Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎
☦︎
☦︎

عيد القيامة في 15 أبريل 339م.

لنحتمل الضيق من أجل الملكوت!

إذ كان بولس الرسول متمنطقًا بكل فضيلة(1)، وقد دعي مؤمنًا بالرب، لأنه لم يكن يشعر بشيء في ذاته(2)، بل كان يتوق إلى الفضيلة والتسبيح ومع ما يتفق مع الحب والبر، لهذا كان دائمًا ملتصقًا بهذه الأمور أكثر فأكثر، وكان يحمل إلى المواضع السمائية ويختطف إلى الفردوس(3) وإذ فاق غيره في توبته، فسيتمجد أكثر منهم.

وعندما نزل (من الفردوس) كرز لكل واحد “لأننا نعلم بعض العلم، ونتنبأ بعض التنبؤ”(4). “الآن أعرف بعض المعرفة لكن حينئذ سأعرف كما عرفت”(5). فأنه في الحقيقة قد عرف بين القديسين كرعية معهم(6).

فمعرفته للأمور المستقبلة والكاملة هي بعض المعرفة، أما الأمور التي أمره بها الرب وأتمنه عليها فقد عرفها معرفة كاملة كقوله “فليفتكر هذا جميع الكاملين منا”(7).

فكما أن إنجيل المسيح هو كمال وتحقيق للخدمة التي سبق أن أعطيت بواسطة الشريعة (الموسوية)…، هكذا أيضًا ستكون الأمور المستقبلة هي تحقيق وتنفيذ لما هو موجود حاليًا، حيث يتحقق للمؤمنين ما لم يرونه الآن، والتي لم يترجونها كقول بولس “لأن ما ينظره أحد كيف يرجوه أيضًا؟! ولكن إن كنا نرجو ما لسنا ننظره فأننا نتوقعه بالصبر”(8).

فإذ كان لهذا الرجل الطوباوي هذه الصفات، وقد عهدت إليه النعمة الرسولية، لهذا كتب مشتاقًا أن يكون جميع الناس مثله(9)

عظيمة هي الشركة في ملكوت السموات، لأن هناك ألوف ألوف وربوات ربوات يخدمون الله.

ومع أن طريق الملكوت ضيق وكرب بالنسبة للإنسان، لكنه متى دخل رأى إتساعًا بلا قياس، وموضعًا فوق كل موضع، إذ شهد بذلك أولئك الذين رأوا عيانًا وتمتعوا بذلك.

(يقول البشر في الطريق) “جعلت ضغطًا (أحزانًا) على قوتنا”(10)، لكن عندما يروون فيما بعد عن أحزانهم يقولون “أخرجتنا إلى الخصب”(11)، وأيضًا “في الضيق رحبت لي”(12).

حقًا يا أخوتي نصيب القديسن هنا هو الضيق، إذ هم يتعبون متألمين بسبب شوقهم إلى الأمور المستقبلة، مثل ذاك الذي قال “ويل لي فأن غربتي قد طالت”(13). إذ يتضايقون وينفقون بسبب خلاص الآخرين كما كتب بولس الرسول إلى أهل كورنثوس قائلاً “أن يذلني إلهي عندكم إذا جئت أيضًا وأنوح على كثيرين من الذين أخطأوا من قبل ولم يتوبوا عن النجاسة والزنا والعهارة التي فعلوها”(14). وكما ناح صموئيل بسبب هلاك شاول، وبكى أرميا من أجل سبي الشعب.

هؤلاء عندما يرحلون من هذا العالم، فأنهم بعد هذا الحزن والكآبة والتنهد ينالون سعادة وسرورًا وتهليلاً إلهيًا، ويهرب منهم البؤس والحزن والتنهد.

بولس يعلمنا بجميع رسائله

إن كان هذا هو حالنا يا أخوتي “فليتنا لا نتوانى في طريق الفضيلة، إذ ينصحنا قائلاً “كونوا متمثلين بي كما أنا أيضًا بالمسيح”(15). فأنه أن كان قد قدم هذه النصيحة إلى أهل كورنثوس وحدهم، لكنه ينصحنا نحن جميعًا عن طريقهم، إذ لم يكن رسولهم وحدهم بل كان “معلمًا للأمم في الإيمان والحق”(16).

