Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎

الفصل الأول

مقدمة: موضوع هذه المقالة: اتضاع وتجسد الكلمة. التعليم عن الخلق بواسطة الكلمة. إتمام الآب خلاص العالم بواسطة ذاك الذي به خلقه أولاً (الكلمة).

1 ـ اكتفينا بما أوضحناه في بحثنا السابق، مع أنه قليل من كثير، ببيان ضلال الأمم في عبادة الأوثان وخرافاتها، وكيف كانت هذه الأوثان من البدء من اختراعات البشر. وكيف كانت شرور البشر هي الدافع لابتكارهم عبادة الأوثان. والآن بعد أن أشرنا قليلاً لبعض الأمور عن ألوهية كلمة الآب(1) وتدبيره لكل الأشياء وسلطانه وكيف أن الآب الصالح يضبط كل الأشياء بالكلمة(2) وأن كل شيء به وفيه يحيا ويتحرك(3)، تعال ـ أيها الطوباوي ـ يا محباً للمسيح بالحقيقة لنتتبع الإيمان الحقيقي ونتحدث عن كل ما يتعلق بتأنس الكلمة ونبيّن كل ما يختص بظهوره الإلهي بيننا(4)، ذلك الذي يسخر منه اليهود ويهزأ به اليونانيون(5)، أما نحن فنسجد له رغم ضعفه الظاهري وذلك حتى تتقوى وتزداد تقواك به (أي بالكلمة).

2 ـ فكلما ازداد الاستهزاء(6) من غير المؤمنين، بالكلمة، يعطى هو شهادة أعظم عن ألوهيته. وكل ما يظن البشر أنه مستحيل، فإن الله يثبت أنه ممكن(7)، وكل ما يسخر منه البشر، كأمر غير لائق(8)، هذا يجعله بصلاحه لائقاً. وكل ما يهزأون به ـ وهم يدّعون الحكمة ـ على أنه أعمال بشريّة فهذا كله يُظهره بقوته أنه أعمال إلهية(9). وهكذا، فمن ناحية يحطّم عن طريق الصليب ـ الذي يُظن أنه ضعف ـ كل ضلالات عبادة الأوثان(10)، ومن ناحية أخرى يُقنع بطريقة خفيّة أولئك الهازئين وغير المؤمنين، حتى يدركوا ألوهيته وسلطانه.

3ـ ولإيضاح هذه الأمور فإنه يلزم أن تستحضر للذاكرة كل ما سبق أن قيل (في المقالة ضد الوثنيين) حتى تستطيع أن تدرك سبب ظهور كلمة الآب(11)، كلّي العظمة والرفعة، في الجسد، ولكي لا تظن أن مخلّصنا كان محتاجاً بطبيعته(12) أن يلبس جسداً. بل لكونه بلا جسد بطبيعته، ولكونه هو الكلمة، فإنه بسبب صلاح أبيه ومحبته للبشر، ظهر لنا في جسد بشري لأجل خلاصنا(13).

4ـ والآن إذ نشرح هذا الأمر، فإنه يليق بنا أن نبدأ أولاً بالحديث عن خلقة الكون كله وعن الله خالقه(14)، وهكذا يستطيع المرء أن يُدرك أن تجديد الخليقة تم بواسطة الكلمة الذي هو خالق الخليقة في البدء. وهكذا يتضح أنه ليس هناك تناقض في أن يتمم الآب خلاص العالم بالكلمة الذي به خُلِقَ العالم(15).

الفصل الثاني

دحض بعض الآراء الخاطئة عن الخلق: (1) (مذهب الابيكوريين) وهو القائل بأن الخلق تم مصادفة. لكن تعدد الأجسام والأجزاء يستلزم وجود قوة خالقة. (2) (مذهب الأفلاطونيين) وهو القائل بوجود المادة من قبل. وهذا يُخضع الله للحدود البشرية ويجعله لا خالقاً بل صانعاً ميكانيكياً. (3) (مذهب الغنوسيين)(16) وهو القائل بوجود خالق آخر، وهذا يشجبه الكتاب المقدس.

