Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎

الفصل السابع

على إننا من الجهة الأخرى نعلم أن طبيعة الله ثابتة ولا يمكن أن تتغير. أيدعى البشر إذن للتوبة؟ لكن التوبة لا تستطيع أن تحول دون تنفيذ الحكم كما أنها لا تستطيع أن تشفى الطبيعة البشرية الساقطة. فنحن قد جلبنا الفساد على أنفسنا ونحتاج لإعادتنا إلى نعمة مماثلة صورة الله. ولا يستطيع أحد أن يجدد الخليقة إلاّ الخالق، فهو وحده الذي يستطيع (1) أن يخلق الجميع من جديد (2) أن يتألم من أجل الجميع (3) أن يقدم الجميع إلى الآب.

1ـ لكن إن كان هذا هو ما يجب أن يحدث، فمن الناحية الأخرى نجد أنه لا يتفق مع صدق الله الذي يقتضى أن يكون الله أميناً من جهة حكم الموت الذي وضعه، لأنه كان من غير اللائق أن يظهر الله أبو الحق(1) كاذباً من أجلنا(2).

2ـ إذن، ماذا كان يجب أن يُفعل حيال هذا(3)؟ أو ما الذي كان يجب على الله أن يعمله؟ أيطلب من البشر التوبة عن تعدياتهم؟ ويمكن أن يرى المرء أن هذا يليق بالله(4) و يقول: كما أن البشر صاروا إلى الفساد بسبب التعدي، فإنهم بسبب التوبة يمكن أن يعودوا إلى عدم الفساد وللخلود.

3ـ لكن التوبة تعجز عن حفظ أمانة الله لأنه لن يكون الله صادقاً إن لم يظل الإنسان في قبضة الموت (لأنه تعدى فحُكم عليه بالموت كقول الله الصادق). ولا تقدر التوبة أن تغّير طبيعة الإنسان، بل كل ما تستطيعه هو أن تمنعهم عن أعمال الخطية.

4ـ فلو كان تَعِدى الإنسان مجرد عمل خاطئ ولم يتبعه فساد، لكانت التوبة كافية. أما الآن بعد أن حدث التعدي، فقد تورط البشر في ذلك الفساد الذي كان هو طبيعتهم ونزعت منهم نعمة مماثلة صورة الله، فما هي الخطوة التي يحتاجها الأمر بعد ذلك؟ أو مَن ذا الذي يستطيع أن يُعيد للإنسان تلك النعمة ويرده إلى حالته الأولى إلا كلمة الله الذي خلق في البدء كل شيء من العدم؟(5).

5ـ لأنه كان هو وحده القادر أن يأتي بالفاسد إلى عدم الفساد وأيضاً أن يصون صدق الآب من جهة الجميع. وحيث إنه هو كلمة الآب ويفوق الكل، كان هو وحده(6) القادر أن يعيد خلق كل شيء وأن يتألم عوض الجميع وأن يكون شفيعاً عن الكل لدى الآب(7).

الفصل الثامن

إذ رأى كلمة الله كل هذه الشرور لهذا نزل إلى الأرض، آخذاً جسداً من طبيعتنا من عذراء طاهرة عفيفة إذ حل في أحشائها، وذلك لكي يعلن نفسه فيه، ويقهر الموت، ويعيد الحياة.

1ـ لأجل ذلك إذن نزل إلى عالمنا كلمة الله الذي بلا جسد، عديم الفناء وغير المادي(8) مع أنه لم يكن ببعيد عنا من قبل. لأنه لم يترك جزءاً من الخليقة خالياً منه إذ هو يملأ الكل، وفي نفس الوقت هو كائن مع أبيه. لكنه أتى إلينا في تنازله، ليُظهر محبته لنا ويفتقدنا(9).

2ـ وإذ رأى(10) الجنس (البشري) العاقل يهلك وأن الموت يملك عليهم بالفناء وإذ رأى أيضاً أن عقوبة التعدي (الموت) قد خلّدت الفناء فينا وأنه من غير اللائق أن يبطل الناموس قبل أن ينفذ، وإذ رأى أيضاً عدم اللياقة فيما هو حادث بالفعل، وهو أن الخليقة التي خلقها هو بنفسه قد صارت في طريقها إلى الفناء، وإذ رأى في نفس الوقت شر البشر المفرط، وأنهم يتزايدون فيه شيئاً فشيئاً إلى درجة لا تطاق وضد أنفسهم(11)، وإذ رأى أن كل البشر تحت سلطان الموت، فإنه رحم جنسنا وأشفق على ضعفنا وتراءف على فسادنا. وإذ لم يحتمل أن يرى الموت وقد صارت له السيادة علينا، لئلا تفنى الخليقة ويتلاشى عمل الله(12)، فقد أخذ لنفسه جسداً(13) لا يختلف عن جسدنا.