وباختصار، فأن الأمور التي كتب بها إلى أشخاص معينين، إنما يأمر بها الجميع لهذا كتب إلى شعوب مختلفة، فأمر بعض (الوصايا) في رسائله إلى روما وأفسس وفليمون.

فأنتهر البعض ساخطًا عليهم، كما في حالتي أهل كورنثوس وأهل غلاطية.

وقدم نصائحًا للبعض كما صنع مع أهل كولوسي وأهل تسالونيكي.

أما أهل فيلبي فقد زكاهم وفرح بهم.

والعبرانيون علمهم أن الشريعة هي ظل لهم.

أما بالنسبة لابنيه الخاصين. تيموثاوس وتيطس، فأنه عندما كانا قريبين منه قدم لهما تعليمات، وعندما كانا بعيدين كان يذكرهما.

وهكذا فقد كان بولس كل شيء لكل الناس، وبكونه إنسان كامل طبق تعاليمه حسب احتياج كل واحد، حتى يخلص بكل الطرق بعضًا منهم، لهذا لم تكن كلمته بغير ثمر، إنما نبتت في كل موضع وصارت مثمرة حتى يومنا هذا…

يبدأ بتعريفنا بالله ثم يليها الوصايا الإلهية،

بحق يلزمنا أن نبحث في الفكر الرسولي، لا في بداية الرسائل بل وفيما جاء بنهايتها وفي صلبها حيث يورد المعتقدات والنصائح.

وأنني أرجو بصلواتكم أن أظهر لكم طريقة هذا القديس التي هي ليست باطلاً. وإذ هو قد تمرن مرانًا حسنًا في هذه الأمور الإلهية، وعرف قوة التعليم الإلهي، لذلك حسبها ضرورية.

ففي المكان الأول يظهر الكلمة الخاصة بالمسيح والسر الخاص به، وبعد ذلك يشير إلى تصحيح العادات، إذ يكونوا قد عرفوا الرب، فيشتاقون إلى تنفيذ الأوامر الإلهية.

لأنه لو أن “المرشد” (المسيح) إلى الوصايا غير معروف، فأنهم لا يكونوا مستعدين لحفظ الوصايا.

وقد استخدم موسى المؤمن –خادم الله- نفس الطريقة. لأنه عندما أذاع كلمات الشريعة الإلهية، تكلم أولاً عن الأمور الخاصة بمعرفة الله، قائلاً “اسمع… الرب إلهنا رب واحد”(17) وبعدما أشار للشعب عن الله وعلمهم بمن يؤمنون به وأخبرهم عن الله الحقيقي، عندئذ بدأ يقدم الشريعة الخاصة بالأمور التي بها يكون الإنسان مرضيًا لله، قائلاً “لا تزن. لا تسرق” مع بقية الوصايا.

هكذا بحسب التعليم الرسولي “يجب أن الذي يأتي إلى الله يؤمن بأنه موجود، وأنه يجازي الذين يطلبونه”(18).

الآن فأنه يبحث عن الله عن طريق الأعمال الصالحة كقول النبي “اطلبوا الرب ما دام يوجد. ادعوه وهو قريب. ليترك الشرير طريقه ورجل الإثم أفكاره”(19).

أمثلة أخرى:

وأيضًا لم يخطئ الإنسان (هرماس) في كتاب “الراعي” إذ بدأ في أول الكتاب قائلاً… “قبل كل شيء آمن أنه يوجد إله واحد، الذي خلق كل الأشياء وأوجدها من العدم إلى الوجود”(20).

وبالحري الإنجيليون الطوباويون الذين سجلوا كلمات الرب، في بداية أناجيلهم كتبوا عن الأمور الخاصة بالمخلص، حتى أنهم إذ يعرفون أولاً الرب الخالق، يصدقهم الغير عندما يروون الحوادث الواردة. لأنه كيف يمكن تصديق، كتب من جهة تفتيح عيني المولود أعمى من بطن أمه وغيره من العمى، وإقامة الموتى وتحويل الماء خمرًا وتطهير البرص، إن لم يتعلموا أولاً أنه هو الخالق، إذ كتب “في البدء كان الكلمة”!(21)

وما جاء في إنجيل متى أنه ذاك الذي من زرع داود “عمانوئيل” ابن الله الحي؟! هذا الذي يخفي اليهود والأريوسيين وجوههم عنه، أما نحن فنعرفه ونتعبد له.

