05: 1-15 – شفاء مُخلّع بركة بيت حسدا في يوم السبت

1 وَبَعْدَ هذَا كَانَ عِيدٌ لِلْيَهُودِ، فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ. 2 وَفِي أُورُشَلِيمَ عِنْدَ بَابِ الضَّأْنِ بِرْكَةٌ يُقَالُ لَهَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ «بَيْتُ حِسْدَا» لَهَا خَمْسَةُ أَرْوِقَةٍ. 3 فِي هذِهِ كَانَ مُضْطَجِعاً جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنْ مَرْضَى وَعُمْيٍ وَعُرْجٍ وَعُسْمٍ، يَتَوَقَّعُونَ تَحْرِيكَ الْمَاءِ. 4 لأَنَّ مَلاَكاً كَانَ يَنْزِلُ أَحْيَاناً فِي الْبِرْكَةِ وَيُحَرِّكُ الْمَاءَ. فَمَنْ نَزَلَ أَوَّلاً بَعْدَ تَحْرِيكِ الْمَاءِ كَانَ يَبْرَأُ مِنْ أَيِّ مَرَضٍ اعْتَرَاهُ. 5 وَكَانَ هُنَاكَ إِنْسَانٌ بِهِ مَرَضٌ مُنْذُ ثَمَانٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً. 6 هذَا رَآهُ يَسُوعُ مُضْطَجِعاً، وَعَلِمَ أَنَّ لَهُ زَمَاناً كَثِيراً، فَقَالَ لَهُ: «أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟» 7 أَجَابَهُ الْمَرِيضُ:«يَا سَيِّدُ، لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ يُلْقِينِي فِي الْبِرْكَةِ مَتَى تَحَرَّكَ الْمَاءُ. بَلْ بَيْنَمَا أَنَا آتٍ، يَنْزِلُ قُدَّامِي آخَرُ». 8 قَالَ لَهُ يَسُوعُ:«قُمِ. احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ». 9 فَحَالاً بَرِئَ الإِنْسَانُ وَحَمَلَ سَرِيرَهُ وَمَشَى. وَكَانَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ سَبْتٌ.
10 فَقَالَ إليهودُ لِلَّذِي شُفِيَ:«إِنَّهُ سَبْتٌ! لاَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَحْمِلَ سَرِيرَكَ». 11 أَجَابَهُمْ:«إِنَّ الَّذِي أَبْرَأَنِي هُوَ قَالَ لِي: احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ». 12 فَسَأَلُوهُ:«مَنْ هُوَ الإِنْسَانُ الَّذِي قَالَ لَكَ: احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ؟». 13 أَمَّا الَّذِي شُفِيَ فَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مَنْ هُوَ، لأَنَّ يَسُوعَ اعْتَزَلَ، إِذْ كَانَ فِي الْمَوْضِعِ جَمْعٌ. 14 بَعْدَ ذلِكَ وَجَدَهُ يَسُوعُ فِي الْهَيْكَلِ وَقَالَ لَهُ:«هَا أَنْتَ قَدْ بَرِئْتَ، فَلاَ تُخْطِئْ أَيْضاً، لِئَلاَّ يَكُونَ لَكَ أَشَرُّ». 15 فَمَضَى الإِنْسَانُ وَأَخْبَرَ إليهودَ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الَّذِي أَبْرَأَهُ.

 

الشرح:

خبر شفاء المخلّع، الذي نتلوه في الأحد الثالث بعد الفصح، لهو، بامتياز، خبر الفصح بانعكاسه علينا. فاختيار الكنيسة النصوصَ الإنجيليّة، في الفترة الفصحيّة، إنّما هدفه أن تبيّن لنا مفاعيل قيامة الربّ فينا، أي قيامنا من كلّ خلع وموت (أنظر رسالة اليوم: أعمال الرسل 6: 1- 7).

