الولادة الروحية سبع سنين، مثلاً، بلا مواهب روحية. “وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس وتعلمون كل شيء … وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم ولا حاجة بكم إلى أن يعلمكم أحـد، بل كما تعلمكم هـذه المسحة عينها عن كل شيء وهي حق وليست كذباً، كما علمتكم تثبتون فيه. ” (1يو20:2 ،27). “ولكن الذي يثبتها معكم في المسيح وقـد مسحنا هـو الله الذي ختمنا أيضاً وأعطى عربون الروح في قلوبنا” (2كو 20:1). كلمة مسحة تعني أنه يوجد سائل يمسح به المعمد، وفكر المسحة موجودة في العهد القديم، وهذا السائل مؤلف من زيت وأطياب ويمكن خمر، واستمرت هذه العادة في العهد الجديد.

3. سر الشكر (المناولة):

تتم المناولة بالنسبة للأطفال بصورة متأخرة (10سنين)، وهي تسمى المناولة الأولى. وأبعدوها عن المعمودية دون أي مبرر، فهم يعطون الطفل الولادة الجديدة ويحرمونه الاشتراك في جسد المسيح ودمه، يفقد الحياة الإلهية مع المسيح.

دُرس هذا الموضوع في الحوار الكاثوليكي الأرثوذكسي، هم قالوا أن هذه الأسرار كانت تعطى سويةً، وأقروا أن هذا الشيء هو تقليد الكنيسة الأول، ولكن هم لديهم تقليدهم الغربي، وبناءً عليه يفضلون هذه الطريقة؛ وهل هي الطريقة الصحيحة.؟ الطفل الذي يولد ولادة روحية أصبحت الكنيسة هي بيته، فيها يتربى، يتعود على الجو المقدس والمناولة (حركة الكاهن، الأيقونات، الإنجيل، حضور الصلوات … ) هكذا ينمو في الكنيسة، والمناولة تغذيه والميرون الذي أخذه يجعله يحيا بالروح القدس ومواهبه وعمله. الشيء الثاني والمهم أيضاً، أنهم منعوا العلمانيين عن مناولة الدم الإلهي، فهم يأخذون فقط الجسد؛ والسبب هو أن المسيح موجود بالكامل تحت كل من الشكلين. وكل هذه الممارسات حددت عقائدياً في مجمع تريدنت. “من قال أن تناول الأفخارستيا هو ضروري للأطفال قبل بلوغهم سن التمييز فليكن محروماً”. “من قال أنه يجب على المؤمنين عموماً وخصوصاً بحكم وصية إلهية، بحكم ضرورة الخلاص، أن يتناولوا سر القربان المقدس تحت الشكلين فليكن محروماً “.

قضية الفطير والخمير: إن انحراف الكنيسة الغربية في استعمالها للفطير نتيجة الدراسة الناشئة عن العقل (العلم السكولاستيكي) لبعض الآيات منها: “وفي أول أيام الفطير تقدم التلاميذ إلى يسوع قائلين له: أين تريد أن نعد لك لتأكل الفصح” (متى17:26). “وفي اليوم الأول من الفطير حين كانوا يذبحون الفصح قال له تلاميذه أين تريد أن نمضي ونعد لتأكل الفصح” (مر12:14). “وجاء يوم الفطير الذي كان ينبغي أن يذبه فيه الفصح” (لو 7:22-8). يمكن للقارئ أن يفهم أنه لحظة تتميم سر الشكر (يوم الخميس العظيم) لأول وهلة أن الرب عندما أخذ الخبز كان فطير، الخميس مساءً كان قد ابتدأ الفصح اليهودي وعندها لن يكون فطير (غير مخمر). وفي القرن الثامن بدأوا يستعملون الفطير (البرشانة)، “أما يسوع قبل عيد الفصح …” (يو 1:13)، إذ إن يوحنا مطلع على ما كتبه الإنجيليون الثلاثة قبله، ولئلا تقع كنيسته في ضلال إذا ما قرؤوا “في الشهر الأول في الرابع عشر من الشهر فصح للرب بين العشائين” (لا5:25-6)، الرابع عشر من الشهر يعني اليوم الثالث عشر الغروب. “اليوم الخامس عشر من الشهر عيد الفطير”، الرب يسوع يوم الخميس الذي كان المساء الرابع عشر، وهذا يعني أن اليوم الخامس عشر ليس الخميس بل الجمعة مساءً، الكاثوليك يفترضون الخميس الفصح أي الخميس هو اليوم الخامس عشر، وبالتالي عندهم المسيح عندما أخذ خبزاً أخذ فطيراً. في أول أيام الفطير، اليوم الذي كان مزمع أن يذبح الفصح، هذا لا يعني أنه سوف يبتدأ الفطير به، بين العشائين يتهيؤون وذلك بإحضار الحمل للذبح، وأيضاً يحضرون العشاء الأول وهو يشبه يوم المرفع عندنا.