لهذا فقد أرسل الرسول –كما رأينا- إلى شعب مختلف، لكنه يذكر ابنه الخاص لكي لا يزدري بالتعاليم التي أستلمها منه(22)، آمرًا إياه “أذكر يسوع المسيح المقام من الأموات من نسل داود بحسب إنجيلي”(23).

وإذ يحدثه عن هذه الأمور التي سلمه إياها، لكي يتذكرها على الدوام، لهذا يكتب له في الحال قائلاً “اهتم بهذا. كن فيه”(24).

فائدة التأمل في الكلمة الإلهية

لأن التأمل الدائم وتذكر الكلمات الإلهية، يقوي التقوى تجاه الله، وينتج حبًا لذاك الذي هو غير منفصل (عنا).

وإذ هو مفكر في هذا، يتكلم عن نفسه وعن الآخرين المشابهين له في الفكر، قائلاً بشجاعة “من سيفصلنا عن محبة الله (المسيح)” رو35:8. لأن أمثال هؤلاء الناس إذ ثبتوا في الرب وصار لهم تدبير ثابت تجاهد، وبكونهم واحدًا في الروح (لأن من يرتبط بالروح روح واحد)، فأنهم يكونون ثابتين “مثل جبل صهيون” فأنه وإن ثارت آلاف التجارب ضدهم فإنهم يكونون مؤسسين على الصخر الذي هو المسيح(25).

ثمار الشر

أما المهملون فأنهم لا ينالون في المسيح بهجة، وإذ لا يكون لهم غرضًا دائمًا للصلاح لهذا فهم يتدنسون بالهجمات الزمنية، ولا يهتمون بالأمور التي تسمو على الزمنيات إذ هم غير ثابتين، ومستحقين التوبيخ من جهة الإيمان. لأن هم هذا العالم أو غرور الغنى يخنقانهم(26). أو كما قال يسوع في ذلك المثل الذي أشار به عليهم، إذ هم ليسوا مؤسسين على الإيمان الذي بشر لهم به، بل قبلوه إلى حين وحالاً في وقت الاضطهاد أو الضيق من أجل الكلمة، حالاً يعثرون(27).

فأولئك الذين يفكرون في الشر، نقول أنهم يفكرون تفكيرًا باطلاً وليس تفكيرًا صحيحًا، ليس تفكيرًا صالحًا بل طالحًا، لأن ألسنتهم تعلم النطق بالكذب.

إنهم صنعوا شرًا ولم يكفوا تائبين.

وإذ هم محتفظين بالابتهاج بالأعمال الشريرة، يسرعون في هذا بغير توقف، مطئين تحت أقدامهم الوصية الخاصة بالأقوياء وبدلاً من أن يحبوا الأقرباء يدبرون شرورًا ضدهم، كما يشهد القديس قائلاً “والملتمسون لي الشر تكلموا بالمفاسد واليوم كله يلهجون بالغش”(28).

والسبب في مثل هذا التفكير ليس إلا بسبب جهلهم وذلك كما أعلن المثل الإلهي من قبل قائلاً بأن الابن الذي ينسى وصية أبيه يفكر في الشرور.

وإذ مثل هذا التفكير شر… لهذا يوبخ الروح القدس قائلاً… “لأن أيديكم قد تنجست بالدم وأصابعكم بالإثم. شفاهكم تكلمت بالكذب ولسانكم يلهج بالشر. ليس من يدعو بالعدل وليس من يحاكم بالحق”(29).

ولكن ما هي نهاية الاحتفاظ بمثل هذه الأفكار، إذ يعلن للحال قائلاً “يتكلمون على الباطل ويتكلمون بالكذب. قد حبلوا بتعب وولدوا إثمًا. فقسوا بيض أفعى ونسجوا خيوط العنكبوت. الآكل من بيضهم يموت والتي تكسر تخرج أفعى”(30).

مرة أخرى. أي رجاء لمثل هذه الأمور، فقد أعلنه “من أجل ذلك أبتعد الحق عنا ولم يدركنا العدل. ننتظر نورًا فإذا ظلام. ضياءً فنصير في ظلام دامس. نتلمس الحائط كعمي وكالذي بلا أعين نتجسس. وقد عثرنا في الظهر كما في العتمة. في الضباب كموتى. نزأر كلنا كدبة وكحمام (هدرًا نهدر)(31).