1ـ لقد فهم الكثيرون موضوع خلق الكون وجميع الموجودات بطرق مختلفة، وعبّر كل منهم عن رأيه كما يحلو له. فقال بعضهم إن الأشياء كلها قد وُجدت من تلقاء ذاتها وبمجرد الصدفة، كالأبيكوريين(17)، الذين في اعتمادهم على الأساطير يجزمون بأنه لا يوجد تدبير الهي لكل الأشياء، وهم بهذا يناقضون ما هو واضح كل الوضوح.

2ـ فلو أن كل الأشياء قد وُجدت من نفسها وبدون تدبير، حسب اعتقادهم، لكان معنى ذلك أن هذه الأشياء قد وُجدت في بساطة وتشابه وبدون اختلافات فيما بينها، وبالتالي كان يجب أن كل الأشياء تمثل جسماً واحداً شمساً أو قمراً. وفي حالة البشر كان يجب أن يكون الجسم كله عيناً أو يداً أو رجلاً. ولكن الواقع غير ذلك فنرى الشمس شيئاً والقمر شيئاً آخر والأرض شيئاً مختلفاً. وفي الأجساد البشرية نرى الرِجل شيئاً واليد شيئاً آخر والرأس شيئاً مختلفاً. فهذا الترتيب إذن يؤكد لنا أن هذه الأشياء لم توجد من نفسها بل يدل على أن هناك علّة سابقة عليها. ومن هذا الترتيب نستطيع أن ندرك الله الذي خلق كل الأشياء ودبّرها(18).

3ـ آخرون أيضاً من بينهم مثلاً العظيم عند اليونانيين أفلاطون(19)، علّموا بأن الله خلق الكون من مادة موجودة سابقاً وغير مخلوقة(20)، وكأن الله لم يكن يقدر أن يصنع شيئاً ما لم تكن المادة موجودة بالفعل، كالنجار ـ مثلاً ـ الذي يجب أن يتوافر له الخشب لكي يستطيع أن يعمل.. لكنهم لا يدركون أنهم بقولهم هذا ينسبون الضعف لله. لأنه إن لم يكن هو سبب وجود المادة، بل يصنع الموجودات من مادة موجودة سابقاً، فهذا معناه أنه ضعيف، طالما أنه لا يقدر أن يصنع شيئاً من المصنوعات بدون (توفّر) المادة. تماماً مثل النجار فإنه يعتبر ضعيفاً لأنه لا يستطيع أن يصنع شيئاً من احتياجاته بدون توفر الأخشاب لديه.

4ـ وطبقاً لهذا الافتراض فإن الله لم يكن يستطيع أن يصنع شيئاً (قط) لو لم تكن المادة موجودة سابقاً. وكيف يمكن أن يسمى بارئاً وخالقاً، لو أنه كان يستمد قدرته على الخلق من مصدر آخر، وأعني بذلك من المادة ؟(21)

فلو كان الأمر هكذا، لكان الله حسب فكرهم مجرد عامل فني يصّنع المادة الموجودة لديه دون أن يكون هو سبب وجودها ولا يكون خالقاً للأشياء من العدم. ولا يمكن أن يسمى الله خالقاً بالمرة، ما لم يكن قد خلق المادة نفسها التي منها خُلقت المخلوقات.

5ـ وهناك هراطقة(22) أيضاً يتوهمون لأنفسهم خالقاً آخر لكل الأشياء غير أبي ربنا يسوع المسيح وهم بهذا يبرهنون على منتهى العمى. لأن الرب كان يقول لليهود ” أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما رجل وأنثى وقال من أجل هذا يترك الرجل أباه وابنه ويلتصق بامرأته و يكون الاثنان جسداً واحداً”.. وبعد ذلك يقول مشيراً إلى الخالق ” فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان”(23) فكيف يدّعي هؤلاء بأن الخليقة غريبة عن الآب؟ أو عندما يقول يوحنا في اختصار شديد إن ” كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيءُ مما كان”(24) فكيف يمكن أن يكون خالق آخر سوى الله أبي المسيح؟

الفصل الثالث

العقيدة السليمة. خلقة الكائنات من العدم لسبب فرط جود الله وكرمه. خلقة الإنسان أعلى من سائر الكائنات ولكن دون أن تكون له المقدرة على الاستمرار حياً بدون الله. العطية السامية الممتازة التي منحت له أن يكون على صورة الله ومثاله مع وعده بالسعادة بشرط احتفاظه بالنعمة.

