يوحنا كاسيانوس القديس البار

القديس البار يوحنا كاسيانوس

القديس البار يوحنا كاسيانوسهو مَن شاءه الرب الإله وسيطاً لزرع الرهبانية المشرقية في الغرب. وُلد في سكيثيا في ناحية مصب نهر الدانوب،  ما يعرف اليوم بمنطقة دوبروتشكا في رومانيا، من عائلة   تقيّة   مميزة. بعد أن تابع بنجاح درس علوم عصره، توجه الى الأراضي المقدسة بصحبة صديقه جرمانوس.

انضما الى أحد أديرة بيت لحم حيث سلكا، زمناً، في أساسيات حياة الشركة. ثم قررا التوجه الى براري مصر ليكونا قرب النسّاك من أجل المنفعة والبركة ولاستطلاع أقوالهم في أصول الحياة الروحية. استقرّا في مصر سبع سنوات تنقلا خلالها من مكان الى مكان حتى بلغا برية الاسقيط التي انشأها، رهبانيا، القديس مكاريوس. هناك نسَك آباء كبار كالأنبا موسى وسرابيون  وبفنوتيوس الكاهن. هذا الأخير نفعهما كثيراً لما قال لهما انه لا يكفي الراهب أن يزهد في العالم ماديا ويتخلّى عن مقتنياته ليُقبل على النسك والصمت، بل عليه أيضاً أن يتخلّى عن عاداته السالفة وأهوائه. هدف الراهب أن يدخل في عشرة الله بالصلاة المستمرة التي يرفعها الذهن المٌعتَق من هموم العالم بسكينة وسلام في الهيكل المنقّى للقلب.

وهكذا بعدما تربّى الصديقان على نشدان ذروة الحياة الرهبانية وعاينا أمثلة حيّة، عكفا على اتباع النماذج التي عايناها، قدر طاقتهما. لكنهما لم يتمكنا من العيش بهدوء بسبب حملة اضطهاد ضد الرهبان،التي شنّها أسقف الإسكندرية ثيوفيلوس، الأمر الذي أحدث اضطرابا كبيراً حتى ان مجموعات من الرهبان فرّوا من براري مصر. اما كاسيانوس وجرمانوس فالتحقا بخمسين من الرهبان لجأوا الى القسطنطينية، الى كنف القديس يوحنا الذهبي الفم . كان ذلك حوالي العام 401م.  فأقنع الذهبي الفم جرمانوس بقبول الكهنوت من يده وسام كاسيانوس شماسا. بهاء قداسة الذهبي الفم وسموّ نطقه خَلَبا لبّ كاسيانوس فجعل نفسه في ذمته قانعاً بالتضحية بسكون البرية للإنتفاع من معلّم كهذا المعلّم. لكن ما ان انقضى زمن قليل حتى وقع الذهبي الفم ضحية مؤامرات ثيوفيلوس الاسكندري، فجرى نَفيَه، فيما سافر كاسيانوس وجرمانوس الى رومية بصحبة بلاديوس الأسقف، تلميذ الذهبي الفم، لينقلوا الى البابا اينوكنديوس الأول رسالة من الشعب المؤمن والكهنة لدعم الذهبي الفم الذي جرت الإطاحة به ظلماً.(راجع سيرة القديس يوحنا الذهبي الفم).

القديس البار يوحنا كاسيانوسأمضى القديس كاسيانوس في رومية عشر سنوات اقتبل خلالها الدرجة الكهنوتية، ثم انتقل الى مرسيليا في بلاد الغال (فرنسا) حيث أنشأ للرجال دير القديس فكتور، عند ضريح شهيد من القرن الثالث، كما أنشأ دير المخلّص للنساء. جعل كاسيانوس التعليم الرهباني موافقاً لشروط العيش في بلاد الغال، للأحوال الشخصية وطبيعة السكان. وضع، بناء لطلب الأسقف كاستور، مؤلفاً بعنوان “المؤسسات الشِركوية” لفائدة الأديرة في منطقة البروفنس. أكمل تعليمه بكتاب آخر أسماه “اللقاءات” عرض فيه مراحل الجهاد من أجل نقاوة القلب والتأمل.

حافظ القديس كاسيانوس على الأمانة للآباء الشرقيين، لا سيما الذهبي الفم والآباء الكبادوكيين. وقد وقف في وجه أغسطينوس المغبوط الذي بالغ في الفصل بين الطبيعة البشرية والنعمة الإلهية بقصد محاربة الهرطقة البيلاجية. فرغم ان كل عَطية صالحة وكل نعمة نازلة، في نهاية المطاف، من الله الذي هو “أب الأنوار”، فإن الحرية البشرية المخلوقة على صورة حرية الله المطلقة، والمتجددة بالمعمودية، مدعوة لأن تستجيب وتتعاون والنعمة الإلهية لكي تنشئ في النفس الثمار الخلاصية للفضائل حتى يمكننا القول مع الذهبي الفم ان “عمل الله هو إعطاء النعمة وعمل الانسان هو تقريب الإيمان”. أثار هذا التعليم، لدى المتطرفين من أتباع اغسطينوس المغبوط، رد فعل عنيف فاتهموا كاسيانوس بالهرطقة نصف البيلاجية. لكنه لزم الصمت ولم يسعَ الى تبرير نفسه. رقد بسلام في الرب سنة 435م. اعتَبَرَه معاصروه قديسا وأكرمه الرهبان الغربيون، مذ ذاك، أباً لهم وأحد كبار معلميهم. رفاته موضوعة الى يومنا في دير القديس فكتور في مرسيليا.

من أقوال القديس يوحنا كاسيانوس:

يجب أن تكون لدينا الحميّةُ في حِفظ مجموعة الأسفار المقدّسة، وأن نستعيدها في ذاكرتنا بلا انقطاع. إذْ فيما يكون الانتباه منشغِلاً بالقراءة والدرس، لا يعود للأفكار السيّئة سبيلٌ من بعدُ إلى أسْر النفْس في شباكها. ولكن، إن كنتم تبتغون التوصّل إلى معرفةٍ حقيقيّةٍ للكتب [المقدّسة]، فعجّلوا أوّلاً إلى اكتساب تواضع قلبٍ راسخ. فهو الذي يقودكم، لا إلى العِلم الذي يَنفخ (أنظر1كو8: 1)، بل إلى العِلم الذي يُنير بإتمام المحّبة؛ إذْ يستحيل على النفس غير المطهَّرة أن تفوز بهبة العِلم الروحي… واحترزوا بأبلغ الاهتمام شأناً من أن تصير حمّيتُكم للمطالعة سببَ هلاك بادّعائات باطلة.

تعيّد له الكنيسة في 29 شباط (يُنقَل العيد إلى 28 منه في السنوات التي ليست كبيسة) 

بشفاعته أيها الرب يسوع المسيح ارحمنا

طروبارية باللحن الخامس
أيها الأبُ البار، إذ قد فَلحتَ بِمِحراثِ النُّسكِ، عاملاً كمدبرٍ أَمِيْنٍ، علَّمتَنا سُبُلَ الفضائلِ الإلهية، وإذ قد جاهدتَ بِحُسنِ عبادةٍ، يا كاسيانوسُ المتوشحُ بالله، أضْحَيْتَ معلماً حصيفاً. فَتَشَفَّعْ إلى المخلص أن يَرحمَ نفوسَنا.

انتقل إلى أعلى