20: 19-31 – ظهور السيد بعد القيامة للاثني عشر وشك وتوما

19 وَلَمَّا كَانَتْ عَشِيَّةُ ذلِكَ الْيَوْمِ، وَهُوَ أَوَّلُ الأُسْبُوعِ، وَكَانَتِ الأَبْوَابُ مُغَلَّقَةً حَيْثُ كَانَ التَّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ إليهودِ، جَاءَ يَسُوعُ وَوَقَفَ فِي الْوَسْطِ، وَقَالَ لَهُمْ:«سَلاَمٌ لَكُمْ!» 20 وَلَمَّا قَالَ هذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبَهُ، فَفَرِحَ التَّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوْا الرَّبَّ. 21 فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً:«سَلاَمٌ لَكُمْ! كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا». 22 وَلَمَّا قَالَ هذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ:«اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ. 23 مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ».
24 أَمَّا تُومَا، أَحَدُ الاثْنَيْ عَشَرَ، الَّذِي يُقَالُ لَهُ التَّوْأَمُ، فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ حِينَ جَاءَ يَسُوعُ. 25 فَقَالَ لَهُ التَّلاَمِيذُ الآخَرُونَ:«قَدْ رَأَيْنَا الرَّبَّ!». فَقَالَ لَهُمْ:«إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ، لاَ أُومِنْ».
26 وَبَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ كَانَ تَلاَمِيذُهُ أَيْضاً دَاخِلاً وَتُومَا مَعَهُمْ. فَجَاءَ يَسُوعُ وَالأَبْوَابُ مُغَلَّقَةٌ، وَوَقَفَ فِي الْوَسْطِ وَقَالَ:«سَلاَمٌ لَكُمْ!». 27 ثُمَّ قَالَ لِتُومَا:«هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِناً». 28 أَجَابَ تُومَا وَقَالَ لَهُ:«رَبِّي وَإِلهِي!». 29 قَالَ لَهُ يَسُوعُ:«لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا».
30 وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هذَا الْكِتَابِ. 31 وَأَمَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ.

 

الشرح عن نشرة رعيتي:

أن يكون الأحد الذي يلي الفصح مباشرة مخصصا لحادثة الظهور لتوما الرسول الواردة في نهاية إنجيل يوحنا، وقضية الإيمان، مستوحى من لاهوت هذا الإنجيل. التأكيد هو على أن القيامة حقيقة، وان ذاك الذي قام هو نفسه الذي سمعناه، ورأيناه بعيوننا، وشاهدناه، ولمسته أيدينا.

دارسو إنجيل يوحنا يميلون إلى القول انه كُتِب إلى جماعة مسيحية، ربما في مدينة أفسس، تُواجِه أزمة في الإيمان بيسوع المسيح، وينزع أعضاؤها إلى الانفصال عنها، وحجتهم أنهم لم يروا بأعينهم يسوع، ولا ما صنعه، ولا انه قام من بين الأموات. يورد يوحنا الرسول هذه الرواية حتى يُظهر أن العيان إنما هو غير ضروري للإيمان بيسوع المسيح بل يكفي سماع ُ كلمة الذين رأوه ولمسوه بأيديهم. وها توما يمثّل في هذا الإنجيل الأعضاء المهدّدين بترك جماعة المؤمنين التي يتوجه إليها يوحنا.

كان التلاميذ مجتمعين “عشية ذلك اليوم وهو أول الأسبوع” أي احد القيامة مساء . كانوا عشرة فقط لان توما كان غائبا ويهوذا قد شنق نفسه. الأبواب مغلقة خوفا من اليهود. خاف الرسل أن يأتي الجند ويعتقلوهم ويُحاكموا ويُعدموا مثل المعلم. إلا أن الدافع الأساسي لدى يوحنا لذكر هذا هو الإشارة إلى قدرة يسوع القائم أن يعبر، بجسده المعبأ بقوة القيامة.

 فجأة ظهر يسوع نفسه بينهم وقال لهم: السلام لكم. ليس هذا مجرد تحية. يسوع القائم من بين الأموات يحمل السلام إلى تلاميذه ومنهم إلى العالم اجمع. السلام هذا يختلف عن أي سلام أرضي يتفاوض عليه البشر. هو السلام الذي نرجوه عندما نطلب في كل صلاة “السلام الذي من العلى”. هو السلام الذي قال عنه يسوع في سياق كلامه عن موعد الروح القدس “سلاما اترك لكم وسلامي أعطيكم، لا كما يعطيه العالم أعطيكم” (يوحنا 14 :27). أعطى يسوع سلامه للتلاميذ كلما ظهر لهم وللمرأتين قرب القبر (متى 28 :9). السلام لا يكون إلا بيسوع المسيح فمنذ الميلاد أُعلن السلام لكل المسكونة “قلت لكم هذا كله ليكون لكم سلام بي” (يوحنا 16 :33). “المسيح هو سلامنا” (أفسس 2 :14). عرف بولس الرسول هذا السلام، “سلام الله الذي يفوق كل إدراك يحفظ قلوبكم وعقولكم في المسيح يسوع” (فيليبي 4 :7). “بدمه على الصليب حقق السلام” (كولوسي 1 :20).

خافوا أولاً لأنهم ظنوا أنهم يرون شبحا. لكن يسوع كلمهم: “ما بالكم مضطربين ولماذا ثارت الشكوك في نفوسكم؟ انظروا إلى يديَّ ورجليَّ. أنا هو المسوني وتحققوا. الشبح لا يكون له لحم وعظم كما ترون لي” (لوقا 24 :39). وأراهم يديه وجنبه” (يوحنا 20 :20) اليدين اللتين تحملان آثار المسامير ويده أثر الحربة. ففرح التلاميذ عندما شاهدوا الرب. فرح كامل لا شك فيه، فرح القيامة الذي نفرح به نحن أيضاً ليلة الفصح عندما نحمل الشموع المضاءة في الظلام ونقف خارج الكنيسة نستمع إلى إنجيل السحر يبشرنا بالقيامة ثم نرتل كلنا “المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور”.

الفرح، مثل السلام، من ثمار الروح من علامات ملكوت الله “فما ملكوت الله طعام وشراب بل عدل وسلام وفرح في الروح القدس” (رومية 14 :17). “كان التلاميذ في أنطاكية ممتلئين من الفرح ومن الروح القدس” (أعمال 13 :52). في إنجيل يوحنا الإصحاح 51 بعد أن كلمهم يسوع انه الكرمة ومن ثبت فيه وفي محبته يكون من أغصان الكرمة، وقبل ان يعطي الوصية العظمى أي المحبة قال:”قلت لكم هذا ليدوم فرحي فيكم فيكون فرحكم كاملا”.