3ـ لأنه لم يقصد أن يتجسد أو أن يظهر فقط(14)، وإلاّ لو أنه أراد مجرد الظهور لأمكنه أن يتمم ظهوره الإلهي بطريقة أخرى أسمى وأفضل(15).

لكنه أخذ جسداً من جنسنا، وليس ذلك فحسب، بل أخذه من عذراء طاهرة نقية لم تعرف رجلاً، جسداً طاهراً وبدون زرع بشر(16). لأنه وهو الكائن الكلّى القدرة وبارئ كل شيء، أعد الجسد في العذراء(16أ) ليكون هيكلاً له وجعله جسده الخاص متخذاً إياه أداة(17) ليسكن فيه ويُظهر ذاته به.

4ـ وهكذا إذ اتخذ جسداً مماثلاً لطبيعة أجسادنا(18)، وإذ كان الجميع خاضعين للموت والفساد، فقد بذل جسده للموت عوضاً عن الجميع، وقدّمه للآب. كل هذا فعله من أجل محبته للبشر أولاً: لكي إذ كان الجميع قد ماتوا فيه، فإنه يبطل عن البشر ناموس الموت والفناء، ذلك لأن سلطان الموت قد استنفذ في جسد الرب، فلا يعود للموت سلطان على أجساد البشر(19) (المماثلة لجسد الرب). ثانياً: وأيضاً فإن البشر الذين رجعوا إلى الفساد بالمعصية يعيدهم إلى عدم الفساد ويحييهم من الموت بالجسد(20) الذي جعله جسده الخاص، وبنعمة القيامة يبيد الموت منهم كما تُبيد النار القش(21).

الفصل التاسع

وإذا لم يكن ممكناً أن يوقف الفساد إلاّ بالموت، أخذ الكلمة جسداً قابلاً للموت. وإذ اتحد الكلمة بالجسد أصبح نائباً عن الكل، وباشتراك الجسد في عدم موت الكلمة أُوقف فساد الجنس البشري. ولكونه فوق الجميع فقد جعل جسده ذبيحة لأجل الجميع ولكونه واحداً معنا ألبسنا عدم الموت. تشبيه لإيضاح هذا.

1ـ فلقد أدرك الكلمة جيداً أنه لم يكن ممكناً أن يُقضى على فساد البشرية بأي طريقة أخرى سوى الموت نيابة عن الجميع. ومن غير الممكن أن يموت الكلمة لأنه غير مائت بسبب أنه هو ابن الآب غير المائت. ولهذا اتخذ لنفسه جسداً قابلاً للموت حتى إنه عندما يتحد هذا الجسد بالكلمة الذي هو فوق الجميع، يصبح جديراً ليس فقط أن يموت نيابة عن الجميع(22)، بل ويبقى في عدم فساد بسبب اتحاد الكلمة به(23). ومن ذلك الحين فصاعداً يُمنع الفساد من أن يسرى في جميع البشر بنعمة القيامة من الأموات(24). لذلك قَدّم(25) للموت ذلك الجسد الذي اتخذه لنفسه كتقدمة مقدسة وذبيحة خالية من كل عيب. وببذله لهذا الجسد كتقدمة مناسبة، فإنه رفع الموت فوراً عن جميع نظرائه البشر(26).

2ـ ولأن كلمة الله هو فوق الجميع فقد كان لائقاً أن يقدم هيكله الخاص وأداته البشرية فدية (¢nt…yucon) عن حياة الجميع موفياً دين الجميع بموته(27). وهكذا باتخاذه جسداً مماثلاً لجسد جميع البشر وباتحاده بهم، فإن ابن الله عديم الفساد ألبس الجميع عدم الفساد بوعد القيامة من الأموات. ولم يعد الفساد الفعلي بالموت له أي سلطان على البشر بسبب الكلمة الذي جاء وسكن بينهم بواسطة جسده.

3ـ وكما أنه عندما يدخل أحد الملوك العظام إلى مدينة عظيمة، ويسكن في أحد بيوتها فإن المدينة كلها تكرّمه أعظم تكريم(28) ولا يجرؤ أي عدو أو عصابة أن تدخل إليها أو تحطمها، بل على العكس تكون جديرة بكل عناية واهتمام بسبب سكنى الملك في أحد من بيوتها، هكذا كان الحال مع ملك الكل(29).

