Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
Email
☦︎
☦︎

عيد القيامة في 15 أبريل 333م

لتستنير أذهانكم بنور الرب

أخوتي….

إننا ننتقل هكذا من أعياد إلى أعياد، ونسير من صلوات إلى صلوات، ونتقدم من أصوام إلى أصوام، ونربط أيامًا مقدسة بأيام مقدسة.

لقد جاء مرة أخرى الوقت الذي يجلبنا إلى بداية جديدة، تعلن عن الفصح المبارك الذي فيه قدم الرب ذبيحة.

إننا نأكله بكونه طعام الحياة، ونتعطش إليه مبتهجة نفوسنا به كل الأزمان، كأنه يفيض بدمه الثمين.

إننا نشتاق إليه على الدوام شوقًا عظيمًا، وقد نطق مخلصنا بهذه الكلمات في حنو محبته موجهًا حديثه إلى العطشى، إذ يريد أن يروي كل عطشان إليه، قائلاً “إن عطش أحد فليأت إلي ليشرب”(1).

ولا يقف الأمر عند هذا الحد إذا جاءه أحد يروي عطشه فحسب، بل عندما يطلب إنسان يعطيه المخلص بفيض زائد مجانًا. لأن نعمة الوليمة لا يحدها زمن معين ولا ينقص عظمة بهائها، بل هي دائمًا قريبة تضيء أذهان المشتاقين إليها برغبة صادقة. لأن في هذه الوليمة فضيلة دائمة يتمتع بها ذوي العقول المستنيرة المتأملين في الكتاب المقدس نهارًا وليلاً، وذلك مثل الرجل الذي وهب نعمة كما جاء في المزامير “طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة المنافقين وفي طريق الخطاة لم يقف وفي مجلس المستهزئين لم يجلس. لكن في ناموس الرب يلهج نهارًا وليلاً”(2) لأن مثل هذا لا تضيء له الشمس أو القمر أو مجموعة الكواكب الأخرى، بل يتلألأ ببهاء الله الذي هو فوق الكل.

بركات العيد

أعزائي… إن الرب هو الذي سبق فأعد لنا أولاً هذا العيد، وهو الذي يتعطف بنا ويتحنن علينا بأن نعيد به عامًا بعد عام فقد أرسل ابنه للصليب من أجلنا، ووهبنا بهذا السبب العيد المقدس الذي يحمل في طياته كل عام شهادة بذلك، إذ يتم العيد كل عام في نفس الوقت (بنفس المناسبة).

وهذا أيضًا ينقلنا من الصليب الذي قدم للعالم إلى ذاك الذي هو موضوع أمامنا، إذ منه ينشئ لنا الله فرحًا بالخلاص المجيد، ويحضرنا إلى نفس الاجتماع، ويوحدنا في كل مكان بالروح، راسمًا لنا صلوات عامة، ونعمة عامة تحل علينا من العيد.

فإن هذا هو عجب محبته المترفقة، أنه يجمع في نفس المكان من هم على بعد، ويقرب أولئك الذين هم بعيدين بالجسد ليكونوا بروح واحد.

لنذكر بركات الله لنا

لهذا ألا نعرف يا أحبائي النعمة التي تنبع من قدوم العيد!؟

أما نرد شيئًا لذاك الذي هو محسن علينا؟!

حقًا إنه يستحيل أن نرد لله حسناته علينا، لكنه أمر شرير أن نأخذ الهبات ولا نعرفها.

والطبيعة نفسها تشهد بعجزنا، لكن إرادتنا توبخ جحودنا. لهذا فأن بولس الطوباوي عندما كان يتعجب من عظم بركات الله قال “من هو كفء لهذه الأمور”(3) لأنه قد تحرر العالم بدم المخلص، وبالموت داس الموت، ممهدًا طريق الأمجاد السماوية بغير عقبات أو حواجز لهؤلاء الذين ينمون.

لهذا عندما أدرك أحد القديسين النعمة مع عجزه عن أن يرد لله مقابلها قال “ماذا أرد للرب من أجل كثرة حسناته لي”(4).

لأنه عوض الموت تقبل حياة، وبدل العبودية نال حرية وبدل القبر وهب له ملكوت السموات.

لأنه منذ وقت قديم “تسلط الموت من آدم إلى موسى”، أما الآن فأن الصوت الإلهي قال “اليوم تكون معي في الفردوس”. وإذ يشعر الإنسان القديس بهذه النعمة يقول “لولا أن الرب كان معي، لهلكت نفسي في الهاوية”(5).