ثم أعطى يسوع تلاميذه مهمة “كما أرسلني الآب كذلك أنا أرسلكم”. بهذه الكلمات يكلّف يسوع تلاميذه بالذهاب إلى العالم ونقلِ كلمةِ الله وخبر القيامة. هم مرسَلوه تماما كما انه هو مرسَل الآب. على هذا يركز القديس يوحنا في إنجيله كله. ” نفخ فيهم وقال لهم خُذوا الروح القدس”:كما عَمِلَ يسوع بقوة الروح (انظر قول المعمدان: ان قد رأيتُ الروح نازلاً مثل حمامة من السماء، واستقرّ عليه)، فهو يمنحُ الآن الذين أرسلهم قوة الروح عينه لكي يبشروا به. عبارة”نفخ” توحي بمطلع كتاب التكوين “حيث جبلَ ا لرب الإله آدم ترابا، ونفخ في انفه نسمة حياة”. يتكلم يوحنا عن تكليف الرسل، رمزيا، كخليقة جديدة – بداية جديدة لعالم جديد. جدير بالذكر انه يبدأ إنجيله بالكلام عن الخليقة الأولى(انظر أيضاً إنجيل يوحنا 1: 1-17)، وينهيه بالإشارة إلى الخليقة الجديدة التي صارت بآلام يسوع وموته وقيامته.

“من غفرتم خطاياهم تُغفر لهم، ومن أمسكتم خطاياهم أُمسكت”. من وظائف الروح القدس دينونة العالم،إما بمغفرة الخطايا أو بإدانة من لا يقبلون يسوع أو يؤمنون به.حَمَلُ الله الرافع خطايا العالم(انظر يوحنا1 29، 36)يمنحُ تلاميذه قوة الروح القدس وسلطان غفران الخطايا أو إمساكها. يرد هذا في المقطع الإنجيلي بعد قوله “كما أرسلني الآب، كذلك أنا أرسلكم” مباشرة، الأمر الذي يوحي بالآتي: أولا، إن على التلاميذ ان يتابعوا عمل يسوع، أي رفع خطايا العالم. ثانيا، يصير هذا بالروح القدس وبالمعمودية. ثالثا، إن الخطيئة التي أُرسل يسوع، والآن التلاميذ ” ليرفعوها” هي خطيئة عدم الإيمان بيسوع. هذا يؤكده الإنجيل بكامله، وخصوصا قوله “إن من يؤمن بيسوع يَخْلُص، ومن لا يؤمن به يُدان”. دينونتكَ، بحسب إنجيل يوحنا، مبنيّة على موقفك من يسوع. خطيئتك تكمن في رفضك إياه. انطلاقا من هنا، ومن أن الإيمان أساسي في إنجيل يوحنا، يبدو أن التفسير الأفضل لتلك السلطة المعطاة للرسل هو أنها سلطةُ السماح بالمعمودية لمن يؤمن بالإنجيل، أو إحجامها عَمنّ يرفض أن يؤمن به. أن هذه السلطة ممدودة إلى ما بعد المعمودية واضح من خلفية الإنجيل التي تمّت الإشارة إليها في مطلع هذا الإيضاح. الارتداد عن الإيمان أيضاً خطيئة والرسل قادرون على منع هذا. كلامهم هو المقياس.

يقول الإنجيلي يوحنا أن توما، الذي يُقال له “التوأم”، أحد الاثني عشر كان غائبا ولما أخبره التلاميذ ان قد رأينا الرب لم يصدق واشترط أن يرى أثار المسامير ويضع إصبعه مكان الجراح. يستخدم يوحنا هذه الرواية كمثلٍ ملموس على الشك الذي أظهره بعض تلاميذ يسوع في قيامته، يظهره الآن أعضاء من جماعته.” إن لم أعاينْ اثر المسامير في يديه…”: لن يرضى توما بشهادة الآخرين بل بالمعاينة الحسّية التي تؤكد له أن يسوع القائم هو نفسه يسوع المصلوب.”ثم قال لتوما: هاتِ إصبعك إلى ههنا وعاين يدي”، ليس ثمة دليل على أن توما لمس جسد السيد. حضور يسوع كان كافيا ليبدّد شكوكه في حقيقة القيامة. ” فأجابه توما: ربي والهي”، أول مرة نسمع احد التلاميذ يدعو يسوع “الهي”، هذه الكلمات هي ترجمة عبارة “يهوه الوهيم” (الرب الإله) الواردة في العهد القديم. شهادة توما حجة على قيامة يسوع، ورفض لنفي الغنوصيين حقيقةَ هذه القيامة. والأرجح أن يوحنا يستعمل هذه الرواية ليصوّر لقرائه في العقد العاشر من القرن الأول أهمية الإيمان بيسوع، سواء أأتي هذا الإيمان بالعيان أو بسمع كلمة الإنجيل. هذا يتأكد في القول التالي:” ألأنك رأيتني يا توما آمنت؟ طوبى للذين لم يروا وآمنوا “.الإيمان أن نعترف بيسوع المسيح ربا والها. كل الأجيال بعد الرسل لم يروا يسوع ولم يشاهدوه قائما من بين الأموات وآمنوا. طوبى لمن آمن لما سمع البشارة من الرسل. المطلوب “أن تؤمنوا بان يسوع المسيح ابن الله، تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه” (يوحنا 20 :13). هذه غاية كتابة الإنجيل وغاية كل عمل بشاري.

“وأيات أُخر كثيرة صنع يسوع أمام تلاميذه لم تُكتب في هذا الكتاب”، عبارة “آيات أُخرى” تفترض أن آية القيامة، موضوع الحوار مع توما، ينبغي أن يُفهم كواحدةٍ من آيات كثيرة أتمها يسوع. إلا أنها الآية الأعظم التي تقود إلى الإيمان. يقول يوحنا الرسول في موضع آخر من إنجيله:” فلما قام من الأموات تذكر تلاميذه انه قال هذا فآمنوا بالكتاب، والكلام الذي قاله يسوع”. الآيات المذكورة في هذا الكتاب مهمة وكذلك الآيات غير المذكورة، غير أنها لا تضاهي أهمية القيامة. سامعو يوحنا ينتظرون آيات ليؤمنوا، فلو أرادوا لأخبرهم الكثير منها، غير أنهم إذا لم يؤمنوا بالقيامة فلن يؤمنوا أبداً حتى ولو عاينوا كل ما صنعه يسوع. “وأما هذه فقد كتبت لكي تؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله، ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياةٌ باسمه”: فعل ” تؤمنوا” في اليونانية يعني في هذا الموضوع “لكي تثبتوا في الإيمان”. هذا يؤكد أن الإنجيل موجَّه إلى أناس هم على حافة الإيمان – يهود في المجمع آمنوا بيسوع إلا أنهم يخافون أن يعترفوا به، أو يهود مسيحيون في خطر الجحود خوفا من اضطهاد المجمع. الإيمان بيسوع حياة، فهو ينبوع الحياة والكلمة الخلاقة التي أرسلها الله إليك، والتي، إذا قبلتها، تخلقك من جديد، وتثبت فيك حياة “جديدة أبدية”.