4ـ والآن، لأنه قد جاء إلى عالمنا وسكن في جسد مماثل لأجسادنا، فقد بطلت منذ ذلك الحين كل مؤامرة العدو ضد البشر وأُبطل فساد الموت الذي كان سائداً عليهم من قبل(30). لأن الجنس البشري كان سيهلك بالتمام لو لم يكن رب الكل ومخلّص الجميع ابن الله قد جاء ليضع حداً للموت.

الفصل العاشر

تشبيه آخر يوضح معقولية عمل الفداء. كيف أن المسيح أزال عنا هلاكنا، وقَدَمَ لنا في تعاليمه الدواء الشافي من الهلاك. البراهين الكتابية على تجسد الكلمة والذبيحة التي قدمها.

1ـ وفى الحقيقة، فإن هذا العمل العظيم هو لائق بدرجة فائقة بصلاح الله(31). لأنه إذا أسس مَلِك منزلاً أو مدينة ثم بسبب إهمال سكانها حاربها اللصوص، فإنه لا يهملها قط، بل ينتقم من اللصوص ويخلّصها لأنها صنعة يديه وهو غير ناظر إلى إهمال سكانها، بل إلى ما يليق به هو ذاته(32). هكذا وبالأكثر جداً فإن كلمة الآب كلي الصلاح، لم يتخل عن الجنس البشري الذي خُلق بواسطته، ولم يتركه ينحدر إلى الفناء. بل أبطل الموت الذي حدث نتيجة التعدي، بتقديم جسده الخاص. ثم قوّم إهمالهم بتعاليمه، وبقوته الخاصة أصلح كل أحوال البشر(33).

2ـ وهذه كلها يمكن للمرء أن يتحققها مما قاله الكُتّاب(34) الموحى إليهم عن المخلّص إذا قرأ أحد ما كُتب بواسطتهم حيث يقولون(35) لأن محبة المسيح تحصرنا إذ نحن نحسب هذا إنه إن كان واحد قد مات لأجل الجميع فالجميع إذاً ماتوا. وهو مات لأجل الجميع كي لا نعيش فيما بعد لأنفسنا، بل للذي مات لأجلنا وقام(36) ربنا يسوع المسيح. وأيضاً ” لكن الذي وُضع قليلاً عن الملائكة(37) نراه مكللاً بالمجد والكرامة من أجل ألم الموت لكي يذوق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد”(38).

3ـ وبعد ذلك يوضح السبب الذي من أجله كان ضرورياً أن الله الكلمة نفسه وليس آخر سواه هو الذي يتجسد فيقول ” لأنه لاق بذاك الذي من أجله الكّلُ وبه الكل وهو آت بأبناء كثيرين إلى المجد أن يُكمّلَ رئيس خلاصهم بالآلام”(39) وهو بهذا يقصد أن يوضح أنه لم يكن أحد آخر يستطيع أن يسترد البشر من الفساد الذي حدث (نتيجة السقوط) غير كلمة الله الذي خلقهم في البداية.

4ـ وأيضاً أشار الرسول إلى أن الكلمة بذاته اتخذ لنفسه جسداً ليقدمه ذبيحة عن الأجساد المماثلة قائلاً ” فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضاً فيهما لكي يبيد بالموت ذلك الذي له سلطان الموت أي إبليس ويعتق أولئك الذين خوفاً من الموت كانوا جميعاً كل حياتهم تحت العبودية”(40)

5ـ لأنه بذبيحة جسده الذاتي وضع نهاية لناموس الموت الذي كان قائماً ضدنا. وصنع لنا بداية جديدة للحياة برجاء القيامة الذي أعطاه لنا. لأنه إن كان بإنسان واحد قد ساد الموت على البشر، ولهذا أيضاً فبسبب تأنس كلمة الله فقد حدثت إبادة للموت وتمت قيامة الحياة كما يقول لابس المسيح(41) بولس: “فإنه إذ الموت بإنسان، بإنسان أيضاً قيامة الأموات لأنه كما في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيُحيا الجميع”(42) وبالتالي فنحن الآن لا نموت بعد كمدانين، بل كأناس يقومون من الموت ننتظر القيامة العامة(43) للجميع والتي سيبينها في أوقاتها التي يحددها(44) الله الذي أتمها والذي وهبنا إياها.

6ـ فهذا إذن، هو السبب الأول لتجسد المخلّص، ومما يلي سنعرف أسباباً أخرى لضرورة ولياقة ظهوره المبارك بيننا.