 لن نتبسّط، هنا، في مواضيع إنجيل آحاد الفصح، بل سنحصر أنفسنا بما يحمله إلينا خبر شفاء المخلّع. وأوّل ما يجب تأكيده أنّ هذا الخبر، الذي قد يكون ظاهره بسيطًا، صعوبته أنّه ينقل إلينا ما جرى من دون أن يتوسّع في تفاصيل يترك لنا أن نكتشفها بين كلمات الخبر وسطوره.

 تدور حادثة شفاء المخلّع قرب بركة يجتمع حولها مرضى كثيرون ينتظرون ملاكًا “كان ينزل أحيانًا في البركة، ويحرّك الماء، والذي ينزل، أوّلاً، بعد تحريك الماء، كان يبرأ من أيّ مرض اعتراه”. فإلى هناك، جاء يسوع. واختار، من جملة المرضى، مخلّعًا (أو مفلوجًا). وبعد أن علم أنّ له زمانًا طويلاً في مكانه، طرح عليه سؤاله المثير: “أتريد أن تبرأ؟”. فردّ عليه الرجل، وأخبره عن طول انتظاره، وأن “ليس له إنسان، متى حُرّك الماء، يلقيه في البركة”. لنتوسّع قليلاً. رجل قرب بركة. وبالضرورة، عيناه إلى مياهها التي يعتقد أنّ تحرّكها يشفي. يأتيه شخص غريب، ويطرح عليه سؤالاً، ويجيبه.

هذا المشهد، بحدّ ذاته، يفترض أنّ الرجل، لكونه ردّ على محدّثه، قد أهمل النظر إلى البركة. هل تركها لشعوره بأنّ نيّة محدّثه أن يرميه فيها؟ هل استجداه بردّه، ليفعل؟ النصّ لا يقول شيئًا من ذلك. فقط، يردّد ما قاله الرجل من دون أيّ تعليق. وهذا يجعلنا نعتقد أنّ ثمّة أمرًا جديرًا بالاهتمام حرّكه، ليردّ على محدّثه. المعنى العامّ أنّ من أثاره هو شخص يسوع. ولكنّ النصّ سيخبرنا، لاحقًا، أنّ الرجل لم يعرف الربّ إلاّ في النهاية. وهذا يجعلنا نعتقد أنّ ما أثار المخلّع هو أنّ شخصًا اقترب منه، وحدّثه. هكذا ببساطة. أجل، النصّ لا يقول ذلك أيضًا. ولكن، لِمَ لا؟ قد نحسب أنّ هذا أمر بسيط، ولذلك نستبعده. ولكن، أليس ما نستبعده، ولا سيّما في النصوص الإنجيليّة، هو أوّل ما يجب أن نتوقّف عنده؟ لا أحد يترك بركة تسمّر قربها نحو أربعين سنة، لو لم يُثَر. القارئ يعرف أنّ الشخص، الذي أثاره بكلامه، هو يسوع. ولكنّ رجل الإنجيل لمّا يعرف. وهذا ما يجب أن نتوقّف عنده، ونرى أين نحن منه. في العادة، لا يعنينا، كثيرًا، أن نقارب مريضًا. قد نصلّي له، ليشفى. وهذا مهمّ. ولكنّنا قلّما نفكّر في تخصيصه بزيارة وحديث ودود! الدنيا تعجّ بمرضى مهملين يتأفّف ذووهم منهم، أو يرمونهم، شيوخًا، في بيوت للراحة من دون أن يعودوا يسألون عنهم! هنا، الربّ يلفتنا إلى أنّ المريض قد يحتاج إلى رفيق أكثر من أيّ شيء آخر. قد يطلب كتفًا يرمي عليها همومه. وقد يحسب، في كثير من الأحيان، أنّ هذا شفاؤه! لا، لم يكن الرجل يريد من الربّ أن يرميه في البركة. فهو لا بدّ من أنّه عرف أنّ هذه البركة قد تكون شفت كثيرين غيره. ولكنّ أحدًا من هؤلاء لم يدفعه شفاؤه إلى أن يلتفت إلى من كان في وضعه. ما أحسبُهُ أنّ الرجل قَبِلَ أن يردّ على سؤال يسوع، لشعوره بأنّه مهمل إهمالاً كلّيًّا. هل هذا يعني أنّ الرجل، هكذا فجأة، خطر بباله أنّ هذه البركة، وإن كانت تشفي، لا تعيد للإنسان إنسانيّته؟ هل أنّه أحسّ أنّ مَنْ يكلّمه ليس كسائر الناس؟ لا شيء في النصّ يقول ذلك. لكن أيضًا: لِمَ لا! فهذا كلّه يبيّن أنّ الربّ هو، وحده، محور الخبر (أي البركة الحقيقية والشخص المنقذ). يبقى أنّ هذا الجزء من التلاوة ينتهي لصالح الرجل الذي شفاه الربّ بكلمة، أي بقوله له: “قم، احمل سريرك، وامش”.