قرأنا خبر ظهور يسوع للتلاميذ من إنجيل يوحنا ومن إنجيل لوقا ولكل إنجيلي طريقته وأسلوبه لكنهما يلتقيان في التركيز على 4 نقاط من جوهر الإيمان:

  • يسوع يعطي السلام
  • يسوع ظهر بالجسد حاملا أثار الآلام
  • يسوع أرسل التلاميذ
  • يسوع وعد بالروح القدس

ظهر يسوع أيضاً عدة مرات بعد القيامة وتقرأ الكنيسة خبر هذه الظهورات في صلاة السحر لأيام الآحاد في 11 مقطعا تسمى إنجيل الايوثينا وكلمة ايوثينا يونانية وتعني الصباح الباكر أو السحر. يقرأ مقطع كل احد وتعاد بعد مضي 11 أحداً. نقرأها الأحد لان كل يوم احد عيد للقيامة وتأكيد أن المسيح قام وانه أرسل الرسل للبشارة بعد حلول الروح القدس عليهم. وكل احد نسمع في السحر تراتيل حول موضوع إنجيل الايوثينا تسمى تراتيل الإرسال.

قياميات – لسيادة المطران جاورجيوس خضر الجزيل الاحترام

……

اليوم عندنا ظهوران للسيد في قراءة واحدة، في القسم الثاني يتراءى السيد للأحد عشر وتوما معهم، ولذلك سمي هذا اليوم أحد توما. والعامة تقول الأحد الجديد لأنه الأول بعد الفصح.

دخل الرب عليهم يوم القيامة والأبواب مغلقة. هذا يدل على أن الشكل الذي اتخذه السيد في انتصاره على الموت كان شكل جسد ممجَّد لا يخضع لناموس الكثافة المادية. هو الجسد عينه الذي صُلب، وهذا أساسي في إيماننا، لأن يسوع لا يتخذ جسدا جديدا. الفصح أدخل إلى جسد الرب صفة المجد التي جعلته نورانيا حرا من محدودية المادة. وما دل على استمرارية هذا الجسد انه أراهم يديه وجنبه.

الأمر الثاني في هذا الظهور الأول جعل رسله جماعة لا تخاف وعليها الروح القدس وبقوته يستمد كل رسول قوة المسيح على الغفران إذ قال لهم: “مَن غفرتم خطاياهم تُغفر لهم ومَن أَمسكتم خطاياهم أُمسكت”. هذه طريقة يوحنا الإنجيلي يقول بها ان الكنيسة يكتمل إنشاؤها وإرسالها بحلول الروح القدس عليها.

لم يكن معهم توما عند هذا اللقاء الأول، فلما أخبروه قال: “إنْ لم أَرَ اثر المسامير في يديه وأضع أصبعي في أثر المسامير وأجعل يدي في جنبه لا أومن”. كان يحق لهذا التلميذ أن يقول هذا أساساً فزملاؤه آمنوا بعد أن أراهم السيد يديه وجنبه. في الأسبوع اللاحق، يوم الأحد، ظهر الرب لهم وتوما معهم. وتنازل الرب لشكه قائلا: هاتِ إصبعك الخ… في الحقيقة كان طلب توما طلبا شرعيا. ولكن كان عليه ان يصدق الرسل. هو كان شاكا برفقائه في الخدمة.

لا يقول الكتاب ان توما لمس جنب السيد ليتأكد. اقتنع بكلام يسوع وقال له: “ربي وإلهي”. هذه أقوى كلمة في الإنجيل كله عن أُلوهية يسوع لأنها وردت بصيغة التعريف المطلق أي انت الرب (ولست فقط ربا) وانت الإله. أمام هذا الاعتراف بربوبية يسوع الكاملة وألوهيته الكاملة لا يبقى مجال لشهود يهوه ان يقولوا ان كلمة رب اذا اطلقها الإنجيل على يسوع لا تعني الربوبية الكاملة ولكنها تعني سيادة ما. مَن عرف اللغة الأصلية التي وُضع فيها الإنجيل يفهم ان هاتين الكلمتين تعنيان ألوهية الإله الواحد الأحد.

واذا جئنا إلى خاتمة هذه التلاوة وقرأنا: “وانما كُتبت هذه لتؤمنوا بأن يسوع المسيح هو ابن الله”، لا يبقى لنا شك كما عند شهود يهوه في ان عبارة ابن الله تدل على أُلوهية يسوع الكاملة لأن هذا الكتاب قبل سطر واحد يسمي يسوع الرب والإله.

ومع ان توما مَرَّ بالشك، الا انه وصل إلى اليقين الذي ليس بعده يقين. واذا كان من فرق بين الشهود في عالم القضاء، فتأتي شهادة توما قوية، كاملة القوة.

الأحد 21 نيسان 1996 / العدد 16
الأحد 25 نيسان 1993 / العدد 17
الأحد 22 نيسان 2001 / العدد 16

الشرح عن دير ينبوع الحياة:

أيها الإخوة المحبوبون بالرب إن قيامة ربنا يسوع المسيح من بين الأموات هي برهان دامغ وحجة قاطعة أقوى من كل برهان آخر على انهُ هو ابن الله ومخلص العالم بأسره. ولا يخفى ان اليهود الذين هم أعداء المسيح الالداء يحرّفون النبوّات التي وردت عنه موفقين مغزى بعض منها بجهل وغواية على يشوع بن نون وبعض على سليمان وبعض اخر على اشخاص آخرين. وأما العجائب الباهرة التي اجتُرحت منذ حُبل بالمسيح ان مات ودُفن وقام فيزعمون انها ليست الاّ من أشباه العجائب التي اجترحها موسى وايليا واليشع. وأما قيامة المسيح من الأموات فاذ لم يجدوا حجة يدحضونها بها ولا مثالا يشبهونها به التجأوا إلى النكران زاعمين بغباوتهم الزائدة إنهم يستطيعون أن يخفوها. وعليه فقد دفعوا كمية وافرة من النقود الى الجنود الذين كانوا يحرسون قبرهُ لكي يذيعوا كذباً وبهتاناً ان تلاميذه قد سرقوه . فلأجل هذا إذ شاء رب البرايا بأسرها وسيدها الجزيل الحكمة ان يحقق قيامته من الأموات قد أعطى عليها براهين كثيرة الهية وبشرية اشهرها يتضمنه الفصل الأنجيلي الشريف الذي تُليَ اليوم. فاسمعوها ايها الاخوة الاحباء باصغاء وورع لتكونوا على تمام اليقين بما تعلّمتوه من الحقائق فتصيروا أهلاً للطوبى لانكم لم تعاينوا قيامة الرب بل سمعتم بها فآمنتم