1ـ هذه إذن هي أساطيرهم(25). أما التعليم الإلهي والإيمان بالمسيح فإنهما يُظهران هذه الأساطير أنها كفر. فالكائنات لم توجد من تلقاء نفسها لأن هناك تدبيراً سابقاً على وجودها. كما أنها لم تُخلق من مادة موجودة سابقاً، لأن الله ليس ضعيفاً. لكن الله خلق كل شيء بالكلمة من العدم وبدون مادة موجودة سابقاً، كما يقول على لسان موسى ” في البدء خلق الله السموات والأرض”(26)، وأيضاً في كتاب “الراعي” الكثير النفع(27) ” قبل كل شيء آمن بالله الواحد الذي خلق ورتب كل الكائنات وأحضرها من العدم إلى الوجود “(28).

2ـ وهذا ما يشير إليه بولس قائلاً: ” بالإيمان ندرك أن العالمين أنشئت بكلمة الله حتى لم يتكون ما يُرى مما هو ظاهر”(29).

3ـ الله صالح بل هو بالأحرى مصدر الصلاح. والصالح لا يمكن أن يبخل بأي شيء(30) وهو لا يحسد أحداً حتى على الوجود(31). ولذلك خلق كل الأشياء من العدم بكلمته يسوع المسيح ربنا، وبنوع خاص تحنن على جنس البشر(32). ولأنه رأى عدم قدرة الإنسان أن يبقى دائماً على الحالة التي خُلق فيها، أعطاه نعمة إضافية، فلم يكتف بخلق البشر مثل باقي الكائنات غير العاقلة على الأرض، بل خلقهم على صورته(33) وأعطاهم شركة في قوة كلمته(34) حتى يستطيعوا بطريقة ما، ولهم بعض من ظل (الكلمة) وقد صاروا عقلاء(35)، أن يبقوا في سعادة ويحيوا الحياة الحقيقية، حياة القديسين في الفردوس(36).

4ـ ولكن لعلمه أيضاً أن إرادة البشر يمكن أن تميل إلى أحد الاتجاهين (الخير أو الشر)(37) سبق فأمّن النعمة المعطاة لهم بوصية ومكان، فأدخلهم في فردوسه(38) وأعطاهم وصية حتى إذا حفظوا النعمة واستمروا صالحين عاشوا في الفردوس بغير حزن ولا ألم ولا هم(39)، بالإضافة إلى الوعد بالخلود في السماء. أما إذا تعدوا الوصية وارتدوا (عن الخير) وصاروا أشراراً فليعلموا أنهم سيجلبون الموت على أنفسهم حسب طبيعتهم، ولن يحيوا بعد في الفردوس، بل يموتون خارجاً عنه و يبقون إلى الأبد في الفساد والموت(40).

5ـ وهذا ما سبق أن حذّرنا منه الكتاب المقدس بفم الله قائلاً:” من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت”(41). “وموتاً تموت” لا تعني بالقطع مجرد الموت فقط، بل البقاء في فساد الموت إلى الأبد.

الفصل الرابع

مقدمة الفصلين الرابع والخامس. إن خلقتنا والتجسد الإلهي متصلان أحدهما بالآخر اتصالاً وثيقاً. وكما أنه بكلمة الله خُلِق الإنسان من العدم إلى الوجود ثم نال نعمة الحياة الإلهية، كذلك بخطية واحدة خسر الإنسان تلك الحياة، وجلب على نفسه الفساد، وامتلأ العالم بالخطية والشقاء.

1ـ وربما تتساءل، لماذا بينما نقصد أن نتحدث عن تجسد الكلمة، فإننا نتحدث الآن عن بداية خلق البشرية؟(42) لكن اِعلم أن هذا الحديث أيضاً يتصل بهدف هذا المقال.

2ـ لأنه من الضروري عندما نتحدث عن ظهور المخلّص بيننا، أن نتحدث عن بداية خلق البشر، ولكي تعلم أن نزوله إلينا كان بسببنا، وأن تعدِّينا استدعى تعطف الكلمة، لكي يأتي الرب مسرعاً لمعونتنا، ويظهر بين البشر.