بعد هذا، حدث أمران. أوّلهما حوار المخلّع مع اليهود في السبت. وثانيهما لقاء يسوع به ثانيةً في الهيكل. لن نتوقّف، هنا، على موضوع السبت. فما يعنينا أنّ الرجل أجاب المعترضين على حمله سريره في يوم ٍٍ تقدّسه الشريعة القديمة: “أنّ الذي أبرأني هو قال لي: احمل سريرك، وامشِ”. ويبيّن تعليق الإنجيليّ على الذين طالبوا الرجل بمعرفة هويّة مبرئه، “أمّا الذي شُفي، فلم يكن يعلم من هو”. هنا، النصّ يقودنا إلى أمر آخر. فالرجل، الذي ترك البركة، وجد نفسه شاهدًا على ما حدث معه. وأمام مَنْ؟ أمام شعبه وأهل دينه الذين يحاسبونه على تجاوز الشريعة! البركة تنتقل. البركة، هذه المرّة، هي شريعته القديمة. فتخلّى عنها أيضًا. من الجرأة أن تتخلّى عن نفسك، عن تقاليد مجتمعك، عن أهلك متى أريد لك أن تبتعد عن الحقّ. إنّها مرارة أن تعود وحيدًا، مهملاً. الرجل لا يعرف مَنْ شفاه. فينحاز إلى من لم يعرفه. يختار أن يبقى مخلصًا لمن حدّثه، وشفاه. ليست الشهادة غير هذا. إنّها أن تتعلّق بكلمة مَنْ قد تكون أنت المؤمن الوحيد بوجوده في محيطك، أو في الدنيا كلّها. الشهادة هي أن تقول خبرتك في عالم لا يخطّئك فحسب، بل قد يرفضك وإلهك أيضًا.

ثمّ تؤكّد التلاوة أنّ الربّ، “بعد ذلك، وجده في الهيكل”، وأوصاه بألاّ يخطئ. هنا، جملة “وجده”، التي هي محور النصّ، إنّما تعني أنّ الربّ هو، وحده، دنيا المهمَلين. فشأن المرء لا أن يرتضي الشفاء فحسب، بل أن يؤمن بأنّ الربّ وجده. هذه هي حقيقة الوجود التي لا يوازيها أمر في الوجود. فخرج الرجل إلى اليهود، “وأخبرهم أنّ يسوع هو الذي أبرأه”. كيف عرفه؟ الإنجيليّ لا يقول سوى أنّ الربّ وجده، وقال له ما قال. هل هذه إشارة ضمنيّة إلى أنّ الربّ قائم في ما قاله؟ ليس من تفسير آخر. فأمانة الشاهد الدائمة، التي تجعله يحافظ على شفائه وتبعده عن الخطيئة، تفترض حفظ كلمة الله والإخلاص لشخص الكلمة، أو لاسمه. خرج إليهم، ليقول إنّ يسوع هو الذي أبرأه. يسوع هو، وحده، موضوع الشهادة، واسمه كافٍ لتبيان صدقها.