في عشية ذلك اليوم في أحد السبوت والأبواب مغلقة حيث كان التلاميذ مجتمعين خوفاً من اليهود جاءَ يسوع ووقف في الوسط وقال لهم سلامٌ لكم ( يو20: 19)

ان اليهود قد اطلقوا لفظة سبت او سبوت على الأسبوع كله تسميةً لهُ بأقدس أيامهِ. وعليه فقد قال الفريسي “اصوم مرتين في السبت” اي الأسبوع (لو18: 12) فبقول الانجيلي “في احد السبوت” يعني في اليوم الاول من الأسبوع اي يوم الأحد. ففي ذلك اليوم الأحد يوم قيامة المسيح لما كانت العشية اي في اوائل الليل جاءَ الرب يسوع ودخل البيت الذي كان التلاميذ مجتمعين فيه وأبوابه مغلقة لسبب خوفهم من اليهود الذين كانوا يضطهدونهم . انه لدى امعان النظر في هذا القسم من الفصل الانجيلي يتولَّد أمامنا اربعة سؤالات لابدّ من المجاوبة عليها. اولاً لماذا جاء الرب يسوع اوائل الليل . ثايناً لماذا دخل والأبواب مغلقة. ثالثاً لماذا وقف في الوسط. رابعاً لماذا قال سلامٌ لكم. فقد جاء في اوائل الليل لان الرسل خوفاً من اليهود كانوا خصوصاً يجتمعون في منزلهم عن المساء . ومن ثم فقد جاء السيد اليهم مساءً لكي يجدهم جميعاً مجتمعين. وقد دبّر الرب مجيئه على هذا المنوال لسبب آخر سرّي. وبيانه ان الطبيعة البشرية كلها كانت قبل قيامة المخلص ثاوية في ظلام الخطيئة وجالسة في ظلال الموت . وقد تنبّأ داود من أجل انارتها قائلا ” أشرق في الظلمة نور للمستقيمين ” (مز112: 4) وكذلك أشعيا النبي حيث يقول ” الشعب السالك في الظلمة ابصر نوراً عظيماً” (اش9: 2) وأيضا “وحينئذٍ يشرق في الظلمة نورك” (اش58: 10) . وأما زخريا والد يوحنا السابق فقال ” التي بها افتقدنا المَشرق من العَلاءِ ليضيىء للجالسين في الظلمة وظلال الموت” (لو1: 78) . وعليه فقد قام المسيح ليلاً وجاء إلى تلاميذهِ في اوائل الليلة التالية ليلة قيامتهِ لكي يتمّم هذه النبوات التي وردت من أجلهِ مبينّناً انهُ انما ظهر للذين كانوا فيظلمة الخطيئة وأنار الذين كانوا راقدين في ليل الجهالة.

وأما عن السؤال الثاني فنجيب انهُ قد دخل والأبواب مغلقة اولا لئلاّ يطرق الأبواب فينزعج التلاميذ ويذعرهم. ثانياً لكي عندما يشاهد تلاميذهُ تلك الأعجوبة يؤمنوا بقيامتهِ من الأموات. ثالثاً ليعلّمنا انه انما اتى الى اولئك الناس الذين يغلقون بحفظ أبواب بيت نفوسهم اي مشاعر اجسادهم لئلاّ تدخلها الخطيئة. وان قبل كيف قد جاز السيد بتلك الأبواب المغلقة وهو لابس جسداً بشرياً. فالجواب على ذلك انهُ قد فعل هذا كما قد جاز بمستودَع والدتهِ العذراء الكلية القداسة بدون أن يحلَّ عذريَّتها . وكما مشى على البحر ولم يغرق في العمق. وكما اجترح من العجاب الباهرة مالا يحصرهُ عد. اعني بقوى لاهوتهِ القادرة على كل شيء، وقد وقف في الوسط ليراهُ جميع الحاضرين بلا مانع ويعاينوا يديهِ وجنبهُ. ولكي يبيّن انهُ يحب الجميع على السواءِ ويعتني بالجميع كذلك ويريد خلاص الجميع. وقد قال لهم “سلامٌ لكم” لأنه انما جاء الى العالم ليتمم عمل السلام . فقد نقض حائط السياج المتوسّط وجمع المتفرقات وصالح الانسان مع الله كما صرًّح بذلك بولس الرسول قائلاً “لأنه هو سلامنا الذي جعل الاثنين واحداً ونقض حائظ السياج المتوسط ” (اف2: 14) وعليه فكما انهُ عندما وُلد في العالم كانت الملائكة ترتّل هاتفة ” المجد لله في الاعالي وعلى الارض السلام وفي الناس المسرّة ” (لو 2: 15) هكذا وعندما كان مزمعاً ان يبارح العالم كان يقول “سلاماً أترك لكم” (يو14: 27) كذلك ولما قام من الأموات قال لتلاميذهِ “سلامٌ لكم”

ولما قال هذا اراهم يديه وجنبه. ففرح التلاميذ اذ رأوا الرب ( يو20:20)

انه عزَّ وجلّ قد أراهم يديه لكي يعاينوا آثار المسامير. وأراهم جنبهُ ليعرفوا طعنة الحربة وبذلك يتحققوا أن هذا الواقف في وسطهم والمُشاهد منهم هو نفسه الذي تألَّم وبُجِّن على الصليب وطُعن بحربة. ولذلك سبب آخر روحي وهو أنه قد أراهم يديه لأنهما آلة الابداع واراهم جنبه لانهُ ينبوع الخلاص. فكانهُ قال لهم بلسان الحال انظروا ايها التلاميذ هاتين اليدين المجبَّنتين بالمسامير. فهاتان هما اللتان جبلتا الانسان. وانظروا هذا الجنب المجروح فانه هو الذي سال منه الدم والماءُ العلاجان الخلاصيان للجبلة البشرية. ان يدي آدم مُدِّتا للاكل من الثمر الذي نُهي عنه. وهاتان اليدان قد بسطتا على عود الصليب. والمرأة التي خُلقت من جنب آدم قد خُدعت من الحية فانجرحت بنبل الخطيئة . وهذا الجنب الذي طعن بحربة قد ابرأها من جراح الخطيئة . هذا وان التلاميذ عندما رأوا الرب وعرفوهُ طفحت قلوبهم فرحاً كما كان قد سبق يسوع فقال لهم في وقت آلامه الخلاصية “ولكني ساراكم أيضاً فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم ” (يو16: 22)

فقال لهم يسوع أيضاً سلامٌ لكم كما أرسلني الآب كذلك انا أرسلكم (يو20: 21)

ان الرب يسوع قد أعطى سلامهُ لتلاميذهِ مرتين قبل الالام بقولهِ ” سلاماً اترك لكم. سلامي أعطيكم” (يو14: 27) . ومرتين أيضاً بعد القيامة بقولهِ ” سلامٌ لكم وأيضاً سلامٌ لكم” ذلك لان الانسان ذو طبيعتين أعني انه مركّب من نفس وجسد. ولا مراءَ أن الانزعاج والاضطرابات كما تنتاب الجسم تُلِمُّ بالنفس أيضاً. فرئيس السلام قد أعطى السلام للنفس والجسد معاً وان لذلك سبباً آخر أيضاً وهو أننا كثيراً ما نكون عائشين بالسلام مع الناس الاخرين. ولكننا نكون في حرب مع أنفسنا . وتتولَّد هذه الحرب عن أهوائنا وشهواتنا. فربنا لهُ المجد قد كرَّر اعطاء السلام لكي كل من يؤمن به يكون بسلام مع سائر الناس ومع نفسه ايضاً وجسده وضميره.