هذه هي ثمار الشر. إذ ينال هذه الجزاءات من يأنس بها، لأن الالتواء لا ينقذ صاحبه، بال بالحقيقة يأتي ضد من يستخدمه، ممزقًا إياهم أولاً مهلكًا إياهم…

هؤلاء (الأشرار) ألسنتهم حسب شهادة المرتل أنه سيف ماض وأسنانهم أسنة وسهام(32). ولكن الأمر العجيب أنه بينما يهاجم الآخرين لا يضرهم، إنما يتمزقون هم بأسنتهم التي لهم. لأنهم يملكون في ذواتهم الغضب والحق والحسد والخداع والكراهية والمرارة…

وبالرغم من أنهم يعجزون عن أن يضروا الآخرين (بهذه الشرور)، إذ بها ترتد على أنفسهم هم أولاً وضدهم، وذلك كما يصلي المرتل قائلاً “سيفهم يدخل في قلبهم”(33). وهناك أيضًا عن مثل هذا “الشرير…بحبال خطيته يمسك”(34).

مثال: اليهود الأشرار

إذ كانت أفكار اليهود هو أن يصنعوا بالرب ظلمًا… نسوا أنهم كانوا يجلبون الغضب ضد أنفسهم لهذا انتحبهم الرب (على لسان النبي) قائلاً: “لماذا ارتجت الأمم وتفكرت الشعوب في الباطل” (مز 1:2).

حقًا باطل هو تفكير اليهود، إذ يفكرون في الموت ضده الحياة، ويشيرون بأمور غير معقولة ضد كلمة الآب!

ومن يتطلع الآن إلى تشتيتهم وخراب مدينتهم يقول: “الويل لهم، فقد فكروا شرًا ضد أنفسهم”…

حسن هو هذا يا اخوتي، لأنهم إذ أخطأوا في حق الكتاب المقدس لم يعرفوا أن “من يحفر هوة يقع فيها، ومن ينقض جدارًا تلدغه حية” (جا 8:10)…

الأبرار يفشلون بالوصايا الإلهية

خدام الرب الأبرار المؤمنون الذين هم تلاميذ ملكوت السموات، يخرجون منه جددًا وعتقاء(35)، ويتألمون في الكلمات الإلهية أثناء جلوسهم في بيوتهم، وعند النوم، وعند قيامهم، وهم سائرون في الطريق(36).

هؤلاء لهم رجاء صالح بسبب وعد الروح الذي قال “طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة المنافقين، وفي طريق الخطاة لم يقف، وفي مجلس المستهزئين لم يجلس. لكن في ناموس الرب إرادته، وفي ناموسه يلهج نهارًا وليلاً”(37)

فإذ يكون مؤسسًا على الإيمان، وفرحًا بالرجاء يتجاسر فيقول “فمي يتكلم بالحكم (الحكمة) ولهج قلبي فهم”(38)، وأيضًا “لهجت بكل أعمالك بصنائع يديك أتأمل”(39)، “إذا ذكرتك على فراشي في السهد (الصباح) ألهج بك”(40).

ثم يتقدم فيتجاسر قائلاً “فكر قلبي (مرضية) أمامك في كل حين”(41).

وما هو قصد هذا الإنسان؟ أنه يقول “يا رب أنت معيني ومخلصي”(42).

مثل هذا الإنسان يدرب نفسه ويشغل قلبه بالرب، فلا يصيبه شيء مضاد، لأنه بالحق يتقوى قلبه بالثقة في الرب، كما هو مكتوب “المتوكلون على الرب مثل جبل صهيون لا يزول إلى الأبد، الساكن بأورشليم”(43)….

مثل هذا وإن كانت التجارب والأحزان تهاجمه من الخارج لكنه إذ يمتثل للكلمات الرسولية يكون ثابتًا في التجارب ومداومًا على الصلاة(44)، متأملاً في الناموس، لذلك فهو يثبت ضد ما يحل به ويكون مرضيًا لله، وينطق بهذه الكلمات المكتوبة “ضيق وشدة أصاباني أما وصاياك فهي لذاتي”(45).

الفكر يسبق العمل في الخير

يتحرك مثل هذا في عمل الفضيلة لا بالعمل فحسب ولكن من جهة أفكار ذهنه أيضًا، لهذا يقول… “سبقت عيناي وقت السحر لألهج في (جميع) أقوالك”(46)، لأنه بالنسبة للكاملين يسبق الفكر التنفيذ الجسدي.