3ـ فلأجل قضيتنا تجسد لكي يخلّصنا، وبسبب محبته للبشر قَبِلَ أن يتأنس ويظهر في جسد بشري(43).

4ـ وهكذا خلق الله الإنسان وكان قصده أن يبقى في غير فساد(44). أما البشر(45) فإذ احتقروا التفكير في الله ورفضوه، وفكروا في الشر وابتدعوه لأنفسهم كما أشرنا أولاً(46)، فقد حكم عليهم بحكم الموت الذي سبق إنذارهم به، ومن ذلك الحين لم يبقوا بعد كما خُلقوا(47)، بل إن أفكارهم(48) قادتهم إلى الفساد ومَلَك(49) عليهم الموت. لأن تعدي الوصية أعادهم إلى حالتهم الطبيعية، حتى أنهم كما وُجِدوا من العدم هكذا أيضاً بالضرورة يلحقهم الفناء بمرور الزمن(50).

5ـ فإن كانوا وهم في الحالة الطبيعية ـ حالة عدم الوجود، قد دعوا إلى الوجود بقوة الكلمة وتحننه، كان طبيعياً أن يرجعوا إلى ما هو غير موجود (أي العدم)، عندما فقدوا كل معرفة بالله(51). لأن كل ما هو شر فهو عدم، وكل ما هو خير فهو موجود(52). ولأنهم حصلوا على وجودهم من الله الكائن، لذلك كان لابد أن يُحرموا إلى الأبد، من الوجود. وهذا يعني انحلالهم وبقائهم في الموت والفساد (الفناء).

6ـ فالإنسان فانٍ بطبيعته لأنه خُلق من العدم إلا أنه بسبب خلقته على صورة الله الكائن(53) كان ممكناً أن يقاوم قوة الفناء الطبيعي ويبقى في عدم فناء لو أنه أبقى الله في معرفته كما تقول الحكمة “حفظ الشرائع تحقق عدم البلى”(54)، و بوجوده في حالة عدم الفساد (الخلود) كان ممكناً أن يعيش منذ ذلك الحين كالله(55) كما يشير الكتاب المقدس إلى ذلك حينما يقول ” أنا قلت إنكم آلهة. وبنوا العليّ كلكم، لكن مثل الناس تموتون وكأحد الرؤساء تسقطون”(56).

الفصل الخامس(57)

1ـ فالله لم يكتفِ بأن يخلقنا من العدم، ولكنه وهبنا أيضاً بنعمة الكلمة إمكانية أن نعيش حسب الله، ولكن البشر حولوا وجوههم عن الأمور الأبدية، وبمشورة الشيطان تحولوا إلى أعمال الفساد الطبيعي وصاروا هم أنفسهم السبب فيما حدث لهم من فساد بالموت. لأنهم كانوا ـ كما ذكرت سابقاً ـ بالطبيعة فاسدين لكنهم بنعمة اشتراكهم في الكلمة كان يمكنهم أن يفلتوا من الفساد الطبيعي لو أنهم بقوا صالحين.

2ـ وبسبب أن الكلمة سكن فيهم، فإن فسادهم الطبيعي لم يمسهم كما يقول سفر الحكمة ” الله خلق الإنسان لعدم الفساد وجعله على صورة أزليته لكن بحسد إبليس دخل الموت إلى العالم”(58) وبعدما حدث هذا بدأ البشر يموتون، هذا من جهة ومن جهة أخرى فمن ذلك الوقت فصاعداً بدأ الفساد يسود عليهم بل صار له سيادة على كل البشر أقوى من سيادته الطبيعية، وذلك لأنه حدث نتيجة عصيان الوصية التي حذرهم أن لا يخالفوها.

3ـ فالبشر لم يقفوا عند حد معين في خطاياهم بل تمادوا في الشر حتى أنهم شيئاً فشيئاً تجاوزوا كل الحدود، وصاروا يخترعون الشر حتى جلبوا على أنفسهم الموت والفساد، ثم توغلوا في الظلم والمخالفة ولم يتوقفوا عند شر واحد بل كان كل شر يقودهم إلى شر جديد حتى أصبحوا نهمين في فعل الشر(59) (لا يشبعون من فعل الشر).