ثم أنه عزَّ وجلّ بعد ان قلّد تلاميذه بسلاح السلام القوي ضد كل مقاومة أرسلهم الى الكرازة في كل العالم قائلا ” كما أرسلني الاب كذلك انا أرسلكم”

ولعمر الحق إن الوظيفة الرسولية هي جليلة ومجيدة والهية وسماوية. لأنه كما ان الاب للكائن قبل كل الدهور قد أرسل ابنه الوحيد الى العالم . هكذا وابنه الوحيد الإله القدوس قد أرسل تلاميذه الى المسكونة بأسرها. وقد أ{سل الاب ابنه بكل سلطان وقوة كما شهد بذلك الابن نفسهُ قائلاً “كل شيء قد دُفع لي من ابي ” (مت11: 27) وكذلك الرسل المتوشحين بالله قد أُرسلوا بقوَّة وسلطان فكانوا يشفون المرضى ويطردون الشياطين ويقيمون الموتى ويجترحون معجزات باهرة. وبتعليمهم قد أخضعوا العالم باسره قال السيد له المجد “كما أرسلني الا كذلك انا أرسلكم ” . ما أعظم هذه الموهبة وما أكرم هذه الوظيفة وأشرفها. فإن ربنا يسوع المسيح ابن الله الوحيد قد أُرسل من لله والرسل القديسون ايضاً أُرسلوا من الله . وقد بيَّن لنا أشعيا النبي المقاصد التي لاجلها قد أرسل الاب ابنه فقال ” لابشّر للمساكين أرسلني لاشفي منكسري القلب لانادي للمسبيين بالعتق و للعميان باعادة البصر وأطلق المهشَّمين الى الخلاص لادعو بسَنةٍ للرب مقبولة وبيوم مكافاة لاعزّي كل النائحين” (اش61: 1و2) . وقال يوحنا البشير ايضاُ ” لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلُص به العالم” (يو3: 17) . وأوضح انه لهذه الغاية نفسها قد أُرسل الرسل. والايات والعجائب التي كانوا يجترحونها كانت تؤيد كونهم مُرسلين لذلك اي ليكرزوا ببشائر الخلاص ويردوا العالم من الضلالة ويخوّلوا البشر مغفرة الخطايا. وبما ان قوَّة الروح الكلي قدسهُ وحدها لها ان تحلّ رباطات الخطايا لذلك اردف البشير ماسبق ايرادهُ بأقوال المخلص الآتية:

ولما قال هذا نفخ وقال لهم خذوا الروح القدس. من غفرتم خطاياهم تُغفر لهم ومن أمسكتموها عليهم أُمسكت (يو 20: 22 و23)

انه بقوله ” الروح القدس” يعني نعمة وقوة الروح الكلي قدسُه. ويؤيد ذلك قول الانجيلي نفسهِ في موضع آخر ” الكلام الذي اكلمكم به هو روح” (يو6: 63) . وقد اراد بذلك ان لكلامه المذكور نعمة وقوة روحية . وان قيل أية نعمة اخذ الرسل .قلت انهم قد اخذوا سلطان حل وربط الخطايا . وقد وعد المخلص بطرس اولاً بهذه النعمة قائلاً لهُ ” وسأعطيك مفاتيح ملكوت السموات. وكل ما تربطهُ على الارض يكون مربوطاً في السماوات . وكل ما تحلهُ على الارض يكون محلولا في السموات ” (مت16: 9) ثم وعد بها سائر التلاميذ ايضاً بقوله “كل ما تربطونه على الارض يكون مربوطاً في السماء . وكل ما تحلونه على الارض يكون محلولا في السماء” (مت18:18) فهذه النعمة الموعود بها قد أعطاها الرب بعد قيامته لجميع التلاميذ على السواء بقوله لهم “خذوا الروح القدس الخ” . وبواسطة الرسل قد أُعطت لكل من خلفائهم الحقيقيين رؤساء الكهنة الارثوذكسين . وقد أشار الى هذا السلطان المُضاعف بولس المتفوّه بالالهيات في رسالته الى اهل كورنثوس قائلاً “حكمت باسم ربنا يسوع المسيح اذ انتم وروحي مجتمعون مع قوة ربنا يسوع المسيح ان يُسلَّم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد ” فمن هذه الاية يظهر سلطان الربط . ثم يقول بعد ذلك ” لكي تخلص الروح في يوم الرب يسوع” مبينا ًقوة حل الخطايا (1كور5: 4و5).

فيا لها من نعمةٍ عظمى وأكرم بها من موهبةٍ سماوية وخلاصية حصل عليها الجنس البشري. وقد نفخ السيد اولا ثم بعد ذلك اعطى النعمة. لأنه بالنفخة الالهية اخذ الانسان النفس كما قال الكتاب ” ونفخ في وجهه نسمة حيوة فصار الانسان نفساً حيَّة ” ( تك 2: 7) . ولما كانت نفس الانسان قد ماتت لاجل الخطيئة بحسب أحكام العدل الالهي . لان الله قد قال لجدينا الاوَّلين “في أي يوم تأكلان منها ( أي من شجرة معرفة الخير والشر ) موتاً تموتان” (تك2: 17) . فقد نفخ واهب الحيوة في وجوه تلاميذه ليجدد حياة نفس الانسان المائتة ويجعلها قابلة لنعمة الروح الكلي قدسهُ. ولكي يبيّن انهُ هو نفسهُ الخالق الذي نفخ في وجه الانسان وأعطاه نسمة وحيوة . ويوضح ان ذلك الذي خلق الانسان قبلاً هو نفسهُ يعيد الآن إبداع النفس البشرية.

