Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎

عيد القيامة في 19 أبريل 341م

أخوتي الأعزاء.. أنني كما اعتدنا أستعد مرة أخرى لأخبركم عن العيد المنقذ الذي سيحل. فأنه وإن كان أضداد المسيح (الأريوسيون) يضايقونكم وإيانا بأحزان وآلام، لكن إذ يعزينا الله بالإيمان المشترك(1) أكتب إليكم من روما.

وإذ أحفظ العيد هنا مع الأخوة، إلا أنني أكون حافظًا له معكم بالإرادة والروح، إذ نقدم جميعًا صلوات عامة إلى الله الذي وهبنا لا أن نؤمن به فحسب بل وأن نتألم أيضًا من أجله(2).

فإننا ونحن مضطربون لبعدنا عنكم، لكن الله يحركنا للكتابة إليكم، فتصير لنا هذه الرسالة تعزية، ويلاحظ بعضنا البعض محرضين بعضنا في الأعمال الصالحة(3).

حقًا إن أحزانًا غير محصية واضطهادات مرة موجهة ضد الكنيسة، ضدنا. لأن الهراطقة (الأريوسيين) إذ هم فاسدين في أذهانهم، منحرفين عن الإيمان، يقاومون الحق ويضطهدون الكنيسة بعنف، بجلد وتمزيق بالأسياط، وقسوة على الجميع، حتى السب في الأساقفة!

ومع ذلك فإننا لن نهمل العيد بسبب هذه الأمور، إنما يلزمنا على وجه الخصوص أن نذكرها من وقت إلى آخر ولا ننساها تمامًا.

والآن فإن غير المؤمنين (الأريوسيين) لا يبالون بحلول الأعياد، بل يقضون حياتهم كلها في السب والأمور المملوءة غباء، أما أعيادهم التي يحفظونها فهي للحزن لا للفرح.

أما بالنسبة لنا نحن في هذه الحياة الحاضرة، فإننا فوق كل شيء لنا طريقًا أكيدًا (للسماء). إنه بالحق عيدنا. لأن مثل هذه الأمور (المضايقات) تخدمنا في التدرب والتجربة، فإذ نتزكى ونختار خدامًا للمسيح، نصير شركاء في الميراث مع القديسين.

لذلك كان أيوب يرى أن العالم هو مكان يتجرب فيه الشر على الأرض(4) فالذين يتزكون في هذا العالم بالأحزان والأتعاب والغم، بل كل واحد منهم المجازاة التي تتلائم معه، إذ يقول الله على لسان النبي “أنا الرب فاحص القلب مختبر الكلى لأعطي كل واحد حسب طرقه”(5)

الله يهب كل واحد مكافأته

هذا لا يعني أن الله لأول مرة يعرف ماذا يتناسب مع ما يتزكى عليه الإنسان، إنما يعرف هذا من قبل أن يوجد الإنسان إنما لأنه صالح وصانع خيرات، لهذا فهو يوزع المكافأة التي تتناسب مع عمل كل إنسان، حتى يعلن كل واحد أن حكم الله بر! وفي ذلك يقول النبي مرة أخرى بأن الرب مختبر الصديق وفاحص الكلى(6).

مرة أخرى فأن هذا (الألم يسمح به) لكل واحد… فتعلن الفضيلة بواسطة الذين تزكوا، كما قيل لأيوب “لعلك تناقض حكمي، تستذنبني لكي تتبرر أنت؟!(7)… ويشعر الناس بأفعالهم (بسبب التجارب) فيعرفوا أي سلوك هم اتبعوه فينوب بعضهم عن شرهم متمسكين بالثبوت في الإيمان.

وعندما لحق بولس أحزانًا واضطهادات وجوعًا وعطشًا يقول “ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا”(8).

فخلال الألم كان ضعيفًا في الجسد، لكن بإيمانه ورجائه كان قويًا في الروح، وقوته هذه كملت ضعفه.