ألم يبدأ مخلصنا بأفكار الذهن عندما كان يعلمنا نفس هذا الشيء؟! إذ قال “أن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه” واعتبر غضب الإنسان على أخيه قتل. لأنه عندما يزول الغضب لا يوجد القتل، وإذ تستبعد الشهوة لا يحدث زنا. هكذا أيها الأحباء. إن التأمل في الوصية أمر ضروري، وكذلك الحديث المتواصل بخصوص الفضيلة “لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهبًا لكل عمل صالح”(47).

فبهذه الأمور يكون الوعد بالحياة الأبدية، لما كتب بولس إلى تيموثاوس داعيًا إياه إلى التدرب على التفكير المستمر قائلاً “روض نفسك للتقوى. لأن الرياضة الجسدية نافعة لقليل ولكن التقوى نافعة لكل شيء إذ لها موعد الحياة الحاضرة والعتيدة”.

مستحقة كل إعجاب هي فضيلة هذا الرجل يا أخوتي! لأنه خلال تيموثاوس يأمر الجميع ألا يهتموا بشيء أكثر من التقوى، بل وفوق كل شيء أن يهتموا اهتمامًا رئيسيًا بالإيمان في الله. لأنه أي نعمة تكون لرجل شرير وهو غريب عن حفظ الوصايا؟!

بلى، فإن الشرير لا يستطيع أن يحفظ أي من الوصايا، لأنه حسبما يكون فكره هذا تكون أفعاله. وذلك كالروح الذي يوبخ أمثال هؤلاء “قال الجاهل في قلبه ليس إله” مردًا بعد ذلك الأعمال التي تطابق هذا الفكر….”فسدوا رجسوا بأفعالهم”(48).

فالرجل الشرير (أي فاسد الفكر) يفسد جسده على أي وضع بالسرقة، إرتكاب الزنا، السب، السكر، وأمثال هذه.

وإذ يستذنب أرميا إسرائيل بسبب ارتكابهم مثل هذه الأمور يصرخ قائلاً “يا ليت لي في البرية مبيت مسافرين فأترك شعبي وأنطلق من عندهم لأنهم جميعًا زناة جماعة خائنين. يمدون ألسنتهم كقسيهم للكذب لا للحق قووا في الأرض. لأنهم خرجوا من شر إلى شر وإياي لم يعرفوا يقول الرب”(49) فهو ينتهرهم بسبب أعمالهم من شر وكذب وخروجهم من شر إلى شر، ويتهمهم بالشر بسبب عدم معرفتهم بالرب.

الإيمان والأعمال

فالإيمان والأعمال هما أختان مرتبطتان بعضهما البعض.

فمن يؤمن بالرب يكون تقيًا، ومن يكون تقيًا فهو مؤمن بالأكثر.

لهذا فمن هو شرير يكون بلا شك ضالاً عن الإيمان، ومن يترك التقوى يتخلى عن الإيمان الحقيقي.

وكمثال، بولس إذ يشهد بهذا أيضًا، نجده ينصح تلميذه قائلاً “وأما الأقوال الباطلة الدنسة فأجتنبها لأنهم يتقدمون إلى أكثر فجور. وكلمتهم ترعى كآكلة، الذين منهم هيميناس وفيليتس”. وقد أشار فيما كان شرهما قائلاً “اللذان زاغا من الحق قائلين أن القيامة قد صارت”(50).

ومرة أخرى إذا أراد إبراز ارتباط الإيمان بالصلاح، يقول “وجميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يضطهدون”(51).

بعد هذا، لكي لا ينكر أحد صلاحه في أثناء الاضطهاد، ينصحهم أن يحفظوا الإيمان قائلاً “وأما أنت فأثبت على ما تعلمت وأيقنت”(52).

وكما أنه عندما يساعد الأخ أخاه، يصيران حصنين لبعضهما البعض، هكذا أيضًا الإيمان والصلاح، إذ ينميان متشابهان ممسكان بعضهما البعض، فمن يختبر أحدهما بالضرورة يتقوى بالآخر.

لذلك إذ يرغب في أن يتدرب التلميذ على الصلاح حتى النهاية، وأن يجاهد من أجل الإيمان، نصحه قائلاً “جاهد جهاد الإيمان وتمسك بالحياة الأبدية”(53). لأنه متى أقلع عن شر الأوثان وتمسك بالله الحقيقي… فأنه بعد ذلك يحارب بالإيمان ضد أولئك الذين يضادون الله (أي الشياطين)!