فأما توما احد الاثني عشر الذي يقال له التوأم فلم يكن معهم حين جاء يسوع (يو20 :24)

إن الرب يسوع المسيح قد أقام اثني عشر رسولاً (مر3: 14) غير ان احدهم يهوذا الاسخريوطي بعد تسليمه معلمهُ سقط من الرتبة الرسولية . ولذا فلما قام المسيح من بين الأموات كان عدد الرسل احد عشر فقط . على ان البشير قال واحد من الاثني عشر ولم يقل من الأحد عشر ذلك لأنه اراد أن يذكر عدد الرسل الاصلي الذي ارجعه الرسل الى أصله بانتخابهم متياس عوضاً عن يهوذا وقد قال ” الذي يقال له ” بدلا من الذي يُفسّر ” لان توما اسم كلداني مشتق من ثَيُوْم بالعبراني الذي تفسيره التوأم. وحقاً ان يوحنا البشير المعلم المُلهَم من الله أصاب بتفسيره هذه اللفظة . لأنه أراد ان يعملنا ان ذات اسم الرسول اي توما يدل على انه كان كثير الشك وعسرٌ اقناعهُ. وان قيل لماذا لم يكن تومااللاميذ حين جاء يسوع . قلت ان ذلك قد كان بتدبير الهي لاجل زيادة تأكيد قيامة المسيح. ولايخفى ان البشير لم يذكر المكان الذي كان توما فيهِ قبلاً. ولكن بما انه في وقت الالام الخلاصية قد هرب جميع التلاميذ وتبددّوا فمن المرجَّح انه عندما انفصل حينئذٍ عن التلاميذ قد بقي الى وقت اجتماعه بهم ماكثاُ في المكان الذي اختفى به . على ان غياب توما يولَّد امامنا مشكلاً آخر وهو كيف قد اشترك هذا التلميذ بنعمة الروح القدس على حين لم يكن مع التلاميذ الاخرين لما نفخ فيهم الرب قائلاً “خذوا الروح القدس” . فهذا المشكل يزول بمراجعة الامور المذكورة في الكتاب المقدس . والتي كانت رمزاً ورسماً لهذه لهذا الحادث . فان الكتاب يقول ان موسى قد انتخب بأمر الله سبعين شيخاً وكتب اسماءَهم لكي يأخذوا نعمة من الله . وكان جميع هؤلاء الشيوخ ينتظرون النعمة واقفين حول الخيمة ماعدا اثنين منهم وهما الداد وموداد اللذان لم يأتيا إلى الخيمة بل بقيا في المحلة. فنزل الله في سحابة الى الخيمة . وأعطى النعمة ليس فقط للثمانية والستين شيخاً الحاضرين في الخيمة بل وللإثنين الغائبين الداد وموداد . وعلى هذا المنوال أخذ النعمة ذاتها الحاضرون والغائبان على السواء. وقد أستقرَّ الروح على الثمانية والستين الذين كاوا في الخيمة وعلى الاثنين اللذين كانا في المحلة وكلٌّ من الفريقين طفق يتنبأ . أما الفريق الاول فلأنه كان حاضراً . وأما الاخر فلأنه كان منتخَباً ومكتوباً . قال الكتاب الالهي ” وبقي رجلان في المحلة اسم الواحد الداد واسم الثاني موداد فحل عليهما الروح . وهذان كانا من المكتوبين ولم يأتيا الى الخيمة فتنبأ في المحلة ” (عد 11: 26) ومن المعلوم ان امور العهد القديم هي رسم لامور العهد الجديد فنقول ان النعمة التي أُعطيت حينئذٍ للسبعين شيخاً كانت تدل على الموهبة الروحية التي اخذها فيما بعد الرسل القديسون كا شهد بذلك موسى العظيم نفسه بقوله ” ياليت كل شعب الرب انبياء متى جعل روحه عليهم ” (عد 11: 29) . فكما انه هناك قد استحق الداد وموداد الموهبة والنعمة على حين كانا غائبين هكذا وهنا أيضاً قد أخذ توما سلطان الحل والربط مع أنه كان غائباً .فالداد وموداد قد أخذا الموهبة لان موسى قد أحصاهما في عداد السبعين شيخاً . وكذلك توما أُعطيت له نعمةالروح القدس لان المسيح قد أحصاه في عداد الاثني عشر رسولاً . وبما أن توما لم يكن حاضراً لما جاءَ يسوع

فقال له التلاميذ الاخرون قد رأينا الرب . فقال لهم إن لم أرَ في يديه أثر المسامير وأضع إصبعي في اثر المسامير وأضع يدي في جنبه لست أومن (يو20: 25 )

الظاهر ان التلاميذ قد اخبروا توما بما جرى اي بأنهم قد رأوا الرب ويديه وجنبه وآثار المسامير فَلِمَ قلة التصديق هذه. لاغرابة في ذلك فان قيامة الأموات هي بالواقع امر عظيم وعسر تصديقه. على ان توما قد عاين ابنة يايروس وابن الارملة ولعازر ذا الاربعة ايام قائمين بقوى المسيح من الأموات فما الموجب لقلة التصديق بهذا المقدار فلعلَّ فرط الحزن الذي شملهُ لعدم استحقاقه ان يرى الرب قد أزعج عقله جداً حتى بلغ به الى هذا الحد من عدم التصديق . فيكون عدم تصديقه قد تولد عن عزة نفسهِ أعني انه اراد ان يرى هو أيضا ما قد رآه التلاميذ الاخرون لئلاّ يُظن بهِ أنهُ أوطى من اخوته في النعمة الرسولية والشان. أو لعل غيرته في الكرازة الانجيلية قد سببّت عدم تصديقه إذ كان يريد ان يرى ويجس لكي تكون كرازتهُ حائزة على تمام الثقة. فيشهد ويكرز للعالم انهُ فضلاً عن كونهِ قد سمع المسيح قد عاينه وجسَّه أيضاً بعد قيامته . وعلى هذا المنوال يؤكد ما كان مزمعاً ان يعلمهُ للعالم بشأن المخلص. كانسان سمع وعاين وشهد . فهذا بلا شك قد كان مقصد رسول المسيح. ولا يخفى ان عدم الايمان هو أمر غير حميد انه في مسئلة توما هذه كانت غاية حميدة . وعليه فمخلصنا المحب البشر الفاحص القلوب والكلى اذ عرف نية توما الكلية القداسة قد تنازل لان يهتم به اهتماماً خصوصياً ليقنعه بقيامته و معهُ يقنع المسكونة جمعاء وعليه فقد قال البشير:

وبعد ثمانية أيام كان تلاميذه ايضاً داخلاً وتوما معهم فجاء يسوع والأبواب مغلقة ووقف في الوسط وقال سلام لكم ( يو 20: 26)