الفصل الحادي عشر

سبب آخر للتجسد: أن الله إذ عرف أن الإنسان بطبيعته لم يكن في مقدوره معرفته، وهبه معرفته لكي يستطيع أن يجد فائدة من وجوده في الحياة. لقد خلقه على صورة الكلمة حتى يستطيع بذلك أن يعرف الكلمة وبه يعرف الآب. أما هو فإذ احتقر هذه المعرفة هوى إلى العبادة الوثنية تاركاً الله غير المنظور واتبع السحر والشعوذة، وذلك كله رغماً عن إعلانات الله المتعددة عن نفسه.

1ـ عندما خلق الله ضابط الكل(45) الجنس البشري، بواسطة كلمته الذاتي، لأنه يعرف جيداً ضعف طبيعة البشر(46) وعجزها عن أن تعرف الخالق من نفسها، ولا تستطيع أن تكوّن أية فكرة عن الله على الإطلاق، وذلك بسبب أنه “غير المخلوق”(47)، أما الكائنات فهي مخلوقة من العدم(48). وبينما هو روح لا جسد له فإن البشر قد خلقوا في جسد أرضي من أسفل. وبصفة عامة فهناك عجز كبير في قدرة المخلوقات على أن تدرك وتعرف خالقها(49) ولهذا فإن الله بسبب صلاحه، تحنن على الجنس البشري ولم يتركهم بعيداً عن معرفته لئلا يكون وجودهم في الحياة بلا أية منفعة.

2ـ لأنه أية منفعة للمخلوقات لو أنها لم تعرف خالقها؟ أو كيف يمكن أن تكون (مخلوقات) عاقلة لو لم تعرف كلمة (LÒgon) الآب، الذي به خلقوا؟ لأنهم لن يتميزوا بالمرة عن المخلوقات غير العاقلة (الحيوانات) لو أنهم انحصروا فقط في معرفة الأمور الأرضية. ولماذا خلقهم الله طالما أنه لم يكن يريد لهم أن يعرفوه؟(50)

3ـ ولكي لا يحدث هذا، ولأنه صالح في ذاته، فقد جعل لهم نصيباً في صورته الذاتي (الذي هو) ربنا يسوع المسيح، وخلقهم على صورته ومثاله حتى أنه ـ بسبب تلك النعمة ـ فإنهم عندما يرون تلك الصورة أي كلمة الآب، يمكنهم عن طريقه أن يصلوا إلى معرفة الآب، وإذ يعرفون خالقهم(51) فإنهم يحيون حياة حقيقية سعيدة مغبوطة.

4 ـ غير أن البشر ـ رغم كل هذا ـ بسبب تمردهم، لم يكترثوا بتلك النعمة المعطاة لهم، وهكذا رفضوا الله كلية وأصبحت نفوسهم مظلمة(52) حتى أنهم لم ينسوا فكرتهم عن الله فقط، بل وأيضاً اخترعوا لأنفسهم اختراعات كثيرة واحداً تلو آخر. لأنهم لم يكتفوا بأن يصنعوا لأنفسهم أوثاناً بدلاً عن عبادة الحق، فأكرموا الكائنات المخلوقة من العدم(53) دون الله الحي ” وعبدوا المخلوق دون الخالق”(54). بل والأسوأ من الكل أنهم حوّلوا الكرامة التي تحق لله إلى الأخشاب والأحجار(55)، وإلى كل الأشياء المادية، وإلى البشر، بل ذهبوا إلى أبعد من هذا كله كما ذكرنا سابقاً(56).

5 ـ بل بلغ بهم الجحود إلى أنهم عبدوا الشياطين مُنادين بها كآلهة مُشبعين بذلك شهواتهم. ذلك لأنهم قدموا محرقات من الحيوانات غير العاقلة وذبائح من البشر كما ذكرنا سابقاً(57)، متممين بذلك فرائض تلك العبادات، منحدرين بأكثر سرعة وراء نزعاتهم الجنونية.

6 ـ ولهذا أيضاً تعلموا أعمال السحر وأضلّت العرافة البشر(58) في أماكن عديدة، وصار جميع الناس ينسبون سبب ميلادهم ووجودهم إلى النجوم والأجرام السماوية(59)، إذ لم يفكروا في أي شيء آخر إلاّ فيما كانوا ينظرونه بعيونهم(60).

7 ـ وعلى وجه العموم، صار كل شيء مشبّعاً (بروح) الكفر والعصيان(61) وأصبح الله وحده وكلمته غير معروفين للبشر، رغم أن الله لم يُخفِ نفسه عن البشر، وهو لم يُعلن نفسه بطريقة واحدة فقط، بل أعطاهم معرفته بأشكال متعددة وطرق كثيرة(62).