“وفي الشهر الأول في اليوم الرابع عشر من الشهر، فصح للرب” (عدد 16:28)، توضح أنه في الرابع عشر من الشهر لا يؤكل فطير أما في اليوم الخامس عشر ففيه يأكلون الفطير. “سبعة أيام تأكلون فطيراً، اليوم الأول تعزلون الخمير من بيوتكم، فإن كل من أكل خميراً من اليوم الأول إلى ليوم السابع تقطع تلك النفس من إسرائيل. ويكون لكم في اليوم الأول محفل مقدس وفي اليوم السابع محفل مقدس، لا يعمل فيها عمل ما إلا ما تأكله كل نفس فذلك وحده يعمل منكم. وتحفظون الفطير لأني في هذا اليوم عينه أخرجت أجنادكم من أرض مصر” (خر 15:12-17)، تبين كيف تحدد هذا العيد وما هو عيد الفصح، وكيف يتمم، ولماذا؟

وأهم هذه الآيات: “وكان استعداد الفصح” (يو14:19). وفي الكثير من الآيات نرى أن الكثير من الأشخاص اليهود كانوا يعملون يوم الخميس مساءً، مثل: شراء الحقل بالثلاثين من الفضة (متى 7:27) “فسخروا رجلا مجتازا كان آتياً من الحقل” (مر21:15)، (لو26:13). وأهمهم هي إنزال الرب عن الصليب قبل تعييد الفصح (يو 14:19،16، 31) كل ذلك يعني أنهم لم يكونوا معيدين الفصح حتى صلب ودفن الرب يسوع، هذا ما تسلمناه من الرسل. والأمر الآخر إن القديس أفرام السرياني يقول: “الخميرة التي كانت مع الأرملة عندما خرجت قديماً، كانت مادتان من الخمير والفطير، وكما يخلو الجسد المائت من النفس التي كانت تقتله، كذلك كان يخلو الفطير من حلول الروح القدس”

في الكتاب المقدس استعمل كلمة ” يوناني ” التي تعني الخبز الخمير، ولم يستعمل كلمة ” يوناني” التي تعني الفطير.

رأي الكنيسة الغربية في كيفية تحول الخبز والخمر؟ إن جسد المسيح ودمه يصيران حاضرين، حالما ينتهي كلام التقديس، بعد الانتهاء من كلام وضع السر. “خذوا كلوا… خذوا اشربوا…” هذا ما ثبت في مجمع تريدنت (1545م).

أما في الكنيسة الشرقية، فإننا نقول هذه الكلام، ولكن نطلب حلول الروح القدس على الخبز والخمر، وهذا شيء لم نخترعه بل هو مبين في كل الأسرار. هيبوليتوس الروماني في التقليد الرسولي يبين كيف كانت الكنيسة الأولى تحتفل بهذا السر: ” يقدم الشمامسة القرابين إلى الأسقف فيضع يديه عليها ويقول كلام التقديس وبعدها يكمل، نطلب إليك أن ترسل روحك القدوس على تقدمة الكنيسة المقدسة…”