لماذا لم يظهر المسيح ثانيةً على الفور بل بعد ثمانية أيام لكي تكون الرؤية الصائرة أمام توما موافقة تاماً للرؤية الاولى التي لم يحضرها توما. فان الأبواب كانت مغلقة والتلاميذ كانوا مجتمعين والوقفة نفسها في الوسط والتحية بعينها “سلام لكم” هذه كلها قد صارت بتمامها في الرؤيتين . بما أن الرؤية الاولى قد صارت يوم الأحد قد صارت الثانية ايضا يوم الأحد فشابهت احداهما الاخرى . وهكذا لما شاهد توما تمام مشابهة الرؤيتن لم يبقَ لهُ سبب لقلة الايمان فيما بعد. هذ ا وان لهذه الرؤية الصائرة بعد ثمانية أيام معنى آخر أيضاً سريّا فان عدد الثمانية يدل يدل على الدهر الثامن اخر جميع الدهور. وتوما يمثل فريق البشر الذين لم يخضعوا للمسيح بالايمان. والى ذلك أشار الرسول الإلهي بقوله (لأننا ألان لسنا نرى الكل بعد مخضعا له) (عب 8:2) ولكن إلى ذلك الحين سيؤمن الجميع “وتكون رعية واحدة وراعي واحد” (يو10: 16) . وعليه فقد ظهر مخلص العالم ثانيةً بعد ثمانية أيام وقال سلام لكم

ثم قال لتوما هات اصبعك الى هنا وانظر يديَّ. وهات يدك وضعها في جنبي. ولا تكن غير مؤمن بل مؤمناً (يو20: 27)

بالمحبة يسوع المسيح للبشر التي لا تحدَّ . فإنه أجاب توما على ما كان قالهُ للتلاميذ مبيناً بذلك انهُ كإله عارف القلوب وعلاّم الغيوب يعلم بكل ما جرى . ثم دعا توما لان يجسهُ مُظهراً بذلك انه مستعد لان يحتمل كل شيء حتى لاجل خلاص نفس واحدة فقط . وان قيل لماذا لم يسمح الرب لمريم المجدلية ان تلمسهُ . وفي ظهورهِ هذا قد دعا توما لان يجسه. فالجواب ان في ذلك جملة أقوال وهي. أما لان المجدلية قد حداها الى ذلك التطفُّل فقط. أو لأنها قد هجمت عليه بجرأة وبدون تروٍّ. أو لأنها لم تكن مستحقة لان تلسمه لأنها لم تكن بعد مطهرة بنعمة الروح القدس التي حصل عليها المؤمنون بعد صعود المخلص الى ابيه . ولذا فقد قال لها “لاتلمسيني لاني لم أصعد بعد الى أبي” (يو20: 17) وأما توما فيما انه كان يطلب أن يتحقق أمر قيامته من الأموات وقد استحق قبلاً نعمة الروح القدس بالصوت ألسيدي القائل “خذوا الروح القدس ” فقد دعاهُ وحثهُ على ان يجسه إذ قال له ” هات إصبعك إلى هنا وانظر يديَّ وهات يدك وضعها في جنبي ” فالإله المحب البشر اولاً اقنع توما بالبرهان الذي طلبهُ ثم نصحهُ قائلاً “لاتكن غير مؤمن بل مؤمنا”

أجاب توما وقال له ربي والهي ( يو20: 28)

إن توما البطيء في الايمان قد أسرع في الاعتراف . ولكن انظر دقة هذا الاعتراف وكمالهُ العظيمين ومشابهتهُ مشابهة كلية لاعتراف بطرس . فان بطرس قال للمسيح “انت هو المسيح ابن الله الحي” (مت16:16) وتوما قال لهُ “ربي والهي” فكلاهما اذاعا كارزين بناسوت المسيح ولاهوته . كلاهما اعترفا بطبيعتهِ وبوحدانية اقنومهِ. أما الطبيعة الإنسانية فاعترف بها بطرس بقولهِ ” انت هو المسيح” وتوما بقوله “ربي” . وأما الطبيعة اللاهوت فكرز بها بطرس بقوله “ابن الله الحي” وتوما بقوله “الهي” . وأما وحدانية الاقنوم فقد أعترفا بها كلاهما بجمعهما الطبيعتين معاً . أما بطرس فبقوله “انت هو المسيح ابن الله الحي” وأما توما فبقوله ” ربي والهي” معترفين وكارزين باتفاق ان المسيح نفسه هواله وانسان معاً. وبما ان المسيح قد أظهر عناية عظمى في إقناع توما تعطّف بان يوصّل احسان عنايتهِ الالهية الى جيع الذين لم يروا ولا جسّوا ومع ذلك آمنوا بقيامته من الأموات. وعليه فقد قال البشير:

قال له يسوع لانك رأيتني آمنت طوبي للذين لم يروا و آمنوا ( يو 20: 29 )

كأنه يقول له انت يا توما آمنت لانك رأيتني فاني قد حضرت بذاتي قدامك وأريتك يديَّ وجنبي . وهكذا قد رأيت وجسستُ فآمنت ولابدع فان الذين ينظرون ويجسّون تلزمهم حواسهم ان يؤمنوا . وأما اولئك الذين لا يرون ولا يجسُّون بل بمجرَّد سماعهم للكرازة الانجيلة يؤمنون مقتبلين الايمان عن غير إلزام فهم مطوَّبون بل مثلثوا الطوبى . ولكن الا يستحق هذه الطوبى توما وسائر الرسل الالهيين الذين رأوا وآمنوا . فإنهم قد رأوا الرب داخلاً البيت الذي كانوا مجتمعين فيه وأبوابه مغلقة. ومن خوفهم لم يؤمنوا بانهم انما يرون الرب القائم من الأموات . بل ظنوا انهم يرون روحاً كما قال البشير “فجزعوا وخافوا وظنوا انهم ينظرون روحاً” (لو24: 36) وهم أيضاً قد استدعاهم الرب لكي ينظروا يديه ورجليه اذ قال لهم ” انظروا يديَّ ورجلي فإن الروح ليس لهُ لحم وعظام كما ترون لي” (لو 24: 39و40) ولما قال هذا أراهم يديه ورجليه أفلاجل ذلك هم غير مطوَّبين. حاشا . لان السيد بقوله “طوبى للذين لم يروني وآمنوا” لم يخرج من دائرة هذا التطويب اولئك الذين رأوه وآمنوا حتى ولاقال ان اولئك هم أكثر غبطة من هؤلاء . وبما أنه قبل قيامته من الأموات قد جعل الرسل ممّن لهم الطوبى لأنهم رأوه وشاهدوا عجائبه فقال “طوبى لعيونكم لأنها تبصر ولآذانكم لأنها تسمع لاني الحق أقول لكم ان انبياء وابراراً كثيرين اشتهوا ان يروا ما انتم ترون ولم يروا. وان يسمعوا ما انتم تسمعون ولم يسمعوا” (مت13: 16و17) فلئلا نظن ان اولئك فقط الذين رأوه وأمنوا هم المطوّبون ولكي يحقق لجميع البشر الذين فيما بعد لا يرونه ويؤمنون انهم أهل للطوبى ذاتها قال “طوبى للذين لم يروا وآمنوا ” . وان قيل كيف ظهرت آثار المسامير والحربة في جسد الرب العديم الفساد . وكيف جس توماالجسد المنزه عن البلى . فنجيب ان ذلك قد كان بتنازل الهي وقوى الهية . إذ اراد المخلص بذلك ان يؤكد قيامته من الأموات وكما ان الملائكة عندما صعد الرب من الارض رأوا ثيابه مصبوغة بالدم فصرخوا قائلين “لماذا ثيابك حمراء وملابسك كدائس معصرة” (اش 63: 2) هكذا و الرسل قد رأوا آثار المسامير والحربة وتوما جس الجنب الطاهر ولعل ما تنبّأ به داود النبي والملك يقصد بهِ هذا الجس وذلك عندما قال “التمست الله. ويدي بالليل قدامهُ بسطت ولم أضلّ” (مز 76: 2) . وبما أن هذه الامور جميعها قد صارت بفعل قوة الله القادرة على كل شيء لاأجل هذا يحصيها البشير بإلهام الهي في عداد الآيات والعجائب الأُخر قائلاً:

وآيات أُخَر كثيرة صنع يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب (يو20: 30)

إن البشير يعني بالايات الاعمال المستغربة وغير الطبيعية اي المعجزات والعجائب . ولكن عن أيّة الايات يتكلم البشير هنا. أَعن الايات التي صارت قبل قيامة ربنا يسوع المسيح او عن تلك التي صارت بعدها. يُرجّح أنهُ يعني هنا الايات التي صارت بعد القيامة . لان العجائب التي قبل القيامة قد اجترحها المسيح ليس فقط امام التلاميذ بل وقدام أُناس غيرهم كثيرين. وما هي الايات التي لم تُكتَب في هذا الكتاب اي في انجيله . ربما عنى بذلك تلك التي ضرب هو عنها صفحاً لان الانجيليين الاخرين قد ذكروها قبلهُ . فإنهُ اما متّى فقد ذكر الزلزلة العظيمة والملاك اللامع كالبرق الذي دحرج الحجر عن باب القبر. وأما لوقا فقد ذكر مرافقة السيد للتلميذين المنطلقَين الى عمواص ومحادثتهُ معهما. وإبان انهُ أولاً مسك أعينهما عن معرفته ثم فيما بعد غاب عنهما . وأنه أيضاً قد فتح عقول الرسل لفهم وإدراك الكتب الالهية . وإنه صعد الى السماء أمام أعينهم . فهذه جميعها قد سكت عنها يوحنا البشير. أو انهُ أراد بالآيات الأُخَر الكثيرة تلك التي لم يكتب عنها ولا واحد من البشيرين. لان عجائب المسيح المخلص لا تُعَد ولا تُحصى كما أوضح ذلك يوحنا البشير نفسهُ في موضع آخر بهذه الأقوال “وأشياء أخرى كثيرة صنعها يسوع لو كُتبت واحدة فواحدة فلست أظن ان العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة” ثم أنه لي يبين لماذا كتب هذه الايات قال:

وأما هذه فقد كُتبت لكي تؤمنوا ان يسوع هو المسيح ابن الله. ولكي تكون لكم اذا آمنتم حيوة باسمه (يو 20: 31)

يقول ان هذه الايات قد كُتبت لكي نؤمن ان يسوع هو المسيح ابن الله. فانظروا صلاح الله الذي لا يُحَد فإنه يطلب أن نؤمن لا لأجل منفعة خاصة بهِ. أو لربح يجتنيه من ذلك . اذ انه غير محتاج البتة إلى خيراتنا (مز15: 2) بل لكي نحن متى آمنا نكسب الحيوة الأبدية المثلثة الغبطة . وماذا يعني البشير بقوله “باسمه” . ان اسم المسيح هو يسوع ومعناه في اللغة العبرانية مخلص .فيكون معنى “باسمه” اننا مخلَّصون بهِ.

أحــد القديس توما الرسول – التجديدات 04/05/2008

الشرح عن نشرة مطرانية اللاذقية:

لم يكن توما المسمى بالتوأم – مع الرسل الآخرين عندما ظهر لهم يسوع عشية أحد الفصح، ولذا لم يصدق قول التلاميذ : “قد رأينا الرب”. ولكن بعد أيام ثمانية أتى يسوع، أتى والأبواب مغلقة ووقف في وسط التلاميذ مسلّماً. ثم دعا توما ليتحقق من واقع القيامة.

والحادثة المذكورة في المقطع الإنجيلي الذي تلقي ضوءاً باهراً على عقيدة الفصح، وبصورة عامة على عقيدتنا بالمسيح.

وعلى كل فهذه الحادثة تضم تعليماً ذا صلة بنفس طبيعة العقيدة. وهنالك فكرة شعبية –غير منصفة – تجمع بصورة خاصة بين اسم توما وبين الشك والجحود بالرغم من أن توما لم يكن الجاحد الوحيد من بين الرسل. فجميع الرسل – عدا واحداً – وحتى مريم المجدلية، لم يؤمنوا بقيامة يسوع قبل أن يروه. فهؤلاء جميعهم، ولي س توما وحده، كانوا مقصودين بجملة السيد : “لا تكن غير مؤمن بل مؤمناً ..”

ولو كان توما عشية الفصح موجوداً مع بقية الرسل ورأى يسوع لآمن بالتأكيد. ولكن ماذا يعني يسوع بتوجيهه هذه الكلمات لتوما؟: “لأنك رأيتني آمنت، طوبى للذين آمنوا ولم يروا ” (يو 29:20). وهل العقيد ة قرار اعتباطي تتخذه الإرادة ووثبة في الظلام؟

سيتضح لنا معنى كلام السيد جلياً إذا ما أ خذنا بعين الاعتبار حالة يوحنا، الرسول الوحيد الذي آمن بدون أن يرى السيد.

لقد دخل يوحنا القبر الخاوي “فرأى وآمن ” (يو 8:20 ) ولكن ماذا رأى؟ إنه لم يرَ يسوع نفسه بل آثار دفنه “الربط، الكفن، المكان، وكلها تؤلف مجموعة من العلامات مرتبة كونت لتوما دوافع للإيمان بأن الموت لم يحتفظ بيسوع أسيراً. أما كيف كونت هذه العلامات دوافع مثل هذه فسر لا ندعي هتك حجابه.

ولكن هذه العلامات لم تكن كافية بنفسها للحصول على الإيمان، فكانت النعمة وكان عمل الروح القدس متممين للنقص في العلامات لأن قلبه كان مهيئاً ومنفتحاً للمداخلة الإلهية. وهذا لم يكن حال توما والرسل الآخرين الذين لم يكونوا مستعدين لفهم العلامات في ضوء الله. وطوبى للذين يتمكَّنون من التعرف إلى آثاره ويقتف ون أثره – بدون أن يروه نفسه – ويؤمنون بقلوبهمم بعد أن يقدموها لله ويهيئوها لتستسلم للتأثر بالنعمة المنيرة.

الأحد 12 / 5 / 2002

arArabic
انتقل إلى أعلى