4ـ ففي كل مكان انتشر الزنى والسرقة وامتلأت الأرض كلها بالقتل والنهب. ولم يرعوا حرمة أي قانون بل كانوا يسلكون في الفساد والظلم بل صاروا يمارسون الشرور بكل أنواعها(60) أفراداً وجماعات. فنشبت الحروب بين المدن، وقامت أمم ضد أمم وتمزقت المسكونة كلها بالثورات والحروب، وصار كل واحد يتنافس مع الآخر في الأعمال الشريرة(61).

5 ـ كما أنهم لم يكونوا بعيدين عن الخطايا التي هي ضد الطبيعة كما قال الرسول والشاهد للمسيح ” لأن إناثهم استبدلن الاستعمال الطبيعي بالذي على خلاف الطبيعة وكذلك الذكور أيضاً تاركين استعمال الأنثى الطبيعي اشتعلوا بشهوتهم بعضهم لبعض فاعلين الفحشاء ذكوراً بذكور ونائلين في أنفسهم جزاء ضلالهم المحق”(62).

الفصل السادس

كان الجنس البشري سائراً إلى الفناء وكانت صورة الله فيه سائرة إلى الاضمحلال والتلاشي. لهذا كان أمام الله أحد أمرين: إما أن يتنازل عن كلمته التي تعدى عليها الإنسان فجلب على نفسه الخراب؛ أو أن يهلك الإنسان الذي كان له شركة في الكلمة. وفي هذه الحالة يفشل قصد الله. فماذا إذن؟ أيحتمل هذا صلاح الله؟ وإن كان الأمر كذلك فلماذا خلق الإنسان؟ لو أن هذا حصل لدل على ضعف الله لا على صلاحه. [هذا الفصل أي قراءة له مجرّدة عن باقي تعليم القديس أثناسيوس تؤدي إلى فهمٍ خاطئ لتعليم القديس بشكل خاص واللاهوت الأرثوذكسي بشكل عام. إذ سيتابع القديس في الفصل السابع، وفي غيره من الفصول، تعليمه عن موضوع تنازل الله عن كلمته قائلاً: “التوبة لا تستطيع أن تحول دون تنفيذ الحكم كما أنها لا تستطيع أن تشفى الطبيعة البشرية الساقطة. فنحن قد جلبنا الفساد على أنفسنا ونحتاج لإعادتنا إلى نعمة مماثلة صورة الله“. فالمشكلة ليست مشكلة الله بل هي مشكلة الإنسان. والفهم الخاطئ لدى الكثيرين جعلهم يعتقدون أن التجسد كان حلاً لمشكلة وقع بها الله -حاشاه- عندما سقط الإنسان… ويوضح ذلك في 7: 4 “فلو كان تَعِدى الإنسان مجرد عمل خاطئ ولم يتبعه فساد، لكانت التوبة كافية.” (الشبكة)]

1ـ لأجل هذا إذن ساد الموت أكثر وعم الفساد على البشر، وبالتالي كان الجنس البشري(63) سائراً نحو الهلاك، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كان الإنسان العاقل والمخلوق على صورة الله آخذاً في التلاشي، وكانت خليقة الله آخذةً في الانحلال.

2ـ لأن الموت أيضاً، وكما قلت سابقاً(64)، صارت له سيادة شرعية علينا (بسبب التعدي)، منذ ذلك الوقت فصاعداً، وكان من المستحيل التهرب من حكم الناموس، لأن الله هو الذي وضعه بسبب التعدي، فلو حدث هذا لأصبحت النتيجة مرعبة حقاً وغير لائقة في نفس الوقت.

3ـ لأنه (أولاً)، من غير اللائق طبعاً أن الله بعدما تكلم بشيء مرة يتضح أنه فيما بعد كاذب، أي أن الله بعد أن أمر أن الإنسان يموت موتاً، أن يتعدى الوصية ولا يموت، بل تبطل كلمة الله. وسيكون الله غير صادق إن كان الإنسان لا يموت بعد أن قال الله إنه سيموت.

4 ـ ثانياً، كان سيصبح من غير اللائق أن تهلك الخليقة وترجع إلى العدم بالفساد، تلك الخليقة التي خُلقت عاقلة، وكان لها شركة في الكلمة(65).