لماذا هي مهمة قضية استدعاء الروح القدس؟ لأن كل عمل أسراري هو ثالوثي، يشترك فيه الآب والابن والروح القدس ـ نحن نؤمن بإله واحد هو الآب والابن والروح القدس ـ نرفع الصلاة إلى الآب، الابن يقول هذه الكلمات، ونطلب حلول الروح القدس على القرابين. الكنيسة الغربية عندما جعلت الروح القدس ينبثق من الآب والابن، بالتالي جعلوا مصدرين للثالوث القدوس، صار عندهم الروح القدس بدرجة أخفض من الآب والابن، ولذلك يضعون الروح القدس دوماً في الظل، وبالتالي في تقديس القرابين لا وجود للروح القدس، و أن دوره ثانوي بالنسبة لدور الآب والابن.

ما هو موقف الرسل من مناولة المنحرفين؟ “كل من تعدى ولم يثبت في تعليم المسيح فليس له الله، ومن يثبت في تعليم المسيح فهذا له الآب والابن جميعاً. إن كان أحد يأتيكم ولا يجيء بهذا التعليم فلا تقبلوه في البيت ولا تقولوا له سلام، لأن من يسلم عليه يشترك في أعماله الشريرة” (2يو 9:1-10)

مواجهة كاهن أو رهبان كاثوليك إذا أتوا ليتناولوا عندنا، هذه النية هي نية سيئة، لأنه عندما يأتي كاهن أو راهب يريد المشاركة في الأقداس، هو بذاته يخالف قرارات المجمع الفاتيكاني الثاني: “في العلاقات مع الأخوة أبناء الكنائس المنفصلة، المرسوم المجمعي في الكنائس الشرقية رقم 26 إن الاشتراك في الأقداس إذا أساء إلى وحدة الكنيسة إذا كان يحتمل …….. صريحا للضلال، أو خطر الانحراف في الإيمان، أو سبب عثار أو لا مبالاة في الدين فأنه محرم بقوة الشريعة الإلهية.

بيد أن الخدمة الرعوية والخبرة الرعوية تدل في ما يتعلق بالأخوة الشرقيين، أن هناك من الظروف والأحوال الشخصية المختلفة ما ليس به إساءة إلى وحدة الكنيسة، وليس فيه موضع للأخطار، بل يعد بالنظر إلى ضرورة الخلاص وخير النفوس الروحي لذلك إن الكنيسة أن تراعي ظروف المكان والزمان وأحوال الشخص. يجوز للكاثوليك أيضاً أن يطلبوا الأسرار عينها من الإكليريكيين غير الكاثوليك.

ما هو موقفنا الحالي من الكنيسة الغربية، هل يمكننا أن نتناول عندهم؟ بعد كل ما سمعناه ورأيناه من انحرافات عندهم، وبسبب أسباب تاريخية وخطايا أشخاص، فنحن نتمنى أن تكون هناك وحدة، لأن هذه هي مشيئة الرب لأنه أسس كنيسة واحدة، وفي نهاية المطاف عند المجيء الثاني لن يكون سوى كنيسة واحدة.

نحن لماذا لا نقبل الوحدة؟ إذا كانت الانحرافات هي نتيجة انحرافات تاريخية. فأنا أقول انه ما من مشكلة لأن هذا شيء يتعلق بالماضي. الاعتذار الذي أقامه البابا لا داعي له لأنه يعتذر عن أناس من الماضي، الاعتذار المطلوب هو عن هذه الانحرافات. هناك انحراف عقائدي، وموقف المسيح والرسل تجاه ذلك أنه لا يمكننا أن نصنع شركة معهم لأن الشعب سيتأثر بالانحرافات.

