في مكان الله وفي أن الله وحده غير محدود

المكان الجسماني: – المكان جسماني وهو نهاية الفضاء الواسع حيث يوسع الموسوع. مثلاً إنّ الهواء يتّسع للجسم والجسم يوسع فيه. وليس كل الهواء الواسع مكان الجسم الموسوع بل هي حدود الهواء الواسع التي تمسّ الموسوع. وذلك حتماً، لأن الواسع ليس في الموسوع.

المكان العقلاني -ليس الله في مكان- مكان الله يفوق الطبيعة: – وهناك مكانٌ عقلاني فيه تُعقل الطبيعة العقلية اللاجسمية، وفيه توجد وتَعمل. لكنها لا تُوسعُ اتساعاً جسمياً، بل عقلياً. فليس لها جسم لكي توسع اتساعاً جسمياً. فإن الله إذاً -الذي هو لا مادي وغير محدود- هو أيضاً ليس في مكان، بل هو مكان لذاته، وهو يملأ الكل وهو فوق الكل وهو نافذٌ في الكل. ويُقال بأنه تعالى في مكان، ويقال مكان الله حيث يكون فعله فيه واضحاً. وهو ينفذ بذاته في الكلّ دون اختلاط ويُشركُ الجميع بفعله نفسه، كلاٍّ على حسب طاقته واستيعاب قوته -أي على حسب طهارته الطبيعية والطوعية. فإن ما كان منها خالياً من المادة أطهرُ من الماديات، وما كان منها تُمارس فيه الفضيلة أطهرُ من التي هي تحت نير الشر. إذاً إن ما يدعى مكان الله هو ذاك الذي له نصيب أوفر في فعله تعالى ونعمته. لذلك “فالسماء عرش له” (اشعيا6: 1)- لأن فيها الملائكة يتممون مشيئته ويمجدونه على الدوام-. و”الأرض موطئُ قدميه” (اشعيا66: 1)- لأنه “تراءى عليها بالجسد وتردّد بين البشر” (باروك3: 38)-. وتطلق تسمية “رِجل الله” على جسده المقدس. ويُقال للكنيسة أيضاً مكان الله لأنها مخصصة لتمجيده، كأنها قطاعٌ فرزناه لنقيم فيه ابتهالاتنا إليه. كذلك أيضاً الأمكنة التي يتمّ فيها فعلُ الله ظاهراً -بجسدٍ وبلا جسد- تسمى أمكنة الله.

ويجب أن نعلم أن الإله لا يتجزأ، لأنه كلَّه كائن في كل مكان، وليس موزعاً كالأجساد جزءاً في جزء، بل كلّه في جميعها وكلّه فوق جميعها.

في مكان الملائكة والنفس. وفي ما لا يمكن حصره وما يمكن حصره: – الملاك لا يُحصر في مكان حصراً جسمانياً لكي يمكن تمثيله بصورة وبشكل. ومع ذلك يُقال إنه في مكان، لحضوره حضوراً عقلانياً وفعله بحسب طبيعته. وهو لا يوحد إلا حيث يُحصر حصراً عقلانياً، ومن ثم يفعل أيضاً. وإنه لا يستطيع أن يفعل في آنٍ واحد في أمكنة مختلفة، لأنَّ الله وحده يعمل في كل مكان في آنٍ واحد، إلاَّ أنّ الملاك -لسرعة طبيعته- ينتقل انتقالاً فجائياً أي سريعاً، فيعمل في أمكنة مختلفة. لكنّ الإله الكائن في كل مكان وفوق الجميع، يفعل في الوقت نفسه أفعالاً مختلفة بفعل واحد بسيط.

 أمّا النفس فترتبط كلُّها بالجسد كله -لا جزءٌ في جزءٍ- ولا يستولي عليها الجسد، بل هي تستولي عليه، مثلها مثل النار والحديد. لمَّا تكون فيه تفعل أفعالها الخاصة.

  • المحدود ما كان محصوراً في مكانٍ وزمانٍ وإدراك. أمّا غير المحدود فهو ما لا يخضع لهذه الأقسام الثلاثة.

وعليه إنّ الإله وحده غير محدود، لأنه لا بدءَ له ولا نهاية، وهو يُحيط بالجميع، ولا يمكن أيَّ إدراك الإحاطةُ به. فهو وحده لا يُدرك ولا يُرى ولا أحد يعرفه، وهو وحده قادرٌ على مشاهدة ذاته. أمّا الملاك فهو محدود في الزمان، لأنه ابتدأَ أن يكون، وفي المكان، ولو عقلانياً، كما سبق وقلنا، وفي الإدراك أيضاً. لأنَّ الملائكة يعرفُ بعضهم طبيعة بعضٍ كيف هي، على حسب ما حدّد الخالق كما هذه المعرفة. والأجسام أيضاً محدودة في بدئها ونهايتها ومكانها الجسميّ وإدراكها.