بركات الألم

والقديسون الآخرون أيضًا الذين كان لهم ثقة مماثلة في الله، قبلوا تجاربًا مشابهة بسرورٍ، إذ كان أيوب يقول “فليكن اسم الرب مباركًا” (أي 21:1). والمرتل يقول “جربني يا رب وامتحني (أبلني). صف (نق) كليتي وقلبي” (مز 2:26)، لأنه إذ يتزكى الأقوياء، يصير المتهمون مذنبون. وإذ يرى الأقوياء عملية التنقية، ويدركون بركات النار الإلهية، فأنهم لا يجبنون أمام تجارب كهذه بل بالحري يبتهجون بها. ولا يصيبهم قط ضرر من مثل هذه الأمور التي حدثت، بل يصيرون إلى أمجاد أكثر تتلألأ، كالذهب في النار (مل 3:3؛ 1 بط 7:1)، وكما قال ذاك الذي امتحن في مثل هذه المدرسة. جربت قلبي. تعهدته ليلاً. فحصتني لا تجد فيَّ ذمومًا. لا يتغذى فمي من جهة أعمال الناس (مز 3:17، 4).

أما أولئك الذين أعمالهم لا تصدها الوصايا، الذين لا يعرفون شيئًا سوى الكل والشرب والموت، مثل هؤلاء ينظرون إلى التجارب على أنها خطرة. هؤلاء يتعثرون فيها، حتى إنهم إذ لا يمتحنون في الإيمان يسلمون إلى ذهن مرفوض ليفعلوا ما لا يليق(9).

لذلك فأن الطوباوي بولس عندما يحثنا إلى تداريب مثل هذه، وقد سبق له أنه قاس نفسه بها قائلاً “لذلك أسر بالضعفات… والضيقات”(10) ومرة أخرى “روض نفسك للتقوى(11).

فإذ قد عرف أن الاضطهادات التي تحيق بالمختارين لحياة التقوى، لذلك رغب لتلميذه أن يتأمل مقدمًا المصاعب الخاصة بالتقوى، حتى متى حلت الشدائد وثارت الأحزان احتملها بسهولة، إذ قد تدرب فيها.

لأنه إذ يكون الإنسان منشغل الفكر بهذه الأمور، فإنه يختبر الفرح الخفي اختبارًا عاديًا…

وبهذه الكيفية إذ اختبر الشهداء الطوباويون المصاعب، صاروا كاملين بسرعة في المسيح، غير مبالين بضرر في شيء إذ هم متأملون الراحة.

ملكوت السموات والضيق

وأما هؤلاء الذين “ينادون بأسمائهم في الأراضي”(12)، ولهم في أفكارهم “خشبًا وعشبًا وقشًا”(13)، أمثال هؤلاء إذ هم غرباء عن الضيق، أيضًا غرباء عن ملكوت السموات.

وإذ يعرف البعض أن الضيق ينشئ صبرًا، والصبر تزكية، والتزكية رجاء، والرجاء لا يخزى، لهذا فأنهم يتدربون على مثال بولس الذي يقول “أقمع جسدي وأستعبده حتى بعدما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضًا(14). فيتحملون التجارب بسهولة، هذه التي تحل بهم من حين إلى حين لأجل تزكيتهم، ذلك أن كانوا يصغون إلى النصيحة النبوية القائلة “جيد للرجل أن يحمل النير في صباه. يجلس وحده ويسكت لأنه قد وضعه عليه. يجعل في التراب فمه لعله يجد رجاء. يعطي خده لضاربه. يشبع عارًا. لأن السيد لا يرفض إلى الأبد. فإنه ولو أحزن يرحم حسب كثرة مراحمه”(15).

لأنه بالرغم مما يحل بهم من الأعداء: من ضرب وسب وتوبيخ، إلا أنها لا تصد عنهم كثرة مراحم الله. لأنه سرعان ما نكتشف أنهم هم مجرد زمنيون أما الله فهو دائمًا واهب عطايا ومقدم حنو محبته للذين يرضونه.

لذلك أيها الأخوة الأحباء، ليتنا لا نتطلع إلى الأشياء الوقتية، بل نثبت أنظارنا نحو الأبديات.

فقد تأتي الأحزان، لكنها ستأتي حتمًا، وهكذا أيضًا السب والاضطهادات، لكنها تحسب كلا شيء بسبب الرجاء الموضوع (أمامنا). لأن كل هذه الأمور الحاضرة تكون تافهة متى قورنت بالأمور المقبلة.

فآلام الزمان الحاضر لا تحسب أهلاً لأن تقارن بالرجاء بالرجاء الآتي(16). لأنه أي شيء يقارن بالملكوت؟ أو أي شيء نقارنه بالحياة الأبدية؟ وماذا يمكننا أن نقدم هنا حتى نرث هناك، لأننا نحن “ورثة الله ووارثون مع المسيح”(17).