رجاء الإيمان والأعمال واحد

رجاء الأمرين اللذين نتكلم عنهما –أي الإيمان والصلاح- هو رجاء واحد أي الحياة الأبدية، إذ يقول (الرسول) “جاهد جهاد الإيمان الحسن وأمسك بالحياة الأبدية”، “روض نفسك للتقوى… التقوى نافعة لكل شيء إذ لها موعد الحياة الحاضرة والعتيدة”(54).

لذلك فأن Ario-maniacas الذين يخرجون الآن عن الكنيسة بكونهم أضداد للمسيح ينقبون حفرة عدم الإيمان، التي يتعطشون إليها. وإذ هم يتقدمون في الشر، فأنهم يفسدون إيمان البسطاء(55)، مجدفين على ابن الله قائلين أنه مخلوق وأنه وجد من العدم.

لنحذر من هؤلاء كما حذرنا الرسول من هيميناس وفيليتس قائلاً “ولكن أساس الله الراسخ قد ثبت إذ له هذا الختم. يعلم الرب الذين هم له. وليتجنب الإثم كل من يسمى اسم المسيح”(56) لأنه حسنًا أن ينفصل الإنسان عن الشر وأعمال الإثم، حتى يقدر أن يقدس العيد. أما من يتدنس بأدناس الأشرار، فإنه لا يستطيع أن يقدم الفصح للرب إلهنا… إذ يقول الرب “اخرجوا من وسطهم (أي من وسط الخطية والإثم) واعتزلوا… ولا تمسوا نجسًا”(57). لأن الإنسان لا يعتزل الخطية ويتمسك بالأعمال الفاضلة، ما لم يتأمل في أعماله، وإذ يروض نفسه للتقوى يتمسك بالاعتراف بالإيمان، فبعدما جاهد بولس الجهاد، حفظ إكليل البر الذي وضع له والذي سيهبه له الديان العادل، ليس له وحده بل وكل الذين على مثاله.

التعييد هو التمسك بالإيمان مع الأعمال

وإذ هذا التأمل والتدرب في حياة الصلاح، كلاهما من عمل القديسين في كل الأزمنة، لذلك فهما ضروريان لنا في وقتنا الحاضر، عندما ترغب الكلمة الإلهية أن نكون محفوظين مع القديسين بسلوكنا على منوالهم.

فما هو العيد إلا التعبد لله، والاعتراف بالتقوى، والصلاة الدائمة من كل القلب…؟!

هكذا إذ يرغب بولس في أن نكون على هذا الحال على الدوام، يوصينا قائلاً “افرحوا كل حين. صلوا بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء”(58). لا على انفراد بل جميعنا نعيد معًا في وحدة… إذ يوصينا النبي قائلاً “هل نرنم للرب نهتف لصخرة إلهنا” (مز 1:95).

ومن هو هذا المهمل العاصي للصوت الإلهي، فلا يترك كل شيء ويجري إلى اجتماع العيد العام؟! هذا الذي لا يحفظ في مكان واحد، بل “في كل الأرض خرج منطقهم وإلى أقطار المسكونة بلغت أقوالهم” (مز 4:19). ولا تقدم الذبيحة في مكان واحد بل في كل الأمم (راجع مل 11:1)…

هكذا تصعد التسابيح والصلوات بصورة متشابهة، مرتفعة ومن كل مكان إلى الآب الصالح واهب النعم. فالكنيسة الجامعة التي هي في كل مكان تقدم نفس العبادة لله ببهجة وسرور، مرسلة أغنية التسبيح قائلين “آمين”.

حقًا كيف يحرم من التطويب، ذاك الذي لا ينشغل بالصلاة يا إخوتي؟!…

لنفرح بالعيد وسط مضايقات جماعة أوسابيوس

ما دام الأمر هكذا، فليتنا نقدم أصواتًا مفرحة مع القديسين، ولا يفشل أحد عن تقديم واجبه من جهة هذه الأمور، حاسبًا كأنها لا شيء تلك الآلام والتجارب التي تحل بنا خاصة في هذه الأيام عن طريق جماعة أوسابيوس.

أنهم يرغبون في أن يلحقوا بنا الضرر، ويقذفوا بنا إلى الموت بأتهاماتهم، وذلك بسبب صلاح الله معيننا!