لقد قال مفسّرون كثيرون إنّ هذا المخلّع هو كلّ واحد منّا. وهذا، في الواقع، هو عصب نصّ خدمة العيد. فكيف نتذكّر، أنّ الربّ القائم يريدنا قائمين؟ كيف نؤمن بقدرته؟ كيف نريده؟ كيف نحدّث جميع المرضى الذين يعرفون أنّهم بحاجة إليه، أو لا يعرفون؟ كيف نشهد له في عالم معترض؟ كيف نُخْلص لكلمته؟ وكيف يهمّنا أن يظهر هو، اسمُهُ، في كلّ ما نقول ونفعل؟ أسئلة، إن اقتدنا بهذا النصّ الإنجيليّ لنجيب عنها، قادرة على أن تعلّمنا كيف نبقى أحياء بإله حيّ يطلبنا دائمًا، لننوجد.

في بداية الآية الأولى من هذا المقطع الإنجيلي يُذكر أن يسوع صعد إلى أورشليم، وكان عيد، وقد أُسقط هذا الجزء من الآية في الفصل الإنجيلي. والأرجح أن هذا العيد هو العنصرة، وهو ذكرى إعطاء الناموس في سيناء. ولم يذكر يوحنا اسم العيد لكي يضع في الواجهة يوم السبت الذي فيه تمّ شفاء المخلع، وهذا ما يعترض عليه اليهود لاحقاً.

“وإن في أورشليم عند باب الغنم بركة تسمى بالعبرانية بيت حسدا لها خمسة أروقة”: يمكن أن تكون الأروقة الخمسة رمزاً للكتب الموسوية الخمسة، كتب الشريعة، وإعطاء الناموس على جبل سيناء. يعزّز هذا التفسير ذكر موسى والكتابات في يوحنا 5: 41-47. والمعنى في هذا الرمز هو أن الشريعة في الكتب الموسوية الخمسة لا تستطيع أن تعطي الحياة وأن على إسرائيل انتظار شيء أفضل. في يوحنا 5: 41-47 أن يسوع في الكتب الخمسة الأولى من العهد القديم يشير إلى يسوع كمعطٍ للحياة. إذا صح هذا يصبح شفاء الأعمى عند بركة بيت حسدا، على ضوء الحديث الذي يلي هذا المقطع الإنجيلي، رمزاً لعطية الحياة الأبدية في يسوع.

وكان العلماء الآثاريّون إلى فترة قريبة يشكّكون بصحّة الأمكنة الوارد ذكرها في إنجيل يوحنّا، وتالياً بصحّة إنجيل يوحنّا، متذرّعين بعدم وجود أثر لبركة بيت حسدا ذات “الأروقة الخمسة”، إلى أن تمّ اكتشافها حديثاً إلى الشمال من الهيكل، على بعد ثلاثين متراً من كنيسة القدّيسة حنّة، وبالقرب من باب القدس المعروف ب”باب ستّي مريم”. وكان الاعتقاد السائد آنذاك أنّ هذه البركة كانت تمنح الشفاء لمَن ينزل فيها أوّلاً عند تحريك الماء.

 يذكر النص أن تحريك الماء من قبل الملاك كان يأتي بالشفاء، والأرجح أن الكاتب يريد أن يؤكد أن الشفاء هو فعليا من قبل الله الذي يرسل الملاك الذي يؤدي مهمته في تنفيذ كلمة الله. ها الرب يسوع يأمر بالشفاء مباشرة دون وساطة ملاك، وهذا يُظهر أن الله العامل من خلال الماء قد حضر ليعمل بكلمته مباشرة.