لماذا الشركة مقطوعة معهم؟ بسبب عقائدي، الانبثاق من الابن، وقضايا أخرى متعددة كلها انحرافات عن الكنيسة الأرثوذكسية (كنيسة الرسل). نحن لا يمكننا أن نقول أنه لا يوجد مشكلة أو خلافات، المشكلة عند الناس هي بقيت في عيد الفصح، لا أحد يتحدث عن الفروقات العقائدية. يوجد قرارات مجمعية ملزمة لهم. هذه الانحرافات بسببها لا يمكننا أن نصنع وحدة مع المنحرفين، فالمشكلة هي أننا نتمنى الوحدة، ولكن هذه الوحدة تتم كما كان يتم في الماضي، إذا انحرف أحد أو جماعة فتقطع الشركة معه وبالتالي لا يمكنه لأي شخص أن يتناول عندهم لأن المناولة هي الوحدة وحدة مع المسيح، نصبح من خلالها جميعاً شركة واحدة مع المسيح. لا يمكن أن تكون هناك وحدة مصطنعة بشرية أرادها البشر.

5. من الطوائف التي انشقت عن روما (الكاثوليكية):

البروتستانت (اللوثريون والمصلحون والأنكليكان وما تشعب منهم):

يبدأ تاريخ هذه الطوائف كلها مع مارتن لوثر، الراهب الألماني الكاثوليكي الذي احتج سنة 1517م على صكوك الغفران وقضايا أخرى. وقد أسفرت المجابهة مع روما في نهاية المطاف عن إعلان الكتاب المقدس مرجعاً وحيداً للإيمان، وعن تأسيس الكنيسة اللوثرية التي انتشرت في ألمانيا وشمال أوربا.

في غرب أوربا، وباستقلال عن لوثر، قاد المصلح زوينكلي (Zwingly) حركة مشابهة للإصلاح الديني. وقد تابع آخرون عمله بعد موته، فكان أهمهم كالفن (Calven) الفرنسي الذي استطاع في منتصف القرن السادس عشر أن يجعل من جنيف مركزاً للكنائس المصلحة (Reformed Churches) ولامتداد الكلفينية إلى أقطار أخرى.

في إنكلترا، بدأ نشوء الطائفة الأنكليكانية مع إعلان الملك هنري الثامن، سنة 1534م، لنفسه رئيساً أعلى لكنيسة إنكلترا، ومن ثم مع تأرجح وضع هذه الكنيسة في عهد خلفائه ما بين الكاثوليكية والكلفينية، فقد تم الدمج بين الاثنتين في نهاية القرن السادس عشر من خلال 39 بنداً لا تزال إلى اليوم دستور إيمان هذه الطائفة التي تسمى أيضاً الأسقفية.

الكاثوليك القدماء:

تعرف بهذا الاسم ثلاث مجموعات انفصلت في أوقات مختلفة عن روما:

أ‌. مجموعـة أسـقفيات فـي أوترخت (هولندا)، انفصلت عـن روما سـنة 1724م لاتهامها باليانسينية، وهي تسمى كذلك نسبة إلى يانسنيوس (1585-1638م) مؤلف كتاب أغسطينوس، وفيه يتبنى نظرياته كلها، بما فيها ما يتعلق بالنعمة. حكمت عليه الكنيسة الكاثوليكية في منتصف القرن السابع عشر، في حين أيدته فئات متعددة في أزمنة مختلفة.

ب‌. مجموعة أسقفيات في ألمانيا والنمسا وسويسرا وبوهيميا، تشكلت بعد انشقاقها عن الطائفة الكاثوليكية لرفضها عقيدة رئاسة البابا وعصمته بعد صدورها عن المجمع الفاتيكاني الأول سنة 1870

ت‌. مجموعة فئات من أصل سلافي، انفصلت عن البولنديين البابويين في أميركا الشمالية سنة 1897، ومن الكروات سنة 1924م، وتتبع عدداً من الأسقفيات في أميركا، وواحدة في كل من بولندة وكرواتيا.

عموماَ يقبل الكاثوليك القدماء المجامع المسكونية السبعة، والعقائد التي كانت مقبولة قبل انشقاق 1054م، ويسمحون لإكليروسهم بالزواج بمن فيهم الأساقفة.