5 ـ وأيضاً لأنه سيكون من غير الجدير بصلاح الله أن تفنى خليقته بسبب غواية الشيطان للبشر.

6 ـ ومن ناحية أخرى كان سيصبح من غير اللائق على الإطلاق أن تتلاشى صنعة الله(66) بيد البشر إما بسبب إهمالهم أو بسبب غواية الشياطين.

7 ـ فطالما طال الفساد الخليقة العاقلة، وكانت صنعة الله في طريقها إلى الفناء، فما الذي كان يجب على الله الصالح أن يفعله؟ أيترك الفساد يسيطر على البشر، والموت ليسود عليهم؟ وما المنفعة إذن من خلقتهم منذ البدء؟ لأنه كان أفضل بالحري ألاّ يُخلقوا بالمرة من أن يُخلقوا وبعد ذلك يُهملوا ويفنوا.

8 ـ فلو أن الله أهمل ولم يبال بهلاك صنعته، لأظهر إهماله هذا ضعفه وليس صلاحه. ولو أن الله خلق الإنسان ثم أهمله لكان هذا ضعفاً أكثر مما لو أنه لم يخلقه أصلاً.

9 ـ لأنه لو لم يكن قد خلق الإنسان لما تجرأ أحد أن ينسب إليه الضعف. أما وقد خلقه وأتى به من العدم إلى الوجود فقد كان سيصبح من غير اللائق بالمرة أن تفنى المخلوقات أمام عيني الخالق.

10 ـ كان يجب إذن أن لا يُترك البشر لينقادوا للفساد لأن هذا يُعتبر عملاً غير لائق ويتعارض مع صلاح الله.

 

 


(1) 1 كلمة الآب ليست مثل كلمة البشر لأن الآب يضبط كل الأشياء بالكلمة، فهو خالق. انظر أيضاً فصل 3/3، 17/1، 42/4ـ6، ضد الوثنيين 41/1.

(2) 2 انظر القديس أثناسيوس: ضد الوثنيين 35/1.

(3) 3 أع28:17، انظر أيضاً فصل 31/3.

(4) 4 يقصد التجسد، حيث أن تعبير ظهوره الإلهي هو مرادف لمصطلح تجسد.

(5) 5 انظر 1كو23:1.

(6) 6 استهزاء غير المؤمنين بالكلمة تجلى واضحاً في كلامهم عن موت الابن بالصليب. انظر فصول 21ـ25.

(7) 1 انظر مت26:19.

(8) 2 انظر فصل 7/2.

(9) 3 انظر الفصول 18، 21.

(10) 4 انظر فصل 47. انظر أيضاً القديس أثناسيوس: ضد الوثنيين 1.

(11) 5 ضد الوثنيين 41/2.

(12) 6 انظر القديس أثناسيوس. المقالة الثالثة ضد الآريوسيين فقرة 57.

(13) 7 لأجل خلاصنا “di¦ t»n ¹mîn swthr…an“.هذه العبارة وردت أيضاً في قانون الإيمان الذي أقرّه مجمع نيقية سنة325م. وكثيراً ما يكرر القديس أثناسيوس هذا التعبير في هذا المقال. انظر الفصول 4/3، 32/6، 52/1.

(14) 8 سيتكلم القديس أثناسيوس عن هذا الأمر بالتفصيل في الفصول من 6ـ8.

(15) 1 تمثل هذه الجملة التي يختم بها القديس أثناسيوس الفصل الأول، تعليماً أساسياً له عن الخلاص وهو يرددها دائماً في هذا الكتاب.

(16) 1 وهم أصحاب مذهب “المعرفة” الذين كانوا يعتقدون أيضاً أن الخلاص يأتي بالمعرفة.

(17) 2 هم أتباع ابيكوروس الفيلسوف الوثني الذي وُلِدَ سنة 341 ومات سنة 270 ق.م. ويرد القديس أثناسيوس على أفكار الابيكوريين ـ بدون أن يذكر أسماءهم ـ في دفاعه عن قانون إيمان مجمع نيقية. فصل 19 وأيضاً في كتابه عن مجمعي أرمينيا وسيلفكيا. فقرة 35.

(18) 1 انظر القديس أثناسيوس : ضد الوثنيين. فصول 28، 35، 37.