تجمهر المرضى حول الماء طالبين الشفاء. أما الرب يسوع فأتى بماء الحياة الأبدية “الذي يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية” (يوحنا 4: 14-15). إذاً يحمل الرب يسوع على الدوام الماء الشافي الذي يعطي نتيجة فورية ونهائية. أما مياه أورشليم فهي عاجزة ما لم ينغمس الله فيها شاحناً إياها بفعالية الشفاء.

“إنسان به مرض منذ ثمان وثلاثين سنة”. ذكر المدة هو للتأكيد أن المرض قد استفحل وان الشفاء قد أصبح مستحيلاً. “أتريد أن تبرأ؟” كأني بالرب يسوع يمتحن رجاءه، فجواب المخلع يُظهر الإحباط الذي أصابه، فهو وإن سعى إلى الشفاء لن يناله لأن نعمة الشفاء لم تكن متوفرة لكل المرضى المجتمعين هناك بل لمن يُرمي أولا في البركة. الشفاء الفوري وبلا واسطة حل بمجيء الرب يسوع لذلك قال للمخلّع “قم احمل سريرك وامش”. يأتيك الرب يسوع في عمق الإحباط وينتشلك مقيما إياك كما من موت لتعتلن فيك الحياة كما اعتلنت في المخلع إذ حمل سريره ومشى أمام الجميع.

حفظ السبت مرتبط براحة الله في اليوم السابع أي بعد تمام الخلق. غالى اليهود بحفظه، وقد أتى في كتاب المشنا (أي كتاب تفسير الأسفار المقدسة) إن حمل السرير محرم يوم السبت. لكن رب السبت (مرقس 2:82) هو مَن أمر المخلع بأن يحمل السرير. أمر يسوع بالشفاء فتم الأمر، أما شريعة السبت فعجزت، لذلك أجاب المخلع سائليه قائلا إنني بهذا العمل أمتثل لأمر الذي شفاني وما من شريعة تعيق تنفيذ هذا الأمر.

كان اليهود يعتقدون بأنّ استراحة الله بعد الخلق كانت تقتصر على عمله الخالق فقط، الذي انتهى في اليوم السابع: “وبارك الله اليوم السابع وقدّسه، لأنّه فيه استراح من كلّ عمله الذي عمله خالقاً” (تكوين 2، 3). ولكنّهم كانوا يؤمنون أيضاً بأنّ الله ما زال يعمل في كلّ زمان في إدارة الكون الذي خلقه وفي الحكم عليه. فالله لا يتوقف عن العمل إطلاقاً، حتّى ولا يوم السبت. من هنا نعي سبب غضب اليهود على يسوع حين قال إنّ الله ما يزال يعمل، وهو يعمل أيضاً. فهو ينسب إلى نفسه صفات إلهية، وما يبدو لدى اليهود كفراً ليس سوى الحقيقة الباهرة. ذلك أنّ يسوع هو ابن الله الذي أولاه الآب كلّ شيء، وبخاصّة أنّه هو الديّان الذي سيدين العالم، فيقول: “فكما أنّ الآب يقيم الموتى ويحييهم، فكذلك الابن يحيي مَن يشاء. لأنّ الآب لا يدين أحداً، بل جعل الحكم كله للابن” (يوحنّا 5، 21-22).

 “فسألوه: من هو الإنسان الذي قال لك احمل سريرك وامشِ؟”. لا يسأل اليهود مَن هو الإنسان الذي شفاك، بل من قال لك أن تحمل سريرك. لا يأبهون للشفاء بل لكسر السبت. يريدون أن يعرفوا من دعا إلى العمل يوم السبت. قالوا للمخلع: “انه سبت فلا يحلّ لك أن تحمل السرير”.