في الله الآب، وفي الابن، وفي الروح القدس – وفي الكلمة والروح: – إنّ الإله إذاً لا يتحوّل البتة ولا يتغيّر. وقد سبق وحدّدَ بسابق معرفته كلّ ما هو ليس في مقدورنا، كلاًّ على حسب ما يخصُّه ويليق به من زمان ومكان. وبمقتضى ذلك، “إن الله لا يدين أحداً، بل أعطى الحكم كله للابن” (يو 5: 22). ومن الواضح أنّ الآب قد دان، والابن كذلك لكونه إلهاً، والروح القدس أيضاً. غير أن الابن نفسه قد أتى بالجسد كإنسان، ويجلس على عرش المجد – والمجيءُ والعرشُ من شأن الجسد المحدود -فيدين المسكونة كلّها بالعدل.

  • كل الكائنات بعيدة عن الله، لا بالمكان بل بالطبيعة. والتمييز والحكمة والرأي – من حيث هي حالاتٌ فينا – تحضر وتغيب. لكنّها غير هذا عند الله، فلديه تعالى ليس ما يحضر ويغيب. وهو لا يتحوّل ولا يتغيّر، ومن الممتنع الكلام عن عارض في الله. والصلاح حليفُ جوهره، فمَن يبتغيه دائماً، ذاك هو الذي يجده. لأن الله في الجميع، والكائنات منوطة بالكائن، وليس من وجودٍ إلا وقد نال وجوده في الكائن، لأنَّ الله يستمر في الكل، من حيث هو حافظ الطبيعة. أمّا الكلمة فقد اتحد بجسده المقدس في أقنومه وخالط جبلتنا دون امتزاج. لا يرى الآب أحدٌ سوى الابن والروح (يوحنا6: 46).
  • الابن من الآب. وكل ما لذاك هو لهذا. لذلك لا يستطيع الابن أن يعمل من ذاته شيئاً (يوحنا5: 30)، لأن ليس له فعل خاص به يتميّز عن فعل الآب.
  • نعرف من نظام الكون وسياسته أن الله الذي لا يُرى بطبيعته يُرى بأعماله (الحكمة13: 1-5).
  • الابن صورة الآب، وصورة الابن الروح الذي يسكن به المسيح في الإنسان فيمنحه أن يكون على صورة الله.
  • إن الروح القدس الله، وهو وسطُ اللامولود والمولود ومرتبطٌ إلى الآب بالابن. ويُدعى روح اله ورح المسح وعقل المسيح وروح الرب والرب نفسه وروح البنوة الإلهية وروح الحق والحرية والحكمة. -وهو يصنع هذه كلها أيضاً-. وهو يملاً الكل بجوهره ويستحوذ على الكلّ. يمدُّ العالم ولا يتّسع العالم لقوّته.
  • الله جوهر أزليٌّ لا يتغيّر، صانع الكائنات، ويُسجد له بدافع من منطق التقوى.
  • الآب الله وهو كائنٌ دوماً بلا ولادة، لأنه لم يلده أحدٌ وهو والدُ الابن ولادة أزلية والابنُ الله هو كائنٌ دوماً مع الآب مولوداً منه بلا زمن ومنذ الأزل، بلا سيلان لا انفعال ولا انفصال. والروح القدس الله وهو قوة تقديس وقيّومٌ ومنبثق من الآب بلا انفصال ومستريحٌ في الابن، ومساوٍ للآب والابن في الجوهر.
  • الكلمة حاضرٌ دوماً للآب حضوراً جوهرياً. والكلمة أيضاً حركة العقل الطبيعية التي بموجبها يتحرك ويعقل ويفكر. وهي له بمثابة النور والشعاع. وتكون الكلمة أيضاً داخلية متكلّمة في القلب. وتكون أيضاً الفكرة المرسلة. وعليه إنّ الله الكلمة ذو جوهر وأقنوم. أما الكلمات الثلاث الأخرى فهي قوى النفس. ومن ثمَّ لا تُعتبر أنها في أقنوم خاص بها، لأن الأولى منها وليدة العقل الطبيعية، نابعة منه نبعاً طبيعياً. والثانية يُقال لها الداخلية والثالثة هي الخارجية.

إن للروح معاني مختلفة، فهو الروح القدس – ويقال أيضاً لقوى الروح القدس أرواحاً.

والروح أيضاً هو الملاك الصالح، والشيطان أيضاً روح، والنفس روح، وقد يُدعى العقل أيضاً روحاً. والريح روح أيضاً والهواء روح.

arArabic
انتقل إلى أعلى