علاوة على هذا، يشعر الإنسان بعجزه عن أن يرد للرب عن إحساناته، لكنه يعرف عطايا الله كاتبًا في النهاية “كأس الخلاص أتناول وباسم الرب أدعو… عزيز في عيني الرب موت أتقيائه”(6).

أما عن الكأس، فقد قال الرب “أتستطيعان أن تشربا الكأس التي سوف أشربها أنا؟!”(7). ولما قبل التلميذان هذا، قال لهما “أما كأسي فتشربانها… وأما الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أعطيه إلا للذين أعد لهم من أبي”(8).

لهذا يلزمنا أيها الأحباء أن تكون لنا حساسية من جهة العطية، حتى وإن وجدنا عاجزين عن رد إحسانات الرب، إنما يلزمنا أن ننتهز الفرصة.

فأن كنا بالطبيعة عاجزين عن أن نرد “للكلمة” أمور تليق به، عن تلك البركات التي أغدق بها علينا فلنشكره إذ نحن محفوظون في التقوى. وكيف يمكننا أن نربط بالتقوى إلا بتعرفنا على الله الذي من أجل حبه للبشر قدم كل هذه البركات؟! (فأننا بهذا نحفظ الشريعة في طاعة لها، سالكين في الوصايا، لأنه بكوننا غير جاحدين بل شاكرين إياه لا نكون مخالفين للناموس ولا مرتكبين لأمور مكروهة، لأنه الله يحب الشاكرين).

وأيضًا عندما نقدم أنفسنا للرب مثل القديسين، عندما نصف أنفسنا بأننا لا نحيا لنفوسنا بل للرب الذي مات من أجلنا، كما فعل بولس الطوباوي عندما قال “مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا في”(9)

لنقدم له من الذي له فينا

والآن أيها الأخوة تكمن حياتنا حقيقة في نبذنا الأمور الجسدية وتمسكنا بثبات في الأمور الخاصة بمخلصنا وحدها. فالموسم الحالي لا يتطلب منا مثل هذا الكلام فحسب بل والإقتداء بأعمال القديسين.

لنقتد بهم، ذلك إن عرفنا ذاك الذي مات (عنا) فلا نعود بعد نحيا لأنفسنا بل للمسيح الساكن فينا.

وإذ نرد إلى ربنا قدر طاقتنا، إنما نرد إليه لا من عندياتنا بل بتلك الأشياء التي أخذناها منه، التي هي نعمته، فهو يسألنا عطاياه التي وهبنا إياها. وقد حمل شهادة بذلك بقوله أن الذي تعطوني إياه إنما هو عطاياي(10). لأن ما تعطوني كأنه منكم إنما قد نلتموه مني إذ هو عطية من قبل الله.

لنقدم لله كل فضيلة وقداسة صحيحة هي فيه، ولنحفظ العيد الذي له في تقوى بهذه الأمور التي قدسها لأجلنا.

لنعمل في الأعياد المقدسة…. مستخدمين نفس الوسائل التي تقودنا إلى طريق نحو الله.

ولكن ليتنا لا نكون مثل الوثنيين أو اليهود الجهلاء أو الهراطقة أو المنشقين…

فالوثنيين يظنون أن العيد يظهر بكثرة الأكل.

واليهود إذ يعيشون في الحرف والظلال يحسبون هكذا.

والمنشقون يعيدون في أماكن متفرقة بتصورات باطلة.

أما نحن يا إخوتي، فلنسمو على الوثنيين حافظين العيد بإخلاص روحي وطهارة جسدية. ولنسمو على اليهود فلا نعيد خلال حرف وظلال، بل بكوننا قد تلألأنا مستنيرين بنور الحق، ناظرين إلى شمس البر (مل 2:4). ولنسمو على المنشقين فلا نمزق ثوب المسيح بل لنأكل في بيت واحد هو الكنيسة الجامعة فصح الرب الذي بحسب وصاياه المقدسة يقودنا إلى الفضيلة موصيًا بنقاوة هذا العيد. لأن الفصح حقًا خالٍ من الشر، للتدرب على الفضيلة والانتقال من الموت إلى الحياة.

هذا ما يعلم به الرمز الذي جاء في العهد القديم. لأنهم تعبوا كثيرًا للعبور من مصر إلى أورشليم، أما الآن فنحن نخرج من الموت إلى الحياة.