“فذهب ذلك الإنسان وأخبر اليهود أن يسوع هو الذي أبرأه”: كان اليهود، كما سبق القول، سألوا الرجل من الذي أمره بأن يحمل سريره مشددين على عدم احترام السبت. يجيب المخلع على سؤالهم ولكنه يغيّر صوغه، فلم يقل إن يسوع هو الذي أمره بحمل سريره، بل قال إن يسوع هو الذي شفاه. وفي ذلك تشديد على الجانب الخلاصي في عمل يسوع، وعلى أن هذا الخلاص غير مرتبط بالسبت، أي بالناموس، على الإطلاق.

“ها قد عوفيت فلا تعد تخطئ لئلا يصيبك أشر”. لا يريد الرب يسوع ان يؤكد ان هناك صلة بين الخطيئة والمرض وان المرض هو جزاء مباشر للخطيئة (يوحنا 9: 3 و11: 4).يفترض هذا التصريح أن يسوع لم يشفِ المخلع من مرضه الجسدي فحسب بل غفر خطاياه أيضاً. يرمز هذا إلى أن يسوع يعطي الحياة الجديدة للذين ينتظرونه دون الناموس ويغفر لهم خطاياهم. إذ أنّ النعمة التي نالها مخلّع البركة وقد جدّدت جسده إنّما تدعوه إلى الاهتداء بكلّيّته إلى الله. وإذا تجاهل ذلك يصاب بأكثر من علّته السابقة، إذ يعرّض نفسه للموت الروحيّ. فيسوع يطلب أوّلاً توبة الإنسان، السليم الجسم والمعوّق معاً، فالملكوت مفتوح للاثنين، ولا فرق بينهما إلاّ بمقدار ما يتميّزان به من طهارة القلب وسعي إلى القداسة. من هنا، رأى بعض التقليد المسيحيّ في هذه المعجزة رمزاً لسرّ المعموديّة. وثمّة أكثر من شهادة تفيد أنّ سر المعموديّة كان يُمنح، أثناء العصور الأولى، في بركة بيت حسدا، تذكاراً لعمل يسوع.

أراد الرب يسوع أن يُظهر للمخلع انه يواجه مرحلة جديدة، فقد أتم الله له ما يعجز هو عن إتمامه أي الشفاء الخارجي، ودوره الآن هو ان يسلك حياة الاستقامة والبر والقداسة، وهذا يتحقق بقرار داخلي منه، ولا يعجز عن اتخاذه إذا وضع رجاءه على الله، لكن إن عجز فقد نال منه الإحباط إلى النهاية وسيصاب بأشر إذ يفقد الحياة الأبدية.

يعلّق القدّيس أفرام السريانيّ على قول يسوع: “أبي ما يزال يعمل وأنا أعمل أيضاً” فيقول: “لا تتلقّى الملائكة الأمر بالتوقّف عن العمل أيّام السبت، ولا السموات عن إنزال الندى والمطر، ولا الكواكب عن متابعة مسارها، ولا المزروعات عن إنضاج الثمار، ولا البشر عن التنفّس والتناسل. بل على العكس، فالنساء تلد أيّام السبت، وليس ثمّة وصيّة تحظر عليها ذلك. كما تعطّل ختانة الأولاد في اليوم الثامن شريعة السبت… فإذا كان لدى المخلوقات كلّها هذه الحرّيّة، فكم بالحريّ لخالقها؟ وهكذا ابن الإنسان هو ربّ السبت”. أمّا القدّيس سمعان اللاهوتيّ الحديث فيحثّ المؤمنين أيضاً، انطلاقاً من هذه الآية، على العمل الدائم من أجل الحصول على الحياة الأبديّة فيقول: “ينبغي لنا أن نعمل، نحن أيضاً، ليس فقط من أجل الطعام البائد، بل من أجل الطعام الممتدّ إلى حياة أبديّة”.

 

نقلاً عن نشرة رعيتي بتصرف
الأحد 22 أيار 1994 / العدد 21
الأحد 14 أيار 2006 / العدد 20
الأحد 29 نيسان 2007 / العدد 17

arArabic
انتقل إلى أعلى