(19) 2 انظر أفلاطون: (429ـ347ق.م) T…maioj 2ge ويشير القديس أثناسيوس إلى أفلاطون الذي كان يفتخر بمعرفته بالله، إلاّ أن إيمانه لم يكن بالله الخالق، وهكذا فإنه لم يكن يعبد الله الحى بل الإلهة أرطاميس كأحد الآلهة التي اخترعتها البشر. انظر: ضد الوثنيين. فصل 10/4.

(20) 3 انظر القديس أثناسيوس ضد الآريوسيين المقالة الثانية. فصل 22.

(21) 4 انظر القديس أثناسيوس. الدفاع عن قانون إيمان مجمع نيقية. فصل 11.

(22) 1 يقصد الغنوسيين وعلى وجه الخصوص ماركيون. انظر أيضاً القديس أثناسيوس: ضد الوثنيين. فصل6 حيث يفند تعاليم ماركيون.

(23) 2 مت 4:19ـ6 وربما استخدم القديس أثناسيوس هذا الشاهد للرد على فكر خاطئ آخر لأتباع ماركيون إذ كانوا ينادوا بتحريم الزواج.

(24) 3 يو 3:1 استخدمت هذه الآية بواسطة القديس ايريناوس للرد أيضاً على تعاليم ماركيون (انظر ضد الهرطقات 2/2، 4). إذ أن ماركيون كان يعلّم بأن الله الخيّر قد خلق الأشياء غير المنظورة والسماء الثالثة وإله العهد القديم خلق الأشياء المنظورة. وهنا يرد القديس أثناسيوس بأن الله خلق كل شيء بالمسيح.

(25) 1 يقصد القديس أثناسيوس التعاليم الخاطئة التي يخترعها البشر عن الله، وفي المقابل يوجد التعليم الإلهي الموحى به. انظر المقالة الثانية ضد الآريوسيين. فقرة 43 حيث يذكر القديس أثناسيوس بعضاً من هذه الهرطقات.

(26) 2 تك 1:1.

(27) 3 يكرر القديس أثناسيوس رأيه بنفع هذا الكتاب في الرسالة الفصحية. رقم 39.

(28) 4 كتاب الراعى لمؤلفه هرماس 1/1.

(29) 5 عب 3:11.

(30) 1 ذكر القديس أثناسيوس هذا التعبير في المقال السابق (ضد الوثنيين) فصل41 وبأكثر وضوح: “والصالح لا يمكن أن يحسد (أحداً) على أي شيء، ولهذا السبب فإنه لا يمكن أن يحسد أحداً حتى على الوجود، بل يُسّر أن يوجد الجميع ليتمكن أن يُظهر لهم محبته للبشر”.

(31) 2 يرد على ما جاء عند أفلاطون في tˆmaioj انظر أيضاً القديس أثناسيوس: ضد الوثنيين. فصل 41.

(32) 3 انظر فصل 11/1.

(33) 4 تك 26:1ـ27 انظر أيضاً القديس أثناسيوس: ضد الوثنيين. فصل 34/3.

(34) 5 انظر القديس أثناسيوس: ضد الوثنيين. فصل 2/2.

(35) 6 الربط بين كون الإنسان له شركة في قوة الكلمة وبين كونه عاقلاً وحكيماً هو تعليم اسكندري منذ عصر فيلو ويشرح القديس أثناسيوس هذا الأمر في المقالة الثانية ضد الآريوسيين. فقرات 78ـ81

(36) 7 انظر: ضد الوثنيين 2/4 ويذكر القديس أثناسيوس فرح حياة الفردوس في عدة مواضع من كتاباته، والجدير بالذكر أنه يرى أن الإنسان في مرتبة الملائكة وأن الفردوس هو موضع القديسين وكثيراً ما ربط بين الفردوس والأديرة واصفاً إياها بأنها مواضع سكنى إلهية، انظر: الرسالة الفصحية29، حياة أنطونيوس 44، الرسالة إلى الرهبان.

(37) 1 انظر المقالة الأولى ضد الآريوسيين. فقرة 52 حيث يميّز بين كلمة الله غير المتغير والبشر ذوى الطبيعة المتغيرة. انظر أيضاً المقالة الثالثة ضد الآريوسيين. فقرة 62، 66.