البروتستانت:

لقد نشأ عراك بين المصلحين (لوثر، كالفن، …) والكنيسة الكاثوليكية. واستطاعوا أن ينشئوا كنائس، ولكن بردة فعل مغايرة، فبدل أن يرفضوا البابا لأنهم في مشاكل معه، وقفوا ضد الكهنة بشكل عام. وبدل أن يقفوا ضد الانحرافات التي تقوم بها الكنيسة الكاثوليكية بالنسبة للتقليد، رفضوا التقليد بشكل عام. رفضوا الأسرار. بالغ الكاثوليك في إكرام القديسين، فرفضوا القديسين والقداسة ككل. لأنهم ضد الأعمال الصالحة، اكتفوا بالإيمان وحده. رفضوا بتولية العذراء. أصبحوا بلا تسليم، بلا كنيسة، بلا أسرار، بلا حياة في كنيسة المسيح، بلا أيقونات.

التسليم:

التسليم ببساطة هو: البشارة ذاتها التي قال المسيح للرسل أن يحملوها للناس من أجل الخلاص “فتقدم يسوع وكلمهم قائلاً: دفع إلي كل سلطان في السماء وعلى الأرض، فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به، وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر، آمين” (متى18:28-20)، هذه البشارة التي حملوها (تلمذة، بشارة، تعليم… ) بشارة شفهية، لأن الرسل كانوا يعلمون شفهياً والكنائس نشأت على التقليد الشفهي. وأيضاً في “وقال لهم اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها” (مر15:16) كلمة (يوناني) تعني البشارة الشفهية، الخبر السار.

ما هي البشارة؟ هي كل ما سمعه التلاميذ من الرب يسوع ورأوه وتسلموه منه. هو أعطاهم مواهب الروح القدس التي من خلالها يمكنهم أن يتمموا الأسرار، هم بعد القيامة أخذوا الروح القدس، وفي العنصرة أخذوا مواهب الروح القدس.

ما هو التسليم؟ كل ما سلمه الرسل للكنائس من بشارة وأسرار إلهية ومواهب كل هذا هو تسليم، وكان يتم بطريقة شفهية، وعلى هذا الأساس تأسست الكنائس.

“فأمدحكم أيها الأخوة على أنكم تذكرونني في كل شيء وتحفظون التعاليم كما سلمتها إليكم” (1كو 2:11) في هذه الآية يترجمون ( ) إلى تعليم، ولكن هي التقليدات أو التسليمات التي أعطاهم إياها شفهياً، وذلك لأنهم لا يؤمنون بالتسليم. إن الذي سلمه بولس الرسول إلى أهل كورنثوس هو كل ما تسلمه عن الرب يسوع.

نشوء البدع المسيحية الحالية:

ما هـو مشترك فـي تاريخ الأنبياء والمعلمين الكذبة الجدد الذين أنتجوا البدع المسيحية الحالية ـ وقـد يكون هـو النقطة المشتركة التي يختلفون بها عـن الطوائف المسيحية ـ هو رفضهم الكلي للكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية التي أسسها المسيح، مع تسليمها وحياتها عبر القرون، وادعاء كل منهم ـ مُسيَّراً من أهوائه وعقله المتشامخ ـ أنه النبي المرسل من الله الذي توصل وحده لأن يعرف مقاصده وأسراره ومواعيده، معتمداً على الكتاب المقدس وحده، وهو ما أفسح المجال لتكاثر لا يتوقف من شيع وبدع.

من البدع الخطرة على الخلاص سوف نكتفي بأن نعطي لمحة خاطفة عن بعض مما وصل إلى بلادنا، منها:

1. شهود يهوه:

أسس هذه البدعة تشارلس رصل في ولاية بنسلفانيا الأميركية سنة 1872م، بعد دراسته للكتاب المقدس، إثر تأثره بتبشير الأدفنتست (المجيئيين) أنه قد اقتربت عودة المسيح وقيام ملكه الألفي. وقد أدلى بدلوه هو أيضاً فحدد مواعيده الخاصة بعودة المسيح مدعياً أنه النبي السابق لها. فأثبتت الأيام مراراً أنه نبي كاذب، إضافة إلى ثمار حياته الشاهدة عليه، ومنها حكمان صدرا ضده من محاكم بلاده. كتب آراءه ونبوءاته في سبعة مجلدات، كما أسس مجلة برج المراقبة وجمعية للنشر. وقد تابع أتباعه بعد موته تقوية هذه البدعة وتنظيمها، ومنها إعطاءها اسم شهود يهوه، من خلال مؤتمر عقدوه سنة 1931م، في عهد خليفته رذرفورد الذي كان أيضاً نبياً كاذباً وصهيونياً بامتياز. وهذا لا تزال كتبه المنشورة تشهد حتى اليوم على نبؤاته الكاذبة وصهيونيته الفاضحة، ومنها “ملايين من الذين هم أحياء اليوم لن يموتوا أبداً”. وهو مترجم إلى العربية، ومنشور عام 1920م باسم جمعية تلاميذ التورات (توجد صور عنه في مكتبة السائح).

من اعتقادات هذه البدعة التي تؤدي جذرياً إلى خسارة الخلاص والحياة الأبدية رفضهم للثالوث القدوس واعتبارهم الرب يسوع خليقة يهوه الأولى، وإنكارهم صليبه وقيامته وصعوده بالجسد، والكنيسة والأسرار والقداسة وتبشيرهم بملكوت أرضي بدل الملكوت السماوي … الخ.

2.الأدفنتست السبتيون:

سبق وليم ميللر (وهو أيضاً من الولايات المتحدة الأميركية) رصل في تنبؤه الكاذب عن حضور الرب الثاني القريب ومملكته الألفية. وقد حدد هذا الحضور عام 1844م، الذي انتظره هو وأتباعه فخابت آمالهم. ومع هذا فقد بقيت قلة منهم مصرة معه على المناداة بمجيء المسيح القريب، ولذلك سُمّوا بالأدفنتست (المجيئيين).

إضافة إلى موضوع المجيء، قبلت هذه القلة ـ ومنهم السيدة ألن هوايت التي يؤمنون أنها نبية ومرسلة من الله ـ من شيعة المعمدانيين السبتيين بدعة ضرورة تطبيق الوصية في العهد القديم عن يوم السبت، فكوّنوا نواة الأدفنتست السبتيين الذين امتدوا فيما بعد إلى أقطار عديدة.

من الأمور التي يتفرد بها هؤلاء أيضاً عن الفرق البروتستانتية إيمانهم بحكم المسيح الألفي، وبعدم وجود حياة بعد الموت (إنكار خلود النفس)، وبمعمودية الكبار … الخ.

3. المورمون:

ادعى جوزيف سميث، النبي الكاذب لهذه البدعة (وهو أيضاً من الولايات المتحدة الأميركية) أنه في إحدى رؤاه، رأى ملاكاً دلّه على لوائح ذهبية مدفونة كان قد كتب عليها نبي اسمه مورمون باللغة الهيروغليفية المعدلة (لغة لا يعرفها أحد غير جوزيف) إنجيلاً أعطاه المخلص لشعوب قديمة سكنت القارة الأميركية أصلها من أورشليم. وقد ترجمه جوزيف إلى الإنجليزية مستنداً إلى حجري الأوريم والتميم المدفونين مع اللوائح، ومن ثم أسس كنيسته عام 1830م التي سماها: “كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة”.

كذلك رأى 135 رؤية، نشر معظمها في كتابين كبيرين يعتبرهما المؤمنون به، إلى جانب كتاب المورمون (ترجم إلى لغات كثيرة منها العربية)، كتابين سماويين. وبسبب العداوة الشديدة من الأهالي لسميث وأتباعه لدجلهم وممارستهم تعدد الزوجات، كانوا يرتحلون من ولاية إلى ولاية إلى أن استقروا في ولاية يوطا، حيث نجحوا أن يصبحوا قوة اجتماعية واقتصادية وسياسية مرموقة. في أيامنا ينتشرون بسرعة في سائر أنحاء العالم معتمدين على وسائل متطورة للاتصال مع البشر، ومنها قرع الأبواب من قبل شابين يحملان الإنجيل وكتاب “مورمون”. وقد وصلوا إلى الشرق الأوسط وبوابته لبنان.

