نصف الخمسين – حكمة الله

نصف الخمسين

نصف الخمسينالمسيح، كونه كان يهودياً ولأنّه هو مَن أعطى الناموس في العهد القديم، فقد حفظ الناموس الذي أعطاه. إذاً، لقد احتفل أيضاً بعيد المظال كما وبالفصح. هذا كان أيضاً في إطار إفراغ الذات (kenosis) الإلهي. يحفظ الإنجيلي يوحنا حادثة زيارة المسيح للهيكل وما جرى هناك بينه وبين اليهود. لا يمكننا أن نقوم بتحليل مفصّل لهذا، لذا سوف نركّز على النقاط الأكثر أهمية ومعنى. يمكن تقسيم حضور المسيح في العيد إلى أربع مراحل.

  • أولاً، عندما تبع يسوع إخوته، أبناء يوسف أبيه بالرعاية، إلى أورشليم ولكن “لاَ ظَاهِرًا بَلْ كَأَنَّهُ فِي الْخَفَاءِ.” كان اليهود يبحثون عنه ربّما ليتّهموه بعدم حفظ ناموس موسى (يوحنا 10:7-13).
  • ثانياً، لقد جعل حضوره محسوساً في الهيكل معلماً الناس “َلَمَّا كَانَ الْعِيدُ قَدِ انْتَصَفَ” (يوحنا 14:7-36). هذا يعني أنّه فيما كانوا في أورشليم خلال العيد، في منتصف الأيام السبعة، ظهر في الهيكل وعلّم الناس. إن اختياره لهذه الفترة من الزمن مُبَرّر لأنّه، من جهة، أراد أن يظهر غضب اليهود لأنّ عجائبه وتعاليمه أثارت اهتياجاً عظيماً في ما بينهم، ومن جهة أخرى، حتى يسمعوا له بانتباه، لأن عند بداية العيد كان من الطبيعي لهم أن يُحاطوا بالملهِيات (القديس ثيوفيلاكتوس).
  • ثالثاً، عندما أعلن في اليوم الأخير من العيد بأنّه سوف يروي عطش الإنسان وحضّهم على المجيء إليه. في نهاية اليوم الأخير ذهب إلى جبل الزيتون (يوحنا 37:7-53).
  • رابعاً، عندما عاد في صباح اليوم التالي إلى الهيكل. هذا سُميّ باليوم الثامن الذي به ينتهي عيد المظال. في ذلك اليوم أحضر الكتبة الفريسيون الزانيةَ إلى المسيح ليعرفوا ما سيكون موقفه. في ذلك اليوم علّم الشعب، في المقام الأول عن أنّه هو نور العالم وعن الحق الذي يحرر البشر (يوحنا 1:8-59).

تظهر حقيقتان رائعتان من خلال كل هذه المحادثات التي شارك بها المسيح في عيد المظال والتي كانت لاهوتية وزاخرة بالكشف. أولاً، أن المسيح أعلن بشكل ثابت أنّه مساوٍ للآب في الشرف، وأنّ الآب أرسله إلى العالم، وأنّه ابن الله، المسيح-المسيا الذي انتظره اليهود. هذه حقيقة عظيمة من الإعلان. لقد شدّد بوضوح على أنّه مُرسَل من أبيه: “وَمِنْ نَفْسِي لَمْ آتِ، بَلِ الَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ حَقٌ، الَّذِي أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ” (يوحنا 28:7). وفي مكان آخر قال: “أَنَا هُوَ الشَّاهِدُ لِنَفْسِي، وَيَشْهَدُ لِي الآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي” (يوحنا 18:8). وبعد هذه الشهادة يظهر في كل تعليمه أنّه يقدّم المعالم التي لله، كمثل “إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ” (يوحنا 37:7)، و”أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاة” (يوحنا 12:8). ثانياً، تظهر في كل هذه المحادثة ردّات فعل اليهود على أقوال المسيح الإعلانية. إجاباتهم هي دائماً أسئلة. في بعض الأحيان يشككون في ما يقوله، وفي أحيان أخرى يسألون أسئلة ساخرة استناداً إلى ناموس الله. لكن ردة فعلهم كانت إلى حد بعيد وكأنها لضربه وتعميته. فقد قالوا أن فيه شيطاناً: “أَلَسْنَا نَقُولُ حَسَنًا: إِنَّكَ سَامِرِيٌّ وَبِكَ شَيْطَانٌ؟” (يوحنا 48:8). في البداية أرادوا أن يأخذوه ولكن أحداً لم يستطع أن يلمسه لأن ساعته لم تكن قد أتت بعد (يوحنا 30:7). من ثمّ أرسل الكتبة والفريسيون الجند ليوقفوه، لكنهم لم يستطيعوا لأنّهم أُسِروا بأقواله (يوحنا 44:7-46). في النهاية حملوا الحجارة ليرجموه لأنّهم اعتبروا أنّه جدّف باعتباره نفسه مساوياً في الشرف لله الآب: “فَاخْتَفَى وَخَرَجَ مِنَ الْهَيْكَلِ مُجْتَازًا فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى هكَذَا.” (يوحنا 59:8). لا ينبغي فهم عبارة يوحنا الإنجيلي “اختفى” على أنّه التجأ إلى أحد البيوت أو الزوايا، بل أنّه بسلطانه الإلهي أخفى نفسه عن نظر الذين كانوا يضمرون شراً له، مع أنّه مضى مجتازاً في وسطهم (القديس ثيوفيلكتوس).

في هذا العرض السريع لما جرى خلال عيد المظال يمكننا أن نرى كلاً من ألوهية المسيح وردّة فعل اليهود، لأنهم عجزوا عن قبول وتحمّل فكرة أنّه منقذ إسرائيل المنتَظَر. هذا يظهِر أيضاً قساوة قلوبهم. علاوة على ذلك، يظهِر حقيقة استحالة أن يتعرّف الإنسان على المسيح إذا لم يكن قد تطهّر واستعدّ كما يليق، إذ من الممكن أن يتحوّل عدواً للمسيح عندما يعلن نفسه. في ما يلي سوف نجد تعليمين أساسيين للمسيح يظهران ألوهيته ويشكّلان حقيقتين خريستولوجيتين أساسيتين.

arArabic
انتقل إلى أعلى