الفصل الثاني عشر

ومع أن الإنسان خُلِقَ على صورة الله، إلاّ أن الله إذ سبق فعلم ميله إلى النسيان أعد أعمال الخليقة لتذكّره بشخصه. والأكثر من ذلك أنه أعد الناموس والأنبياء الذين قصد أن تكون خدمتهم لكل العالم. ولكن البشر لم يلتفتوا إلاّ لشهواتهم.

1 ـ إن نعمة مماثلة الصورة الإلهية كانت كافية في حد ذاتها لكي تجعلنا نعرف الله الكلمة، ونعرف الآب بواسطته. غير أن الله إذ كان يعرف ضعف البشر، وضع في اعتباره أيضاً إهمالهم لمعرفة الله حتى إذا لم يهتموا أن يعرفوا الله من تلقاء أنفسهم(63) استطاعوا بواسطة المخلوقات أن يتجنبوا الجهل بخالقها(64).

2 ـ ولأن إهمال البشر انحدر قليلاً قليلاً نحو السفليات فقد أعدّ الله مرة أخرى علاجاً لضعفهم هذا، فأرسل لهم ناموساً وأنبياءً معروفين لديهم، حتى أنهم إذا لم يرفعوا عيونهم إلى السماء ليعرفوا الخالق استطاعوا أن يتعلموا (عن الله) ممن يعيشون بينهم، وذلك لأن البشر يستطيعون أن يتعلموا من البشر أمثالهم عن الأمور العليا بطريقة مباشرة(65).

3 ـ وهكذا كان متاحاً لهم إذا رفعوا عيونهم إلى عظمة السماء وأدركوا تناسق الخليقة أن يعرفوا مدبرها كلمة الآب، الذي بتدبيره لكل الأشياء يعرِّف الآب للجميع، وهو الذي يحرِّك كل الأشياء لهذه الغاية عينها حتى يستطيع الجميع أن يعرفوا الله بواسطته(66).

4 ـ أو لو صعب عليهم هذا لكان في مقدورهم على الأقل أن يلتقوا بالرجال القديسين(67)، وبواسطتهم أن يعرفوا الله خالق الكل، أبا المسيح، وأن عبادة الأوثان هي كفر بالله ومملوءة بكل جحود وفساد(68).

5 ـ أو كان متيسراً لهم بمعرفتهم للناموس أن يكّفوا عن كل تعدٍ(69). وأن يعيشوا حياة الفضيلة لأن الناموس لم يكن فقط لليهود، ولا أُرسِل الأنبياء إلى اليهود فقط. ولكن، وإن كانوا قد أُرسِلوا لليهود ومن اليهود اضطهدوا إلاّ أنهم كانوا معلّمين مقدسين للمسكونة كلها، يعلّمون عن معرفة الله وعن سلوك النفس(70).

6 ـ وبالرغم من عِظمْ صلاح الله ومحبته للبشر(71) فإن البشر إذ انغلبوا من شهواتهم الزائلة ومن الضلالات والغوايات التي أرسلتها الشياطين(72) فإنهم لم يقبلوا الحق بل ثقّلوا أنفسهم بالشرور والخطايا إلى الحد الذي يجعلهم لا يظهرون بعد كخلائق عاقلة، بل من طريقة تصرفاتهم يُحسبون مجردين من العقل.

 

 


(1) 1 تعبير ” الحق ” ¢l»qeia يرتبط في إنجيل يوحنا بالأقانيم الثلاثة، فالمسيح يدعو نفسه الحق ¢lºqeian (يو6:14) والروح القدس روح الحق “ pneÚma tÁj ¢lhqšiaj “ (يو17:14، 13:16) والآب ليس فقط أبو الحق بل هو أيضاً صادق “ qeÒn ¢lhq» “ يو33:3.

(2) 2 انظر القديس أثناسيوس: الرسالة الفصحية رقم 19/3.

(3) 3 يكرر القديس أثناسيوس نفس السؤال الذي وضعه في الفصل السابق (6/7) غير أن السؤال هناك كان يتعلق بصلاح الله الذي كان من غير اللائق به أن يترك خليقته تتلاشى أمام عينيه، أما السؤال هنا فإنه يتعلق بكون الله أميناً من جهة حكم الموت وعدم لياقة أن يظهر الله أبو الحق كاذباً من أجلنا.

(4) 1 هنا يرد القديس أثناسيوس على مَن لا يجدون ضرورة لتجسد الكلمة ويرون أن هناك طرقاً أخرى لخلاص البشر. إحدى هذه الطرق هي التوبة. وفي فصل 44 يرد على رأى آخر ينادى بإمكانية إصلاح الخليقة بمجرد نطق عالٍ دون حاجة إلى تجسد الكلمة.