من الهرطقات الكثيرة التي يدخلونها في عقول البسطاء في الوقت المناسب، أن يسوع المسيح هو ثمرة علاقة جنسية بين ألوهيم ومريم وهو أخ شقيق للوسيفار الشيطان، وهو أحد آلهة كثيرة سعت للخلاص مثله ونالته. تزوج كثيرات وأنجب منهن أطفالاً. هناك ثلاثة آلهة الآب والابن والروح القدس ومعهم عدد لانهائي من الشخوص الإلهية المقدسة آهلين في عوالم، وجميع هؤلاء الآلهة متغيرون وماديون لهم أجسام من لحم وعظام ولهم نشاط جنسي … الخ.

نشوء تيارات مرتبطة بشيع حديثة:

إلى هذه البدع الثلاث التي هناك كثير غيرها، لا بد من الإشارة إلى تيارين خطرين نشأ كل منهما، بالتدريج وبتفاعل متبادل، عبر شيع متعددة وأزمنة متفاوتة وبلدان مختلفة في أوساط بروتستانتية، وفيما بعد كاثوليكية. وكان الدافع لنشوء كل منها هو الحاجة أو الرغبة للحصول على ثمار المواهب المتعددة التي ظهرت في حياة الكنيسة الأولى وتحدثت عنها أسفار العهد الجديد. ولأن المسيحيين عامة يشعرون في كثير من الأحيان بهذه الحاجة أو الرغبة ذاتها، لذلك يستخدم هذان التياران الآن في العالم المسيحي، وعلى نطاق واسع، كطعمٍ مغرٍ من قبل الجماعات التي تهدف إلى التأثير على الآخرين واقتناصهم، ومنهم:

1. المتجددون:

بدأت الدعوة إلى التجدد الروحي مع الفئات التي طالبت بإعادة المعمودية منذ القرن السادس عشر، وعبر القرون اللاحقة في إنجلترا مع الشيع التي طالبت باختبار الولادة الروحية مثل الكويكرز والمعمدانيين والمورافيين والأخوة (الداربيست) وبصورة خاصة الميثوديست. هؤلاء كانوا يقومون باجتماعات هدفها إذكاء الحماس الروحي مما أدى إلى بلورة تيار التجدد الذي انتقل في بداية القرن التاسع عشر إلى الولايات المتحدة الأميركية حيث سمي الحركة الانتعاشية الأميركية. هناك عبروا عنه بطرق مختلفة منها اجتماعات ضمن ساحات مكشوفة، مركّزين على ضرورة الاهتداء الشخصي والولادة الجديدة التي تتم في وقت معين أو لحظة غير منتظرة يتولى تحريكها عادة الواعظ أو المبشر. من أشهر رواد حركة التجدد في أيامنا بيلي غراهام المعمداني الذي لديه إرساليات عديدة. أهم هذه الإرساليات والتي تتجه أيضاً نحو الشرق الأوسط: “الشباب للمسيح”، “الرؤية العالمية”. وهو يذيع بشارته من بورتوريكو عبر الأقمار الصناعية إلى أكثر من 165 بلد في آن معاً.

وبالطبع فالتجدد الروحي الحقيقي ليس وهماً ولا تخيلاً، ولا يحصل عبر تحريك خارجي عاطفي أو انفعالي في لحظة معينة. إنه ثمرة سكنى الروح القدس في القلب بعد تنقية تدريجية “من كل دنس الجسد والروح” (2كو 1:7) تصنعها أسرار كنيسة الله، “بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس” (تيط 5:3)، لمن آمن بالرب يسوع وحفظ وصاياه (يو 15:14-21) وحمل صليبه (مت 24:16-25) وهو ما لا يؤمن به المتجددون.