لذلك أيها المحبوبون، لا يصح لنا أن نعط اعتبارًا للأحزان والفتيات بل نهتم بالرجاء الموضوع لنا بسبب هذا الضيق(18).

مثال

يمكننا أن نمتثل بالآب بيساكر إذ قال عنه الكتاب المقدس “رأى أن المحل حسن والأرض أنها نزهته فأحنى كتفه للحمل، “وصار للجزية عبدًا”(19).

فإذ ذاب يساكر بالحب الإلهي مثل العروس التي في سفر نشيد الأنشاد، جمع الكثير من الكتاب المقدس، لأن فكره لم ينشغل بالقديم (مجرد أرض الموعد) بل بالمواريث (لأن ما ورد في العهد القديم عن الرغبة في أرض الميعاد لم يكن إلا رمز للشوق إلى الميراث السماوي.. فيساكر هذا إذ تطلع إلى الأرض الحسنة إنما رمز لتطلع النفس إلى السماء الحسنة).

فهنا كما لو أنه قد بسط جناحيه ورأى من بعيد “الراحة” التي في السموات.

فقد كانت الأرض مملوءة جمالاً، فكم بالأكثر تكون (المدينة) السماوية؟! لأنها دائمًا جديدة ولا تشيخ!

الأرض التي هاهنا ستزول كقول الرب، أما ما يرثها القديسون (الميراث السماوي) فإنها أبدية.

والآن إذ رأي يساكر هذه الأمور، يفرح مفتخرًا بالأحزان والأتعاب حانيًا كتفيه، ولم يبالي بمن يضربونه، ولا يضطرب بالشتائم، بل كرجل قوي ينتصر بالأكثر بهذه الأمور ويزداد شوقه نحو أرضه، وهكذا فهي (الضيقات) تفيده.

لقد ألقى “الكلمة” بالبذار، وهو يهتم بالزراعة ساهرًا حتى تأتي بمائة ضعف.

لا تخف من مضايقات الأريوسيين

ماذا يعني هذا أيها ألخوة إلا أنه عندما يقوم الأعداء (الأريوسيون) ثائرين ضدنا، سنتمجد. وعندما يضطهدوننا لا نجبن، بل بالحري نطلب إكليل الدعوة العال في المسيح يسوع ربنا؟!

وعندما يشتموننا لا نضطرب، بل نقدم خدنا للضاربين ونحني ظهرنا؟!…

ليتنا إذ نعرف أننا نتألم من أجل الحق، وأن الذين يرفضون الرب (الأريوسيين) يضربوننا ويضطهدوننا، نحيبه كل فرح حينما نقع في تجارب متنوعة، عالمين أن تجربة إيماننا تنشئ صبرًا، كقول يعقوب(20).

لنفرح إذ نحفظ العيد يا أخوتي عالمين أن خلاصنا يحدث في وقت الألم. لأن مخلصنا لم يخلصنا بغير تعب، بل تألم من أجلنا مبطلاً الموت. لهذا اخبرنا قائلاً “في العالم سيكون لكم ضيق(21).

وهو لم يقل هذا لكل إنسان بل للذين يخدمونه خدمة صالحة بجهاد وإيمان، أي الذين يعيشون بالتقوى من جهته فسيضطهدون(22)


(1) رو12:1.

(2) في29:1.

(3) عب24:10.

(4) أي1:7.

(5) أر10:17.

(6) أر12:20.

(7) أي8:40،9.

(8) رو37:8.

(9) رو28:1.

(10) 2كو10:12.

(11) 1تي7:4.

(12) مز11:49.

(13) 1كو12:3.

(14) 1كو27:9.

(15) مراثي27:3-32.

(16) رو18:8، 2كو17:4.

(17) رو17:8.

(18) هذه القوال تكشف لنا عن روح الكنيسة الأولى في وسط آلامها وضيقاتها، لأنها مملوءة فرحًا وسلامًا.

(19) تك15:49.

(20) يع2:1.

(21) يو33:16.

(22) تحدث بعد ذلك باطلة عن الأشرار وثمار شرهم، ومن موعد العيد.

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
arArabic
انتقل إلى أعلى