(5) 2 انظر فصل 1/4.

(6) 3 انظر فصل 13/7 حيث يشرح القديس أثناسيوس معنى هذه الجملة.

(7) 4 انظر 1يو 1:2، عب 25:7، 24:9.

(8) 1 الصفات التي يستخدمها القديس أثناسيوس عن الكلمة بأنه بلا جسد، عديم الفناء، غير المادي لا ترد بالطبع في كتابات الفلاسفة عن الله، إذ هي تحديدات من العصر المسيحي، ويقصد بها هنا القديس أثناسيوس توضيح الفرق بين طبيعة كلمة الله وطبيعة البشر المادية المخلوقة. انظر دفاعه عن قانون إيمان مجمع نيقية. فصل10. وتعبير “غير المادي” يوضح ألوهية الكلمة. انظر فصل 2/3، 4.

(9) 2 يعود القديس أثناسيوس لشرح هذه الحقيقة في فصل 17.

(10) 3 في فصل (6) يذكر القديس أثناسيوس “.. فقد كان من غير اللائق بالمرة أن تفنى المخلوقات أمام عيني الخالق”، وهنا في فصل (8) يوضح حالة الجنس البشري وما قد رآى الله أنها وصلت إليه، مستخدماً فعل “رأى” خمس مرات، وهذه الحالة التي رآها الله هي التي ” لأجلها إذن نزل إلى عالمنا كلمة الله.. وأخذ لنفسه جسداً لا يختلف عن جسدنا “.

(11) 1 انظر فصل 5/3.

(12) 2 انظر فصل 6/6.

(13) 3 انظر حياة أنطونيوس 5 ” الرب الذي من أجلنا أخذ جسداً “.

(14) 4 انظر فصل 4/2.

(15) 5 انظر فصل43 حيث يجيب القديس أثناسيوس على السؤال لماذا لم يظهر عن طريق أجزاء أخرى من الخليقة أكثر سمواً وأن يستخدم أداة أشرف كالشمس أو القمر أو النجوم أو الكواكب أو النار أو الهواء بدلاً من الإنسان وحده؟

(16) 6 انظر المقالة الثانية ضد الآريوسيين. فقرة 7.

(16أ) 7 الولادة من العذراء تثبت ألوهية الكلمة كخالق انظر فصل 18/5. [هذه الحاشية لم ننتبه لها في البداية، ولذلك قمنا بوضع رقم 16أ. والطبيعي أن تكون رقم 17 ويتابع الترقيم من بعدها من الرقم 18.]

(17) 8 هيكل “NaÒj“وأداة “Órganon” مصطلحان يردان باستمرار عند القديس أثناسيوس. انظر فصل 22/5 41/7،43/4، 44/4، وأيضاً

A. Grillmeier, Christ in Christian Tradition (London 1955 pp.205ff)

اصطلاح “هيكل” لوصف الجسد الذي أعده الكلمة في العذراء ليحل فيه يمكن أن يفسر على أنه بديل عن هيكل أورشليم الذي نقض كعلامة وبرهان على مجيء كلمة الله، الذي قدم هيكل جسده ذبيحة بدل ذبائح العهد القديم. انظر فصل 40/1.

(18) 1 وهذا معناه أنه كان جسداً حقيقياً لا خيالياً. انظر فصل 18/1.

(19) 2 أنظر فصل 21/1ـ2.

(20) 3 وهذا معناه أن اصلاح البشرية وخلاصها كان لابد أن يتم بتجسد الله الكلمة وليس بمجرد نطق.

(21) 4 انظر فصل 44 حيث يشير فيه أيضاً تشبيه النار والقش.

(22) 1 انظر فصل 37/7.

(23) 2 “.. هكذا أيضاً عندما اتخذ الجسد كأداة فإنه لم يشترك في خواص الجسد بل بالحري فإنه قدس الجسد “. فصل 43/6.

(24) 3 انظر 1كو54:15 وتبرز قيامة المسيح كتتميم لعمل المسيح الخلاصي الذي اتخذ فيه الكلمة طبيعة بشرّية كاملة. فبواسطة قيامة المسيح تحققت إعادة الإنسان إلى ” مماثلة الصورة ” وأيضاً وهب للبشر “عدم الفساد” كثمرة لهذه القيامة.

(25) 4 يستخدم هنا القديس أثناسيوس نفس الفعل (قدّم) الذي سبق أن استخدمه في فصل 8/4 حيث يذكر أن المسيح “بذل جسده عوضاً عن الجميع وقدمه للآب”.