(38) 2 في المقال ضد الوثنيين 2/4 يعبّر القديس أثناسيوس بطريقة رمزية عن المكان الذي كان يعيش فيه آدم فيقول: “.. في المكان الذي كان فيه الذي دعاه القديس موسى رمزياً بالجنة “.

(39) 3 انظر ضد الوثنيين 41/3.

(40) 4 انظر ضد الوثنيين 3/3ـ4.

(41) 5 تك 16:2ـ17.

(42) 1 انظر فصل 20 حيث يوضح فيه القديس أثناسيوس هدف المقال.

(43) 2 انظر فصل 43.

(44) 3 هذا تعليم أساسي ليس في العهد الجديد فقط لكن في العهد القديم أيضاً، وهو أن الله أراد أن يظل الإنسان في حالته الأولى بغير فساد، كما خلقه.

(45) 4 الجدير بالملاحظة أن القديس أثناسيوس بدلاً من تعبير “آدم” يستخدم تعبير البشر، وهو تعبير يدل ليس على إنسان بمفرده بل على كل البشر، تأكيداً منه على وحدة الجنس البشري.

(46) 1 الرسالة إلى الوثنيين فصل 3ـ5.

(47) 2 انظر ضد الوثنيين. فصل 2.

(48) 3 انظر ضد الوثنيين. فصل 3. وعن ضرورة أن يكون الفكر والذهن نقياً انظر: تجسد الكلمة. فصل 57.

(49) 4 رومية14:5 وكثيراً ما يعطى القديس أثناسيوس تشبيهات لأعمال الله بأعمال الملك. انظر فصل9.

(50) 5 انظر فصل 21/4.

(51) 6 تكرار لما جاء في فصل 41 من ضد الوثنيين. والفصل 3 من تجسد الكلمة.

(52) 7 انظر ضد الوثنيين. فصل6.

(53) 8 انظر ضد الوثنيين 2/2.

(54) 1 سفر الحكمة 19:6.

(55) 2 انظر ضد الوثنيين2/15.

(56) 3 مز 6:82،7 ويشرح القديس أثناسيوس هذه الآية في المقالة الأولى ضد الآريوسيين. فقرة 9 فيقول ” أما بالنسبة للكائنات الأخرى التي قال لها: أنا قلت أنتم آلهة، فإنها حصلت على هذه النعمة من الآب وذلك فقط بمشاركتها للكلمة عن طريق الروح القدس “.

(57) 1 انظر مقدمة هذا الفصل بمقدمة الفصل الرابع.

(58) 2 سفر الحكمة 23:2ـ24. ويلاحظ أن بداية صلاة الصلح في القداس الباسيلي مأخوذة من هذه الآيات من سفر الحكمة.

(59) 3 انظر ضد الوثنيين. فصل 3.

(60) 1 انظر ضد الوثنيين. فصل 4.

(61) 2 انظر القديس أثناسيوس: ضد الوثنيين. فصل 5. ويعود القديس أثناسيوس فيذكر في الفصول30، 48، 52 من تجسد الكلمة أن المسيح بتجسده أعطى شفاءً من كل هذه الأعمال.

(62) 3 رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 26:1ـ27. انظر أيضاً ضد الوثنيين. فصول 5، 9، 32.

(63) 1 “.. في آدم كل ذرية الجنس البشري ” انظر المقالة الثانية ضد الآريوسيين. فقرة 48.

(64) 2 انظر فصل 3.

(65) 1 ” وكان لها شركة في الكلمة (toà LÒgou aÙtoà metascÒnta) انظر أيضاً القديس أثناسيوس: ضد الوثنيين فصل46، حيث يرد مصطلح شركة metoc»n وكثيراً ما يستخدم القديس أثناسيوس هذا المصطلح أو الفعل يشترك metšcw في وصف العلاقة بين البشر والكلمة. ويقصد القديس أثناسيوس أن نعمة خلق الإنسان على صورة الله وما يُعبّر عنها هنا بشركة في الكلمة، كانت تمنح للإنسان إمكانية الغلبة على الموت والفساد كما وضح ذلك من قبل في فصل 3.

(66) 2 انظر فصل 14/1.

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
arArabic
انتقل إلى أعلى