2. الكاريزماتيك (Charismatic):

تشتق هذه الكلمة من لفظة “خاريزما” اليونانية والتي تعني في أسفار العهد الجديد “هبة مجانية من الله”. ولأن بعض المواهب الخاصة، مثل “مواهب شفاء أو عمل قوات أن نبوة أو تمييز الأرواح أو أنواع ألسنة أو ترجمة ألسنة” (1كو 9:12-10)، أعطي بكثافة، في الفترة الرسولية الأولى بسبب الحاجة الماسة إليها حينها من أجل البشارة، فقد تشكلت شيع كثيرة في أوساط بروتستانتية وكاثوليكية، في بلدان مختلفة، بناء على رغبتها المتأججة في الحصول على هذه المواهب في أيامنا هذه. من هذه الشيع ما سميت بالشفائيين (مثل الأنطونيين في بلجيكا والمسيحية العلمية في أميركا … الخ)، وبصورة خاصة ما سميت بحركة العنصرة. هذه بدأت في مطلع القرن العشرين مع الذين سعوا في الولايات المتحدة الأميركية أن يتعمدوا بالروح القدس وأن يتكلموا بألسنة كما حصل في العنصرة. بعد هذا انتقلت إلى بريطانيا مع القسيس المثوديستي بارات حيث صارت حركة كاريزماتية نشيطة تقاد غالباً من علمانيين. وقد ازداد نشاطها وانتشارها في العالم بعد الربع الأول من القرن العشرين، ولا سيما في الجزر البريطانية وأميركا الشمالية واسكندينافيا والبرازيل. وكان أن وصل امتدادها أيضاً إلى الأوساط الكاثوليكية في الستينات، حيث عمت وانتشرت حتى أصبحت ظاهرة شائعة في كل الأقطار ينخرط فيها الإكليريكيون والرهبان والعلمانيون مع تأييد رسمي من الرئاسات الكاثوليكية على أعلى المستويات. وقد تأثر بعض من الأرثوذكس بهذه الحركة ولا سيما في لبنان.

بالتأكيد إن المواهب، ولأنها هبة خاصة من الله، لا تحصل لمجرد رغبة الإنسان في الحصول عليها. الله وحده يعرف متى وكيف يعطيها في الزمان والمكان المناسبين، وبما يتناسب مع حالة الشخص الذي يريد أن يعطيه إياها، ومع خير الكنيسة، لئلا تصبح دينونة له: “كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يا رب يا رب أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا شياطين، وباسمك صنعنا قوات كثيرة فحينئذ أصرح لهم إني لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم” (مت22:7).

الله يعطي مواهبه، في الوقت المناسب، لا للمتحمسين الطالبين بهياج أن تحل عليهم، بل للذين سلموا أنفسهم بالكلية لمشيئة الله ولم يطلبوا لأنفسهم شيئاً، فتطهروا جسداً ونفساً ووصلوا بعد جهاد مرير بمعونته إلى القداسة والفضائل وأولها مسكنة الروح واتضاع القلب، وعندها لا خطر عليهم إذا أعطوها.

وأخيراً، لا يمكننا أن نتجاهل ارتباط عدد كبير من الشيع والبدع التي تأتي إلى بلادنا مع مخططات سـياسية للصهيونيـة أو للعالم الجديد يهمها أن تفتت وتخضع وتغسل الأدمغة بما يتوافق مـع مصالحها. إنما الأهم أن نتذكر تحذيرات الرب بشأنها لئلا نقع في براثنها فنضلّ ونخسر خلاصـنا: “حينئذ إن قال لكم أحد هوذا المسيح هنا أو هناك فلا تصدقوا. لأنه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يُضلّوا لو أمكن المختارين. ها أنا قد سبقت وأخبرتكم” (مت 23:24-25).

 

الطوائف والبدع المسيحية
الأب الدكتور جورج عطية
البلمند – معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي

 

 


(1)  صفا يعني بطرس بالآرامية

(2)  للمطالعة كتاب “دستور رسولي في عقدية الغفرانات للبابا بولس السادس وقواعد في اكتساب الغفرانات صادرة عن ديوان التوبة المقدس”.

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF

معلومات حول الصفحة

عناوين الصفحة

محتويات القسم

الوسوم

arArabic
انتقل إلى أعلى