هم عبروا من فرعون إلى موسى، أما نحن فإننا نقوم من الشيطان لنكون مع المخلص.

وكما أنه في مثل ذلك الوقت يحملون شهادة سنوية عن رمز الخلاص هكذا فأننا نحن نصنع ذكر خلاصنا.

نحن نصوم متأملين في الموت، لكي نكون قادرين على الحياة.

ونحن نسهر ليس كحزانى، بل منتظرين الرب، متى جاء من العرس حتى نعيش مع بعضنا البعض في نصرة، مسرعين في إعلان النصرة على الموت.

كيف نعيد؟

ليتنا يا أحبائي، نحكم أنفسنا –كما تتطلب الكلمة- في كل الأوقات ونحكم أنفسنا حكمًا تامًا، وهكذا نعيش دون أن ننسى قط أعمال الله العظيمة، ولا ننفصل قط عن ممارسة الفضيلة!

وكما ينذرنا الصوت الرسولي قائلاً “أذكر يسوع المسيح المقام من الأموات”(11)، دون أن يشار إلى زمن محدود بل أن يكون ذلك في فكرنا في كل الأوقات.

ولكن لأجل كسل الكثيرين نحن نؤجل من يوم إلى يوم، فلنبدأ إذًا من هذه الأيام!

لقد سمح بوقت التذكر (بقيامة المسيح) لأجل هذا الهدف حتى يظهر للقديسين جزاء دعوتهم، وينذر المهملين موبخًا إياهم.

لهذا فإنه ليتنا في كل الأيام الباقية نكون محفوظين في سلوك صالح، ويكون عملنا التوبة عن كل ما نهمل فيه، لأنه لا يوجد إنسان قط معصوم من الخطأ، ولو كانت حياته يومًا واحدًا على الأرض، كما يشهد بذلك أيوب الرجل البار.

وإذ نمتد إلى ما هو قدام(12)، ليتنا نصلي ألا نتناول الفصح بغير استحقاق حتى لا نكون في خطر.

لأن الذين يحفظون العيد في نقاوة يكون الفصح طعامهم السماوي، أما الذين ينتهكون العيد بالدنس والاستهتار، فأنه بالنسبة لهم يكون موبخًا وخطيرًا. فأنه مكتوب بأن من يأكله أو يشربه بدون استحقاق يكون مجرمًا في جسد (موت) الرب(13).

لذلك ليتنا لا نقف عند مجرد تنفيذ الطقوس الخاصة بالعيد، بل نستعد للاقتراب للحمل الإلهي ونلمس الطعام السماوي.

لننقي أيدينا ونطهر الجسد.

لنحفظ فكرنا كله من الدنس، فلا نسلم أنفسنا للكبرياء والشهوات، بل ننشغل دومًا بربنا وبالتعاليم الإلهية، حتى نكون بالكلية طاهرين نستطيع أن نكون شركاء مع الكلمة(14).

موعد العيد

أننا نبدأ العيد المقدس في الرابع عشر من برمودة (9 أبريل) في (أول) عشية الأسبوع، وينتهي في التاسع عشر من نفس شهر برمودة (14 أبريل) ويكون اليوم الأول من الأسبوع المبارك هو 20 من نفس شهر برمودة (15 أبريل) الذي نضيف إليه السبعة أسابيع التي للبنديكستي؛ وذلك بصلوات، وبمحبة الأقرباء(15)، ومحبتنا لبعضنا البعض، وأن نكون في سلام مع الكل.

أننا بهذا نكون ورثة ملكوت السموات، خلال ربنا يسوع المسيح، الذي له مع الآب كل مجد وسلطان إلى أبد الآبدين. آمين.

يسلم عليكم كل الأخوة الذين معي.

قبلوا بعضكم بقبلة مقدسة.


(1) يو37:7.

(2) مز1:1،2.

(3) 2كو17:2

(4) مز12:116.

(5) راجع رو14:5، لو43:23، 17:94.

(6) مز13:116، 15.

(7) مت22:20.

(8) مت23:20.

(9) غلا20:2.

(10) راجع عد2:28

(11) 2تي8:2.

(12) في13:3.

(13) راجع 1كو27:11.

(14) راجع 2بط4:1.

(15) القريب هنا يعني كل إنسان.

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
انتقل إلى أعلى