(26) 1 المقالة الثانية ضد الآريوسيين. فقرة 9.

(27) 2 انظر فصل 25/3، وهامش رقم (2) ص71 حيث يُستخدَم مصطلح آخر يوناني لكلمة فدية.

(28) 3 وهذا ليس معناه أن الملك يصبح جزءاً من المدينة.. انظر المقالة الثانية ضد الآريوسيين. فصل 71 “.. لأن مَن يدخل إلى المنزل لا يعتبر جزءاً من المنزل بل هو مختلف عن المنزل “.

(29) 4 يتكرر استخدام أعمال الملك كتشبيهات في الفصول 10، 13، 27، 36، 55، من هذا الكتاب وأيضاً في الفصول 10، 21، 38 من “ضد الوثنيين”.

(30) 5 آخر عدو يبطل هو الموت (1كو 26:15) وشوكة الموت هي الخطية وقوة الخطية هي الناموس (1كو 56:15) انظر فصل 27.

(31) 1 هذه الجملة توضح ما سبق أن كتبه القديس أثناسيوس في بداية المقالة: ” وكل ما يسخر منه البشر كأمر غير لائق، هذا يجعله بصلاحه لائقاً ” فصل 2/1.

(32) 2 إهمال البشر يقابله عدم إهمال الله، فالاهمال لا يليق بصلاح الله. انظر فصل 6/8.

(33) 3 انظر فصل 11.

(34) 4 يُقصد بهم التلاميذ والرسل.

(35) 5 استخدم القديس أثناسيوس الفعل في صيغة الجمع ثم أورد نصوص من رسائل القديس بولس فقط. ولعله يقصد هنا أن القديس بولس يقول عن ما كان يؤمن به باقي التلاميذ والرسل. ونفس هذا الاستخدام نجده في فصل 33/3 حيث يستخدم كلمة الأنبياء ويورد نص لإشعياء وحده.

(36) 1 انظر 2كو 14:5ـ15.

(37) 2 هذه الآية أساء الآريوسيين تفسيرها واستخدموها لتعضيد رأيهم بأن الابن مخلوق كالملائكة، ورد عليهم القديس أثناسيوس معطياً التفسير السليم لها. انظر المقالة الأولى ضد الآريوسيين فقرة 53. وهنا الآية تركز على أنه بموت وقيامة المسيح أعطى لكل واحد منا الحياة الجديدة.

(38) 3 عب 9:2.

(39) 4 وهنا يورد القديس أثناسيوس شاهداً كتابياً (عب10:2) لما جاء في الفصلين السابقين 6، 7 ويرجع اختياره لهذا الشاهد لسببين: أولاً: أنه يشمل تعبير “لاق” والذي سبق أن استخدمه عدة مرات في الفصول السابقة حيث أوضح به أنه كان لائقاً بكلمة الله أن يتجسد. وهو في هذا يرد على تعاليم الوثنيين التي كانت تنادي بأن التجسد أمر غير لائق بالله. والسبب الثاني أنه ورد في النص الكتابي أن المسيح هو رب وخالق “من أجله الكل وبه الكل” وهنا يربط مرة أخرى في تعليمه بين الخلق والفداء.

(40) 1 هنا أيضاً يورد القديس أثناسيوس شاهداً كتابياً (عب14:2، 15) لما تكلم عنه في الفصلين 8، 9 ويريد أن يوضح من خلاله أن الكلمة اتخذ لنفسه جسداً مماثلاً لأجسادنا أي باشتراك الكلمة في اللحم والدم. غير أن إبادة الموت داخل هذا الجسد قد تمت باشتراك اللحم والدم في حياة الكلمة الذي قدّس الجسد أيضاً وهذا ما يشرحه بالتفصيل في الفصول 17/5ـ6، 43/5ـ6. وفي استخدامه لهذا الشاهد يريد القديس أثناسيوس أن يركز بالأكثر لا على هزيمة الشيطان بل على كل ما جاء بالفصل (8) وهو أن المسيح قهر الموت وأعاد الحياة. وهذه الغلبة تطرد منا كل خوف من الموت (انظر فصل 28).

(41) 2 لقب بولس الرسول هذا يمكن أن يشتق من 1كو 49:15 وسبق أن لقّب القديس أثناسيوس بولس الرسول بهذا اللقب في مقالته ضد الوثنيين. فصل 5/2.

(42) 3 1كو21:15ـ22.

(43) 4 انظر فصل 21.

(44) 5 تيموثاوس 6:1، 15، تيطس 3:1. عن المجيء الثاني انظر فصل 56.