لكننا كخدام مؤمنين بالله، نعرف أنه منقذنا في وقت الضيق. فقد وعدنا ربنا مقدمًا قائلاً “طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين. افرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السموات”(59).

نعود مرة أخرى فنقول أنها كلمات المخلص تعلن بأن الأحزان لا تحل على جميع الناس في هذا بل (خاصة) على القديسين الذين يخافونه. لهذا فإنه قدر ما يكتنفنا الأعداء نتحرر وبالرغم من تعييرهم لنا لاجتماعنا معًا فأنهم إذ يريدون أن يخرجوننا من حياة التقوى، إلا أننا نجسر فنبشر قائلين “هذا كله جاء علينا ولا نسيناك”(60)

بموته أبطل سلطان الموت

لقد أراد رب الموت أن يبطل الموت، وبكونه هو “الرب” لهذا فأن ما قد أراده حققه لأجلنا نحن جميعًا إذ عبرنا من الموت إلى الحياة.

أما توهمات اليهود ومن على أمثالهم (الأريوسيين) فهي أوهام باطلة، لذلك جاءت النتيجة على خلاف ما توقعوا، بل جاءت النتيجة ضدهم، لأن “الساكن في السموات يضحك الرب يستهزء بهم”(61).

عندما أقتيد الرب إلى الموت صد النسوة اللواتي كن يتبعن إياه باكيات، قائلاً “لا تبكين علي” بمعنى أن حادث موت الرب ليس للحزن بل للفرح، لأن الذي يموت عنا هو حي (قادر أن يقوم)، إذ هو ليس مخلوق من عدم، بل مولود من الآب.

إن موته بحق موضوع فرح، إذ نرى علامات النصرة ضد الموت، ونرى عدم فسادنا خلال جسد الرب. لأنه إذ قام ممجدًا، فأنه من الواضح أنه سيقيمنا جميعًا. وإذ بقى جسده بغير فساد، فأننا لا نشك في أننا سننال عدم الفساد!

لأنه كما يقول بولس(62) –وقوله حق- أنه كما بإنسان واحد أخطأ جميع الناس، هكذا بقيامة ربنا يسوع المسيح سنقوم جميعنا.

يقول (الرسول) “لأن هذا الفاسد لا بد أن يلبس عدم فساد. وهذا المائت يلبس عدم موت(63)


(1) أف14:6.

(2) 1كو4:4.

(3) 2كو4:12.

(4) 1كو9:13.

(5) 1كو12:13.

(6) أف19:2.

(7) في15:3.

(8) رو24:8، 25.

(9) 1كو7:7.

(10) مز11:66.

(11) مز12:66.

(12) مز1:4.

(13) راجع مز120:

(14) 2كو21:12.

(15) 1كو1:11.

(16) 1تي7:2.

(17) تث4:6.

(18) عب6:11.

(19) إش6:55، 7.

(20) عن كتاب الراعي لهرماس

(21) يو1:1.

(22) 2تي14:3.

(23) 2تي8:2.

(24) 1تي15:4.

(25) مز1:125، 1كو4:10، مت25:7.

(26) مت22:13.

(27) مت21:13

(28) حز12:38.

(29) إش3:59، 4.

(30) إش4:59، 5.

(31) إش9:59-11.

(32) مز4:57.

(33) مز15:37.

(34) أم 22:5.

(35) مت52:13.

(36) تث7:6.

(37) مز1

(38) مز3:49.

(39) مز5:143.

(40) مز6:63.

(41) مز4:19.

(42) مز14:18.

(43) مز1:125.

(44) رو12:12.

(45) مز143:119.

(46) مز48:119.

(47) 2تي17:3.

(48) مز1:14،2.

(49) أر2:9.

(50) 2تي16:2-18.

(51) 2تي12:3.

(52) 2تي14:3.

(53) 1تي12:6.

(54) 1تي7:4،8.

(55) رو18:16.

(56) 2تي19:2.

(57) 2كو7:6.

(58) 1تس16:5-18.

(59) مت11:5،12.

(60) مز17:44. متحدثًا بعد ذلك عن ضرورة فرحنا بالرب وعدم شركتنا مع الهراطقة الأريوسيين…

(61) مز4:2.

(62) رو12:5.

(63)1كو53:15.

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎

معلومات حول الصفحة

عناوين المقال

محتويات القسم

وسوم الصفحة

arArabic
انتقل إلى أعلى