(45) 1 انظر ضد الوثنيين. فصل 29/2.

(46) 2 انظر فصل 3/3ـ4 حيث يذكر أن ضعف طبيعة البشر تتمثل في عدم إمكانيتها أن تحيا حياة أبدية من نفسها وهنا يشير إلى ضعف آخر وهو عجزها عن أن تعرف الخالق من نفسها.

(47) 3 انظر المقالة الأولى ضد الآريوسيين. فصل 30 حيث يشرح القديس أثناسيوس معنى مصطلح “غير المخلوق” بالتفصيل وأيضاً الفصل 28 من كتاب الدفاع عن قانون إيمان مجمع نيقية.

(48) 4 انظر فصل 2، المقالة الأولى ضد الآريوسيين. فقرة 21.

(49) 5 صلاح الله وتحننه على الجنس البشري ظهر في خلقتهم لكي يحيوا إلى الأبد (فصل3) وهنا في فصل11 يظهر هذا الصلاح في اعطاء الجنس البشري نعمة معرفته والتي بدونها كانت حياة البشر ستصبح بدون معنى، والإنسان نفسه كان سيصبح مثل باقي المخلوقات غير العاقلة. عن الفرق بين الإنسان العاقل وباقي المخلوقات انظر ضد الوثنيين فصل 31.

(50) 1 يتكرر نفس هذا السؤال في فصل 13/2.

(51) 2 أمران رئيسيان يوضحهما القديس أثناسيوس في المقالتين “ضد الوثنيين” و”تجسد الكلمة” وهما النصرة على الموت والفساد والعودة إلى معرفة الله الحقيقي. انظر ” تجسد الكلمة ” الفصول 15، 20، 32، 54 وضد الوثنيين الفصل الثاني. انظر أيضاً (يو3:17).

(52) 3 يعود القديس أثناسيوس لشرح هذا الأمر في الفصل 57.

(53) 1 انظر فصل 4/5.

(54) 2 انظر رومية 25:1، ضد الوثنيين فصل 47 حيث يستخدم أيضاً نفس الآية.

(55) 3 انظر ضد الوثنيين الفصول 13ـ15.

(56) 4 انظر ضد الوثنيين 8، 9 حيث يشير إلى العبادات الوثنية، وفي فصل 26 يتحدث عن الممارسات الجنسية الشاذة التي كانت سائدة بينهم.

(57) 5 ضد الوثنيين. الفصول 22ـ25.

(58) 6 هذه الأعمال هي أعمال الشياطين. انظر فصل 46ـ47.

(59) 7 انظر ضد الوثنيين. الفصول 9، 27.

(60) 8 انظر ضد الوثنيين. فصل 8، وتجسد الكلمة فصل 15.

(61) 1 انظر ضد الوثنيين فصل 25.

(62) 2 انظر ضد الوثنيين. فصل 35.

(63) 1 تعبير “من تلقاء أنفسهم” يُقصد به أن البشر كانوا قادرين على معرفة الله من تلقاء أنفسهم بسبب كونهم مخلوقين على صورة الله ومثاله غير أنهم أهملوا هذا. انظر ضد الوثنيين. فصل 34/3.

(64) 2 انظر ضد الوثنيين. فصول 2، 4.

(65) 3 انظر فصول 15، 34.

(66) 1 انظر ضد الوثنيين فصل 35.

(67) 2 القداسة هي أمر أساسي لمعرفة الأسرار الإلهية، القديس هو بالحري معلّم عن الحق الإلهي.. هنا يقصد القديس أثناسيوس القديسين الذين كتبوا أسفار العهد القديم. ويشير القديس أثناسيوس إلى التمثل بحياة القديسين في الفصل 57.

(68) 3 انظر ضد الوثنيين. فصول 11، 14، 45.

(69) 4 انظر ضد الوثنيين. فصل 4/2.

(70) 5 يوضح القديس أثناسيوس ثلاث طرق أعدها الله للإنسان لتساعده على معرفة الله. هذه المعرفة تحققت في صورتها الأكمل بتجسد كلمة الله. أما هذه الطرق فهي: خلقة الإنسان على صورة الله ومثاله، تناغم وتناسق الكون ثم أخيراً الناموس والأنبياء. هذا التعليم نجده أيضاً عند القديس ايريناوس. انظر ضد الهرطقات 2/8.

(71) 6 صلاح الله ومحبته للبشر هما الدافع لتجسده. انظر فصول 1، 8، 9.

(72) 7 عن غوايات وضلال الشياطين انظر فصل 47.

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
arArabic
انتقل إلى أعلى